بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/02/27

حوار مع الشاعر المنذر العيادي


بعد أن فاز بجائزة الاستحقاق في الشعر بلبنان وجائزة العمل المتكامل في مهرجان الاغنية الوطنية الشاعر التونسي المنذر العيادي :
أغنية «في لحظة غضب» ستُغنّى في دمشق بعد ان رفضها مهرجان الموسيقى التونسية!!!

ينسج الشاعر بيته من المجاز والصدق ويسقي أحلامه بألحان أيامه فيطوّع الأوتار والأسى ويرصف الذكريات والأحبّة ويشحذ قلبه بعبق من ماتوا وما يموتوا ليشيّد عالمه الشعري قصيدة قصيدة وصورة صورة... هكذا بدا لي الشاعر المنذر العيادي في عالمه الزاخر بالقصائد الشعرية والنصوص المغنّاة وبالحوارات المرجعية... عالم المنذر العيادي الذي يتدحرج من حجر الشهباء مثل حبة الكهرمان ليشعّ على تفاصيل أيامه ويضبط خطواته التي بدأت تتماسك بعد ثماني سنوات...
ضمن هذا الحوار يكشف لنا المنذر العيادي علاقته بالشهباء وبلبنان ودمشق وبمهرجان الاغنية التونسية ودروب النشر وعن الراحل البشير التلمودي...
* عشت مؤخرا حدثا دوليا وهو فوزك بجائزة الاستحقاق في الشعر عن مؤسسة ناجي نعمان الادبية بلبنان، فكيف تقبلت هذه الجائزة؟
ـ جائزة ناجي نعمان الادبية هي جائزة جاءت لتتويجي عن خلاصة عدة اعمال نشرتها منذ اكثر من ثماني سنوات في المجلات والصحف والدوريات الوطنية والدولية حيث كانت بداياتي من خلال الملحق الثقافي بجريدة الحرية الذي قدمني اليه الاديب الراحل البشير التلمودي والشاعر عبد السلام لصيلع حيث بدأت أنشر قصائدي ثم أشعت الدائرة في مساحات وفضاءات تونسية وعربية، ومعها أشعت الطموحات فكانت مشاركتي في جوائز ناجي نعمان الادبية وكانت غايتي الاساسية التعريف بأعمالي بدرجة أولى على نطاق أوسع، وبتوفيق من الله تحصلت على جائزة الاستحقاق بقصيدة «ومازال الحنين ينزف».هذه الجائزة تحفّزني للعمل اكثر ومزيد تسلق سماء الابداع الشعري وتحملني مسؤولية اكبر في التطرق لموضوعات شعرية تشد القارئ وتعالج قضايانا وأحاسيسنا وهي في النهاية تترجم ان التونسي قادر على التألق محليا ودوليا كلما سنحت له الفرصة لذلك، وجائزة ناجي نعمان مفتوحة للابداعات الادبية كافة من شعر وقصة ودراسات نقدية، وأرجو ان تتناسل الاسماء التونسية في نيل هذه الجائزة وغيرها.
* وقبلها وتحديدا منذ اشهر نلت جائزة احسن عمل متكامل في الاغنية الوطنية؟
ـ كان ذلك في نوفمبر 2007 بقصر القبة بالمنزه عن أغنية «ما بنّك يا تونس ما بنك» وهي من كلماتي ومن ألحان الموسيقي والملحن ياسين الزنايقي ومن أداء المطرب الأصيل نور الدين بن عائشة، وهذه الجائزة هي الاخرى مهمة لأنها تتويج للنفس الآخر من كتاباتي الشعرية وهو الشعر العامي، حيث كتبت العديد من النصوص الشعرية نشرت بمجلة الاذاعة والتلفزة التونسية ومن الصدف الحميدة ان اول حضور لي يتوج بجائزة اعتبرها مهمة في مناسبة مهمة، وهو ما فتح لي الباب لأعمال اخرى مع الملحن ياسين الزنايقي والمطرب نور الدين بن عائشة، وقد تمت دعوتي أنا ونور الدين لكي نشارك في تظاهرة ثقافية بدمشق باعتبارها عاصمة ثقافية لسنة 2008.
* أليست لديك مشاركة ضمن الدورة 19 لمهرجان الاغنية التونسية؟
ـ بالفعل كنت أتمنى ان أكون حاضرا ضمن هذه الدورة وقد تقدمت بمعية المطرب نور الدين بن عائشة بمشروع أغنية «في لحظة غضب» ولكن لجنة الانتقاء كان لها رأى آخر، وبالمقابل أختيرت هذه الاغنية لتكون حاضرة في دمشق.
* لماذا لم تصدر الى الآن باكورة كتاباتك الشعرية؟
ـ مبدئي في الحياة هو في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، الآن وبعد ان تأكدت من قيمة نصوصي الشعرية وجدارتها بالنشر وبإلحاح من العديد من النقاد ومن الاصدقاء الاوفياء بضرورة جمع نصوصي واصدارها فإنني منشغل بالاعداد لهذا الاصدار الذي سيكون مهدى لروح والدتي الشهباء الغالية التي قلت فيها أحلى قصائدي، ولن أخفيك سرا إن قلت لك ان ما أسمعه عن مشاكل النشر والتوزيع والطبع جعلني أضبط أنفاسي وأتمسك بمبدئي التأني والسلامة. كما كنت أسعى قبل نشر اي ديوان الى ان أشعُ بقصائدي لأني أؤمن بأن هناك من القصائد ما يضاهي عشرة دواوين كاملة من الكلام، والآن بعد ان لقيت هذه القصائد آذانا صاغية وصارت مطلوبة اصبح لزاما عليّ ان ألبيّ رغبة قرائي.
* في ظل الفورة المعلوماتية وتناسل المدونات الشعرية والادبية، كيف يرى الشاعر المنذر العيادي مستقبل النشر الورقي؟
ـ طبعا، مما لا يرقى له شك ان عالمنا اليوم صار قرية صغيرة في ظل هذا الزخم التكنولوجي السريع الرهيب مع تباطؤ نسق دور النشر والمشاكل المتواترة بين المبدع والناشر يبدو ان الكفة قد رُجحت لفائدة المدونات والمواقع الالكترونية بل ان عددا مهما من المبدعين قد توجهوا لهذا المنحى لسرعة انتشاره وقلة تكلفته المالية ولضمان التواصل مع القارئ في اي مكان من هذا العالم، غير ان لذة النشر الورقي وما تصحبه من معاناة ومن قلق ومن أرق تدخل في بوابة المعاناة اللذيذة التي تدخل في ذاكرة المبدع وتصير وشما لا يمحي فدائما التعلق بالصعاب والتمرس على الشعاب وان يبدو للانسان العادي مقلقا فهو عند المبدع يحفّزه دائما الى الامام ويجعله متشبثا بالعملية الابداعية خاصة عندما يرى ديوانه بين يديه بعد تلك كل المعاناة والمكابدة التي احيانا يضيع فيها كثير من الوقت والجهد فكم من شاعر لم يلمس ديوانه مطبوعا الا في المراحل الاخيرة من عمره والدليل على ذلك الاديب الراحل البشري التلمودي الذي يكتب منذ 1959 ولم ير كتابه «عودة العشاق» حيث ماتت زوجته ومات البشير ومازال الكتاب مغمورا!!! والبشير التلمودي ليس استثناء فالعديد من المبدعين مازلوا يتعثرون في طريقهم نحو تلمس أوراق ابداعاتهم

* وكأني بك تشخّص واقع النشر في تونس وخاصة لدى المبدعين الشبان؟
ـ لا شك ان النشر في تونس تحسن مقارنة بما كان عليه في السابق واصبحنا نطالع العديد من العناوين شهريا بل يوميا خاصة بعد ما وفرت الدولة الكثير من الامتيازات والحوافز التشجيعية للناشرين من جهة والمبدعين من جهة ثانية الا ان الاشكالية اليوم تكمن لدى بعض دور النشر التي تحصر الموضوع في جانبه المادي فقط ولا تنظر الى وضعية الاديب الذي هو ايضا من الممكن جدا ـ بل من الثابت ـ ان عائقه مادي بالاساس وهنا يقع التضارب فيكون الضحية القارئ بدرجة اولى لتأخر الصدور، وهنا أود ان ألفت النظر الى غياب النشر المجاني الذي أرجو ان يصبح واقعا وممكنا لنطالع خاصة الابداعات الشبابية.
* لنعد الآن الى الكتابة الشعرية لديك، فمن خلال نصوصك يقف القارئ على تمرسك باقتناص الدقائق والتفاصيل وجزئيات الجزئية، فهل هذا توجه مرحلي ام هو طبيعة ؟

- الأقرب انه طبيعة فيّ لأنني منذ صغري أنظر للأشياء بدقة وعمق ولا أنظر لها بسطحية وحسب تصوري الخاص على الشاعر أن لا يكون عابرا بل يكون موغلا في الشيء حتى النخاع، فالذي يراه عامة الناس عاديا يصبح لدى الشاعر شأنا كبيرا، ومثلما يقول نزار قباني ان الاشياء الصغيرة هي التي تساوي الحياة।
* كما نلاحظ في شعرك تعلقك العميق بأمك الشهباء وكذلك بتفاصيل طفولتك؟
ـ مثلما ذكرت في عدة مناسبات أخذت على عاتقي ان أمي الشهباء التي حملتني في بطنها تسعة اشهر سأحملها على صدري طول العمر فالأم بالنسبة إليّ هي الحياة، هي كل شيء، خاصة انني عشت معها حياة خاصة جدا في كنف الحب والحنان فكانت علاقتي بأمي مؤثرة الى درجة أني حين افتقدتها في ظروف خاصة جدا قلت فيها أحلى القصائد التي عبرت فيها عن تفاصيل حياتي وعن جزئيات مهمة من طفولتي وهي في نهاية الامر تعبر عن بداية كل انسان وربما من هذا المنطلق وجدت هذه القصائد رواجا وانتشارا فكأن الشهباء صارت عنوانا لكل الامهات بل اكثر من ذلك لا أذكر أمسية حضرتها لا يطلب مني الحاضرون قراءة جزء من قصيدة الشهباء ويشرفني اني اصبحت أُعرف بشاعر الشهباء التي مازلت أتخيل أنها لم تمت بعدُ لأنها بالفعل مازالت حية في قلبي...
* هل تصدق فعلا ان الشعر لم يعد ديوان العرب خاصة امام انفجار النص السردي القصير منه والطويل والتنظير لموت الشعر والشاعر امام فورة الرواية والراوي؟
ـ أحيانا أصدق وأحيانا لا أصدق، حسب طبيعة النص الذي أطالعه فهناك من القصائد والدواوين الشعرية التي تجعلك توقن وتؤمن ان الشعر مازال ديوانا للعرب، واحيانا وعندما تقف امام واجهات المكتبات وتطالع عشرات العناوين «الشعرية» تصاب بخيبة أمل عندما لا تمسك بصورة شعرية واحدة، وهذا ما يؤكد ايماني الشديد بالقصيدة في حد ذاتها، ثم ان ما أسميته موت الشعر والشاعر أعتقد انه مبالغ فيه لأن بين الشعر والشاعر قصة خلود وصراع دائم ومستمر ضد الزمن الرهيب والنسيان الـمرّ فغاية كل شاعر من خلال شعره هو ان يخلّد ولو ببيت وهذا يتعارض مع فكرة الموت الذي ذكرتها। وأعتقد ان الشعر شعر والرواية رواية لهما نفس الاهداف ونفس المعاناة فكم من شاعر قادر على كتابة أجمل الروايات وكم من روائي أبدع في نحت أروع الابيات الشعرية فهناك تزاوج بينهما ولا أعتقد ان هناك تنافرا وتنافسا وحتى وان وجد فانه في صالح العملية الابداعية عموما...

* لك البياض المتبقي لإنهاء هذا الحوار؟
ـ أود أن أقول أن نجاح أي مبدع لا يأتي من فراغ وبمحض الصدفة وهناك عدة عوامل وتأثيرات تساهم في نحت ملامح وإكسير النجاح فبالاضافة لما ذكرته فإني أؤمن باستقرار الحياة الاسرية وأهميتها في اعطاء دفع معنوي كبير. أشكر جدا زوجتي لما توليه من عناية بشؤوني الصغيرة وأشكرها أكثر لأنها قارئتي الاولى وأشكر كل من علمني حرفا ومن قال لي سر الى الأمام، قل كلمتك وأمض فإن الله معك...

2008/02/26

الأديب اليتيم


لا يعني اليُتم الفقد بقدر ما يعني وما يحيل على الكمد والحسرة، كما يعني في أحد أهم مظاهره وأد الحلم والأمل الذي يعيش من أجله إنسان كامل حياته مثلما عاش ومات الأديب التونسي البشير التلمودي كمدًا وحسرة على عشاقه الذين تركهم للعراء وحدهم من دونه هو بعد أن واراه التراب أربعة من أصدقائه الخلّص!!!
وبما أن الدنيا موازين ومكاييل ومراتب وأسماء و... وحده القبر يسوّي الكل بالكل إلا أن «المسكين» الأديب البشير التلمودي لفّه التجاهل بشكل لافت حتى في دفنه وقبره بعد أن اشرأبت كل الأرجل نحو قبر مصطفى الفارسي...
«البشير التلمودي الذي بدأ الكتابة والنشر منذ سنة 1959 حيث كتب القصة القصيرة والقصيدة النثرية والومضات والشذرات والتأملات الفلسفية وكتب لزوجته أكثر من 1500 رسالة حب» مثلما ذكر صديقه الذي حضر دفنه الشاعر عبد السلام لصيلع...
لم ينشر البشير التلمودي سوى كتاب وحيد وهو «اعترافات الشخص الثالث» منذ سنتين فقط وهو الذي يكتب منذ نصف قرن كامل... مات البشير التلمودي كمدا وحسرة على عجزه عن نشر مجموعته القصصية «عودة العشاق»... مات التلمودي وهو يتوسّد حلمه ويحضنه داخل كفنه الأبيض مثل الحلم ذاته...يذكّرني موت الأديب هذا بتلك المرأة التي تلفظ أنفاسها وهي تضع مولودا فلا تراه ولا يراها!!!ويذكّرني موت الأديب اليتيم كذلك بموت القارئ كل يوم أمام أكداس الكتب التي تنشر يوميا بألوان زاهية وطباعة أنيقة وتصحبها ضجة إعلامية رهيبة وعندما تتصفح متنها تخنقك رائحة الموت الإبداعي!!!هل ينفع اليوم مثلا أن يخطئ نادي «جماعة فوق السور» الذي أسسه البشير التلمودي بدار الثقافة الشيح إدريس ببنزرت ويتكفل بنشر المجموعة القصصية «عودة العشاق» فيكون أصحابه بذلك زرعوا للرجل العنقود الذي عاش يتمنى منه حبّة واحدة!!!
وهل ينفع اليوم مثلا أن يخطئ نادي «أصوات الحرية» بالدندان الذي أمضى فيه البشير التلمودي آخر سنوات عمره ويتكفل بنشر المجموعة القصصية «عودة العشاق» فيكون أصحابه بذلك قد زرعوا للرجل العنقود الذي عاش يتمنى منه حبّة واحدة!!!
وهل ينفع اليوم مثلا أن يخطئ نادي «بانوراما المدينة» بدار الثقافة أحمد بوليمان بباب سويقة حيث كان مبرمجا تكريم الراحل فيتكفل بنشر المجموعة القصصية «عودة العشاق» فيكون أصحابه بذلك قد زرعوا للرجل العنقود الذي عاش يتمنى منه حبّة واحدة!!!
أتمنى فعلا أن يخطئ ثلاثتهم فيصدروا المجموعة القصصية «عودة العشاق» في ثلاث طبعات تليق برجل نذر كل حياته للكتابة وشدّ أزر الكتاب والمبدعين ولكن أتمنى أكثر لو تخطئ وزارة الثقافة فتتكفل بجمع كتابات الأديب اليتيم وتنشرها في مجلد أنيق يليق بالبشير التلمودي لتزرع فعلا العنقود كاملا بكل حبّاته وبكل العرفان الذي يجب على مؤسسة بحجم الوزارة أن تتكفل به إزاء مبدعي هذه المساحة الجغرافية التي لا تحتمل أن يتناسل فوق أديمها يتيم واحد سواء كان كاتبا أو قارئا...

2008/02/19

جورج حبش... جورج وسوف...


قد يتبادر إلى ذهنك أيها القارئ أنني سأخطّ رسالة إلى صديق ما اسمه جورج فالعنوان الذي تخيّرته لهذه الأسطر يحيل بالفعل على كتابة الرسائل، وسوف أشاطرك التخمين الذي ذهبت إليه وأعتبر ـ معك ـ هذه البطاقة رسالة، غير أنني لن أكتبه لشخص ما اسمه جورج ولكن سأكتبها لك أنت ولكل شاب وشابة تونسية غرّبتهم «الثقافة المترديّة» وسطّحت عقولهم فصاروا يخلطون بين جورج حبش وجورج وسوف!!!
«جورج» هو اسم يتردد كثيرا في المجتمعات الانقلوسكسونية لإحالته على الملوكية وشائع في تلك المجتمعات ان من كان اسمه جورج وكلّلت حياته بنجاح ما فإنه يسمّي ابنه «جورج» أيضا ليستمر في النجاح. وبالفعل كثيرون هم الذين تركوا بصماتهم في التاريخ الإنساني وكان اسم جورج ولكن للأسف الشديد أن اغلب جيل اليوم لا يعرفونهم ولم يسمعوا عنهم قطّ وقد اكتشفت ذلك مؤخرا فبمجرّد أن سمعت بوفاة مؤسس حركة القوميين العرب الحكيم جورج حبش منشئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1968 التي تبنت مبدأ العنف الثوري من أجل نشر الوعي العالمي بالنضال الفلسطيني وبقضية الوطن المغتصب من الكيان الصهيوني، بمجرّد أن سمعت بوفاته طفقت أرسل رسائل هاتفية والكترونية ـ كالمعتوه ـ إلى الكثير من أصدقائي وصديقاتي، وما لبثت أن أصبت بصدمة اعتبرتها اكبر من صدمة موت الحكيم... فواحدٌ يجيبني من هو جورج حبش وأخرى تقول لي هل هو حيٌّ وثالث هاتفني بصوته وقال لي بالحرف الواحد: «يا رجل لقد أفزعتني واعتقدت أن جورج وسوف هو الذي مات!!!».
هو ذات الجيل الصاعد... الجيل الذي سيبني ويعلي... الجيل الذي لا يلبس إلا الماركة الشهيرة «جورج آرمني» وينتظر آخر تقليعات مصمّم الأزياء جورج شقرا ويتابع لمسات اللاّعب جورج وياه ويشاهد أعمال النجم الامريكي جورج كولوني ويرتعب خوفا على صحة جورج وسوف ويفضّله هو وجورج الرّاسي في الغناء... الجيل الذي لا يفوّت حلقة واحدة من برنامج جورج قرداحي... انّه الجيل الذي يثق تمام الوثوق في مشروع جورج بوش لتحرير العراق وفلسطين وكامل المنطقة... هو ذا الجيل العظيم الذي يسمونه «شباب تونس» و»شباب القرن الحادي والعشرين»!!!إنّه عينه وذاته الشباب الذي لا يعرف جورج حبش ولاجورج حاوي ولا جورج باطاي ولا جورج قالووي ولا جورج طرابيشي ولا جورج عدّة ولا جورج لوكاتش ولا جورج برناردشو ولا جورج بيزيه ولا جورج أوريل أو حتى جورج مايكل...
عزيزي جورج... عزيزي القارئ... ليست هذه رسالة مضمونة الوصول لشخص بعينه وإنما هي زفرةٌ عابرة على ورق عابر في يوم عابر من أسبوع عابر في حياة عابرة هي حياة شباب تونس وشباب القرن الحادي والعشرين... ولست أغالي أبدا فالمعرفة هي المحرار الوحيد لمعرفة صدق الرهان على جيل ما...

2008/02/05

حوار مع باعث قناة حنبعل التونسية العربي نصرة:


التعددية الإعلامية هي محكّ الشفافية والنزاهة الإعلامية
لن نضيف جديدا للقارئ إذا قلنا أن القناة التونسية حنبعل أحدثت رجّة هائلة ـ وفق عبارة بول ريكور ـ في المشهد الإعلامي الوطني والإقليمي، ذلك أن القناة منذ انبعاثها سنة 2005 اخترقت الأفق الأحادي الذي كان جاثما على المشاهد التونسي من جهة، ومن جهة ثانية كسبت ثقة نفس المشاهد من خلال تغلغلها اليومي بصفة مباشرة في تلافيف المعيش التونسي وصميم الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
يمكن الإقرار، بعد ثلاث سنوات، بأن حنبعل صنعت لنفسها شخصية مستقلة بذاتها ذات خصوصية ومميزات اجتهدت أسرتها الإعلامية والإدارية وعلى رأسها باعثها التونسي العربي نصرة، في تطويرها والحفاظ عليها، بل وجعلها مرجعا لغيرها من الفضائيات التي صارت تستنسخ من قناة حنبعل بعض طرائقها وأساليبها في التنشيط وإدارة البرامج وحتى في الاختيارات والضيوف.
ورغم ما تعيشه قناة حنبعل من ضغوطات وعراقيل غير مبررة ـ مثلما صرّح صاحبها ـ فان القناة لا تزال قائمة الذات، تسير بنفس النسق والإصرار في نهج الاختلاف والإضافة الذي اختارته منذ بدايتها، بل هي وصلت إلى مرحلة الرشد والنضج ولا أدل على ذلك من المولود الجديد الذي سيرى النور يوم 13 فيفري 2008 المتمثل في قناة جديدة ستكون بمثابة فاتحة لباقة كاملة من القنوات، كشف لنا السيد العربي نصرة تفاصيلها ضمن هذا الحوار الذي خصّنا به:
* تطفئون يوم 13 فيفري 2008 الشمعة الثالثة لقناة حنبعل، فهل أنتم راضون عمّا حققتموه؟
ـ كان من المفترض أن نطفئ الشمعة الرابعة لان ترخيص القناة تأخر مدة سنة كاملة، ولكن اعتقد أن ذلك كان في صالحنا، (رب نافعة ضارة) فقد انطلقنا بشحنة كبيرة من الحماس والاتقاد لم تخب إلى الآن وهو ما يجعلني أقول بكل ثقة في النفس إن نجاح القناة التونسية حنبعل فاق حتى توقعاتي الشخصية. ونجاحنا تحقق بفضل إيماني بالمشروع و «هوسي» لخدمة تونس وشعبها وكذلك بالألفة الأسرية وشفافية التعامل بين أفراد الأسرة من تقنيين وإعلاميين وإداريين، وأيضا من الدعم الذي لقيته شخصيا من رئيس الدولة ومن المشاهد التونسي في كل شبر من البلاد الذي برهن على وفائه الدائم لقناة حنبعل وصار يتغنّى باسمها في الملاعب ويستقبلها في الأرياف والمداشر والقرى النائية بالحب والتبجيل.
في عيد ميلادنا هذا أقول أن الرأس المال الرمزي الذي كسبناه أنسانا كل ما صرفته من رأس مال مادي زائل بطبعه.
* ولكن نجاحكم هذا كان محفوفا بالمخاطر فيما أعتقد؟
ـ بالفعل، نجاحنا كان محفوفا بعدة مخاطر وعراقيل وصعوبات ويمكنني أن أصنّفها إلى نوعين:
أولا، صعوبات ومخاطر فرضتها علينا طبيعة المرحلة التي أنشأنا فيها القناة، فالبلاد عاشت 40 سنة على صوت واحد وصورة واحدة انفردت بها قناة تونس 7، فكان من العسير علينا كسر هذا المشهد الأحادي واختراق الحدود، ومع ذلك جازفت وغامرت وزرعت فكرتي في الأرض وللحقيقة أقول أني لم أفاجأ عندما أثرنا القلق لدى الخاملين وأربكنا سُباتهم الطويل رغم محاولات تثبيط عزائمنا، رغم أننا لم نقم بثورة، فقط جسّدنا مفهوم الاختلاف والمغايرة، حيث خلقنا مناخا مغايرا حرّكنا به المشهد الجامد.
وثانيا، صعوبات وعراقيل خارجية تمثلت بالأساس في قلة التعاون الخارجي وفي عدم المساندة من اغلب الأطراف مثل مكاتب الدراسات التي لم تعطنا فرصة لنكبر ونتماسك، وها نحن نكبر ويصلب عودنا يوما بعد يوم وهذا بشهادة الجميع، وأود أن أقول من هذا المنبر إننا برهنا على التزامنا مع طموحنا المشروع أولا وثانيا برهنا على التزامنا بالثقة والدعم اللذيْن منحنا إياهما سيادة رئيس الجمهورية.
إن كانت الصعوبات المالية التي تجاوزناها في البداية ومازلنا نحاول إلى اليوم تجاوز المحدث منها فان الأخطر من المالي هو الذهنيات «الـمُعقدة» والعقول الجامدة والسلبية التي لا تؤمن بالاختلاف والتعددية وهي ذهنية منتشرة بشكل كبير ـ للأسف ـ لدى العديد من المسؤولين في بلادنا، ولا أدل على كلامي من الإحصاء المضحك الذي قامت به مؤخرا إحدى مؤسسات الإحصاء غير الموضوعية وهي حكاية علم بها القاصي والداني.
* اعتقد أيضا سيد العربي نصرة أن هناك عدة مشاكل أخرى تواجهكم في علاقة مثلا بالتقنيين وبالإرسال وانقطاع البث وغيرها؟
ـ بالفعل مازلنا نواجه العديد من المشاكل غير المبررة بالمرة وهي كما قلت لك نابعة كلها من عقلية الحسد وتثبيط العزائم، ولكن أقول للجميع انني اكبر من عراقيلكم وان أسرة حنبعل بلُحمتها وتآلفها لا تنـظر إلا إلى مستقبلها الذي هو جزء من مستقبل تونس الإعلامي، ومن دون تفصيل تلك العراقيل سأذكرها لك وللقراء مُجملة، وأهمها أن قناة تونس 7 لم تتعاون معنا عندما التجأت لها لتمكيننا ببعض التقنيين، وكذلك تهديدنا من قبل ديوان الإرسال التلفزيوني بقطع البث إذا لم ندفع المبالغ الخيالية لتأمين البث، وبالفعل قطع علينا الديوان البث أكثر من مرة لعل اخرها تلك التي دامت سبع ساعات متواصلة في حين لم ينقطع الإرسال عن تونس 7 إلا ساعة واحدة فقط فهل يُعقل هذا !!!
كما أن قناة حنبعل غير معفاة من الضرائب وهو ما يناقض قوانين البلاد وأغرب من ذلك مطالبتنا بأتاوة أو جزية للدولة وهي بدعة لم نسمع عنها في آي بلد في العالم بقاراته الخمس!!!
* كيف عملتم لتجاوز هذه الصعوبات؟
ـ تجاوزنا لهذه العراقيل لم ينته وإنما هو عمل مستمر ودؤوب وميزة هذه الصعوبات أنها غذّت حماسنا أكثر لنضمن رأسمال رمزيا بالأساس تمثل في تكوين 250 إطارا تقنيا شابا متمكنا من آليات العمل المتطورة، العراقيل تجاوزناها بدفع مستحقات شركة عربسات لكامل سنة 2008 ... تجاوزناها أيضا بصرف زهاء 20 مليارا من جيبي الخاص، ونتجاوزها يوميا بآلاف رسائل الشكر التي تصلنا من المشاهدين وببرقيات التشجيع والمؤازرة العفوية من البسطاء الذين لا تنخر عقولهم سوسة الحسد...
* ماذا عن مشروعكم الإعلامي الجديد؟
ـ نعم، بعد أيام قليلة وتحديدا يوم 13 فيفري 2008، يوم عيد ميلاد قناة حنبعل، سنطلق قناة جديدة أسميناها «حنبعل الشرق» وهي قناة مختصة في بث المسلسلات موجهة لجمهور الشرق والخليج، وسنبث أعمالا من عدة دول عربية وأجنبية تمت دبلجتها وقد كان اختيار الاسم مقصودا لأن اكتساح بعض القنوات فضاءنا المغاربي مثل الجزيرة المغاربية و «MBC» المغاربية دفعنا لاكتساح الفضاء المشرقي فنكون بذلك سباقين في هذا الميدان وهذا الاختيار. وستكون قناة «حنبعل الشرق» اللبنة الأولى من مشروع مستقبلي يتمثل في فتح مجموعة من القنوات المختصة في الثقافة والموسيقى والرياضة وهي كلها تستظل بمظلة القناة الأم حنبعل.
* هل سيتابع جمهور الشرق أعمالا تونسية على القناة الجديدة؟
ـ هذا سؤال يمكن أن تجيبك عنه الدوائر المسؤولة أما أنا فأرجو من كل قلبي أن أروّج أعمالنا الدرامية في منطقة الشرق بالشكل الأنسب. وبالفعل فقد طلبت من بعض المسؤولين تمكيني من عدة أعمال تونسية لاقت نجاحا هنا، وقد طلبت تلك الأعمال بمقابل مادي، تصور أنني سأدفع مالا من جيبي الخاص لترويج أعمالنا الدرامية ومع ذلك مازال المطلب معلقا إلى اجل غير مسمى وأقول لكل مسؤول سيطالع هذا الحوار أني إلى الآن انتظر إجابتكم فان كانت بالموافقة فاني سأبذل قصارى جهدي لبرمجة مسلسلاتنا في أوقات الذروة لدى المشاهدين وبشكل يومي ومدروس وان كانت الإجابة بالنفي فإني أيضا أقول بكل أسف إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.