بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/03/31

يوم الارض



لن تدور الأرض أبدا دورتها الطبيعية إن لم يدر فوق أديمها العدل دورته العادلة... ستبقى على خرابها ودمارها إن بقى ماردها الأعظم يُكبر من يشاء ويصغر من يشاء... ستظل الأرض هي الأرض غير أنها ستظل واقفة في زمنها الحربي ومعطلة في أفقها العدائي، جامدة غير متحركة إلا بكذبتها الميتافزيقية التي تنأى بأنفاس البشر بعيدا عن الطين المبلل بالعرق والمغمّس اليوم بالدم العراقي والفلسطيني واللبناني...

يوم الأرض الذي يوافق 30 من كل مارس منذ 1976، يوم مات ستة شهداء دفاعا عن الارض ويوم قرر إسحاق رابين مصادرة قرابة 20 ألف دونم من أراضي دير حنا وسخنين وعُرابة في الجليل... لم يكن يعرف أن الفلسطيني يأكل التراب ويتوسد الحجر ليعلق بأسنانه رائحة الرحم الذي أنجب جده ووالده والذي سينجب ابنه وابن ابنه ليتسامق كزهر اللوز وأبعد ويتطاول كعريش الكرمل وأجمل ويتحلى كعرجون الزيتون وأنضج فوق الأرض المخصبة بالحرية...

منذ 1948 والأرض الفلسطينية تدهسها الآلة الحربية الصهيونية وتدعكُ ترابها بلحم أبنائها من اجل إنشاء دولة مفتعلة ركيزتها المستوطنات اليهودية وترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم إلى أصقاع الدنيا وأطراف الأرض...

الأرض الفلسطينية التي صار مركزها الصهيوني وهامشها الفلسطيني توقفت منذ زمان عن الدوران الطبيعي لأن قانون دورانها إلى اليوم مازال يتجاذبه قانون العودة لأي يهودي في العالم وقانون الغائب لكل فلسطيني مشرّد وتغذيه منذ سنوات قليلة فكرة المنظّر اليهودي «جابوتنسكي» حول الجدار الحديدي الذي عنّه ارتفع جدار الفصل العنصري منذ عام 2003 بطول 622 كلم أي ما يقابل نصف مساحة الضفة الفلسطينية وهو إلى اليوم سائر في تقدمه حيث بلغت أشغاله 300 كلم متوغلا في أراضي الضفة الغربية...


2009/03/27

20 مارس 2009!!!

من مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات في العالم أجمع منذ فجر الحضارات المؤسسة لتاريخ البشريّة، إقامة الحفلات ونشر اليافطات والأعلام للزينة في الساحات العمومية والشوارع وحتّى داخل البيوت... وتذكّر وتكريم من اقترنت به ـ أو بها ـ مناسبة الاحتفال... وإلى ما غير ذلك من المظاهر التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها غير أنها تحمل دلالات عميقة لعل أهمّها التذكير بالأمجاد ـ باعتبارها احتفالا ـ ومزيد تمتين أواصر المحتفلات والمحتفلين...

وككل الشعوب قاطبة، أحيا الشعب التونسي يوم 20 مارس 2008 الذكرى 52 لنيله الاستقلال التام عن المستعمر الفرنسي غير أن يوم الذكرى الذي انقضى منذ أسبوع فقط لم يحمل مراسم الاحتفال والبهجة والتمجيد إلاّ بذاك اليوم الوحيد الذي يُمنح للموظفين والموظفات والعمال والعاملات بعنوان يوم راحة فلم نشاهد أعلام تونس ترفرف في الشوارع الفسيحة التي كانت يوم الخميس الفارط خالية إلا من بعض الأرجل المتعثرة هنا وهناك... ولم نطالع يافطات للمنظمات والجمعيات والأحزاب وحتى أمام مداخل الشركات والمعامل والمؤسسات الوطنية التي نراها تتسابق في مناسبات أخرى في إعلاء اليافطات «الموشّات» بالأخطاء اللغوية والصور والأعلام وتُقيم المسابقات والجوائز وتستأثر بمساحات شاسعة في الصحف والمجلات لتبارك وتمجّد وتساند وتشجع وتضاعف ولاءها...
حتى شارع الحبيب بورقيبة، المجاهد الأكبر الذي أتى بالاستقلال الداخلي للبلاد ـ وان كان على مقاسه ومقاس فرنسا ـ حتى شارعه لم ترفل جدران محلاته ومؤسساته باليافطات والأعلام والصور... ربّما تتعلّل هنا البلديات ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المجتمع السياسي والمؤسسات الوطنية بقلة ذات اليد وبارتفاع أسعار البترول والقمح وبالمصاريف الزائدة التي قد تُنهك ميزانية المجموعة الوطنية غير أن هذا لا يشفع لهم كلهم التغاضي التام والتناسي القصووي لتشريك الشعب التونسي في الاحتفال بيوم مولدهم الوطني في حين نراهم جميعهم يُصابون بما أسميته هستيريا اليافطات والأعلام في مناسبات أخرى!!!

أعتقد ان التاريخ هو أولا وقبل كل شيء الماضي قبل ان يكون الحاضر والمستقبل وأعتقد أيضا أن ردم الماضي في قبور باردة لن يمنح أبدا شرارة وحرارة للحاضر الآني والمستقبل الاتي...

اعترف أنّي أصبتُ يوم 20 مارس 2009 بنكسة عاطفية كبيرة وبرجة إيديولوجية عميقة وأنا أشعر أنّ لا فرق بيني وبين ذاك السائح الفرنسي ـ نعم فرنسي ـ الذي سألني في شارع الحبيب بورقيبة عن سبب اغلاق المحلات والمؤسسات وعن ركود حركة الشارع فلم أجد بدا من اجابته بأن اليوم 20 مارس هو يوم راحة فقط...

2009/03/25

10 مليون سؤال عن السينما التونسية



لو استوقفنا عشرة ملايين مواطن تونسي ومواطنة تونسية وسألناهم عن حال السينما التونسية لتحصلنا على عشرة مليون سؤال ونقطة استفهام مختلفة بشأن واقع هذا القطاع الذي يمثّل العمود الفقري للمشهد الثقافي عموما في بلادنا...

فمنهم من سيسأل عن قلة الإنتاج السينمائي ومنهم من سيطرح سؤاله عن انحسار السينما التونسية في خانات معلومة سلفا لم تخرج عن الجنس منذ أول الأعمال، ومنهم من سيضع نقطة استفهام كبيرة أمام قلة قاعات العرض وصغر حجمها، ومنهم من سيسأل عن تهميش نوادي السينما وجامعتها وعن النقد السينمائي وقلته إن لم نقل ندرته...

ومنهم من سيلاحظ ارتهان قطاع السينما لدعم وزارة الثقافة الذي تُثار بشأن توزيعه وقيمته آلاف الأسئلة، وسنسأل عن ذهنية المعلقات الاشهارية وعن التقنيات المتوفرة لدى سينمائيينا وعن هروب اغلب مخرجينا الى العمل المشترك أو استجداء الإعانات المادية من فرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول التي تشترط علينا ما يُرضي نزعتها الاستعلائية...

سنسأل عن نفور المتفرج التونسي من الأفلام الوطنية، وسنسأل عن غلاء أسعار تذاكر الدخول لقاعات السينما، وعن كيفية إدراج الأفلام وتوزيعها داخل القاعات...

سنسأل عن حقوق السينمائيين أمام تكالب أصحاب محلات نحت الأقراص... سنسأل عن صمت وزارة الإشراف أمام تحول قاعة سينما الى محل لبيع الملابس المستعملة والكائنة بساحة العملة... وأخرى لا نعلم إلى أي صنف تجاري ستؤول، وقاعات بحلق الوادي أكلها الصديد والنسيان الأبدي...

سنسأل عن الدعم الإعلامي والاشهاري الغائب تماما في مؤسساتنا الإعلامية بخصوص الإنتاج السينمائي فهذا الإشهار، وعلى أهميته القصوى في جلب المشاهد، لا تزال تلفزاتنا وإذاعاتنا وصحفنا تتعامل معه كحدث عارض أو كخبر عادي في حين تخصص في مصر مثلا شركات وأموال وطاقات فقط لتأمين إشهار الأفلام على القنوات التلفزية وفي الصحف والإذاعات والمواقع الالكترونية.

سنسأل وسنسأل مليون سؤال بل قل عشرة ملايين سؤال وسؤال بشأن راهن السينما التونسية ومستقبلها...

مستقبل السينما التونسية، والذي سيظل ضبابيا، هلاميا، غير واضح المعالم، مادمنا نفتقد لإستراتيجية بعيدة المدى تقف على هنات وسلبيات السينما، المادية والمعنوية... سيظل مستقبلها عائما مادمنا نخطط لمهرجان قرطاج السينمائي في مدة شهر واحد آو اثنين قبل انطلاق الدورة... بل قل إننا لم نخطط لمثل هذا المهرجان إذ يكفي فقط أن نذكر أن هناك من القاعات المبرمجة لاحتضان أفلام الدورة لم تصلح مقاعدها لاستقبال الجمهور!!

إن تواتر بعض الفعاليات السينمائية في بلادنا لا يجب أن يحجب عن أعيننا مثل هذه الأسئلة الحارقة، فالمقعد المعطب وغياب الإشهار وقلة الدعم وشروط الإنتاج المشترك وقلة القاعات وضيقها... و... و... كل هذه الأمور علينا أن نقف أمامها ونعاينها بجدية لنتدبر أشكال تفاديها والخروج من جاذبيتها التي تشد السينما التونسية الى الوراء مقارنة بمثيلاتها من السينما السورية واللبنانية والمغربية والمصرية والإفريقية... وأعتقد أن الذهنية الثقافية / الثقافية لا الإدارية هي وحدها القادرة على طرح بديل أو لنقل حلولا جذرية لراهن السينما التونسية فلربما اتضحت بعض معالم مستقبلها وعلى الأقل في السنوات القليلة القادمة، فالسينما ليست ترفا ثقافيا، بقدر ما تمثل بصمة حضارية تساهم في تشكيل ملامح الهوية الوطنية والقومية أيضا مثلما نجحت في ذلك الى حد بعيد السينما الإيرانية وسينما أمريكا اللاتينية... وغيرها من الدول التي تؤمن بالسينما كرافد من روافد بناء مجدها...

2009/03/19

خيرنا ماشي لغيرنا

"خيرنا ماشي لغيرنا"

لم أجد أبلغ من هذا المثل الشعبي الذي يجري على ألسنتنا لأصف بعضا مما يعانيه الإنتاج السينمائي ببلادنا، خاصة فيما يتعلق بعملية تصوير الأفلام. وما دفعني للكتابة مجددا في هذا السياق ما شاهدته مؤخرا بشارع الحبيب بورقية يوم تم تصوير "لقطة اشهارية" أو "فيلم إشهاري قصير" لأحد المؤسسات الخاصة منذ أيام معدودات.

يومها خلت نفسي وأنا أقطع، شارع الحبيب بورقيبة، شارع الكراسي واللغو، بأنني أعبر أحد شوارع فرنسا، لو لم يعترضني البعض من أصدقائي تقنيي السينما أصحاب الشهائد العليا في فن التصوير السينمائي وإدارة الممثل، إذ وجدتهم متكوكبين أمام الحواجز المضروبة على منطقة التصوير (وسط شارع الحبيب بورقيبة) يُتابعون حركات الشبان الفرنسيين وهم يُديرون ويوجهون الممثلين بكل ثقة واعتداد بالنفس.

المؤسسة الخاصة التي قامت بتصوير اللقطة الاشهارية، هي مؤسسة تونسية تنتصب على أرض هذه البلاد، واللقطة الاشهارية سيتم بثها على التلفزة التونسية للشعب التونسي، أما الفريق الذي قام بعملية التصوير فهو فرنسي...

إن إقصاء الكفاءات التونسية الشابة من المشاركة في مثل هذه اللقطة الإشهارية وغيرها من الانجازات السينمائية التي تُنتج ببلادنا سلوك غير مبرر ولا يُساهم في تطوير العمل السينمائي، وأعتقد أنه من الضروري منع التقنيين الأجانب من المشاركة في أي فيلم طويل أو قصير أو اشهاري يحمل الجنسية التونسية، عملا بالأعراف الجاري بها العمل في قطاع السينما العالمية لتوفير لقمة العيش لأبناء البلد والحفاظ على الخصوصية التونسية في أي قسم من أقسام السينما، تصويرا وإنتاجا وإخراجا... وللحفاظ على فرص العمل لتقنيي السينما وخريجي معاهد السينما... ففي فرنسا مثلا وأوروبا عموما أو الولايات المتحدة الأمريكية من المستحيل أن يعمل تقني تونسي في فيلم أجنبي، ويكفي أن نذكر صناعة السينما في الهند أو في دول شرق آسيا التي تقوم على الكفاءات الوطنية.

إن اللجوء إلى الكفاءات الأجنبية بتعلة الخبرة أمر يثير الضحك والاستغراب في الآن نفسه، فالشاب الأجنبي صاحب الخبرة يلقى من قبل المنتجين الكبار في بلاده العناية والاهتمام حيث يتم انتداب المتخرجين الجدد من معاهد السينما كمتربصين في الأعمال السينمائية أين يتم تكوينهم ورسكلتهم وهو ما لا تلاقيه الكفاءات التونسية في بلادنا في القطاع السينمائي... في ظل استحواذ نفس الأسماء على كل شيء وأيضا في ظل التعويل على تقنيي التلفزة التونسية والمتقاعدين منها للمشاركة في الأعمال السينمائية.

فطبيعي أن يمتلك الشاب الأجنبي خبرة ومعرفة عالية في المجال السينمائي بعد أن تزود بزاد معرفي إبان دراسته للسينما وتعززت قدراته وخبراته مع كل تربص يُنتدب له، وطبيعي جدا أن نتفاجأ نحن كل مرة بممثل أو مخرج شاب من فرنسا أو من ألمانيا أو من أية دولة أجنبية بما يقدمه من أعمال مهمة، وطبيعي أيضا أن يظل الشاب التونسي هنا ينتظر سنوات طوال وهو على قارعة شارع الحبيب بورقيبة وعلى قارعة الحلم والأمل، إلى أن يصل سن اليأس فلا يُنتج إلا فيلما قصيرا أو فيلمين كامل حياته الفنية، مادام مقصيا ومهمشا ولا يساهم في الأعمال السينمائية إلا نادرا وبمحض الصدفة، وهذا الوضع طبعا ينسحب على المسرح والموسيقى ومختلف الفنون.

مرة أخرى أقول انه من الضروري أن نعاود تفكيرنا فيما نحن بصدد التورط فيه ضد مستقبل هذه البلاد، ومن الضروري أن نتعلم كيف نستغل خيراتنا وكفاءاتنا البشرية وأن لا نهدرها بشكل أعمى لا يساهم إلا في تركنا أسيري غيرنا...