بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/04/27

جولة داخل القصر الرئاسي:عندما تتنازع الجدران التاريخ والسلطة

الحبيب بورقيبة، زين العابدين بن علي، محمد الغنوشي، فؤاد المبزع ومحمد المنصف المرزوقي... رئيسان كادا يكونان دائمين لولا موت المجاهد وعزل "الثورة" للدكتاتور... وثلاثة رؤساء مؤقتين، الأول نام ليلة واحدة على بند الدستور 56 ليجد نفسه بعد ذلك أمام حاكم التحقيق، والثاني عاد إلى مناطق الظل والصمت والثالث يمارس الآن صلاحياته التي اختارها... خمسة أسماء تداولت على كرسي الحكم في تونس ما بعد الاستعمار الفرنسي... وكانت لهم الإقامة بين جدران قصر قرطاج وأروقته وغرفه الفسيحة وحدائقه الغناءة المطلة على البحر الأبيض المتوسط... أسماء تنازعت فيما بينها صفاتهم الشخصية التي تراوحت بين كاريزما "الدكتاتور المتنور" والإفراط في النرجسية... ولكن أيضا الهوس بالفن والتاريخ... أما "الدكتاتور الجاهل" فجدران القصر الرئاسي لا تذكر من "عهده" سوى كاميرات التجسس ووقع أحذية الوشاة والمخبرين... أما الثالث فألتبست عليه في "ليلة القصر الوحيدة" كوابيس الفصلين 56 و57 من الدستور التونسي وإصرار الشعب على افتكاك حريته... في حين اكتفى الرابع بالنوم العميق على الأرائك الوثيرة وتسريح قدميه المترهلتين بين أشجار القصر وزهوره... لينسحب في صمت كما جاء... وها هو الخامس يفتح الباب الموصد لنكتشف "بعضا" من ملك الشعب التونسي الذي يخشى حتى أن يمر أمام القصر... ويعيد للجدران بعضا من تاريخ هذا الوطن... ****** رفقة السيدة اسمهان يوسفي (دكتورة التاريخ المعاصر وتشتغل الآن في الدائرة الثقافية بالقصر) ورفقة السيد وسام التليلي (مخرج سينمائي وملحق بالدائرة الثقافية بقصر قرطاج) كانت لنا جولة داخل جزء كبير من قصر قرطاج الرئاسي مساء يوم الثلاثاء 24 أفريل 2012 للتعرف على بعض من تفاصيل هذا المبنى الذي منه تستمد تونس سيادتها وترسم نظامها. كان الدخول من أحد الأبواب الجانبية من جهة نزل أميلكار، وكانت أولى المعلومات متضاربة حول المساحة الجملية للقصر (18 أو 34 هكتار)، ولكن الثابت مثلما تعلمنا بذلك السيدة اسمهان يوسفي أن المهندس المعماري الذي اشرف على تصميم وبناء القصر هو "أوليفيي كوكو" الذي طلب منه الحبيب بورقيبة تحويل الحديقة الشاسعة إلى قصر رئاسي، لتنطلق أشغال البناء سنة 1960 ولتتواصل إلى نهاية 1969 وكان البناء على ثلاثة مراحل وتم تشييد القصر حسب نمط معماري عربي أندلسي تونسي، وقد ترك المهندس "كوكو" الفيلا الصغيرة التي كانت متواجدة بالحديقة والتي تحولت فيما بعد إلى "بيت الحكمة"، أما الجزء الأول من البناء فقد انطلق بالمسرح الأنيق المتواجد بقلب القصر. ****** يحتم علينا تاريخ بناء القصر أن نصف المسرح أولا باعتباره أول جزء تم بناؤه (1964)، رغم أن بداية الجولة انطلقت من بهو الرؤساء، كما أن الدهشة و"الفرحة" التي بدت على وجوهنا ونحن نكتشف أن قصر قرطاج يحمي بين جنباته أيقونة معمارية هي "مسرح قرطاج" الذي "ألح" الحبيب بورقيبة على تشييده، وهو الذي كان "مهووسا" بالمسرح وبمتابعة الأعمال المسرحية خاصة لعلي بن عياد في المسرح البلدي، غير أن المسرح الذي بناه بورقيبة داخل القصر، كان مسرحا "بورجوازيا" من خلال توزيع مقاعده (120 مقعد)... هذا المسرح الذي يفوق أناقة ورفعة ذوق من المسرح البلدي، ظل طيلة 23 سنة، زمن الدكتاتورية النوفمبرية، ظل صامتا ولم يقف على خشبته سوى ثلاثة أسماء، من "مثقفي" البلاط و "سيادته" (رفض مرافقنا ذكر الأسماء). فوق المسرح توجد قاعة سينما مجهزة بكاميرات من صنف 35 مم و16 مم وهي الآن تشهد عملية صيانة من طرف السيد وسام التليلي الملحق بالدائرة الثقافية. ****** عودا على بدء، دخلنا القصر من الباب الرئيسي حيث بهو الرؤساء، وهو عبارة عن قاعة فسيحة تنتصب على جدرانها لوحة عملاقة للحبيب بورقيبة والى جانبها لوحة فيها الآية القرآنية "إن ينصركم الله فلا غالب لكم" ولوحة متوسطة لزبير التركي (رسم لنادل مقهى)، وقبلهما توجد لوحتان كبيرتان الأولى مكتوب فيها بلون ذهبي نص "قرار المجلس القومي التأسيسي في إعلان الجمهورية" ممضى من قبل رئيس المجلس جلولي فارس، واللوحة الثانية مكتوب فيها نص "بروتوكول الاتفاق التونسي الفرنسي المتعلق باستقلال تونس" في عشرين مارس 1956 ممضى عن تونس من قبل الطاهر بن عمار وعن فرنسا وزير الخارجية كريستيان بينو. وتنتصب فوق رخام القاعة عديد الطاولات وفوقها مزهريات الورد والتحف، أما السقف فله زخرفة إن وُصفت ستفقد رونقها مثلها مثل مختلف الثريات المتدلية كعناقيد العنب... دخلنا "رواق البايات" الطويل والمفروش بسجاد احمر وتكسو جدرانه الستائر الأنيقة إلى جانب بعض الجداريات من السيراميك المثبتة في الجدران والمكسوة بالمنمنمات الفارسية، ولكن أهم ما علق على الجدران تلك الصور العملاقة جدا لكل من علي باش باي والمشير محمد باشا باي 2 ومحمد الصادق باشا باي وكل البايات الذين حكموا الايالة التونسية. وفي جدران الرواق "حُفرت" بعض الأماكن لتحفظ التحف النادرة والهدايا الرئاسية والأوسمة والنياشين وكذلك القطع الأثرية الأصلية. على الجهة اليمني للرواق دخلنا "قاعة عليسة" وهي الفضاء الذي كانت تستقبل فيه وسيلة بورقيبة سيدات المجتمع وزوجات الرؤساء والوزيرات، وبعدها نجد "قاعة ابن خلدون" وهي المكتبة التي وشحها الحبيب بورقيبة بالكتب والمراجع والمصادر، واستغلها بن علي وعائلته "مكمنا" آمنا لما طالت أيديهم من أموال وذهب ومخدرات... ****** دخلنا "مغارة الحبيب بورقيبة"، حيث التحقت بنا السيدة نائلة محجوب وصيفة القصر الرئاسي (المسؤولة الأولى عن القصر)، وهي التي كان لها الفضل الكبير في حفظ جزء من تاريخ تونس ذاك الذي كتبه الحبيب بورقيبة، ففي تلك "المغارة البورقيبية" (قاعات أنيقة) تعثر على كنز تاريخي، فيه من الصور الشخصية والعائلية والرسمية وصور لعديد الزعماء والرؤساء والمناضلين، وفيه عدد لا يحصى من التحف والقطع الأثرية والهدايا وأغلب متعلقات بورقيبة (أحذية، سرج الحصان الذي كان يمتطيه، طربوشه، شهادات، تماثيل شخصية، قصائد كُتبت في بورقيبة، سجادات، آلات تصوير، قطعة قماش من غطاء الكعبة الشريفة....). ومن بين ما كان يحتفظ به بورقيبة في مكتبه الخاص صورة للزعيم الوطني فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى جانب صورة كبيرة لأحمد التليلي وبالمثل لمحمد علي الحامي... ومن بين القطع التاريخية التي حفظتها ذاكرة القصر الرئاسي بقرطاج محفظة هدية من الاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس عشر. المغارة التاريخية أيضا انتصبت فيها مكتبة تراصت فوق رفوفها ألبومات الصور وأرشيف سمعي بصري وورقي ومجموعة كبيرة من الأفلام المحفوظة في العلب (35 و16 مم)، والتي سيتم الاعتناء بها ورقمنتها، كما لا يفوت الزائر لهذا القصر أن شعار الجمهورية التونسية موجود في كل ركن وبكل الأحجام... قاعات رئاسية وأخرى شرفية... قاعات موصدة وأخرى مفتوحة... أروقة ممتدة وأعمدة رخامية منتصبة ونوافذ عالية تطل على البحر وعلى الحدائق المحيطة بالقصر... أرائك وطاولات ومزهريات في كل ركن... ثريات تتدلى وأخرى تلتصق بالجدران... مضخمات صوت متبثة في قاعة الرئيس الرسمية وكذلك في القاعة التي تجتمع فيها الحكومة... كل هذا كان في جزء من القصر الرئاسي لقصر قرطاج ذاك الذي استقبل بورقيبة طيلة ثلاثين سنة ولما انتقل إلى مقبرة آل بورقيبة بالمنستير ظلت أنفاسه تتحرك بين الرفوف والجدران... وذات القصر هو الذي اغتصبه بن علي من الشعب ذات 7 نوفمبر 1987 ومكث فيه 23 سنة إلى أن لفظته الجدران... وهو ذات القصر الذي يستقبل بعد 14 جانفي 2011 والى حدود الآن الدكتور محمد المنصف المرزوقي باعتباره رئيسا مؤقتا، والذي نتمنى أن لا يخرج منه إلى المقبرة أو يلفظه القصر إن فكر في الوثب على سلطة الشعب... فالجدران تعرف أن السلطة يمكن أن تتحول إلى تسلط ودكتاتورية، والتاريخ لا يمكن أن ندخله إلا مرة واحدة، عكس القصور التي ندخلها متى شئنا.

2012/04/23

المناضل والإعلامي الطاهر بن حسين صاحب قناة الحوار التونسي هذا هو تكتيك حركة النهضة مع وسائل الإعلام القديمة والجديدة

داخل مقر قناة «الحوار التونسي» كان اللقاء مع المناضل والإعلامي الطاهر بن حسين. الحركة كانت دؤوبة بين الفنيين والصّحافيين، أخذنا رُكنًا مع صاحب القناة وحاولنا أن نقترب من شخصيته وهواجسه وطموحاته الإعلاميّة والسياسيّة. فكان هذا الحوار:
• باعتباركم تمثّلون جزءًا من المشهد الإعلامي، كيف ترون انعكاس «الثورة» التونسيّة على هذا القطاع؟ ـ أوّلا أودّ أن أذكّر أنّ قناة «الحوار التونسي» ليست وليدة لثورة 14 جانفي، ربّما ارتبطت القناة قانونيًّا بتاريخ الثورة، ولكن تاريخيّا كانت موجودة من قَبْلُ، وتحديدا منذ سنة 2006. أمّا بخصوص المشهد الإعلامي فالثابت أنّ التطوّر حصل فقط على المستوى الكمّي (صحف جديدة واذاعات وقنوات تلفزية) لكن في العمق لم يتغيّر شيء، فعندما نرى اليوم وسائل الاعلام التي تريد خلق رأي عام بعد الثورة، هي نفسها وسائل الاعلام النوفمبريّة وخاصّة القنوات التلفزية، ولم يعد خافيًّا اليوم أنّ القنوات التي ساهمت في تكريس استبداد النظام السابق هي ذاتها التي تعمل اليوم على خلق وتوطيد الاستبداد الجديد، فالقناة التي ترتمي في أحضان النهضة اليوم هي التي كانت في أحضان بن علي بالامس، ولذلك أقول إنّ مثل هذه القناة وغيرها ستلعب دورًا قذرًا جدًّا في إعادة منظومة الاستبداد. التاجر لا يمكنه أن يدافع عن الحريّات بل يدافع عن رأس ماله المالي، ولذلك ارتمت هذه القناة في أحضان النهضة والثانية في أحضان الليبراليين لتأمين الربح المادي ضاربين عرض الحائط رسالة الاعلام الحقيقيّة، انظر مثلاً جريدة «لوموند» أو «ليبيراسيون» فهما لم تتغيّرَا ولم يبدّلا خطهما التحريري. ما نلاحظه اليوم من منسوب «الحريّة» في علاقة بملفات الفساد مثلاً أو نقد الحكومة يدخل في ما أسميه «الابتزاز». أذكر أنّ صاحب قناة تونسيّة خاصّة طلب من رجل أعمال 500 مليون لئلاّ يكشف تورّطه مع النظام السابق، وهذه الممارسات تذكرنا مثلا بالصحافة اللبنانية التي أثرت بطريقة الابتزاز، وهي طريقة لا يتفطّن إليها المشاهد، والابتزاز هنا متبادل فالحكومة الحاليّة تبتز أحد القنوات الجديدة التي لم تحصل على ترخيص رسمي للبثّ، ولكنّها ستحصل عليه بمجرّد أن تؤدّي «مهمّتها» في تجميل صورة الحكومة الحاليّة والمساهمة في تأبيدها. • هل يمكن أن تعتبر هذه الفترة (2013/2011) شبيهة بفترة (89/87) في علاقة بالانفتاح الإعلامي؟ ـ في فترة انقلاب بن علي على بورقيبة كان الناس يعتقدون أنّ هناك كابوسًا انزاح وصدّق الناس أنّ بن علي سيستمرّ في نهج الحريّات في الفترة الأولى وأنّه سيطبق ماجاء به بيان 7 نوفمبر، ولكن أعتقد أنّ فترة 88/87 خلت من منطق الابتزاز بين السلطة والحكومة على عكس ما نعيشه اليوم مع حركة النهضة. اليوم تُعْتَبَرُ شروط المنافسة مختلّة بين وسائل الاعلام، فهل يعقل أنّ النظام السابق أغدق المليارات على القنوات الخاصّة ونطالب اليوم أن تنافسها قنوات جديدة حصلت على رخصة عمرها أشهر معدودة! لقد تمّ خلق كلّ الظروف التي تمنع أي تغيير حقيقي وجذري، وهي عمليّة مقصودة ومدروسة خاصّة من حركة النّهضة، فالقنوات القديمة تضغط على خطّها التحريري بفسادها السابق وأمّا القنوات الجديدة فستضيق عليها الخناق لتتوقّف من تلقاء نفسها. • كيف ترون إذًا شروط محاسبة الاعلاميين المتورّطين مع النظام السابق؟ ـ المصيبة الكبرى ان الهيئة العليا لاصلاح الاعلام انها مكوّنة من فنّيين وليس من سياسيين والثورة سياسية بالاساس وليست فنية وربّما لذلك غلب السياسيون اهل الاختصاص، كل اعضاء الهيئة نزهاء لكنهم للاسف ليسوا سياسيين. هناك من اثرى في زمن بن علي، ومن خان ميثاق الشرف الصحافي ومحاسبتهم يجب ان تكون سياسية بالاساس ومن المفترض ان يعيد صاحب القناة و«باعث القناة» الاموال الطائلة المنهوبة من عرق المواطن باسم الاشهار وكذلك على كل من أخلّ بشرف المهنة ان ينسحب من المشهد الاعلامي ولكن أكرّر واقول للاسف إن خيوط الاستبداد حبكت بين الحكومة وذات الوجوه الاعلاميّة المتورطة سابقًا وهذا ليس بالغريب عن طرف رفض الثورة وطرف ثان لم يشارك في الثورة بل سطا عليها وعندما نتذكّر ان العلم التونسي لم يُرفرف يوم 20 مارس 2012 بشكل رسمي سنعرف كيف تتعامل هذه الحكومة مع الوطن ومع الثورة. •اذن علينا ان ننتظر ثورة جديدة من قِبل الاعلاميين؟ ـ بالفعل يجب ان تُقام ثورة داخل قطاع الاعلام فنسبة 90 بالمائة من الوجوه والاقلام التي نراها اليوم لا يجمعها سوى قاسم مشترك اسمه «قلة الحياء» فنفس الاسم الذي كنّا نراه ونسمعه يكتب ويمجّد بن علي نراه اليوم يتحدث عن «المخلوع» وعن "النظام البائد" ولو كنت مكان واحد من هؤلاء إمّا ان انتحر او أغادر البلاد، ولكن ما حدث العكس تمامًا، بل ان هذه الاسماء صارت تُزايد على المناضلين والشرفاء الذين لم يصمتوا زمن بن علي فهل يُعقل مثلاً أن يقول «سمير الوافي» لابراهيم القصاص أين كنت في السابق، هل هناك وقاحة أبعد من هذه السلوك؟! •لنعد إلى قناتكم، الحوار التونسي، التي بدأت في افتكاك نسبة مهمّة من المشاهدين، كيف تقيمون أداءها اليوم؟ ـ القناة موجودة منذ 2006 ولم تتخل عن خطها التحريري النضالي ودورها اليوم يتوقف على عزيمتي وتطوعي لصرف آخر مليم في جيبي لان وجود قناة الحوار التونسي اليوم ليس ترفًا بل هو ضرورة وضرورة وطنية، واعتقد اننا في القناة نملك ثروة رمزية تتمثل في ايمان الفريق العامل بالقناة برسالة الاعلام بغض النظر عن الجانب المادي (رغم أن رواتبهم اكثر من رواتب قناة حنبعل مثلاً او نسمة) وكذلك اليوم بدأنا نلمس تعاطف الرأي العام الوطني مع القناة وتزايد اهتمامهم ببرامجها لان المواطن وجد صورته في القناة دون تزييف او تجميل، كما ان الاحتجاجات العمالية ننقلها كما هي دون تشويه مثلما تفعل بعض القنوات الاخرى بايعاز من الحكومة لتشويه صورة الاتحاد العام التونسي للشغل رغم ان نفس الاضرابات والاعتصامات كانت تنتظم في حكومة الباجي قائد السبسي مثلاً. •وماذا عن رأس مال القناة؟ ـ لا أخفيك سرّا ان قلت ان التعاطف الذي تلقاه القناة اليوم من عموم المواطنين قد مهّد الطريق لتعاطف بعض رجال الاعمال الوطنيين الغيورين على هذا الوطن ومن ذلك ان رصيدنا المالي تعزّز بوجود خمسة من رجال الاعمال وهو ما سينعكس ايجابا على القناة خاصة في الجانب التقني (الصورة، الاضاءة، الصوت، المعدات، الفريق الصحافي...) كما ان اليوم لدينا بعض الوعود بالاشهار، وفي ظرف اسابيع ستكون برمجتنا جاهزة ومتنوعة. اليوم معركة القناة تتعلق بجودة الصورة اما المضمون وخطنا التحريري فذاك هويتنا التي انطلقنا بها ولن نتنازل عنها أو نغيرها. •ربما لذلك قناتكم مستهدفة بشكل مباشر من قِبل السلطة؟ ـ بالفعل خطنا التحريري يقضّ مضجع السلطة لأنّه يكشف جانبا كبيرا من زيفها واستبدادها وتملقها فهل تعرف مثلا ان المرزوقي الرئيس المؤقت اليوم أخرج سنة 8 جويلية 2008 بيانا يكتب فيه بالحرف الواحد ان «قناة الحوار التونسي هي المتنفس الوحيد للمعارضة» واليوم عندما ينظم ندوة صحافية يستدعي فيها حنبعل ونسمة والتونسية والقناة الوطنية ويستثني قناة الحوار التونسي! أما المحاصرة الأمنية وافتكاك المعدات وتهشيمها فكله يدخل في المحاولة اليائسة لتطويعنا وتدجيننا كبقية القنوات باعتبار الاعلام ـ وفق رئيس الحكومة ـ هو اعلام حكومي وليس عمومي حتى لا نقول انه إعلام سلطاني! في دوز منعوا فريق القناة من التصوير مع المرزوقي وكذلك في جندوبة منعنا حمادي الجبالي من التصوير وفي بنزرت ثم منعنا ايضا من التصوير... بينما قناة التونسية لا تملك رخصة ومع ذلك تصور في كل الاماكن وتستدعي من تشاء من الوزراء. •لنعد الى الشأن السياسي الوطني، كيف تقيمون الأداء الحكومي الى حد الآن؟ ـ لا يمكن الحكم على الاداء الحكومي في ظرف 100 يوم مثلما نسمع اليوم، لكن يمكن بالمقابل الحكم على التوجه العام لهذه التشكيلة المؤقتة ودعني اقول انه توجه للسطو على السلطة خاصة ان الانتخابات القادمة سوف لن تكون في صالح حركة النهضة لعدم كفاءتها في ادارة الشأن العام للبلاد ولما أظهرته من لهفة على كرسي الحكم بكل الطرق، الى جانب عدم ايفائها بالوعود الانتخابية وربما هذا الفشل هو الذي سيخلق كتل سياسية اخرى اقدر ان تكون في حدود الخمس (الاسلاميون ـ القوميون ـ الليبراليون ـ اليساريون ـ الوسطيون) وهذا امر صحي وضروري، واعتقد ان الاسلاميين سيأخذون حجمهم الطبيعي والذي لن يتجاوز 15 بالمائة في اقصى الحالات. •ولكن هل تعتقدون ان هذه الاطراف ستستوعب اللعبة الديمقراطية وتجنب البلاد الدخول في «حرب اهلية» خاصة أن بوادرها بدأت تظهر من خلال عنف (الميليشيات) على المواطنين؟ ـ تلقائيا، لا اعتقد ذلك، اما الحرب الاهلية فمستبعدة لانه تاريخيا لا تقوم الا في وجود قطبين يصعب ان ينتصر الواحد على الآخر، لكن المسيرة التي هي بصدد التشكل الآن في تونس قد تجنبنا الوقوع في ذلك، وهذا ايضا يتوقف على اقتناع النهضة بعدم التعنت عندما تكتشف حجمها الحقيقي، وربما لذلك تستميت اليوم الحكومة في إلجام تحركات السياسيين ومنع المواطنين من التظاهر وارضاخهم لمنطقهم، منطق «قل ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء» والنهضة اليوم بصدد منع السياسة على غيرها واستثمار مواقع قيادييها المؤقتة. •ولكن أين دور طرفي الترويكا، التكتل والمؤتمر امام هذا التمشي؟ ـ بكل بساطة اقول انهما لعبة يبد حركة النهضة خاصة انهما اظهرتا عدم انتمائهما الى الطبقة السياسية المناضلة والمترفعة عن الانتهازية. •لنعد الى التكتلات السياسية ألا ترون اننا بصدد الدخول في استقطاب ثنائي خاصة امام تواصل حالة التشرذم التي يعيشها اليسار؟ ـ بصراحة اعتقد انه في تونس لا يوجد يسار سياسي بل هي نخبة مثقفة تستلهم من الايديولوجية اليسارية ولكن من ناحية الاستقطاب الثنائي، انا لا أراه كذلك ربما عقائديا يجوز الاستقطاب الثنائي ولكن سياسيا هناك عدة تكتلات. ثم ان الحملة التي تشنها النهضة اليوم على التجمعيين هي حملة مفضوحة ويائسة ، فهل يعقل ان يمارس السياسة من فجّر الفنادق والقى الزجاجات الحارقة ويقصى مثلا رئيس شعبة!