بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/04/22

فيلم «بابا عزيز» للتونسي الناصر خمير


اشراقات تونسيّة بايقاعات ايرانيّة
عندما أنهيتُ فيلم «بابا عزيز» للمخرج التونسي الناصر خمير الذي يُعرض هذه الأيّام بقاعة «أفريكا آر» تذكرت تفسير ابن عربي لمفهوم الكرامات بأنّها تشبه السحر وليست بسحر، بل انّ لها حقيقة في نفسها، تذكرّت هذا التعريف لأنّ فيلم «بابا عزيز» هو السحر بعينه الذي لافكاك لمُشاهده من الانبهار به والافتخار بأنّ هذا الفيلم من اخراج تونسي اسمه الناصر خمير...


فالفيلم الذي يمنحك فرصة لطيّ الأرض والمشي على الماء واختراق الهواء والأكل من الكون هو لا محالة يحتكم لنص آبق طافح حمّال لشتى التأويلات، وهو فيلم ارتفع بمشاهده إلى مصاف التجلّي وأبعد، ذلك أنّ فيلم «بابا عزيز» لا يروي حكاية يوميّة بقدر ما يستنفر الحواس لتقف على ذروة نقاط الاستفهام الكونيّة لا المحليّة... لأنّ المُشاهد مهما كان جنسه سيلفي نفسه ملقيّا في «بئر الحقيقة» لأنه ببساطة صعد من بطن الأرض كنقطة تائهة في البحر أو نجمة في السماء، أو هو حبّةرمل في صحراء لا تعرف السكون والاستقرار...
هكذا قدّم لنا الناصر خمير «ايشار» و»بابا عزيز» وكل أبطال الفيلم مثل الفراشات التي تحترق بكنه الوجود ولا تموت... لأنّ المطمئن لا يضيع الطريق مادامت بصيرته تقود بصره...
دراويشٌ... غزالة... فراشات... رسالة حرير... قطة... جميعها وغيرها تناثرت شُهبًا فوق صحراء شاسعة لم تكن مكانا بقدر ما كانت زمانا افتتحه بالجُحر وبالقبر أُختتم.. وفوق أديمه كان بين الأبطال وحقيقة وجودهم عقبة كؤود فكان تجليهم ـ في الفيلم ـ ماهو إلاّ انتقالٌ من حال إلى حال في صمت وصدق مثلما كان انتقال المشاهد من صورة الى أخرى ومن مشهد إلى ثان بفضل حبكة الناصر خمير وحدسه العميق الذي يسّر له سيلان المشاهد في أرض بلا دليل فكان فيلم «بابا عزيز» وحدة كاملة متكاملة في خطابه وصورته وموسيقاها...
فهذا الفيلم كان باذخًا في موسيقاها التي تراوحت بين الفارسية والكردية والايرانية والتركية والحضرة التونسيّة... وكان سخيّا بصوره ومشاهده التي تنفتح من الكل لتبلغ الجزء وكذا كان خطابه ونصّه طافحًا بالاحالات والدلالات والرموز أسوة بقول ابن عربي أن «الحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر»...
مع هذا الفيلم للناصر خمير تؤمن بأنّ العيان البصري لا يعوّل عليه، بعكس عيان البصيرة... تؤمن بأنّ السينما أكبر من الصورة والموسيقى والأحداث... بل تؤمن بأنّ «بابا عزيز» هو أنت وأنّ رحلته هي رحلتك وسؤاله هو سؤالك.. فإذا أبصرته أبصرك وإذا أبصرك أبصرته... كأنّها الاشراقاتُ.. أو هي عينها وذاتها...

2008/04/14

معارض الشعوذة


أيام قليلة تفصلنا عن دورة جديدة للمعرض السنوي للكتاب والذي مازال ـ رغم تراجعه ـ يوفّر مساحة محترمة من ديناميكية وحركيّة ثقافية مدّة ايامه العشرة حيث يتذكّرالتونسي أنه طلّق الكتاب والقراءة واندحر بعيدا في أقانيم البيولوجيا الزائلة، حاصرته «كتب» السحر والشعوذة والطبخ والتجميل والتطبيب البدائي.. فيسارع نزرٌ قليل من الطلبة والمثقفين والكُتّاب لفكّ أسلاك الحصار ورأْب صدْع الهجران الفكري فيلوذ بقصر المعارض بالكرم ليُنقذ دماغه من مستنقع التخلّف والرجعيّة... ولكن... (اللعنة عليك أيتها اللكن)
لكن معرض الكتاب ـ منذ عدّة دورات ـ صار بدوره معرضا ضخما لمنشورات «تسويق التجهيل» ذلك أن أغلب أجنحته باتت تكتنز بالمجلّدات والكتب والأقراص الليزريّة المروّجة لكل ما يعوق الفكر ويشلُّه عن الاستنارة والعقلانيّة ويكبّله في «ظلاميّة معتدلة» و»رجعيّة معاصرة» و»جاهليّة القرن الحادي والعشرين»، و»بدائية الانسان التكنولوجي».. حيثُ تُزاحم الميثولوجيا التكنولوجيا وتُقصي الرجعيّة التقدميّة وتخترق مسوّغات الاستكانة كل مقوّمات العقلانية..
قصر المعارض بالكرم لم يعد يختلف ـ اثناء احتضانه لمعرض الكتاب ـ عن ساحة برشلونة او ساحة الباساج اين تنتصب أكشاك بين كتب السحر والشعوذة، بل ان معرض الكتاب يكاد يكون امتدادا أكبر للمركز الثقافي الروسي الكائن بشارع الحرية بالعاصمةوالذي تحوّل بَهْوُهٌ الخارجي منذ ثلاث سنوات خلت الى معرض دائم لعناوين من قبيل «روائح الشوربات والحساء» و»حلّي مائدتك» و»وصايا الطبيب ابن مفلح» و»التداوي بالعسل» و»الشاي مزاج وصحّة» و...
تصوّروا كيف أن المركز الثقافي الروسي يتحول الى أرض خصبة لتفريخ «الفكر» الأصولي... تخيّلوا أن كتب ماركس وانجلزولينين وغوركي ونابوكوف وديستوفسكي ومياكو فسكي وتشيخوف وتولستوي تندثر أمام «كتب» «تسخير الجان لمنفعة الانسان» و»تسخير الشياطين في وصال العاشقين» و»بلوغ الامل في علم الرمل» و»أحكام الحكيم في علم التنجيم» و»الجواهر المصونة واللآلئ المكنونة»..
وحدها بعض دور النشر التونسية والمغربية واللبنانية وبعض الدور العربية الموجودة بالفضاء الاوروبي، وحدها مازالت تشحذ رفوفها وترصّف عناوينها ضد هذا التيار الاصولي والطائفي والميثولوجي الجارف لأيّة بارقة عقلانية ولأي بصيص فكري وحداثي...
طبعا كل ما سبق من أفكار تظل نسبية في علاقة بما مضى من دورات المعرض وأتمنّى أيضا أن أكون مغاليا في ما كتبت حول الدورة الجديدة لمعرض الكتاب، وأن تكذّب أروقة المعرض كلامي هذا فتتناسل الكتب الفكريّة والاصدارات المعرفية الجادة والحداثية فتكتسح مساحة أكبر على حساب كتب الشعوذة والسحر واللاّهوت والايديولوجيا الرجعية... ولكن... بصراحة لا أظن أن ذلك سيتحقق بل بالعكس تماما أرى أن الافق قد انحدر كثيرا نحو الأسفل... نحو الحضيض.... بل أرى أن القصر صار وكرًا !!!

2008/04/08

نقيب المحامين العراقيين الأستاذ ضياء السعدي



هناك صراع شديد بين التنظيمات السياسية والحزبية الطائفية
تم انتخاب الأستاذ المحامي ضياء السعدي من قبل الهيئة العامة لنقابة المحامين العراقيين في 15 نوفمبر 2006 بأغلبية الأصوات وهو معروف بموقفه المناهض للاحتلال العسكري الأمريكي للعراق وكل مشاريعه وبعد إعلان فوزه بمنصب نقيب المحامين تم إقصاؤه بقرار من حكومة الاحتلال وتنصيب محام موال لسياستها... وهو ناشط حقوقي في عدة منظمات وجمعيات عراقية ودولية... التقيناه اثر زيارته الأخيرة لتونس فكان لنا معه هذا الحوار:
*ماهي ظروف عمل المحامي العراقي في ظل الاحتلال الأمريكي وما هو دور نقابة المحامين؟
ـ نقابة المحامين العراقيين تنظيم مهني مستقل يعبّر عن إرادة جميع المحامين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم، واستقلالية النقابة قد تكرست تاريخيا بدءا منذ تأسيسها سنة 1933 وبعد الاحتلال العسكري الأمريكي الذي تحول إلى احتلال للقوة المتعددة الجنسيات بموجب قرار مجلس الأمن وخلافا للقانون الدولي أصبح أمام المحامين وتنظيمهم النقابي مهمات وهي تلك المتعلقة بمجابهة قوات الاحتلال وتعضيد نضال وجهود الحركة الوطنية المناهضة والمقاومة للاحتلال من اجل إنهاء الوجود العسكري المحتل والعمل على إعادة السيادة والاستقلال للعراق وبناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية والعمل على تحقيق مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء وتعزيز وحماية الوحدة الوطنية العراقية والوقوف بوجه سرقة أموال العراق...
هذه المهمات التي استلهمتها النقابة من تاريخ نقابتهم المشرف خلال المراحل السياسية التي مر بها العراق وبالخصوص مواجهته للانتداب البريطاني الذي فرض على العراق بعد الحرب العالمية الأولى هو الذي دفع بقيادات العمل النقابي الخاص بالمحامين ومن ورائهم جموع المحامين العراقيين إلى التصدي للقوانين والقرارات التي أصدرها الاحتلال متمثلة بقوانين السفير الأمريكي بول بريمر، وقد انعكس هذا الموقف على مصادرة حق المحامين في اختيار من يمثلهم في قيادة النقابة حيث تم إقصاء الفائزين بالانتخابات بإرادة أكثرية المحامين واستبدالهم بآخرين رغم إرادة المحامين مما يعبر عن عدم احترام الاحتلال والمتعاونين معهم لإرادة المحامين.
* ولكن هل تصف لنا ظروف عمل المحامي العراقي في الوقت الحالي؟
ـ عندما يمارس المحامي أعماله واختصاصاته المهنية أمام القضاء والمحاكم وأجهزة الحكومة يصادف العديد من العقبات والعراقيل التي تؤدي إلى إنهاء دوره وعدم قدرته على القيام بواجباته المهنية وعند ما يرجع المحامي لمراكز الاعتقال التابعة للقوات المحتلة والأجهزة الأمنية لا يستطيع الوصول إلى المعتقلين أو المحجوزين لإجراء مقابلة معهم وتنظيم الوكالة (الإنابة) والإطلاع على الملف التحقيقي وتقديم الطلبات القانونية وهذا متأت من عدم الاعتراف بالمحاماة كركن أساسي لتحقيق العدالة وتطبيق القانون من خلال حرمان حقوق المحامين وحقوق المتهمين في توكيلهم للدفاع رغم أن هذه الحقوق مكفولة بالمعاهدات والصكوك الدولية وهذا ناتج عن التدخل العسكري الأمريكي والتدخل الحكومي في شؤون نقابة المحامين والممارسات المهنية للمحامين وهم بصدد الدفاع عن حقوقهم وان المحامين يقتلون ويتم اغتيالهم ليس فقط لأسباب طائفية أو سياسية وإنما لأسباب مهنية وتجاوز عدد المحامين الذين تم قتلهم أو اختطافهم أو حجزهم أعدادا كبيرة وهائلة وهذا ما أدى إلى حالة العزوف عن ممارسة المهنة وغلق المكاتب بسبب عمليات القتل أو التهديد بالقتل لعدم توفر الأمن الشخصي للمحامي بسبب أدائه المهني وعجز الحكومة عن توفير أدنى الحمايات لهؤلاء المحامين الذين لا يمكن ان نتصور ان تحقق العدالة والقانون دونهم لأنهم يشكلون ضمانات حقيقية في التحقيقات والمحاكمات العادلة.
* في ظل هذه الظروف كيف ترون مستقبل دولة القانون والمؤسسات التي تسعون الى بنائها؟
ـ المحامون في العراق بطبيعة تفكيرهم وتكوينهم القانوني وما تفرضه مهنة المحاماة من مبادئ فهم يسعون بالتأكيد إلى بناء دولة القانون التي أشرنا إلى بعض مقوماتها آنفا إلا أن قراءة فاحصة وموضوعية لـما يجري في العراق خلال سنوات الاحتلال الخمس يتأكد لنا بأن العراق لم يبدأ باتجاه الخطوة الأولى ذلك أن مشروع الاحتلال الذي تجلى في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادر من سلطة الاحتلال قد أسس للتقسيم الطائفي والعنصري والاثني مبكرا وتم بناء الدولة ومؤسساتها وفقا لمعايير هذا التقسيم بعيدا عن الولاء الوطني والمهنية في بناء الدولة ومؤسساتها وتشريعاتها التي صدرت من السفير بول بريمر ومن بعده الحكومات التي تعاقبت على العراق... وفي تطورات لاحقة انعكست هذه المفاهيم المتخلفة والمتراجعة على خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وأصبح شعب العراق جميعه بكل مكوناته في لوائح الموت والإعدام والقتل والاغتيال والظهور المرعب للجثث المجهولة الهوية وهذه استهدافات يراد منها تمزيق المجتمع العراقي وإلغاء دور القضاء الوطني المستقل للتصدي لهذه الجرائم ومعاقبة فاعليها نتيجة للتدخل الحكومي وإبعاد القضاء عن مهامه الأساسية المتعلقة بالالتزام بالقانون وتطبيقه.
إن هذه الجرائم الدموية التي لا تزال مستمرة كما هي مؤشرة في العديد من التقارير الصادرة دوليا بمنأى عن مساءلة مرتكبيها والبدء بإجراء التحقيقات القضائية تمهيدا لإحالتهم إلى القضاء بل الاقتصاص منهم جراء ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية.
* هل هناك تشبيك جمعياتي ومنظماتي مع مؤسسات المجتمع المدني العراقي والعربي؟
ـ فيما يتعلق بساحة عمل النقابات والمنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني نلاحظ وجود صراع شديد ما بين التنظيمات السياسية والحزبية الطائفية بغية السيطرة على قيادات هذه المنظمات بطرق لا ديمقراطية ولا قانونية وخلافا للمعايير والأسس التي يجب ان تتكون بها هذه المنظمات، الثابت أن هناك تدخلا حكوميا وحزبيا وسياسيا وطائفيا في هذا المجال خلافا لما يجب أن تتمتع به هذه المنظمات من استقلالية وانتخاب قياداتها بإرادة حرة من منتسبيها واختيارها لبرنامجها في مجال العمل المحددة لكل منظمة.
في عراق اليوم لا توجد منظمات عاملة وفق هذه الرؤية والمعايير الدولية وإنما هناك فرض لقيادات على هذه المنظمات والجمعيات كما حصل لنقابة المحامين العراقيين والذي أدى إلى مقاطعتها وعدم الاعتراف بمن نصّبته حكومة الاحتلال ليكون ممثلا عنها وليس ممثلا لقطاعها المهم من قبل اتحاد المحامين العرب والاتحاد الدولي لنقابات المحامين بفرنسا وما أشار إليه ليناردو ديس واي المقرر لمجلس حقوق الإنسان أثناء اجتماعه في الشهر السادس من العام المنصرم في تقريره المقدم إلى الاجتماع الدوري الذي عُقد في جنيف والذي أصبح جزءا من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن أوضاع المحامين والقضاء وحقوق الإنسان في العالم، ومع ذلك فإننا نعمل من اجل تطوير قدرات وامكانات المحامين العراقيين واللجوء إلى الوسائل الديمقراطية من اجل الاعتراف بالمحامين وحقوقهم الأساسية عند ما يتصدون للدفاع عن حقوق موكليهم وبكل الطرق والوسائل الأخرى، وتربط نقابتنا الآن علاقات واسعة مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية مثل اتحاد المحامين العرب وعمادة المحامين التونسية، وبهذه المناسبة نؤشر بتقدير عال لدور عمادة المحامين التونسية في دعم مجهودات نقابتنا والعراق تحت الاحتلال.
* في شهر افريل المقبل ستعيشون الذكرى الخامسة لاحتلال العراق هل لديكم برنامج مخصوص كهيئة مستقلة؟
ـ لقد أفرز الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق واستمراره بانتهاكات خطيرة لحقوق شعب العراق ومن أبرزها حقه في الحياة والعيش الآمن وهذه الانتهاكات تمثلت باستمرار في عمليات القتل والتهجير الداخلي والخارجي وقوانين الإقصاء والتهميش بعيدا عن سلطة القضاء والسرقة المستمرة لثروات العراق وأمواله العامة والعدوان على الملكيات العقارية الخاصة والعامة والفساد الإداري والمالي والرشوة وانعدام المحاكمات العادلة وهدر مبدأ سيادة القانون وبروز ظاهرة الأحزاب والتنظيمات الطائفية والقومية الأبنية كمهددات خطيرة للوحدة الوطنية العراقية إضافة إلى عصابات الجريمة المنظمة التي تمارس الخطف... هذه الانتهاكات التي جعلت من العراق الدولة الأولى في عدم حمايتها لحقوق الإنسان في العديد من الدراسات والبحوث الصادرة من منظمات إنسانية وحقوقية ومنها التقرير الدولي الذي وصف العراق بأنه من اخطر الدول التي تمارس فيها هذه الانتهاكات الجسيمة قد انعكست على نقابة المحامين بضرورة اتخاذ المواقف المطلوبة باتجاهها كفروض قانونية ومهنية وأخلاقية أن تطالب اتحاد المحامين العرب وغيره من المنظمات الدولية بضرورة البحث في ضيغة قانونية تؤمن تحقيق محاكمة لمرتكبي جرائم التعذيب في سجن أبو غريب بواسطة محكمة جنائية دولية خاصة وان المحاكم العسكرية الأمريكية قد أصدرت عقوبات مسلكية لا تتناسب مع جرائم التعذيب التي وقعت على العراقيين والتي أدت إلى قتلهم اثناء التعذيب وتحت تغطية الأطباء العسكريين الأمريكيين العاملين في الجيش الأمريكي أو الذين أصيبوا بعاهات جسدية مستديمة...
وضمن برنامج نقابتنا أيضا مساءلة العناصر العاملة في الشركات الأمنية الخاصة الذين ارتكبوا جرائم قتل ضد العراقيين وعدم إمكانية مساءلتهم أمام القضاء العراقي عن هذه الجرائم المرتكبة بسبب الحصانة القضائية التي منحت إليهم بموجب القرار رقم 27 الصادر سنة 2003 الذي منع القضاء من قبول الدعاوى ضد قوات الاحتلال والشركات الأمنية الخاصة والعاملين معهم رغم أن هذه القرار يصادر حق التقاضي الذي كفلته القوانين والمعاهدات الدولية وبمعنى آخر إذا كانت قوات الاحتلال تسأل عن جرائم ارتكبت في العراق أمام المحاكم العسكرية فان عناصر شركات الأمن الخاصة التي يبلغ عددها أكثر من 48 ألف عنصر فانه عند ارتكابها لتلك الجرائم لا توجد جهة قضائية يتم مساءلتها أمامها.
كما أن نقابة المحامين تسعى أيضا إلى البحث قانونيا في كيفية استعادة الآثار العراقية المنهوبة من متاحف البلاد وتحقيق مساءلة لمرتكبي جرائم النهب وكذلك فيما يتعلق بالوضع القانوني لأكثر من 4 ملايين عراقي مهجر قسريا إلى سوريا والأردن ومصر وبقية دول العالم وما يمكن أن يقدم لهم من خلال الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وهنالك مشروع لتحقيق مساءلة لمرتكبي جرائم القتل في العراق من خلال جهات قضائية مسؤولة باعتبار أن هذه الجرائم هي جرائم حرب وضد الإنسانية خاصة أن عدد القتلى بلغ حدود مليون و 400 ألف عراقي.
* ما هو النقابة من مشروع قانون النفط والغاز العراقي الذي سيطرح قريبا على مجلس النواب؟
ـ بررت الإدارة الأمريكية حربها على العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل وعلاقته بتنظيم القاعدة وفي الحقيقة أن أهم هدف مباشر للاحتلال هو الاستحواذ على الثروة النفطية ودعم وجود الكيان الصهيوني ودوره في المنطقة العربية وبالتالي فان هذا القانون يمكن الشركات الأمريكية الكبرى من السيطرة الكلية على حقول النفط العراقي المكتشفة وغير المكتشفة وإبرام عقود مشاركة طويلة الأمد من شأنها أن تفقد حق العراق في التصرف في ثروته النفطية وهذا ما يشكل تصفية لمكاسب البلاد الذي قام بتأميم النفط في السبعينيات وهذا القانون يشكل عودة للهيمنة الغربية السابقة على نفوذ العراق ويكرس النهج السياسي القائم على أساس المحاصصة وتجزئة العراق لثلاثة كيانات.
* ما هو مدى مشروعية طلب الحكومة العراقية ابرام عقود ومعاهدات مع امريكا من زاوية القانون الدولي؟
ـ رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية وجه رسائل إلى وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وعرضت هذه الرسائل على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقد صدر قرار 1511 لسنة 2003 فتحولت بموجبه قوات الاحتلال إلى قوة متعددة الجنسيات واعتبرت هذه الرسالة نوعا من المعاهدة بين العراق وأمريكا، وهذه المعاهدة تعتبر باطلة استنادا إلى المواد 52 و 53 من اتفاقية فيانا لقانون المعاهدات لسنة 1969 وتعتبر بحكم الـملغاة لأنها عقدت بنتيجة التهديد بالقوة واستعمالها خلافا لمبادئ القانون الدولي وكل ما يبنى فيما بعد فهو باطل.

يوم الأرض


لن تدور الأرض أبدا دورتها الطبيعية إن لم يدر فوق أديمها العدل دورته العادلة... ستبقى على خرابها ودمارها إن بقى ماردها الأعظم يُكبر من يشاء ويصغر من يشاء... ستظل الأرض هي الأرض غير أنها ستظل واقفة في زمنها الحربي ومعطلة في أفقها العدائي، جامدة غير متحركة إلا بكذبتها الميتافزيقية التي تنأى بأنفاس البشر بعيدا عن الطين المبلل بالعرق والمغمّس اليوم بالدم العراقي والفلسطيني واللبناني...
يوم الأرض الذي يوافق 30 من كل مارس منذ 1976، يوم مات ستة شهداء دفاعا عن الارض ويوم قرر إسحاق رابين مصادرة قرابة 20 ألف دونم من أراضي دير حنا وسخنين وعُرابة في الجليل... لم يكن يعرف أن الفلسطيني يأكل التراب ويتوسد الحجر ليعلق بأسنانه رائحة الرحم الذي أنجب جده ووالده والذي سينجب ابنه وابن ابنه ليتسامق كزهر اللوز وأبعد ويتطاول كعريش الكرمل وأجمل ويتحلى كعرجون الزيتون وأنضج فوق الأرض المخصبة بالحرية...
منذ 1948 والأرض الفلسطينية تدهسها الآلة الحربية الصهيونية وتدعكُ ترابها بلحم أبنائها من اجل إنشاء دولة مفتعلة ركيزتها المستوطنات اليهودية وترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم إلى أصقاع الدنيا وأطراف الأرض...
الأرض الفلسطينية التي صار مركزها الصهيوني وهامشها الفلسطيني توقفت منذ زمان عن الدوران الطبيعي لأن قانون دورانها إلى اليوم مازال يتجاذبه قانون العودة لأي يهودي في العالم وقانون الغائب لكل فلسطيني مشرّد وتغذيه منذ سنوات قليلة فكرة المنظّر اليهودي «جابوتنسكي» حول الجدار الحديدي الذي عنّه ارتفع جدار الفصل العنصري منذ عام 2003 بطول 622 كلم أي ما يقابل نصف مساحة الضفة الفلسطينية وهو إلى اليوم سائر في تقدمه حيث بلغت أشغاله 300 كلم متوغلا في أراضي الضفة الغربية...
حرية حركة الأرض ودورانها إذن انتهكت بهذا الجدار الفاصل لوأد الأرض الفلسطينية وردم العدل الإنساني تحت الاسمنت العنصري المسلح الذي ترجفه الذهنية الصهيونية معززة بالآلة الإمبريالية الأمريكية العمياء... ومع ذلك مازالت الطفلة الفلسطينية والطفل الفلسطيني يغنّيان بأعلى صوتهما أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة... وان أرضهم ستكون فلسطينية قبل ان تكون عربية لأن دوران الأرض العادل لا يعني بالضرورة أن تكون الأرض «بتتكلم عربي» بقدر ما يعني أن تكون الأرض إنسانية متوجهة بخطوات الإنسان الذي يبني لا بخطوات الإنسان الذي يدمّر ويٌُنهك التراب بالرصاص كالصهيوني والأمريكي ولا بخطوات الإنسان الذي يفقد الأرض توازنها بجوره وظلمه ولا عدله ككل حاكم طاغ ظالم متجبّر...

2008/04/05

موعد النرجس (قصة قصيرة)



"العالم كلّه مسرح, لكلّ دخوله ولكلّ خروجه,
و بين الاثنين حياتنا حيث نلعب عدّة ادوار".
* ويليام شكسبير
" كما يحلو لك"


كتمت رنين منبّه السّاعة وهي تقاوم ارتخاء جسدها و تقلّبها على الفراش, ثمّ نهضت خفيفة كنسمة هواء بحريّة تنطّ في ثيابها الشفّافة بين المطبخ و الصّالة و بيت الاستحمام مثل فراشة فجريّة.
صوت فيروز المنبعث من آلة التّسجيل ينساب طلقا بين أبواب الغرفة المواربة, ونوافذها. ورائحة البنّ, المدعوكة بحبّات الهيل, على نار الموقد الخافتة, تثقب سقف المطبخ الصّغير...
انتصبت خلف السّتارة الحريريّة لبيت الاستحمام تطرد الكسل عن مفاصلها و تداعب حلمتيها البنّيتين بلون الخرّوب الجبلي تحت دفق الماء الدّافئ. عادتها الّتي تربّي عليها جسدها منذ الصّبا ولم يترهل بعد.
جفّفت شعرها الذّهبي أمام المرآة وهي تلعق آخر قطرات القهوة من الفنجان.
داخل سيّارتها الحمراء واصلت الاستماع إلى صوت فيروز وهي تستمتع بطعم التّبغ الصّباحي وحبّات المطر الطّائشة تنزلق بحنوّ من السّماء الخريفيّة على البلّور راسمة خيوطا شفافة كالدموع...
في الشّارع الرّئيسي رتّبت عشرين زهرة نرجس أمام أوّل بائع ورد اعترضها. استنشقت الباقة بعمق وانطلقت باتّجاه مسرح المدينة مباشرة.
كلّ الكراسي شاغرة إلاّ مقعدها المحجوز في الصفّ الأمامي, منذ يومين... و ملامح الجمهور الشّاحبة لا تنبئ بأنّهم سيحضرون حفلا موسيقيّا...
الأضواء باهتة من الرّكح إلى السّقف. الكراسي أيضا بدت باردة على غير عادتها... هكذا أحسّتها... و الصّمت. صمت لا يطاق يلفّ أرجاء المسرح...
أخذت تداعب النّرجسات العشرين بأرنبة أنفها في محاولة يائسة للّتخلّص من حالة التّوجّس الّتي تملّكتها على غير موعد أمام مئات الوجوه الواجمة, وبدت تغرق نفسها في حالة من الاطمئنان الموهوم لفتنة هالتها بزهرات النّرجس, وكأنّها تقاوم فعلا خرس المكان الغريب أو سواد السّتار الّذي لم يرفع بعد.
كانت تقاوم تداعيا محموما تلبّس بذهنها وصار ينخره بجنون.
- إنّ الخوف من فعل محتمل الوقوع لهو أقسى من وقوعه في حدّ ذاته.
هكذا قالت بصمت وواصلت: ممّا الخوف إذا, وأصابعه لا تزال مغروسة في أسرار جسدك إلى الآن منذ ليلة أوّل أمس. أتذكرين كم راقصك, بعد منتصف الّليل, على عتبات السّماء, فوق نزل "الهناء". كم تلذّذت شفتيه المغمستين بطعم البيرّة الّتي شربها بحانة السّطح المطلّة على أطراف العاصمة وعلى مدارج هذا المسرح.
كلماته منذ ليلتين تلمسينها الآن, تدعكين حروفها بنفس الحرارة, تتدلّى مع قرطك العاجي هذا... ممّا الخوف إذن وأنت الموعودة بعزف منفرد مهدى لك وحدك... تماسكي أيّتها الغبيّة واطرحي هذا الخوف اللامبرّر, فالسّتار يرتفع.
بدأت مخاوفها تنقشع عن رأسها, تتبدّد كأكياس ضباب ثقبتها أشعة شمس لاذعة, بمجرّد أن سرّحت بصرها على مساحة ركح المسرح: العازفون يتوزّعون فوق الخشبة في شكل هلالي. كلّهم منحنون على ﭐلآتهم الوتريّة و الإيقاعيّة. صورته العملاقة تنتصب خلفهم. خطّ طويل من الورود مختلفة الألوان يسيّج أطراف الرّكح الأمامي. عوده, الّذي تغار منه, يتّكئ على الكرسيّ المعدّ له, كنجمة صيف مكابرة.
الجمهور لا يزال ينتظر دخوله, وهي تنتظر عزفها الموعود... والوقت يمضي. يمضي بطيئا قاسيا.
عادت تحدّث نفسها: لماذا تأخّر كلّ هذا الوقت؟ لا شك ّأنّه يجمّع شتاته أو هو يرتّب أصابعه ليجيد مراقصة الأوتار ومغازلة اجّاصته الخشبيّة...
كم هي مملّة لحظات الانتظار ومقيتة. هيّا ادخل وكفانا انتظارا. نطقتها بصوت مسموع !!!
ظلّت تنظر ساهبة إلى الجثث المنحنية على التّماثيل الموسيقيّة اللاّمعة تحت الخيوط الضوئيّة المتسلّلة من بين الرّؤوس المنشغلة بلحظات الانتظار. ذهنها لا يزال ينطّ فوق سطح نزل "الهناء" ولم تنتبه للّرجل الّذي انتصب في قلب الرّكح إلاّ عندما صدح صوته من المكبّرات الجانبيّة.
اعتصرت زهرات النّرجس العشرين بين يديها وضمّتهم أكثر إلى صدرها بارتباك وبدا العرق ينزّ من كامل جسدها بمجرّد أن بدأت شفتا الرّجل البدين الذي تقدم إلى طرف الركح من جهة الجمهور الأمامي, تتحرّكان:
- يؤسفنا أن نعلمكم أنّ هذا العرض قد ألغي. لقد ابتلعت مرآة النّزل الضّخمة عازف العود قبل لحظات من الآن لمّا همّ بتقبيل وجهه المنعكس على بلّورها!!!... يمكنكم استرجاع ثمن التّذاكر بداية من صباح الغد من شبّاك المسرح ونجدد لكم اعتذاراتنا وأسفنا.
لم تدر كيف انفرجت ساقاها بتلك السّرعة العجيبة وهي تشقّ الجموع الآخذة في التّحرّك عشوائيّا بين أروقة المسرح, صامّة أذنيها عن الصّراخ والصّياح المتعالي من أفواه النّساء والرّجال. لم تصدّق كيف لم تدهسها سيّارة وهي تشقّ شارع الحبيب بورقيبة راكضة نحو نزل "الهناء" المقابل للمسرح, ولا حتّى كيف اخترقت حشد المشعوذين والسّحرة والمنجّمين وبعض الأطباء المتكوكبين, إلى جانب رجال الأمن والفضوليين, أمام المرآة المنتصبة وسط بهو النّزل.
كانت ترتجف بصورة هستيريّة داخل المصعد الآلي صارّة أكثر زهرات النّرجس الّتي ازدادت تألّقا وطولا بين أصابعها وصدرها!!!.
على سطح النّزل كانت الحانة مفتوحة. لا احد بداخلها, الكلّ بالبهو الأرضي يتدافع أمام المرآة العجيبة. حلقها تيبّس تماما بفعل زجاجات البيرّة الّتي سكبتها داخل بطنها دون حساب.
سقطت أكثر من ثلاث مرّات وهي تكابد ثقل جسدها لتنقله من الحانة إلى طرف السّطح المطلّ على شارع الحبيب بورقيبة. لم تعد تقوى على الوقوف مستقيمة, ولا على التّركيز.
السّيارات تحتها تراها تصطدم ببعضها البعض, والمارّة صاروا ضئيلين بحجم حبّات الزّيتون وهم يتدافعون كالجراد الهائم في كلّ الاتجاهات وأشجار الشّارع بدت هي الأخرى تتراقص وتتنحّى عن منابتها المستطيلة.
كان رأسها متدلّيا كحبّة الرمّان النّاضجة من فوق السّطح العالي, وكأنها تقف على رأس جوف عظيم, وأخذ فخذاها في الاصطكاك بعنف على جدار السّطح الواطئ.
لم تستطع إمساك فمها, الّذي انفتح كبالوعة نفايات, عن القيء. قيء شديد يندفع من قاب بطنها الّتي تكاد تتمزّق ألما وتتناثر في سماء الشّارع. كان قيئا غزيرا كالمطر, ينقذف زخّات مدرارة من عل فيغطي رؤوس المارّة وأرصفة الشّارع دون توقّف, بل كان الدّفق يقوى باطّراد حتّى صارت تخشى – في لا وعيها- أن تغرق شارع الحبيب بورقيبة في قيئها المحموم, هذا الذّي يتضاعف كلّما لمحت واجهات المحلاّت البلّوريّة المتراصّة على طول الشّارع، لكأنها سكرت بالبلور...
همدت جثّتها قليلا. ارتخت مفاصلها على طرف الجدار, وظلّت بقايا القيء الرّغويّة تسيل لزجة من زاويتي شفتيها كالّلعاب قذرة داكنة. أمعاؤها تتموّج تحت جلدة بطنها ويعتصر قلبها بشدّة. شعرت بحالة من السّكينة والخدر وهي تفكّ يديها المضمومتين إلى صدرها, تركتهما يتدلّيان في الهواء مستلذة هذا الوضع برهة من الزّمن. بعدها لم تدر كيف انفرطت زهرات النّرجس العشرين من بين أصابعها وصارت تتساقط واحدة واحدة, نرجسة تلو نرجسة لتقع بحنوّ فوق جثّة العازف المسجاة أمام مدخل نزل الهناء, وفوق كاميرات السياح و آلات التّصوير وعلى قبعات رجال الأمن والأعناق المتطلّعة لجثّتها الآيلة للسّقوط من فوق النّزل.

2008/04/01

الاستقلال البارد


من مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات في العالم أجمع منذ فجر الحضارات المؤسسة لتاريخ البشريّة، إقامة الحفلات ونشر اليافطات والأعلام للزينة في الساحات العمومية والشوارع وحتّى داخل البيوت... وتذكّر وتكريم من اقترنت به ـ أو بها ـ مناسبة الاحتفال... وإلى ما غير ذلك من المظاهر التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها غير أنها تحمل دلالات عميقة لعل أهمّها التذكير بالأمجاد ـ باعتبارها احتفالا ـ ومزيد تمتين أواصر المحتفلات والمحتفلين...
وككل الشعوب قاطبة، أحيا الشعب التونسي يوم 20 مارس 2008 الذكرى 52 لنيله الاستقلال التام عن المستعمر الفرنسي غير أن يوم الذكرى الذي انقضى منذ أسبوع فقط لم يحمل مراسم الاحتفال والبهجة والتمجيد إلاّ بذاك اليوم الوحيد الذي يُمنح للموظفين والموظفات والعمال والعاملات بعنوان يوم راحة فلم نشاهد أعلام تونس ترفرف في الشوارع الفسيحة التي كانت يوم الخميس الفارط خالية إلا من بعض الأرجل المتعثرة هنا وهناك... ولم نطالع يافطات للمنظمات والجمعيات والأحزاب وحتى أمام مداخل الشركات والمعامل والمؤسسات الوطنية التي نراها تتسابق في مناسبات أخرى في إعلاء اليافطات «الموشّات» بالأخطاء اللغوية والصور والأعلام وتُقيم المسابقات والجوائز وتستأثر بمساحات شاسعة في الصحف والمجلات لتبارك وتمجّد وتساند وتشجع وتضاعف ولاءها...
حتى شارع الحبيب بورقيبة، المجاهد الأكبر الذي أتى بالاستقلال الداخلي للبلاد ـ وان كان على مقاسه ومقاس فرنسا ـ حتى شارعه لم ترفل جدران محلاته ومؤسساته باليافطات والأعلام والصور... ربّما تتعلّل هنا البلديات ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المجتمع السياسي والمؤسسات الوطنية بقلة ذات اليد وبارتفاع أسعار البترول والقمح وبالمصاريف الزائدة التي قد تُنهك ميزانية المجموعة الوطنية غير أن هذا لا يشفع لهم كلهم التغاضي التام والتناسي القصووي لتشريك الشعب التونسي في الاحتفال بيوم مولدهم الوطني في حين نراهم جميعهم يُصابون بما أسميته هستيريا اليافطات والأعلام في مناسبات أخرى!!!
أعتقد ان التاريخ هو أولا وقبل كل شيء الماضي قبل ان يكون الحاضر والمستقبل وأعتقد أيضا أن ردم الماضي في قبور باردة لن يمنح أبدا شرارة وحرارة للحاضر الآني والمستقبل الاتي...
اعترف أنّي أصبتُ يوم 20 مارس 2008 بنكسة عاطفية كبيرة وبرجة إيديولوجية عميقة وأنا أشعر أنّ لا فرق بيني وبين ذاك السائح الفرنسي ـ نعم فرنسي ـ الذي سألني في شارع الحبيب بورقيبة عن سبب اغلاق المحلات والمؤسسات وعن ركود حركة الشارع فلم أجد بدا من اجابته بأن اليوم 20 مارس هو يوم راحة فقط...

أمين عام حزب الإصلاح العربي الديمقراطي الأستاذ ثامر العبادي:



المرحلة الحالية تتطلب توحيد الصفوف في الثوابت الوطنية


الأستاذ ثامر العبادي هو أمين عام حزب الإصلاح العربي الديمقراطي منذ 2003 وقد عمل قبلها في صفوف الحركة الوطنية العراقية وتعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب مواقفه ورؤيته الخاصة المتعلقة بالقضايا العراقية وهو مهندس في مجال الصناعة وتقلد عدة مناصب وظيفية ضمن اختصاصه في العراق، التقيناه أثناء زيارته إلى تونس وأجرينا معه هذا الحوار.
* هل يمكن أن تقدم لنا فكرة عن حزبكم؟
ـ تأسس الحزب بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة للدفاع عن العراق وإعادة السيادة المفقودة بفعل المحتل، وهو حزب له برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي يعمل لمقاومة الاحتلال بالطرق السياسية ويعيد المقاومة المسلحة ويدين الإرهاب، له وجود في جميع المحافظات وعناصره مناضلون ساهموا بالعمل الوطني منذ ستينيات القرن الماضي وللحزب جريدة أسبوعية باسم الوحدة العراقية تصدر في بغداد.
* ما هي إيديولوجية الحزب؟
ـ هو حزب قومي وخلفيات جميع عناصره القيادية كانت بعثية منتمية إلى حزب البعث الاشتراكي ومن الاتجاهات القومية العروبية، ولهذا فان مهمة الحزب الأساسية هي المساهمة في تحرير العراق والمحافظة على وحدته وانتمائه القومي العربي.
* ماذا عن مشاركتكم في العملية السياسية أثناء الاحتلال الأمريكي؟
ـ بعد فشل الاحتلال في إيجاد مبررات لعدوانه وحربه على العراق ومن ثمة احتلاله تعذر بحرصه على تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان ولهذا أسس للعملية السياسية التي خرجت من تحت عباءته لإيهام الرأي العام المحلي والعالمي بأنه حريص على العراقيين ويسعى إلى تحقيق نظام عادل وديمقراطي له ولقناعتنا الثابتة بأن هذه العمليات ستكون لتركيز الاحتلال ولتأسيس الطائفية وتفرقة المجتمع العراقي رفضناها واخترنا بديلا منه هي المقاومة الوطنية بشقيها السياسي والعسكري لتحرير العراق ولهذا فان ما حققته العملية السياسية (الحكومة) من كوارث بحق الشعب العراقي بإثارة النعرات الطائفية والقتل المبرمج على الهوية وفساد مالي وإداري مرعب بالإضافة إلى القوانين التي أنجزتها العملية السياسية بالدستور المشوّه وقانون الأقاليم وقانون المساءلة والعدالة، كلها تثبت النهج المعادي لأطراف العملية السياسية للشعب العراقي ولانتمائه العربي والإسلامي والذي يتم برعاية وإشراف قوات الاحتلال.
* هل تعتقد أن الوضع في العراق بحاجة إلى مزيد من الأحزاب السياسية؟
ـ المجتمع العراقي كغيره من المجتمعات أفراده يحملون رؤى مختلفة وتأسيس أحزاب أو منابر رأي وفكر من شأنه أن يخدم البلد إلا أن المرحلة الحالية من تاريخ العراق تتطلب توحيد الصفوف على ثوابت وطنية وفي مقدمتها مقاومة الاحتلال وتأسيس جبهة وطنية واسعة تضم كل أطياف الشعب العراقي تحت برنامج للتحرير لبناء دولة عصرية تحترم حقوق الإنسان.
* يعني هذا أن لديكم عملا مشتركا مع أحزاب أخرى؟
ـ حزبنا، حزب الإصلاح العربي الديمقراطي يأتلف من جبهة وطنية تسمى المؤتمر التأسيسي العراقي الوطني الذي تأسس عام 2004 على برنامج يسعى إلى تحرير العراق والمحافظة على وحدته وهويته العربية الإسلامية ويشترك مع حزبنا في هذا المؤتمر عشر حركات ومنظمات وأحزاب سياسية.
* وفي المنطقة العربية؟
ـ من المسائل البديهية لحزبنا مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة في تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني وإعادة المهجرين إلى الأرض الفلسطينية، ولكن مهمتنا الأساسية من تأسيس الحزب هو أن نأخذ دورنا في مقاومة الاحتلال الغاشم للعراق والعمل من اجل تحريره وإعادة السيادة المفقودة.
* ما هو موقف الحزب من التدخل الإيراني في الشأن العراقي؟
ـ لقد استفادت إيران من الاحتلال الأمريكي للعراق ووسعت من دورها وأسست مليشيات مسلحة مرتبطة بها خاصة بعد أن أوصلت الأحزاب المرتبطة بها والمتعاونة مع الأمريكان إلى مواقع متقدمة في الحكومة العراقية، فهي تمارس دورا مؤلما ومؤسفا ومصلحيا مستفيدة من حالة الضعف العراقية بعد الاحتلال وإننا نعتقد أن إيران كان معوّلا عليها أن تقف مع الشعب العراقي وتسند مقاومته الوطنية وتحريره لأن بقاء الاحتلال الأمريكي لا يضر بمصالح العراق فقط وإنما سيلحق ضررا كبيرا بمصالح إيران لأن المشروع الأمريكي له أهداف تتجاوز حدود العراق لتشمل عموم الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
* كيف يرى حزبكم مشروع أكراد العراق في إقامة دولة مستقلة؟
ـ لقد ساعدت الأحزاب الكردية التي تتولى السلطة الآن في شمال العراق على احتلال العراق وهي اليوم تستثمر هذه العلاقة مع المحتل بما يوفر لها من غطاء إلى رفع سقف مطالبها من حكم ذاتي إلى فدراليات وما تمارسه الآن قد تجاوز الفدرالية إلى الكنفدرالية وهم يصرحون، أي قادة الأحزاب الكردية، من باب الضغط على الحكومة العراقية بالاستقلال لتمرير مطالبهم غير المشروعة والمدعومة من قبل المحتل ودول إقليمية أخرى في المنطقة، وان حزبنا يعتقد أن الصيغة الامثل لأوضاع الأكراد بالحكم الذاتي الحقيقي لأن هذا من شأنه أن يوفر المطامح القومية لإخواننا الأكراد ويؤمن لهم علاقات حسن جوار مع دول الجوار المحيطة.
* بعد الانتخابات الأمريكية القادمة، كيف تتوقعون أن يكون حال العراق؟
ـ بدءا لابد من الإشارة إلى أن موضوع العراق أصبح ورقة مهمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية ارضاءا للرأي العام الأمريكي بسحب قواتهم من العراق وان التصريحات التي يتبادلها المتنافسون اليوم هي لأغراض انتخابية وإننا نعتقد أن القوات الأمريكية باقية في العراق أما إذا ما خرجت القوات الأمريكية فان في العراق رجالا حكماء من سياسيين وقادة فكر ورجال دين وشيوخ عشائر قادرين علي توفير الأمن والاستقرار للعراق.