بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/09/30

جمهورية البن

جمهورية البنّ هذه التي سأكتب عنها لا علاقة لها بجمهورية أفلاطون الفاضلة ولا بجمهورية الفرابي ولا بجمهورية ماركس، فهي لم تسبق بتظير فلسفي او بتفكير عقلاني في مقوّمات وجودها ومسوّغات استمرارها، وإنّما هي تفرّدت بخيارات اقتصادية وبمناهج تدبير تربوية وسياسية واجتماعية وثقافية أبلى مدبّروها البلاء الحسن ليجعلوا منها نموذجا عالميا لا يُقارن، وجمهورية فارقة في تاريخ تشكل الامم وتكوّن المجتمعات على مر العصور...جمهورية البنّ هذه شعارها المركزي يتكوّن من ثلاثة قيم رئيسية ثابتة في «بن ـ سكّر ـ معلقة»، وأهل ديارها متساوون جميعهم في الحقوق والواجبات، هم في الحقيقة والواقع يتمتعون بحق واحد وواجب واحد ايضا هو حق احتساء القهوة وواجب دفع ثمنها.كما تتميّز جمهورية البنّ بعدالتها الاجتماعية اذ وفرت لجميع «رعاياها» وظائف مناسبة مثبتة على ظهر هوياتهم الشخصية عبرت عنها بتركيب لغوي بسيط وذو دلالة موحية: «زَبُونُ مَقْهَى».كما ان جمهورية البنّ هذه تخطّط في السرّ لبناء مركّب للتكوين والتأهيل سيدرس فيه دكاترة وجامعيون آداب الجلوس في المقاهي وآداب شرب أنواع من القهوة دون غيرها ومناهج دفع حساب النادل، ويشاع ايضا أن بعض المتنفذين في ادارة دواليب جمهورية البنّ ينوون اقامة مسابقة وطنية مفتوحة لجميع رعايا البلاد من اجل التنافس على الفوز بجوائز وأوسمة ذهبية ثلاثة ستوزّع على الأكثر إدمانا على الجلوس الى المقاهي، والأكثر إحتساء لفناجين القهوة المرّة وايضا للأكثر إذعانا لمشيئة النادل!!!وتجدر الاشارة الى أن جمهورية البنّ هذه قد تعدّل دستورها بمناسبة أحد احتفالاتها الوطنية مسايرة لتقدمها الباهر وإزدهارها المنقطع النظير حيث رأى الساهرون على أمرها ضرورة منع بعض العادات والممارسات التي قد تضرّ بفرادتها كوجود جمعية الدفاع عن المستهلك ووجود بعض الطلبة والمثقفين الذين يطالعون اثناء أداء مهنتهم وفقا لبطاقات هويّة الجمهورية وغيرها من السلوكات التي سيقع النظر فيها...

2008/09/24

الواقفون على الربوة


«الوقوف على الربوة أسلم...» مقولة قديمة رسّخت ذهنية الاستسلام والتواكل والهروب من المواجهة بتعلة وهم السلام والامان.مقولة قديمة جدا صارت مطية مريحة لأكثر من عشرة ملايين مواطن ومواطنة يركبها الواحد منهم بكل فخر واعتزاز ليمضي كالسهم في سبيل الغد ـ بمفهومه الكرونولوجي الضيق ـ مطمئن البال مادام واثقا من تحقيق البعد «الأرقى» لديه أي البعد البيولوجي!!! وكأن النمط الوحيد لوجود التونسي (اكثر من ثمانين بالمائة على الاقل) ومشاركته في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية هو الاستهلاك البيولوجي وعلك الوقت كما يعلك الجمل الكلأ!!!
فالموظف يمضي ما توجب عليه من ساعات عمل لا بعقلية المساهمة والاضافة وانما للتخلص من ثماني ساعات عمل ذلك ان اغلب موظفي الوظيفة العمومية يجيدون جيدا استنباط الحيل والمبررات للتملص من أدائهم واتمام واجبهم المهني هذا فضلا عن قناعتهم الراسخة بأن وظائفهم اميتازات وليست واجبا وطنيا تفرضه سيرورة البلاد وصيرورتها التاريخية، وهو ما يشرّع لأغلبيتهم الساحقة انتهاج سلوك المعاملات الخاصة والمحاباة والتي صارت تمثل مورد تمعش مواز للوظيفة بل ان مدخولها صار يفوق لدى العديد من الاداريين أجورهم الرسمية...والاستقالة او الانهزام والصمت صار تيمة «المثقف» بعد ان تخلى عن دوره الطلائعي وصار اغلب المثقفين كالدجاج يبحث عن حبات القمح المتناثرة في الأمسيات والندوات والتظاهرات وغيرها من الولائم الادبية... ولم يعد احد معنيا بالرؤية الجماعية والمشروع الوطني فيما يخص الثقافة بل الكل يتنازع وجوده على ساقيه بمفرده سواء كان في السينما او المسرح او الفكر او الموسيقى...وكذا المجتمع السياسي والمدني تناثرت حباته على أديم المواعيد المألوفة والمكرورة لتصبح التحركات والنضالات بطاقات وجود واشعار بالحياة لا اكثر ولا أقل...أراهم جميعا، اولئك الثمانين بالمائة من المجتمع التونسي منحشرين فوق ربوة صغيرة يتدافعون ويتصايحون كل يوم رافعين شعار الامان والسلم ماداموا رابضين يعدون ايامهم فوق ربوة السكر المطوّقة بمياه هادرة من كل مكان...

2008/09/23

شوارع محظوظة


حالفني الحظ فزرت عددا من الدول الاوروبية والامريكية وتجولت في شوارعها وساحاتها العمومية فوقفت مشدوها امام نظافة هذه المدن وجماليتها ولن أغالي ان وصفت بعضها بأنها خيالية كتلك التي نشاهدها في أفلام الصور المتحركة، ذلك ان المتجول فيها لا يكاد يعثر على عقب سيجارة ملقى على رصيف ما، او يجد حجارة واحدة منزوعة من مكانها بهذا الرصيف او ذاك الممرّ... فالحاويات الأنيقة تتلاصق في كل الشوارع وتنتصب امام المحلات التجارية والمقاهي والملاهي والشركات، وحتى المناضد تجدها امام كل باب باعتبار ان التدخين ممنوع في الاماكن المغلقة...واهم من توفر شروط النظافة من حاويات ومناضد وعمال هو الذهنية النظيفة، ذهنية العيش في فضاء جمالي تتوفر فيه جميع مقومات البهجة، وهذه الذهنية تتأكد لدى المواطن الغربي من خلال ايمانه العميق بمسؤوليته الفردية إزاء المجموعة قبل ان يُلقيها على عاتق الدولة باعتبارها مهمة من مهامها يدفع لأجلها معاليم محددة سلفا...هذا الايمان بالمسؤولية والمعرفة بالحق والواجب هو عين الاختلاف بيننا وبينهم، فإيمان المواطن التونسي بالنظافة وهاجسه بالمساهمة في تجميل مدينته باهت وشاحب بل هو منعدم تماما، ولن أغالي ان قلت اننا نعيش اليوم وسط مزبلة كبيرة تمتد من شوارع العاصمة ومراكز الولايات وتصل الى الحقول والضيعات المنتشرة داخل الجمهورية، فضلا عن المناطق الصناعية...فشوارع عاصمتنا ومثلها شوارع كل الولايات ترزح تحت وطأة قشور البيض المسلوق وعلب السجائر وأعقابها والاكياس البلاستيكية وقوارير المياه المعدنية والغازية وعُلب الجعة وبطاقات شحن الهواتف وحجارة الارصفة وأكداس الرمال واشارات المرور المنزوعة من أماكنها...وحتى الاثاث القديم تجده مركونا امام المنازل، وكل هذه الاوساخ يلقي بها المواطن عن وعي وعن غير وعي على أمل ان يحملها العامل البلدي، غير ان هذا العامل يقوم بعمله بالتقسيط، فالى يوم الناس هذا لم أصادف عاملا بلديا واحدا يقوم بعمله على وجه الاتقان بما يمليه عليه ضميره المهني بل إن الكثير من جرارات التنظيف ومن العربات المدفوعة تساهم في تلوث الاماكن التي تمر بها.وقد يُعذر العامل البلدي عن هذا التقصير لعدة اسباب لعل اهمها أجره المتدني وارهاقه المتواصل وقلة الامتيازات التي يتمتع بها وخاصة الحماية من الامراض وغيرها، لكن هناك ظاهرة خطيرة جدا تكاد تكون أبدية وتقليدا جاري به العمل تتمثل في النظافة الجزئية، تلك التي تخطط لها المجالس البلدية وتنجزها بإتقان مدهش ويمكن لأي مواطن ان يكتشف هذه الظاهرة إبان الاستعداد للاحتفالات والاعياد خاصة منها الوطنية، اذ نلاحظ كيف تتجنّد الدوائر البلدية بعمالها وأدواتها ومسيريها لتنظيف وتلميع وتزيين مدخل مدينة ما سيزورها مسؤول ما أو القيام بحملة نظافة بشارع رئيسي لان مسؤولا اخر سيمر بسيارته من هناك وبعد العيد تترك للاهمال والاوساخ.ومن المفارقات العجيبة ان الاوساخ التي تجمع من الشوارع المحظوظة تُلقى في قلب الشوارع غير المعنية بجولة المسؤولة وتترك هناك أكداس ونُثار امام المنازل وفوق الارصفة لكأنها هدية من بلدية المكان بمناسبة الاحتفال الوطني.إن مثل هذه الممارسات والاعمال لا يمكن ان تؤوّل الا بتأويلين وحيدين، الاول ان النظافة هي حكر على المسؤولين وعلى اماكن اقامتهم واعمالهم وزياراتهم، والثاني ان المواطن لا قيمة له ولا قيمة لحياته ولا ضرر ان يعيش أبدا وسط المزابل ومع جيوش الحشرات والامراض البيئية لأجل ساعة من الزمن سيقضيها مسؤول واحد وهو يمر بشارع ما مرة واحدة في السنة.ان تبليط الارصفة والعناية بالانارة العمومية وتنظيف كل الشوارع دون استثناء وحماية المساحات الخضراء والحفاظ على جمالية المباني ومداخل المدن حق لكل مواطن دون استثناء مثلما هي واجب عليه، ونحن بالاخير نعيش في وطن واحد وليس في وطنين، واحد نظيف وثان ملوّث ومتسخ، وكل شوارع الجمهورية هي ملك لكل الاقدام التونسية، أقدام العامل والعاملة وأقدام المسؤول والمسؤولة...

2008/09/22

القطار المغاربي


صادف أن سافرت منذ سنوات قليلة إلى الجزائر الشقيقة عبر القطار الذي كان يربط أرضنا بأرض المليون شهيد... فتوفرت لي فرصة اكتشاف سلاسل جبال خمير والمجرى العظيم لوادي مجردة واكتشفت أيضا عدة مدن تونسية وأخرى جزائرية مثل مدينة سوق هراس وعنابة وخاصة تلك المدينة الأسطورية المحروسة بقناطرها وجسورها، تلك المدينة التي عشقتها الروائية أحلام مستغانمي وما وفت في عشقها... لقد مكنتني سفرتي بالقطار من اكتشاف مدينة قسنطينة الجزائرية.
ولئن زرت أيضا المملكة المغربية في إطار المنتدى الاجتماعي المغاربي ولكن كانت سفرتي وقتذاك بالخطوط الجوية فاني أيضا اكتشفت سحر المدن المغربية ولفحتني روائح التشرد وعبق الكتابات المغربية المارقة... ولكني أيضا ظللت مسكونا برغبة عميقة في معاودة السفر إلى المغرب عبر القطار الذي كان يطوي الجبال والوهاد ويشق الحدود وهو يتمايل بأحاديث وأغاني المسافرين والمسافرات...
القطار الذي كان...ما عاد اليوم يسافر والسبب قلة المردودية المالية، وهذا سبب في اعتقادي واهن يمكن حله ببساطة كبيرة. فمثلا لو يتم الإشهار لرحلات القطار في البلدين، تونس والجزائر، ويقع تنظيم رحلات مدرسية وجامعية وسياحية، ويتم التنسيق مع المبيتات الشبابية وبعض النزل وتبرمج مثلا رحلة واحدة في النصف شهر وتكون في نهاية الأسبوع، ليتمكن الموظفون والطلاب من السفر خاصة أن سعر التذكرة ذهابا وإيابا لا يتجاوز 23 دينارا فقط... لو توفرت بعض هذه الشروط البسيطة لحقق القطار مدخولا محترما ولتمكن الشعبان من التواصل الحقيقي، مثلما يحصل في الاتحاد الأوروبي من خلال القطارات الدائمة الحركة في ربط أوصال الفضاء الأوروبي...
ففي الاتحاد الأوروبي يمكن لشاب مثلا أن يسافر من بلد لآخر لقضاء سهرة بليلة واحدة مثلما يمكن لطالب أو مجموعة من الطلبة السفر لحضور ندوة علمية او محاضرة في جامعة ببلد آخر، خاصة أن تذاكر سفرهم مدعمة من قبل الدول...
إن مراقبة الرحلات التجارية والحد من مظاهر العنف المسمى إرهابا، من قبل الدوائر الرسمية من شأنه أن يجعل القطار المغاربي فعلا مجسدا فوق دروب الأجزاء الخمسة للفضاء المغاربي، وأعتقد أيضا أن مشكلة الصحراء الغربية، قد يساهم هذا القطار في التخفيف من حدتها، بل قد يساهم في حلها نهائيا إذا ما تواصلت الشعوب تواصلا حقيقيا، تواصلا حضاريا وثقافيا خلاّقا يقوم على التبادل الفعلي...
إن مدّ الجسور الحقيقية بين أقطار المغرب الكبير لن يتحقق من خلال الخطب الرنانة أو اللقاءات الرسمية أو بطاقات التهاني الموسمية، بقدر ما يتحقق كلما تواصلت الشعوب مع بعضها البعض:الكُتّاب والسينمائيون، المسرحيون والشعراء، الطلاب والتلاميذ، العائلات والأصدقاء... فإذا ما توفرت وسيلة النقل التي تؤمن رحلات لتونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا، القطار المغاربي، فان مثلا التجارة العشوائية أو المهربة ستخفت لأن كل مواطن سيصير قادرا على اقتناء ما يرغب فيه من دون محتكرين أو مهربين، واعتقد أن تكلفة مدّ سكة حديدية على مساحة المغرب الكبير لن تفوق ميزانية ثلاثة أو أربعة لقاءات رسمية لن تخرج إلا بقرارات جبرية...

2008/09/20

télécommande


أعتقد أنّ الآلة الأكثر استخداما هذه الأيّام في المنازل التونسيّة هي آلة التحكم عن بعد في جهاز التلفزيون والمتعارف عليها بــ:»التيلي كوموند».
فهذه الآلة الصغيرة تمثّل أهم وسيلة للمشاهد التونسي للهروب من كوابيس قنواتنا التلفزية الوطنية الذّاهبة في استهتارها بانتظارات جمهورها ومزيد استبلاهه، وأعتقد أنّ قنواتنا التلفزيّة تتبنّى شعارًا موحدا تمثّل في «خُذ وهم على قد عقولهم» أي نحن المواطنون الذين يدفعون الأموال لهذه المؤسسات.فالغُبْنُ الذي يسبح فيه المشاهد التونسي وهو يتابع ما تقدمه له التلفزة التونسيّة لا يمكن أن نقدّر حجمه ذلك أنّه يتضاعف كل ليلة ومع كل برنامج أو سلسلة أو مسلسل ولولا أزرار آلة التحكم عن بعد لخرجت في شوارع البلاد مسيرات شعبيّة حاشدة تطالب باغلاق مؤسسات الارسال التلفزي.ولو قام المعهد الوطني للاحصاء بعمليّة سبر آراء لمتابعات المشاهد التونسي لوجد أنّ واحدا بالمائة ـ أو أقل ـ يتابعون البرامج التونسيّة وحتما سيكون ذلك الواحد بالمائة هم الممثلون والتقنيون والمخرجون والمنشطون وعائلاتهم وأعتقد أنّ لا غرابة في ذلك خاصة أنّنا صرنا اليوم نطالع في «جينيريك» بعض الأعمال عشرات الأسماء التي تنتمي إلى نفس العائلة مثل أحد المسلسلات الذي كُتب على البعض أن يُشاهده عنوة هذه الأيّام، حيث نجد أنّ مخرجه ومنتجه واحد ونطالع في «جينيريكه» أكثر من عشرة أسماء من نفس العائلة منهم الممثل ومنهم التقني!! لكأنّ الأمر بات ترفا ثقافيا، فيكفي الواحد أن يكون متنفّذا وله الملايين ليجبرنا على تقبّل نزواته!!!أعود إلى آلة التحكم عن بعد فأقول أنّ المحطّات التلفزية اللبنانية والسورية والمصرية ـ وطبعا الفرنسية ـ جميعها صارت الملاذ الحقيقي للمشاهد التونسي لجديّة ما تقدّمه من أعمال دراميّة هادفة ومن برامج جادة...ويكفي أن نذكر مسلسل «باب الحارة» مثلا أو مسلسل «اسمهان» للمخرج التونسي شوقي الماجري لنقدّر حجم الفارق بين الطرح الذي تقدّمه هذه الأعمال مضمونيا وتقنيا وبين المكتوب علينا أن نشاهده على تلفزتنا التونسيّة بطرحه البسيط والساذج...

2008/09/19

درجة اولى

القىبجسده داخل العربة وهو يلهث دون أن يتثبت منها, بعد أن فاجأته صافرة القطار منذرة بانطلاق الرحلة। أنزل الحقيبة الثقيلة من فوق ظهره وركنها حذوه, فوق الكرسي الفارغ, ثم رفع رقبته إلى الأعلى حيث يندفع الهواء باردا من مكيف العربة।لما انتظمت أنفاسه شرع يتفرس ملامح المسافرين المنتشرين داخل العربة الواسعة. لم يكونوا كثرا: سائحة متوسطة العمر مشغولة بتفاصيل الطريق وأزرار آلة التصوير الرقمية تداعبها تارة أمام صواري المراكب المتناثرة فوق ماء البحر وطورا نحو قرص الشمس الذاهبة في حمرتها إلى أسفل زرقة الماء وشاب يلاحق إيقاع الموسيقى المنبعثة من سلكي آلة التسجيل المثبتين في أذنيه, وامرأة تطالع مجلة باللغة الفرنسية.كانوا ثلاثة وهو رابعهم صامتين وسط عربة القطار الواسعة والمكيفة وكانت باقي المقاعد شاغرة المقاعد كانت من الجلد الخالص وسليمة من آثار التخريب أو التمزيق وفي طرف كل مقعد ثٌبتت مطفأة سجائر.ـ إذن التدخين مسموح به في هذه العربة.أشعل سيجارة وعاد يمشط العربة ببصره عله يعثر على خربشة بالقلم فوق أحد المقاعد أو تصادفه مُلصقة اشهارية ممزقة الأطراف فوق البلور المفتوح على الخارج.توقف القطار في المحطة الأولى. انزلق باب العربة على اليمين والشمال ولم يصعد أحد, وإنما تناهى إلى سمعه ضجيج وصياح تعالى من ذيل الثعبان الحديدي.في المحطة الثانية نزلت السائحة وصعدت فتاة تحتضن بين ذراعيها جروا أبيض اللون ومن عنقه تدلت قلادة ذهبية. ظل ينقًل بصره بين صدرها الناهد وذيل الجرو الملتصق بإحدى حلمتيها برهة من الزمن ثم فتح حقيبته وأخرج سكينا ومقصا. وضعهما فوق المقعد بجانبه، وعاود النظر إلى الفتاة... ثم شرع في تجميع وترتيب زهرات الفل والياسمين و يلفها بالخيط الأبيض الرفيع، بحركات بهلواني. سريعة ودقيقة.عندما كان مشغولا بما بين أصابعه لم يتفطن إلى مراقب التذاكر وهو يدخل من الباب الخلفي للعربة ويتجه نحوه مباشرة بعد أن وزع ابتسامته للفتاة وتحيته للشاب والمرأة.ـ التذكرةـ تفضلسحبها من جيب سترته وهو يغلق حقيبته كيفما اتفق ويجمع حبات الياسمين والفل المتناثرة فوق ركبتيه.ـ ماذا تفعل هنا ؟ إنها تذكرة درجة ثانية.ـ لم انتبه, فاجأني القطار فصعدت من أول باب مفتوح.توقف القطار في المحطة الثالثة. نزل مراقب التذاكر حاملا الحقيبة المملوءة بأزهار الياسمين والفل وهو يتبعه من الخلف ويتوسله أن يخلي سبيله.بعد أن خرج من مخفر الشرطة أين حجزت حقيبته بما حوت، قطع السكة في اتجاهها العكسي. اقتطع تذكرة للعودة من حيث جاء وغاب طيفه في الضجيج المتعالي أمام العربة درجة ثانية.

carte de fidélité



تكتظ جيوب أغلب المواطنين اليوم بتلك البطاقات الأنيقة ذات الألوان الزاهية التي تمنحها الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة والصغرى ومحلات الماركات العالمية لحرفائها الدائمين، والتي تٌعرف ببطاقة وفاء (carte de fidélité)، وهي وان كانت تعبر في ظاهرها عن العلاقة المحترمة بين أصحاب تلك المحلات والمغازات من جهة وزبائنهم أو حرفائهم من الجهة المقابلة، فإنها أيضا تعبر عن تطور علاقة الناهب بالمنهوب، فما تلك البطاقات إلا شكلا من أشكال تأبيد العبودية والتبعية والاستنزاف المقنن والمغلف باسم الوفاء، باعتباره هبة عليا لا تٌمنح إلا للحريف الأكثر مواظبة على عبوديته ولا يخفى على احد أن الأكثر عبودية هم دائما الأشد فقرا لان من يحصل على بطاقة وفاء هو بالضرورة قد ضمن بطاقة إفلاس يومية وشهرية وموسمية وسنوية... وأبدية...والوفاء، تلك القيمة المنعدمة، لم تعد تٌتبادل بين كائنات بشرية تتعلق ببعضها البعض بذاك الخيط الشفيف الذي يسمى الحب والذي يتساوى فيه الأخذ بالعطاء، حيث لا ناهب ولا منهوب... لم يعد الوفاء قيمة متبادلة بقدر ما صارت ممارسة جافة وباردة تٌمارس أو تٌمنح بمجرد توفر جملة من الشروط والالتزامات، والتي عادة ما تكون من طرف واحد هو المواطن /الحريف /المنهوب /الوفي...إذ أن ذهنية الاستهلاك الميكانيكية التي دربوه عليها ولقنوه إياها، جعلته يفقد بصره وبصيرته أمام ارتفاع الأسعار مثلا أو فساد البضائع المستهلكة، أو افتقادها لمواصفات الجودة...بطاقات الوفاء هذه صار يتباهى ويتفاخر بامتلاكها المواطن التونسي، وبتتويج مسيرة استنزاف أمواله ببطاقة الحريف الوفي، حيث يمتلك كل مواطن هذه البطاقة بعد أن يثبت وفاءه الدائم خاصة لعلب الطماطم ولأكياس العجين ولقوارير الزيت والمشروبات الغازية والكحولية... ولحفاظات الاطفال...إن امتلاك مثل تلك البطاقات والوفاء لما ذكرت دون سوها من المتاع الزائل قد يغرقنا من حيث نعلم ولا نعلم في حالة جفاء انسانية وعطالة عاطفية... اذ أننا كلما انحدرنا نحو العبودية كلما نأينا عن الانسانية، فالانغماس في «الوفاء التجاري» والإذعان البضاعي التسلعي سيكلّس لا محالة مشاعر الوفاء نحو بني جنسنا ويجعل علاقاتنا فاترة باهتة لا تحكمها الا المصالح الآنية...قد يكون المثال مجردا وبعيدا في التأويل... ولكن الاكيد انه يلقي بظلاله بشكل أو بآخر على طبيعة علاقاتنا البشرية ويحدد من قريب او من بعيد أفق تعالقنا الانساني وطبيعة مبادلاتنا الرمزية والقيمية...إن الوفاء للمبادئ والقيم لا يتطلب بطاقات أنيقة وزاهية نحشوها داخل محافظنا الجلدية لنسحبها كلما دعت الحاجة الى ذلك، فمبادئ وقيم مثل الحرية والاستقلالية والديمقراطية وحقوق المواطنة لا تقيد المؤمن بها ببطاقات وإلزامات... وان كانت كذلك لدى الدول الضعيفة والتابعة التي لا تنفك تتباهى ببطاقة وفائها للدول التي تقودها وتسيّرها وتملي عليها شروطها وبرامجها... كاشفة بذلك عن عجزها الذاتي في الذود عن حريتها واستقلاليتها وعدم فهمها لمعنى الديمقراطية الحقيقية وعن مزايداتها بمثل هذه المبادئ الانسانية أمام شعوبها...إن الحرية والكرامة الانسانية والوفاء لهما، في عُرْف الانسان الحر، لا يستوجبان بطاقات وفاء لا للدول ولا لشركاتها التجارية التي نتجول في أروقتها ومحلاتها صباحا مساءً وكل بداية شهر...

2008/09/18

حكمة السمكة


لم يدر من أين انهالت عليه كل تلك المعلومات حول أنواع الأسماك وفوائدها, وفي أي البحار توجد أنواع بعينها بكثافة دون غيرها, وما هي مواسم تكاثرها وتزاوجها, وأشهر طرق طهيها وشيها...
كان يسرد على مسامعهم المعلومات بثقة كبيرة أمام انشغالهم الشديد بما أمامهم وهمهمتهم المتقطعة التي تلفظها أفواههم كلما كفت عن حركتها المركزة.
حتى طريقة ممارسة الحب بين جنسي السمك شرح تفاصيلها و"حميميتها" تحت الماء.
بيٌن لهم كيف أن الفم الذي نحركه نحن في أغلب الأوقات لنبصق به أو نسب ونشتم أو نثرثر فيما لا يعني، هو ذاته الذي ينجب لنا كائنا جميلا وذا فائدة نسميه سمكا.
وحدها أوقفت فمها عن الحركة و أصاغت السمع لمعلومته الأخيرة بانتباه جلي. رفعت حاجبيها مندهشة وقالت له :
– ونحن أيضا نفتتح الحب بالقبل وبها ننجب.
ثم استأنفت تحريك فمها بنفس النسق المتسارع، بعد أن أرخت جفنيها على الطبق الماثل أمامها
أعجبته ملاحظتها وكأنها شجعته أكثر على الاستمرار في الثرثرة والانشغال عما أمامه.
رفع كأس البيرة إلى شفتيه وقبل أن يسكبه في جوفه قال لها :
- صحيح أننا نفتتح الحب بالقبل ولكننا الآن صرنا نمارس الجنس أساسا ولا نأبه لفعل الحب.
ألقى بمحتوى الكأس في جوفه وواصل حديثه الذي صار ثنائيا بينه وبينها تحديدا.
قال :
– الواحد منا صار مهووسا باللهاث وبأفضل الأوضاع المريحة في إتمام عملية الجنس وينسى حتى أن يهمس في أذن من معه بكلمة حب واحدة أو حتى إطالة قبلة حالمة.
رفع بصره إليها، بعد أن أشعل سيجارة ونفث دخانها بعيدا عن الطاولة، فوجدها منهمكة بما أمامها, ولما أجاله بينهم واحدا واحدا ألفاهم هم أيضا منشغلين عن ثرثرته بأطباقهم التي بدأت تنفذ, فانتهى إلى السمكة الممددة وسط طبقه هو. نظر إليها مليا وإلى قطعة الليمون بجانبها.
نظر إليه مليا، ثم شرع يلتهمها بعينيه فقط تماما مثلها يلتهم كتب علوم الأحياء وروايات الحب, وظلت الشوكة والسكين نائمتين حذو الطبق لم يلمسهما حتى بطرف أصابعه خجلا من مضيفيه لئلا يفطنوا إلى أنه لا يجيد أكل السمك بالشوكة والسكين مثل أغلب الناس البسطاء.

2008/09/17

قم للمعلم ووفه التبجيل



تٌسقط العودة المدرسية كل المناسبات الاخرى فلا رمضان ولا اعياد تضاهي الحركية والديناميكية المادية والرمزية ليوم العودة المدرسية وما يسبقها من تحضير نفسي ومادي لا للأسرة التربوية فقط وانما لكافة الشعب التونسي، اذ لا تخلو عائلة واحدة من تلميذ أو طالب، ولذلك تتجند كل الطاقات بدءا من الأولياء والتلاميذ وصولا الى عمال وعاملات التنظيف والحراسة بمؤسساتنا التربوية، طبعا الى جانب الهياكل الرسمية وكذلك مكونات المجتمع المدني لا تتأخر عن المشاركة السنوية في الاعداد للعودة المدرسية... ويكفي أن نذكر ايام العلم التي يقيمها الاتحاد العام التونسي للشغل كل سنة احتفاءا بالنجباء وتكريما للأسرة التربوية... وانكبابه طيلة السنة الدراسية على متابعة ودراسة ملفات النقل والترسيم والانتدابات...
ومعلوم أن يوم الاثنين المنقضي استقبلت مدارسنا ومعاهدنا مليونان و85 الف و700 تلميذ وتلميذة، ومن الأرقام المتعلقة بعودة 2008/2009 أنه تم افتتاح 19 اعدادية منها ثلاثة نموذجية و13 معهدا ثانويا كما تم تحويل 56 مدرسة مهن الى اعداديات تقنية واضافة 42 عنوانا جديدا الى جانب العناوين القديمة والتي يبلغ عددها 187 عنوانا وقد تم طبع جميع الكتب وتوفير 16 مليون نسخة منها...
هذه الارقام والاحصائيات والديناميكية التي تَسمٌ أيامنا هذه والتي ستليها تظل مهمة ورئيسية واساسية لدفع عجلة التقدم والرقي والتي لا تدور الا من خلال المثابرة على النهل من منابع العلم والمعرفة والتمترس بالآداب والفلسفات والثقافات، وهي في تقديري الحلقة الاهم والتي لا توفرها لا الارقام ولا المباني الجديدة ولا الشعارات الجوفاء، بل ان هذه الحلقة هي التاج والاكليل الذي يحمله المعلم والأستاذ وينقله من تلميذ الى آخر وهو يكد ويجتهد طوال سنة كاملة من التدريس واصلاح الفروض وانتظار وسائل النقل... وتاخر الأجور...
ان الاطار التربوي هو رأسمالنا الرمزي، ووحده الكفيل بحماية منظومتنا التربوية من التراجع امام الزحف اليومي لكل أشكال الجهل والتخلف... فمدارج العلم لا تنحصر في الكتب والاقلام واللوحات والأرقام والاحصائيات... مدارج العلم هي الاخلاق التي كبرنا معها... احترام المعلم واحترام نبل رسالته... والعودة المدرسية لا تعني الكتب فقط وبناء المدارس بل تعني ايضا حماية حقوق الأسرة التربوية وتوفير اسباب راحتها فلن نجني آخر السنة الا ما نزرعه في مفتتحها.

السميق الاعلامي التونسي



يتوزع المشهد الاعلامي في أي مجتمع الى خمسة عناصر أساسية وهي تتدرج حسب مدى انتشارها وفق الترتيب التالي، التلفزة ثم الاذاعة فالصحف ثم الدوريات، والانترنات ـ كعنصر حديث ـ هي الخامسة في هذا الترتيب رغم تصدّرها في بعض البلدان مراتب متقدمة لسرعة انتشارها واستعمالها، وهذا الترتيب الذي أوردته ليس ثابتا في كل المجتمعات بشكل مستمر ونحن في مجتمعنا تقريبا يتدرج المشهد الاعلامي وفقا لذاك الترتيب، وهو لا يعنيني هنا بدرجة أولى.
كما ان تنوّع وسائل اعلامنا التقليدية منها والمستحدثة وتناسلها المطرد لا يعنيني ايضا، ولكن وجب ان نعدّد أطرافها التي تتمثل اساسا في اربع قنوات تلفزية واكثر من تسع محطات اذاعية بين خاصة وجهوية ووطنية وكذلك اكثر من ثلاثين صحيفة ودورية بين يومية واسبوعية وشهرية، ولدينا اكثر من مشغلين للشبكة العنكبوتية، حكومية وخاصة...
هذا «الثراء» الاعلامي مقارنة ببعض البلدان من جهة ومقارنة بفترة ما قبل عشرين سنة من جهة ثانية، لم يعكس بعدُ طفرة نوعية تواكب بشكل جدّي نسق المعلومة الوطنية والاقليمية والدولية ولم يحقق ـ في تقديري الشخصي ـ ما اصطلحتُ عليه بالسميق الاعلامي، اي الحدّ الادني الذي لا يجب النزول تحته وهذا السمي أو الحد الأدنى قد يرتبط بهامش الحرية المفترض ان يكون متحققا بشكل او بآخر، وهو بالفعل مرتبط بها ومن دون ذلك الهامش لا يمكن ان نتحدث عن اعلام حرّ ومتطوّر ومواكب وله قُدرة تنافسية، ولكن وبغض النظر عن هذا الهامش الحيوي والاستراتيجي هناك هامش آخر أو لنقل هناك أرضية ضرورية لتماسك هذا القطاع وهي المتمثلة في كل ما هو ايتيقي اي اخلاقي وكل ما هو استيتيقي اي جمالي...
ومن دون التفصيل والتدقيق يمكننا ان نقف على «ارتباك» وتذبذب هذه الارضية وانحسار هذا الهامش بشكل مريب في عناصر مشهدنا الاعلامي الخمسة من دون استثناء...
فالمحطات التلفزيونية لا تزال أسيرة الخبر المعلّب والخطاب الخشبي المتكلس الذي إما ان يكون مفروضا او منقولا ونادرا جدا ما نقف على «سبق» تلفزيوني او خبر مبتكر من حيث صيغته وأسلوب تقديمه، هذا الى جانب السقوط اللغوي الفظيع الذي يجذب المشاهد يوميا الى بؤر العقم والخرس...
أما الموجات الاذاعية فقد استحسنت ركوب طوفان الاغاني المبتذلة واستغفال المستمع من خلال برامج مصطنعة تنأى عن هموم المواطن ومشاغله الحقيقية وظلت كذلك اخبار الاذاعات تسبح في فلك النص المكتوب سلفا والتقديم الباهت على وتيرة التلفزات...
صحافتنا المكتوبة هي الاخرى مازالت تكابد لتصل للسمي الاعلامي، فبغض النظر عن قلة قليلة من بعض الصحف، فان غالبية الصحف لم تعد تستحي من نقل اخبار الانترنات وتحليلات الفضائيات الدولية طبعا الى جانب صفحات الحظ والأكل وحشد الورق بالصور والتعاليق البائسة...
وحدها ربما الشبكة العنكبوتية صارت متنفسا حقيقيا لتمرير الاخبار اليومية والجادة رغم ما يحاط بهذه الشبكة من عراقيل تقنية ومقصودة...
إن الخبر الذي لا يتطور من العمق والذي لا يقع تحليله وتقديمه من الزوايا الاكثر التصاقا بواقعه وتداعياته لا يمكنه ان يكون مادة مستساغة سواء للقارئ او المشاهد او المستمع او المبحر عبر الانترنات...

مهرجان المدينة


خطوة الى الأمام خطوتان الى الوراء !!!


كشف السيد زبيّر الاصرم
رئيس جمعية مهرجان المدينة ليلة الاربعاء 3 سبتمبر عن تفاصيل برنامج الدورة السادسة والعشرون لمهرجان المدينة، وذلك في ندوة صحفية حضرها عدد كبير من ممثلي وسائل الاعلام المكتوب والمسموع والمرئي وبحضور مدير هذه الدورة السيد الهادي الموحلي وممثلة عن شركة «تونزيانا» المموّل الرسمي لهذه التظاهرة الرمضانيّة.
وقد أكّد السيد زبير الأصرم على ان هذه الدورة هي دورة تجريبية بامتياز فيما يخص اختيارات العروض المبرمجة حيث أعطيت الاولوية للاصوات الشابة كما حرص المنظمون على إدراج ثلاثة مسرحيات وتم اختيار الفنانة أمينة فاخت لتختتم الدورة بسهرتين متتاليتين بالمسرح البلدي.


وعن ميزانية هذه الدورة صرّح السيد زبير الاصرم بأنها تفوق 600 الف دينار منها 300 ألف دينار دعم من شركة «تونزيانا» و300 ألف دينار من بلدية تونس إلى جانب دعم وزارة الثقافة
والمحافظة على التراث وعدّة جهات أخرى
.
برنامج العروض

الافتتاح يوم 6 سبتمبر بفرقة المعهد الرشيدي بقيادة زياد غرسة بحدائق خير الدين وعرض عازف البيانو الامريكي طوماس روزنكر انتز بالنادي الثافي الطاهر الحداد.
7 سبتمبر : سنباطيات بدار الاصرم وليلة الذكر والانشاد بزاوية سيدي ابراهيم.
8 سبتمبر: ليلة العود البشير الغرياني بدار الاصرم وعرض زياد الشريف بالنادي الثقافي الطاهر الحداد.
9 سبتمبر : عرض جاز لمحمد علي كمون بدار الاصرم ومحاورات غنائية لعتاب الجلايلي بالنادي الثقافي الطاهر الحداد.
10 سبتمبر: نهاوند عزف على العود للفنانة زهرة المدني بدار الاصرم وعرض مسرحي قيس رستم بدار حسين وسهرة طرب الفنان السوري صفوت صبري بحدائق خير الدين.
11 سبتمبر: كورولفرا البرازيل بدار حسين و»تحية لاسمهان» لدرصاف الحمداني بحدائق خير الدين.
12 سبتمبر: تكريم محمود درويش بمجموعة أجراس بدار الاصرم وعرض سمية المرسني والشاعر عادل الجريدي بدار حسين
13 سبتمبر: نشاط خان بدار حسين والمدينة تحتفل بالسينما ببطحاء خير الدين ومسامرة لعبد الستار عمامو بقصر خير الدين
14 سبتمبر : عرض خالد بن يحيى تجليات بحدائق خير الدين وسلامية تونس وعرض لابراهيم بهلول ببطحاء باب سويقة
15 سبتمبر: عبق الياسمين لنسرين بن موسى وسفيان نقرة بدار حسين
16 سبتمبر: سحر الاوتار لسميح المحجوبي بدار الاصرم وسلامية بمكتبة مدينة تونس وتكريم ليوسف شاهين بالنادي الثقافي الطاهر الحداد وفرقة الدراويش التركية بدار حسين.
17 سبتمبر: تنويعات على ألحان دمشق بدار الاصرم وسلامية ناصر العبدلي ومجموعة حنين بحدائق خيرالدين.
18 سبتمبر: الرباعي أرشي بدار الاصرم والزين الحداد بحدائق خير الدين وعروض الاوبرا بنادي الطاهر الحداد.
19 سبتمبر: ألمادي كومبرا البرتغال بدار حسين وعروض الاوبرا بنادي الطاهر الحداد وفرقة «مزغنة» للموسيقى الاندلسية بالجزائر بحدائق خير الدين
20 سبتمبر: فرقة «مزغنة» بدار حسين ومسامرة لعبد الستار عمامو بقصرخير الدين ومريناكونتي فرنسا بالمسرح البلدي.
21 سبتمبر: كنان باشا السوري بحدائق خير الدين وأوندا المتوسطية ايطاليا بدار حسين.
22 سبتمبر: أحباء الطرب لعبد الرزاق حيحي بدار حسين وشطحات المدينة بدار الاصرم.
23 سبتمبر: فراق غزالي لزهرة الاجنف بحدائق خير الدين ومجموعة مقامات الموسيقى العربية لأنيس القليبي بدار الأصرم.
24 سبتمبر: كوينتو بارباديو من اسبانيا بدار حسين وعصافر الجنة لخالد سلامة بدار الاصرم وعرض مسرحي «والان» بحدائق خيرالدين.
25 سبتمبر: الفنانة ياسمين عزيز بحدائق خير الدين ومسرحية «وزن الريشة» بالمسرح البلدي.
26 سبتمبر : مسرحية «قهوة مرة» بحدائق خير الدين وحفل الموسيقى الكردية بدارحسين وخرجة العيساوية.
27 سبتمبر: لطفي بوشناق بحدائق خير الدين ومسامرة عبد الستار عمامو بالطاهر الحداد.
28 سبتمبر: أمينة فاخت بالمسرح البلدي
29 سبتمبر: أمينة فاخت بالمسرح البلدي (الاختتام)
.
تسرّع

من النقاط التي أثيرت في الندوة الصحفية تسرّع ادارة المهرجان في تكريم الشاعر محمود درويش من خلال مجموعة أجراس وهو الذي ستكرمه مدينة بروكسال بأن اعلنت نفسها مدينة للشاعر الراحل !!! وكذلك العجلة في تكريم المخرج العالمي يوسف شاهين من خلال عرض مجموعة من افلامه وكأن المهرجان تحوّل الى نادي فيديو بأفقه المحدود دون أي ابتكار أو بحث عن طرق تليق بهامتين شامختين في الثقافة العربية
.
ثابت ومتحوّل

الثابت ان المهرجان تعاقد نهائيا وإلى الابد مع الفكر القروسطي من خلال الاصرار على الخرجات والعيساوية والزوايا والمسامرات والسلاميات وبطريقة مدروسة وممنهجة ويكفي ان نذكر أن عرض سلامية ليلة 16 سبتمبر سيكون بمكتبة مدينة تونس.!!! ان مهرجان المدينة مهرجان جماهيريّ وليس مهرجانا لسكان «الحومة العربي».
اما المتحوّل فهو المراهنة على أسماء شابة من الجيل الصاعد من الاصوات الفنيّة التي قد تفتك
الاضواء.

انتظار

هذه هي البرمجة وها نحن ننتظرإعدادا محكمًا ـ على الأقل ـ لهذه
التظاهرة، ونتمنّى أن لا تعترض الاعلاميين «عقبات» العادة وكلمة «تعليمات»... ونتمنّى أن لا يتدخل رجال الأمن كالعادة... وأن لا تدخل العائلات كالعادة أيضا...

2008/09/16

الثقافة والسوق السوداء


تنشط السوق الموازية أو السوق اللاقانونية، التي نطلق عليها اسم السوق السوداء، خاصة في الميدان الرياضي وتحديدا في بيع تذاكر المباريات ذات المنعرجات الحاسمة في البطولة أو الكأس في أذهان من يعتبرون أن الرياضة من الامور الحاسمة في بناء مجتمع ما.
كما تنشط أيضا السوق السوداء لدى أولئك الذين يكتبون على جدران بيوتهم «هنا يباع الخمر خلسة!!!» وأيضا لبعض المنتوجات الاستهلاكية التي يتكالب عليها المواطنون في المواسم والأعياد فترى الطوابير طويلة كالثعابين أمام الدكاكين والحوانيت ... في مقابل هذه الظاهرة التجارية بالأساس، تظل الثقافة ـ نتاجا وفعاليات ـ سوقا كاسدة لا تغري المغامرين والمقامرين باستثمار حيلهم وأساليبهم في التمعش منها في نطاق سوقهم السوداء ... إذ لا يزال سوق الثقافة أبيض شاحبا إلا فيما ندر من حفلات الهرج والمرج التي تنتظم هنا أو هناك والتي تمثل «المصيدة» و «الفخ» و «الوليمة» للذين يمارسون عمليات البيع اللاقانونية لجمهور الشباب المندحر بعيدا بعيدا في أقانيم الجهلوت والعمى المُنذر بالخراب الماثل قيد أنملة من خطواتنا...ومن دون التوغل في شعاب اللغة «الفضفاضة» والأفكار التي قد تبدو للبعض هدامة وسوداوية سأكتفي بالإشارة الى بعض «الحالات الثقافية» لنلامس شبح الموت القادم على مهل ... هل شاهدتم مثلا سوقا سوداء لبيع تذاكر الدخول لقاعات السينما التي تعرض أفلاما تونسية (بغض النظر عن القرصنة الرديئة والمسيئة لتقليد الفرجة داخل القاعات والمكرسة لتقليد استهلاك الثقافة فقط)؟!هل لمحتم يوما ما بائعي تذاكر مسرحيات وطنية أو حتى في أيام قرطاج المسرحية أو السينمائية؟!هل شاهدتم سوقا سوداء تبيع هذه الرواية أو تلك المجموعة الشعرية أو ذاك الكتاب النقدي؟!هل استوقفكم يوما ما بائع تذاكر سوداء أمام متحف أو دار ثقافة أو ناد ثقافي بمناسبة ندوة أو محاضرة أو أمسية شعرية ؟!!أبدا، ... فهذا السياق لا يستهويهم ولايدر عليهم الأموال كالخمور والخراف وصياح الملاعب وهستيريا القبة وقرطاج ...أعرف أني أنظر للاقانون وللممارسات اللاأخلاقية ولكن أعتقد أن الأمر لم يعد يحتمل وأخشى أن يأتي اليوم الذي تغلق فيه كل المكتبات وكل دور الثقافة ونواديها وكل الفضاءات الحرّة التي تراهن على الثقافة الحرّة ...
ويصاب كل الكتاب والشعراء بسكتة إبداعية!!!أخشى أن تصير رقعة الشطرنج سوداء لا يرفرف فوقها إلا علم القرصنة والقراصنة... وعصابات السوق السوداء...

2008/09/13

حوار مع العازف وليد الزاير



تتلمذت على يدي الأستاذ السريطي وعزفت مع فوزي الشكيلي وسيمون شاهين

تداعب أنامله أوتار الاجاصة الخشبية بكل ثقة وحرفية وكأنه قضى عمره برفقة العود... هادئ ورصين.. لا يثرثر كثيرا ولا يحب أن يتحدث عن نفسه رغم ثراء تجربته الفنية وغزارة مشاركاته الموسيقية التي حاولنا أن نجلوها ضمن هذا الحوار الذي خصنا به وليد الزاير أثناء وجوده هنا في تونس وقبل عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية أين يعيش بين كتبه وعوده وأحلامه:

* كيف تقدم نفسك للقراء؟
ـ درست في معهد الموسيقى بالمنزه ثم تتلمذت على يدي الأستاذ الكبير علي السريطي حيث درست عنده العود مدة سنة ثم بقيت على اتصال به وقد كنت أتمرن في بيته. وفي سنة 2002 سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تحصلت على منحة دراسة وواصلت تعلم الموسيقى الغربية وتحديدا العزف على آلة الباص مع اختصاص اقتصاد وتصرف في الموسيقى في ولاية بوسطن وتحديدا في «بركلي كولدج أوف ميوزك».

* هل تخليت عن عزف العود في أمريكا؟
ـ في بداية مشواري ركزت على دراسة الموسيقي الغربية وتحديدا الجاز الأمريكي ولما علم احد أساتذتي بامتلاكي لآلة العود واتقاني العزف عليها طلب مني إحضارها للجامعة لأعرّف زملائي بموسيقانا الشرقية والعربية تحديدا، فكانت عودتي لعزف العود.
بعد ذلك تعرّف على المايسترو الأمريكي من أصل فلسطيني الأستاذ وعازف العود سيمون شاهين وبدأت أدرس عنده العزف على آلة العود، وسيمون شاهين معروف عنه انه يٌعد سفيرا للموسيقى العربية الأصيلة في الولايات المتحدة الأمريكية والى الآن مازلت أعزف مع سيمون شاهين.

* هل قدمت عروضا فنية؟
ـ أول عرض شاركت فيه بالعزف كان بدعوة من سيمون شاهين
وكان ذلك في منهاتن بنيويورك، ولكن قبله قمت بعدة عروض في عدة ولايات أمريكية مثل واشنطن وتكساس وميشغن ولوس انجلس وكذلك في العاصمة الكندية مونتريال وكنت دائما اعزف الموسيقى التونسية وخاصة ألحان الهادي الجويني والموشحات التونسية والعديد من أغاني التراث التونسي.

* هل لديك انتاجات موسيقية خاصة بك؟
ـ في الحقيقة أنا الآن بصدد استيعاب
مختلف أنواع الموسيقى العالمية وخاصة الأمريكية والإفريقية والعربية ومازلت بصدد البحث عن صيغة ترضي طموحاتي الفنية.

* ما هي أهم طموحاتك الفنية؟
ـ أهم طموح يشغلني هو المساهمة في رفع ذائقة المستمع التونسي والرجوع إلى الموسيقى الأصيلة والأصلية ولكن بطريقة حداثية تحافظ على أصالة الموسيقى من جهة وإقناع مستمع اليوم باستساغته لتلك المعزوفات التي يعدها قديمة.
ومن طموحاتي أيضا التي أنا بصدد تحقيقها الآن مزيد التعريف بالموسيقى التونسية خاصة والعربية بصفة عامة في أمريكا باعتبار الموسيقى أهم جسر للتواصل الحضاري والثقافي، ولن أخفيك سرا إن قلت لك إنني أحسّ بنجاح هذا المشروع لِمَا ألمسه من تجاوب كبير من المستمعين الأمريكيين للمعزوفات العربية التي أقدمها وانبهارهم بثرائها.

* هل تعزف للجالية التونسية والعربية في أمريكا؟
ـ طبعا قمت بعدة عروض لأكثر من
جالية عربية مثل اللبنانيين والسوريين والمغربيين وكذلك للتونسيين خاصة في نيويورك وقد قدمت عرضا كاملا بمفردي أمام ملك الأردن وصادف أن قدمت عرضا في واشنطن حضرته الملكة رانيا ولورا زوجة جورج بوش وقدمت عروضا أمام أكثر من ستة ألاف متفرج.
* قلت انك عزفت في عرض من اجل السلام العالمي؟ـ نعم عزفت عرضين في جولة تدعو العالم إلى تحقيق السلام والأمن ونبذ الحروب وكان ذلك في صائفة 2006 وصائفة 2007 حيث قمنا بجولة داخل عدة ولايات أمريكية، وكان برنامج العرضين يحتوي على جزء تثقيفي حيث كنا نعرّف بثقافتنا العربية ودعوتها للسلام الدائم وتدعم ذلك بالعروض الموسيقية، وقد سبق أن حضر احد هذين العرضين الملاكم العالمي محمد علي كلاي ورغم مرضه وتنقله على كرسي متحرك فانه أبى إلا أن يحضر العرض لدعم ثقافة السلام وقد صفق لي طويلا وشكرني على العزف الذي قدمته
.
* لماذا لم تقدم عروضا في بلدك تونس؟
ـ أتمنى من كل قلبي أن أعزف في تونس، بل أصدقك القول بأن من أحلامي الأكيدة تقديم ولو عرض وحيد في بلدي تونس وأنا الآن بصدد البحث عن فرصة مناسبة للحضور وتقديم عرض موسيقي في تونس وخاصة ضمن فعاليات مهرجان المدينة الذي أتابع مقتطفات من عروضه على الأنترنات وقد سبق أن حضرت عدة عروض بالمدينة العتيقة وكذلك عرضا للأستاذ المرحوم علي السريطي بمرافقة المطربة ليلى حجيّج وكان ذلك بفضاء النجمة الزهراء
.
* كيف ترى ظاهرة تهذيب التراث؟
ـ أولا التراث هو ثروة وطنية لها حرمتها وأعتقد أن ظاهرة التهذيب وما يسمى كذلك بالتشذيب ظاهرة خطيرة ويكمن خطرها في إفقاد كل جمالية ونكهة وأصالة المعزوفات والأغاني ولكن هذا لا يمنع من أن أعادة توزيع الأغاني والألحان يساهم ولو بشكل جزئي ونسبي في إيصال التراث لشباب اليوم الذي غرّبته الآلات التقنية والفضائيات التي تشوّه الذائقة الفنية وتبلدها، وأنا شخصيا لا أفكر في تهذيب أي لحن بل أسعى للمحافظة عليه وعزفه بروحه التي خلق بها.

* لك أن تنهي هذا اللقاء العابر؟
ـ أنا غامرت وتغرّبت في الولايات المتحدة
الأمريكية ومع ذلك أحس أن ثقافتي العربية والموسيقى الأصيلة تكبر يوما بعد يوم بداخلي ولذلك أسعى في كل عرض إلى تقديمها للآخر المختلف، وأتمنى أن اعتلي ركح المسرح البلدي أو أي ركح آخر في إطار مهرجان المدينة مع المايسترو سيمون شاهين لتقديم عرض موسيقي أحس من خلاله أن مغامرتي وغربتي لم تذهب أدراج الريح...

2008/09/10

جماجم التلفزة والاذاعة


بين حلم ويقظة ألفيت نفسي بين كوكبة من الرؤوس الآدميــة المشرئبة الى صوت جهوري ينفذ الى الصدور الواهنة وهو يفتتح مزادا سريا للتفريط في إضمامة من الافكار والبــرامج التلفزية والاذاعية، تمت عُقلتها من بعض «الجماجم المثقفة» بعد ان تُركت متدلية فوق جثث اصحابها مثل عنــاقيد العنب وسط مقــاهي البلاد وحانـــاتها...
لم أتحسر كثيرا لافتقادي الاموال اللازمة لاقتناء بعضا من تلك المبيعات، بل لم أتحسر أصلا فالمزاد الذي ألفيت نفسي واقفا فيه انتفت منه شروط البيع بالحاضر والحمولة وغاب عنه محامي تنفيذ عمليات البيع، فكل الحاضرين كان لهم الحق في الاختيار والتأشير على الفكرة او البرنامج الذي يقدر على تجسيده على أرض الواقع...لم تكن عملة الاختيار والتأشير الدينار التونسي، فقط كانت العملة المطلوبة الجرأة والشجاعة لتنفيذ البرامج التي يقع اختيارها.ألا أونو، ألا دوي، ألا تري، من يفتتح المزاد... من يفتتح المزاد... أفكار... برامج... مواضيع... اختاروا ولا تحتاروا... اقتربت قليلا حذو المصطبة التي يقف فوقها ذلك الرجل الذي يدير هذا المزاد، لم أكن أعرفه ولكني كنت ارى فيه ملامح وقسمات العديد من المفكرين الاحرار... وبعضا من أنفاس الاعلاميين والصحفيين الذين تركوا بصمتهم في تاريخ الحبر والاثير... وبالمقابل تعرّفت على اغلب الحاضرين في المزاد... كانوا زملاء وزميلات من مختلف المؤسسات الاعلامية الوطنية، السمعية والبصرية والمكتوبة والالكترونية...وزعت بعض التحايا والابتسامات على بعضهم ثم صوّبت سمعي وانتباهي الى رجل المصطبة... ألا أونو ألا دوي ألا ثري، أفتتح المزاد... اختاروا الافكار... اغنموا البرامج... أثثوا منابركم... استعيدوا قراءكم ومشاهديكم ومستمعيكم... أذيعوا... اكتبوا... بثوا... ناقشوا... تحدثوا... هذه دفعة على الحساب وستتوالى المزادات وسيفتتح باب التواصل وتسري بينكم وبين المواطنين الثقة والتشجيع... هاكم هذه الافكار الاولية...
ـ برنامج تلفزي عن العمل بالمناولة والتقاعد وشروط الانتداب.
ـ برنامج اذاعي عن خوصصة المؤسسات العمومية
ـ مقالات صحفية عن سرقة الآثار الوطنيةـ برنامج تلفزي عن العنف في المعاهد والمدارس
ـ برنامج اذاعي عن غلاء الاسعار وتدهور المقدرة الشرائية
ـ برنامج تلفزي عن سوء شبكة الطرقات داخل البلاد.ـ مقالات صحفية عن حرية الاعلام والانترنات.
ـ برنامج تلفزي عن الكتب الممنوعة من النشر.
ـ برنامج تلفزي عن ارتفاع الضرائبـ مقالات وبرامج عن الفرق بين السلطة والدولة
ـ مقالات وبرامج عن علاقة الادارة بالمواطن.
مقالات، برامج، تلفزة، اذاعات، مواقع الكترونية...أعرف ان أغلبكم تطرق لهذه الافكار والمواضيع... ولكن في هذا المزاد عليكم ان تعرفوا ان الشرط ليس توفر الفكرة وانما زاوية طرح الفكرة... ان البرنامج الناجح والمقال الاكثر مقروئية والاذاعة الاكثر استساغا هي تلك التي تكون اكثر التصاقا بالمواطن، بهمومه الحقيقية وبمشاغله اليومية...

2008/09/09

النصف الاسفل


من البديهي أن البعد البيولوجي يمثل أساس استمرار وجود الكائنات فوق الارض باعتباره يضمن الحد الادنى لطبيعة الكائن وهي الحركة ولئن كان هذا البعد أساسيا وضروريا فهو ليس المحدد النهائي لاكتمال الكينونة الانسانية في تشابكها مع الذات اولا ومع الاخر ثانيا، إنما ترفده عدة ابعاد اخرى لعل اهمها وأقربها البعد الثقافي.
هذان البعدان ـ البيولوجي والثقافي ـ يستمد ان نسغ استمراريتهما وفاعليتهما من ايجاد وخلق توازن حقيقي وفعلي بين عمليتي الانتاج والاستهلاك ولعل ما يعنينا هنا بدرجة أولى هو الاستهلاك باعتباره فعلا اساسيا، وما يعنينا تحديدا استهلاك المواطن التونسي البيولوجي والثقافي للمنتوج المعروض امامه والمتوفر تحديدا في شهر رمضان.
ولن نختلف ان قلنا ان التونسي في شهر رمضان يتحول الى مستهلك نهم بشكل فوضوي وتتجلّى ملامحه في البوادر التي تطفو منذ انطلاقة اليوم الاول لهذا الشهر العابر وكذلك من خلال التّبعات التي يتكبّدها المستهلك في الاسبوع الذي يلي عيد الفطر...
إن حالة الهيجان الاستهلاكي التي تعتري المواطن التونسي لا تختلف كثيرا عن هيجان التسوناميات التي تعصف برتابة المشهد الطبيعي هنا وهناك اذ تعم الفوضى نظام استهلاكه ونمط عيشه ويدخل في متاهات لا حصر لها تبدأ من التبضّع السلعي وتصل الى التهام شاشة التلفزيون.
وحتى استعماله لوسائل النقل العمومي والخاص تأخذ منعرجا اخر يتّسم بالفوضوية وعدم الانضباط لا الاخلاقي ولا المدني وفي الحقيقة فان مثل هذه السلوكيات التي يأتيها عامة المواطنين كلما حل شهر رمضان لا تنم في الحقيقة الا عن ذهنية سلبية صارت تميّزه وهي ذهنية التفكير في النصف الاسفل وبالنصف الاسفل، وتتأكد هذه الذهنية السلبية من خلال عدة مؤشرات وتعبيرات يومية وسلوكات يأتيها الناس أنّى اعترضتهم فالاسواق تصير اكثر ازدحاما قبل موعد الافطار والاسعار تشتعل وتيرتها مع اقتراب صوت المؤذن والتحيل تتنوع فنونه حسب الملامح...
وبعد ابتهالات صندوق العجب المسمّى تونس7 تهجم برامج الالعاب والساعات المملة من الاشهارات البائسة للمأكولات والحلويات وما لفّ لفهما ليتواصل مراطون الاستهلاك السفلي في اضطرابه بين المسلسلات الدرامية والمسابقات التافهة والمتفهّة للعقل من جهة والسهرات الفنية والموسيقية في الفضاءات العمومية والسهرات العائلية التي لا تستقيم إلا بالاكل والاستهلاك الفوضوي..
هذا يدخل التونسي، او يُدخل مرغما ومكرها، الى مدارات مرعبة من الاستهلاك والتبذير حدّ التخمة ولا يستفيق الا بعد ايام معدودة من انقضاء شهر رمضان حيث يكتشف حجم الخراب الذي يلحق بميزانيته المالية وتكتشف أغلب العائلات تورّطها الغبي في ديون خيالية تتوزع بين المحلات التجارية والاسواق المركزية ومخابز الحلويات والمرطبات وايضا متورّطة في ديون معنوية لفائدة التلفزة التونسية التي تشرّد ذهنه في مساحات شاسعة من الغباء والاستبلاه وتعميه عن حقيقة ما يدور حوله وماسيلحق به في القريب العاجل...
اما اقتران العودة المدرسية بشهر رمضان فتلك مسألة اكبر من الحبر والورق ولو نطقت جيوب هذا الشعب لانفجر الكون بالآهات.

2008/09/05

ساحة الكوريدا التونسية


قد يتبادر إلى ذهن قارئ عنوان هذه البطاقة انه ثمة مشروع ما يتعلق بتشييد ستوديو ضخم لتسجيل الأغاني وتوزيعها والسهر على حفظ حقوق منتجيها، ستشرف عليه وزارة الثقافة مثلا، ويكون هذا الاستوديو مشروعا وطنيا يحتضن أكثر من صوت تونسي فيحميه من آفة اليأس والاندثار فوق سطوح العمارات وبين جدران قاعات الأفراح الموسمية...أو قد يتبادر إلى ذهن أكثر من حالم أن أضخم ستوديو فن بالعاصمة هو مشروع فني اتفق أكثر من فنان وفنانة على التشارك بالأفكار والأموال في إنشائه بُغية التحصن من طوفان الرداءة والبلادة «الفنية» التي تتخلل تفاصيل أيامنا من كل الجيوب الممكنة، وأيضا لإنتاج أعمال فنية قد تختلف عن السائد المكرور وقد تنأى عن هوس «تشذيب التراث» الذي بات ينهش أية بارقة إبداع موسيقية أو غنائية...
قد تتبادر هذه التأويلات بشأن هذا العنوان، غير انه لا يحتمل في ذهن كاتبه أكثر من تأويل يتيم ومن فكرة يتيمة نخرت رأسه مُذ وطأت خطاه ساحات العاصمة العمومية ومحطات وسائل نقلها الحضرية إلى حد ما، بدءا بساحة برشلونة ومرورا بساحة الباساج وصولا إلى محطات باب الخضراء وباب عليوة وأغلب المحطات النهائية لخطوط وسائل نقل سكان تونس الحاضرة.
فكرة يتيمة «تقرفصت» في تركيب العنوان بعد أن كانت تتلبس بأصابعي كلما ألفيت نفسي محاصرا ببوارق «المزود» و «الراي» و «الفن الشعبي» و «الذّكر» و «الحضرة» و «مواعظ الشيوخ» بأصواتهم تنوس نواحا ونشيجا... وشتى ضروب فنون القرع والطبل تخرُم أذني وأنا رابض (وقوفا) بانتظار حافلة صفراء قد تأتي في موعدها وغالبا ما لا تأتي...
هكذا، في ساحة برشلونة ـ وبالمثل في كل ساحات العاصمة وأحوازها ـ يُلفي أي مواطن منهوك القوى، مقطوع الأنفاس، يلفي نفسه محاطا ومحاصرا بتقاطعات عجائبية تثقب انتظاره المرير بأصوات مكبرات الصوت تتدافع نحوه، والجة كل ثقب فيه ليطفح داخله بالغثيان... وكثيرا ما ذكّرتني «برشلونتنا» المحلية بـ «برشلونتهم» المتوسطية، ذكّرتني بساحات «الكوريدا» الاسبانية، فلم أجد فرقا بين مستلقي حافلاتنا الصفراء ومصارعي الثيران الهائجة، وبالمثل صرت أرى حافلاتنا الصفراء (بسائقيها)، لا ينقصها إلا قَرْنَا ثور اسباني، وهي تتلوى بعجلاتها وصديدها بين أرجل المواطنين وأرصفة المحطة... محطة ساحة برشلونة التونسية!!!
هكذا، في ساحة برشلونة، وبالمثل في كل ساحات العاصمة وأحوازها، ينتصب أكثر من كشك لبيع السجائر وصحف معلومة وبطاقات بريدية وبعض مما خف وزنه وغابت صلوحيته، وأساسا تبيع هذه الأكشاك الشرائط المسجلة والأقراص الليزرية لكل أنواع الموسيقى والغناء، ما عدا الموسيقى الهادئة والهادفة، وما عدا الأغاني التي يمكنها أن تنتشل ضحايا الثيران الصفراء، مواطني ومواطنات الإدارة التونسية ومؤسساتها العمومية والخاصة ومدارسها ومعاهدها، من حالة «العصيان الميكانيكي» الذي تمتاز بها حافلاتنا الصفراء من دون غيرها...
هكذا، في ساحة برشلونة تحديدا يمكن لطالب أو أستاذ أو جامعي أن يتصفح مثلا «يوميات شارل بودلير» أو كتاب «قصة الحضارة» أو رواية «وقائع المدينة الغريبة» لعبد الجبار العش داخل مكتبة «المعرفة الجذلى» وجسده يقاوم هستيريا الهزّ والرقص على قرع طبل يتسرب إلى المكتبة من كل الأكشاك المنتصبة كالفقاقيع ببرشلونتنا، ويكاد صاحب المكتبة أن يُجن فيجيب حريفا بأن كتاب «الحريم السياسي» هو لفاطمة بوساحة وليس لفاطمة المرنيسي!!!
هي ذي ساحات العاصمة العمومية ومحطات حافلاتها الرئيسية، كلها، مثل بيوت النحل، تختلط فيها أصوات الباعة بحناجر زينة القصرينية وسمير الوصيف، ويتماوج فيها دخان الحافلات بشجون الشاب خالد والشابة لويزة ويتشابه فيها هدير المحركات الميكانيكية بحشرجة جورج وسوف وسماجة هيفاء وهبي... وتتقاطع فيها الأرجل والسيقان بمواويل الصالحي وأغاني البدو محفزين على الهجران بأغنية تطفو بين نشاز ونشاز «يا البابور خرجني من لا ميزار»!!!
هي ذي أماكننا العمومية، لا احترام فيها للعمومي المشترك (لكأن الرداءة صارت العمومي المشترك الوحيد) !!! يحتلها صبيان الأكشاك بمعاكساتهم البدائية للعابرات والمنتظرات... وباختياراتهم «الغنائية» التي تصير لفرط ترديدها ما يطلق عليه «الذوق العام» وما يتهافت المرُوَّضُون عليه لاقتنائه.
هي ذي نقاط عبورنا تحكمها أصوات قادمة من عالم الدواب بثغائها ونهيقها وبعبعتها فتجعلها جحيما يوميا نُجْبَرُ أكثر من مرة في اليوم على التلظّى بناره.

2008/09/03

قهيوة تونسية مرة


مثل خرائط الوطن موزعة بين دفات الكتب والمجلدات، او المهربة داخل الحقائب الدبلوماسية بأقفالها تتوزع جغرافيا كراسي اللغو وطاولات النميمة وفناجين الاسرار السوداء، السوداء... هكذا تتوزع خرائط المقاهي المبثوثة وسط شوارعنا الفسيحة وأزقتنا الضيقة، تماما كالفواصل والنقاط في لغتنا العربية... وكيفما تُوَزعنا ـ نحن ـ الشهوات الصباحية او المسائية، ومواعيد العشق والكتابة والانتظار المقيت، فإننا نظل ابدا أسيري حكم النادل او النادلة، فوفقا لحكمة مقاهينا ووفقا لحكمة ندالها ونادلاتها، غير مسموح لنا اطلاقا بتغميس الافكار وسط برك القهوة التي تسبح في شراييننا صباح مساء، وغير مسموح لنا بتوزيع انكساراتنا واحباطاتنا ولا حتى احلامنا وابتساماتنا القليلة الا همسا خافتا من الفم الى الاذن (de bouche à oreille)، فأنت محروم من استضافة كتاب الى طاولتك وفنجانك، وآثرت الصمت رفيقا والفكرة أنيسا وزوجا خفيفا لصباحك او مسائك... محروم لان امتياز الجلوس في مقاهينا محكوم بقانون واحد، قانون الدفع والدفع والدفع.... محكوم بالقانون الذي يجيز لك فقط ان تلقي الف فنجان قهوة سوداء في جوفك في اقل من دقيقة، وتلقي، طبعا، كل ما تملك في جيبك من قطع نقدية او أوراق مالية وحتى صكوك بنكية في جيب النادل، ذاك الجسر الآدمي الممتد بينك وبين صاحب المقهى الذي لا تعرفه ولن تعرفه ابدا ما لم تعرف مصطلحات من قبيل نمط الانتاج ووسائله وفوائضه والطبقات والتوزيع العادل للثروات وثورة البروليتاريا وجشع البرجوازية و...
في المقهى التونسي اذن، لا يمكنك ان تقرأ كتابا ولا يمكنك ان تمارس محنة الكتابة ولا حتى ان تسر لحبيبتك او صديقك ببنت كلمة او ولدها لانك ستغلق باب الرزق المفتوح على صاحب المقهى من جيبك وجيبي وجيب من لا سترة له ولا سروال أولا، وثانيا لانك ستجعل من مقهاه، منعوتة بالاصبع والعين من اعين المخبرين الرسميين وغير الرسميين وستجعل منها بؤرة لتقاطع السياسيين بالمثقفين والبوهيميين، والذين دائما وابدا، وفي عرف المخبرين واصحاب بطاقات الهوية الوطنية، يعدون مخربين وعملاء وخونة ويستقوون بالاجنبي على حرمة الارض والعرض، ويتوجس منهم صاحب المقهى ونادله / مخبرهن الامين من ان مواعيدهم دائما ما تخفي مظاهرة ما او تحركا او احتجاجا...
او... او... او... عليك ان تدفع او تغادر المقهى!!!!!
سمات فريدة من نوعها تنفرد بها مقاهينا التونسية دون غيرها... سمات تنتشر بين الجدران الملساء مع سحب لفافات التبغ الردئية منها والمستوردة ومع نعيق النرجيلات وطقطقة الكعاب الحادة... اهم تلك السمات وجود قائمتين من الزبائن، اولى تضم الزبائن المحبذين والثانية الزبائن غير المرغوب فيهم، فأما القائمة الاولى فهي بلا شك تلك التي فيها أزواج الحمام، اي العشاق والمحبين، فهؤلاء الذين يلوذون بالمقاهي ليطلقوا أجنحة الحلم والحب على عتبات العمر، يصيرون ـ مثلهم مثل السياح وغرباء المدينة ـ الوليمة الدسمة للنادل بما انه يجبر الحبيب امام خجل حبيبته على اقتناء العصائر والمرطبات وقوارير الماء المعدني الى جانب قهوته السوداء، وطبعا على الحبيب ايضا ان يشقشق «البقشيش» ليزهو بحمى الحب والتبجيل من طرف حبيبته... والى جانب المحبين طبعا الجيش العرمرم من شبابنا المولع بالرياضة وبآخر تقليعات الموضة والحلاقة... فهؤلاء تحديدا لهم كل التبجيل والاحترام ولهم افضل الخدمات، ماداموا يهرون كالكلاب المسعورة ويدفعون للنادل...
اما الصنف الثاني المتكاثر في قائمة المنبوين وغير المرغوب في جلوسهم ولا حتى المرور بالمقهى فهم عادة طلبة الجامعات والكليات، والمعطلين عن العمل من خريجي نفس الجامعات والكليات، وطبعا من اصابتهم لوثة الكتابة والقراءة، فهؤلاء مرصودون دائما وابدا، صباح مساء من طرف النادل والنادلة، وهم منذورون دائما وابدا لأعين المخبرين الرسميين وغير الرسميين، ماذا يطالعون؟ ماذا يخطون فوق حواشي علب السجائر وعلى قفا تذاكر الحافلات؟ فيم يتناقشون وفي من ينتقدون؟؟؟...
... وقلمي يلهث لهثته الاخيرة فوق هذا البياض المخملي لا ادري من اين تباغتني تلك الحكاية التي رواها لي دكتور تونسي ألقى دروسا في علم الانثروبولوجيا بجامعات الولايات المتحدة الامريكية ومر دارسا بجامعة السربون بباريس وتسكع في شوارعها وارتاد مقاهيها، أسر لي انه ذات مرة كان جالسا بإحدى مقاهي باريس فتأخر النادل عن القدوم اليه ثانية بعد ان رحب به مذ دخل المقهى وقدم له ما طلبه، ليتركه لساعات طوال منشغلا بما بين يديه من اوراق، فما كان من محدثي الا ان نادى النادل وسأله لم لم يعاود المجيء رغم انه قضى اكثر من خمس ساعات بقهوة يتيمة. فأجابه النادل بكل أدب وثقة انه لم يفعل ذلك خشية ان يقطع عليه حبل أفكاره...

2008/09/02

ملامح تونسية حية

غالبا ما تأخذنا حالة من الاندهاش والتعجب المتلبسة بالإحساس بالحسد المقيت والغيرة من ذاك الرسام الذي يتقن، حد التماهي، ويجيد جيدا رسم ملامح صورة شخص ما، عادة ما يكون مشهورا، وغالبا أيضا ما تجمعه به علاقة حميمة، قرابة أو صداقة أو إعجاب...
وغالبا ما تعرض تلك الصور التي تسمى أيضا بورتريهات، في المزادات العلنية وتباع بأثمان خيالية... وهذا أمر طبيعي، أولا لشهرة المرسوم وثانيا لإتقان الرسام وايجادته في إخراج البورتريه...
أما مجموع البورتريهات التي سأعرضها تباعا، فهي ليست لمشاهير ولا لنجوم أو لعظماء البشرية الذين عاشوا وأفادوا وماتوا وما ماتوا، إنما هي لأشخاص أحياء يعيشون ويتنفسون بيننا، نراهم كل يوم تقريبا، وتصلنا أخبارهم إن غابوا عن أنظارنا.
كما أن هذه البورتريهات التي ستكتشفون ملامحها لم تكلفني البتة لا قلم رصاص ولا ممحاة، ولا مرسم تنهمر على أركانه الموسيقى الهادئة وشلالات الضوء الخافت... فقط طوعت لملامحها وأنفاسها بعضا من
الحبر اللغوي ومن التصنيف الوظيفي لوجودها بيننا...

بورتريه 1

يركٌن سيارته «الفورد» وسط المأوى المحاذي لمحلات «ماكدونالد»، ويتجه مباشرة إلى ركنه المعتاد ليحتسى قهوته الصباحية المفضلة من نوع «ناسكافيه»، ويدخن معها سيجارتان لا أكثر من نوع «مالبورو»، ثم يمضي بعدها إلى ساحة الاجتماعات الكبرى ليلقي خطابا رنانا أمام الآلاف من الكادحين والعمال المتعاقدين وغير المضمونين اجتماعيا.... ويتناثر بصاقه على المصدح وهو يلح على ضرورة مقاطعة البضائع الإمبريالية باعتبارها تمثل سلاح أمريكا والدوائر الصهيونية والشركات العابرة للإنسانية الخطيرة التي تدمر الاقتصاد الوطني النامي!!!

بورتريه 2

لم يمض أكثر من ربع ساعة تقريبا وهو متسمر خلف ظهر سكرتيرته التي تشتغل لديه منذ أربع سنوات بعقد شغل. أملى عليها خاتمة الكلمة التي سيلقيه في المؤتمر العربي لتجمع الأحزاب المعارضة، وكاد يكسر لها عنقها عندما أخطأت رسم كلمتي الديمقراطية والتعددية الحزبية. عندما أنهى حصة الإملاء غادر مقر الحزب مباشرة نحو بيته حيث ألحت عليه زوجته وابنه وابنته بالحضور فورا. لما فتح له الخادم الباب، دلف إلى الصالة الفسيحة، أطفأت أنوار القصر ولاحت له من بعيد ثلاثون شمعة بالتمام والكمال. كانت عائلته تحتفل بذكرى توليه رئاسة الحزب منذ سنة 1976. أطفأ الشموع الثلاثين وقبلته زوجته وابنه وابنته وتمنوا له أن يظل رئيسا لحزبه الديمقراطي ثلاثون سنة أخرى!!!

بورتريه 3

لم يتلعثم أمام الكاميرا وهو يتحدث في البرنامج التلفزيوني، الذي يبث مباشرة، عندما انطلق في حديث مشحون عن فناني «الغلبة» الذين يتقافزون في الفضائيات والذين يغنون أي كلام بأي لحن وفي أي مكان، ويظهرون لنا وله أيضا مثل الكوابيس المزعجة وهم عراة حفاة ينطون كالقردة السائبة...كان حديثه متوازنا ومشحونا إلى أن انتهت الحصة المخصصة له.
أسبوع واحد، يظهر نفس الفنان على فضائية أخرى حافي القدمين، نصف حليق وهو يقدم للسادة النظارة «روميكس» نصفه ثغاء ونصفه الباقي قرع أرعن، ويصرح بعد نصف دقيقة – الزمن الكامل للأغنية الروميكس – بأن النسق أقوى من المبادئ، وأنه يلبي رغبة جمهوره «السميع»!!!
بورتريه 4
يشاهد بأم عينيه أن عدد المتسولين في الشارع يضاعف عدد حجارة

الأرصفة، ويتابع بانتباه شديد آلاف المومسات يلقين حبالهن أمام أعين الأمن، ويمر بمظاهرات الطلبة المعطلين عن العمل منذ سنوات، ويقتني من السوق المركزية سمكة واحدة بنصف راتبه تقريبا. ينفض قميصه قبل أن ينام علً شرطيا يسقط من جيبه لكثرة ما شاهدهم في كل الزوايا يثقبون الظهور والبطون بأعينهم...
يعيش كل هذه الوضعيات يوميا ثم يرفع الكاميرا فوق ظهره ويخرج لنا فيلما عن الحب والأمان والراحة والعيش الرغيد!!!

بورتريه 5يضع نظارته السوداء فوق عينيه عندما يشاهد منحرفا يفتح وجه
فتاة بمدية حاد، ويرفع عصاه الغليظة في وجه ذاك الصبي الذي يبيع السجائر والعلكة بمحطات الحافلات. يرفع التحية للسيارة السوداء الفخمة المارة بالشارع ثم يوقف سيارة شعبية ليضع في جيبه ما غنمه بفضل امتياز زيه... يمطر جماهير الطلبة الهادرة أملا وألما بالقنابل المسيلة للدموع ثم يحمي الصعاليك والمنحرفين المتجهين نحو ملاعب كرة القدم... يرفع كل الحواجز الممكنة ليمنع المارة من الانعطاف نحو مقرات المنظمات الحقوقية ثم يفتح أبواب الحافلات والسيارات الخاصة والقطارات ليقل الناس إلى حيث يأتي الزعيم... يمارس كل تلك الأفعال وهو يلمع الشعار الوطني الذي يتدلى فوق صدره!!!

بورتريه 6يأتي إلى الجامعة محملا بالأفكار والكتب والشعارات ويموت لأجلها طوال سنوات دراسته داخل أسوار الجامعة، يضرب عن الطعام ويسير في المصفوف الأمامية للمظاهرات ويلقي خطبا عصماء أمام الرفاق... يلعن النظام الذي حرمه من حقه في مجانية التعليم وجعل الكتب باهضة الثمن (مثل السمك) والسكن الجامعي غير متوفر ومنحة الدراسة لا تمنح... يفعل كل ذلك وتختلط دماؤه بجدران الجامعة استبسالا ومقاومة لأي بذرة خيانة لمبادئه...
عندما يتخرج ويحصل على إجازته، يترك كل الأفكار والكتب والمبادئ والشعارات والشهائد العلمية خلف أسوار الجامعة ويدخل إلى وظيفته ببطاقة حزبية وربطة عنق قزحية!!!

آخر بورتريهظل وحيدا داخل مرسمه يرفع الألوان في وجه البياض الصامت، راسما الأوجاع ومصورا الملامح مثلما هي. لم يتقن أبدا فن الخداع والتزييف. ظل وفيا لرأسه وريشته، رغم انه لم يشارك في أي معرض فني، فكل من شاهد رسومه ابتأس لفجاجتها وفضاعتها. في الحقيقة لم تكن رسومه فجة وفظيعة إلى درجة حرمانه من عرضها للعموم، وإنما كانت فقط رسوما حية... أو بالأحرى بورتريهات حية لملامح ميتة...
المرة الوحيدة التي دعي فيها للمشاركة بستة بورتريهات في معرض عالمي، لم يدر من أين انهالت على مرسمه تلك الجرافات العظيمة التي صيرته في لحظات معدودة ركاما هائلا من الحجارة والألوان، ولم يشعر بأي الم وهو يرى ذراعيه الاثنين ينعجنان مع الحجارة والألوان في محاولة يائسة ليظفر ولو ببورتريه واحد... وإلى الآن مازال ذاك الرسام معطوب الذراعين ويأس من التدرب على الرسم من جديد بأصابع ساقيه...
عندما زاره الزعيم وشمله برعايته وعطفه، منحه ذراعين من خشب، فرسم ستة بورتريهات مميزة لمناضل ثوري ورئيس حزب ديمقراطي ومطرب ومخرج سينمائي ورجل أمن وطالب جامعي، وقد نال على أعماله تلك وساما تقديريا وصار يعرض بورتريهاته في كل مكان!!!

2008/09/01

الآكل والمأكول في تاريخ تونس المهول


استتنتج الكاتب الحرّ سليم دولة في خاتمة المدار الخامس والجرح الخامس من كتابه «الجراحات والمدارات» والموسوم «بالمهول في أخبار الانسان الآكل والانسان المأكول»، استنتج أنّ منظومة العلاقات المُغَلَّفَةِ بالقداسة أخرجتنا من أفق «الأقربون أولى بالمعروف» الى أفق «الأقربون أولى بأن نأكلهم» مؤكّدا أنّ هذا الأفق جمع وجع جوع الفقراء مع الحاجة النفسية للمياسير والمساتير في استطابة أكل اللّحم الآدميّ المُعدّ بالتّوابل الجيّدة!!!
ولئن فتح سليم دولة امكانية الاقامة في تساؤل من منّا الآكل ومن منّا المأكول ومن سيؤرّخ للخبر المهول بعدنا؟ فإنّي سأنزل من عرشه الفلسفي وأفقه النّظري وأترجّل قليلا مع الغادين والرّائحين في شوارعنا وأزقّتنا وداخل وسائل النّقل وفي المنازل والادارات والمرافق العموميــة التي يلتقي فيها المواطنون والمواطنات لتصريف شؤون البـلاد، سأترجّل معهم في هذا الشهر، شهر القداسة، لأحاول ـ بمنطق بسيط ـ أن أكشـف من يكون الآكل ومن يكون المأكول ومن سيؤرّخ للخبر المهول بعدنا ؟!طبعا الأكل الرمزي هو الذي سنقف على مظاهره وهو في نظري أشدّ بشاعة وفضاضة من الأكل المادي.أمّا الآكل فهو لامحالة التونسيّ والتونسيّة، الفقراء منهم والمياسير كذلك، وأمّا المأكول فهو أيضا التونسيّ والتونسيّة الفقراء منهم والمياسير بدرجة أقل، وأمّا مؤرّخ هذا الخبر المهول فهو ليس مجهولا وليس معروفا أيضا ولكنّه يبقى بالأخير تونسيّ صميم، قد تكون شوارع تونس، وقد يكون تاريخها... أو هو مستقبل أيّامها...معادلة الأكل والمأكول نلمس ملامحها لدى البائع الذي يغشّ الزّبون ونلاحظها لدى السائق الذي يشتم ويسب ركّاب الحافلة العمومية، نراها لدى الولي عندما يصبّ جام غضبه على الأستاذ والمعلم لا على ابنه، نجدها عند الأبناء وهم يلعنون آباءهم لفقرهم وقلّة أموالهم، نجدها عند موظّف الادارة يأتي متأخّرا وينصرف باكرا دون أن يتقن عمله، ونجدها عند المواطن وهو يقدّم الخمسة والعشرة لقضاء حوائجه قبل غيره... الكل يأكل في الكل مثل الحديد... نحن شعبٌ نأكل بعضنا البعض بشراهة ولذّة كبيرتين، نرمي بكل خساراتنا وأتعابنا على بعضنا البعض كل من موقعه وكل حسب جوعه... ننهش فقرنا وأخلاقنا وأجسادنا... أو على حد تعبير الشيخ امام عيسى «غَابَة كلابها ذيَابَة نازلين في النّاس هَمْ، واحْنَا يا ملح الغَابة هَمْ بِيَاكُل هَمْ...هَمْ..هَمْ...»إنّ أخبار الأكل التي أوردها سليم دولة ـ على رمزيتها ودلالتها ـ لا تمثّل إلاّ جزءا من تاريخ البشرية، أمّا أخبار الأكل لدينا نحن «التَّوَانسة» فهي عادة طبيعيّة تتغذّى كلّما زادت حدّة التفاوت... كلّما ازدادت الموائد الملكيّة نهمًا وكلّما تكاثرت مقابر الأرجل المتعثّرة في الشوارع والأزقّة، في الدّواخل والسواحل، في البراري والصّحاري... عندما ينتهي الحديد من أكل بعضه البعض سيصيبه الصديد فيتوقّف محرّك البلاد لتسجّل ساعتئذ أخبار المهول في الأكل والمأكول، وتقفُ البلاد على فُتات شعبٍ حتّى الكلاب ستزعفه...