بحث هذه المدونة الإلكترونية

2007/09/11

أفكار متقاطعة 30

اغتصاب التاريخ

بعد اغتصَاب الأرض العراقيَّة وانتهَاك حُرمَات جغرافيا ما بين النهرين، وبعد اعدام الرئيس الشرعي لجمهورية العراق العربية صدام حسين جاء الان دور اغتصاب التاريخ بعد السّرقات والنّهب وطمس معالم حضارة بلاد الرافدين في اطار مشهدي سينمائي...صدّام حسين برؤية صهيوأمريكية هي ذي الآن ورقة بريطانيا وامريكا... ورقة الثقافة الغازية... ذلك ان هيئة الاذاعة البريطانية BBC ستنتج قناتها الثانية فيلما عن حياة ومسيرة صدام حسين وقد اختارت هذه القناة ممثلا صهيونيا لتقمص شخصية الرئيس العراقي ويدعى الممثل «يغال ناؤور» (48 سنة) بعد ان كان سيتقمص شخصية الرئيس ممثل امريكي الجنسية، والفيلم سيكون بعنوان «بين النهرين».
طبعا هذا الانتاج الصهيو -أمريكي لن يخرج عن اطار التشويه والتزييف لمسيرة الرجل وحياته اثناء حكم العراق ولن تكون قراءة الواقع والتاريخ العراقيين وفقا لمعطيات وحقائق الواقع والتاريخ العراقيين إلا بما سيخدم الآلة الصهيونية والعقل الصيهوني لتعزيز استحواذه على مستقبل المنطقة بعد ان امّن ماضيها المنغرس في فلسطين ولبنان وما جاورهما... وسيكون فيلم «بين النهرين» مثل رواية «أرض الميعاد». ولن يضاهي دور الممثل الصهيوني «يغال ناؤور» في «بين النهرين» دور «أنطونيو كوين» في فيلم «عمر المختار» الذي أخرجه المخرج العربي/ العالمي مصطفى العقاد والذي أُغتيل هو الآخر عن طريق الموساد الصّهيوني..إن توظيف الثّقافة كسلاح حربي يمثل استراتيجية قديمة وهي مستمرة الى الآن لنجاعته وفاعليته، وهو أيضا مستمر هناك، عند الآخر المستعمر ويكفي أن نذكر مدخل نابليون بونابارت لمصر... أما عندنا نحن فالثّقافة كسلاح وجود، هي مقبورة بأيادينا نحن... أيادي السلطة الرجعية والسلطة المتواطئة مع الاستعمار....فالفيلم السياسي والمسرح السياسي والرواية السياسية والشعر السياسي... كله مُصادر ومُطارد من قبل السّلطة السياسيّة فلا غرابة أن يُغتيل غسّان كنفاني وناجي العلي، ولا غرابة ان يجنّ محمد شكري ويُنفى عبد الرحمان منيف، ولا غرابة أن يُغتال سعد الله ونوس وأن يُحاكم عاطف الطيّب ويُحاصر مظفر النواب وأحمد عفيفي مطر ومنوّر صمادح...وفي المقابل تنخرط الآلة الثقافيّة الرسميّة في تمجيد وأسْطَرَة السيد الرئيس الحاكم بأمره وتمجيد وأسطرة الحزب الحاكم الواحد الأوحد وتوظف كل مدّخرات شعبها وبلادها لترويج فلكلور مشوّه وشعوذة بائسة، وتكرّس ثقافة منبتّة لا تمتلك أفقا ولا استراتيجيا، ويكفي أن نقف على الموجة الجديدة للسينما المصرية أو الإطار العام لمسلسلاتنا التونسية ولبرامج المسابقات والاغاني لنلاحظ عمق الهوّة الفاصلة بين الرؤيا الصهيونية والأمريكية في مجال استثمار الثقافة والرؤيا الثقافية العربية في مجال طمس وردم الثقافة...هل تحرّك المثقف العربي أمام انتاج هذا الفيلم عن الرئيس العراقي صدام حسين قبل أن يتم انجاز الفيلم وعرضه؟! أبدا إنه لن يبدي ساكنا، فهو منخرط في ولائمه ومآدبه وفي مشاريعه الثقافية الشاحبة، وحتى نقابة المهن التمثيلية بمصر لم تتحرك إزاء هذا الفيلم ـ الذي ستصوّر مشاهد منه في تونس ـ الا ليُحقّق مع ممثل مصري (عمرو واكد) كان سيشارك في هذا الفيلم... تحرّكٌ لم يخرج ـ كعادتنا ـ عن اطاره الاني والمصلحي الضيّق، فما يهم نقابة المهن التمثيلية هو عدم مشاركة عضو منها في الفيلم وليس انتاج الفيلم في حد ذاته... هذا موقف نقابة المهن التمثيلية بمصر فلنبكي كثيرا وطويلا عن موقف من ليست لهم نقابة تمثلهم... ولنبكي أبد الدهر عن موقف المثقف العربي قبل أن يتم إخراجه نهائيا في الزي الصهيوني بعد حين قريب...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق