بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/03/17

مدير المعهد العالي للموسيقى الدكتور محمدزين العابدين :


هذه بعض الفرضيات لادارة مهرجان الموسيقى...

* أجرى الحوار ناجي الخشناوي

داخل مبنى المعهد العالي للموسيقى الكائن بشارع باريس بقلب العاصمة عندما كنت باتجاه الطابق الثالث حيث مكتب مدير المعهد لم أكن أتوقع أني سألتقي بكل تلك الطاقة والشحنة والحماسة التي لمستها في حركات وسكنات الرجل وفي كلامه وصمته..
مدير المعهد هو الاستاذ الدكتور محمد زين العابدين، أستاذ التعليم العالي للعلوم الثقافية بجامعة تونس مختص في سياسات التنمية الثقافية والتحليل الاجتماعي والسياسي للثقافة وفي علوم الموسيقى وهو متحصل على 3 أطروحات دكتوراه من 3 جامعات فرنسة ومتحصل على الدكتوراه الموحدة في الجماليات والجغرافيا السياسية من السربون والدكتوراه الموحدة في علم الاجتماع السياسي والثقافي والعديد من الشهائد الاخرى من نفس درجة الدكتوراه وهو عضو بالمجلس الاعلى للثقافة كما انه مدير بحوث علمية في مستوى الدكتوراه والتأهيل الجامعي بجامعة السربون منذ سنة 2000 وهو يشرف على سلسلة اصدارات علمية وبحوث دولية حول السياسات الثقافية ومؤسس المجلة التونسية للعلوم الموسيقية ومجلة تضافر الابداع بالمعهد العالي للموسيقى بسوسة. مع الدكتور محمد زين العابدين هذا الفرد في صيغة الجمع كان لنا هذا الحوار بمكتبه .
* ما رأيك في تعدّد الاستشارات الوطنية في مجال الابداع الفني ومنها الاستشارة الوطنية حول الموسيقى؟
ـ بصفة عامة الاستشارة مهما كان نوعها تحاول مواكبة الواقع سواء كان مسرحا او سينما او موسيقى من حيث قرارات الدولة وانعكاساتها على الواقع، أي بين التنظير والممارسة واعتقد أن الاستشارة مهمة جدا لأنها تعبير عن التفاتة لقطاعات حيوية واستراتيجية وهي تتعامل مع مطالب المبدعين لتعاين الأسباب السالبة او الشادّة الى الخلف وتدعّم النقاط المضيئة والايجابية.
الاستشارة الوطنية ظاهرة صحية لانها تعطي الكلمة وتتيحها للجميع من مبدإ ديمقراطيتها ـ اي الكلمة ـ وتشريك الفئات المهنية لتحديد مصيرها والتعامل مع مطالبها واستحقاقات مرحلتها واستشراف افاقها.
* ألا ترى انه من الضروريّ مثلا في الاستشارة الوطنية حول الموسيقى يجب اخذ رأي المستمع / المتقبل الى جانب أهل الاختصاص؟
ـ انا معك في تحديد مسؤوليات القطاع الفنّي، ذلك أنه متعدد ولا يعني المبدع وحده ولكن كذلك النقاد ووسائل الاعلام والجمهور المستهدف باعتباره هو الذي يقدم على العروض ويتابعها وهو بالتالي طرف قار ورئيسي.
وأعتقد أن الجهات المسؤولة عن التنظيم من وزارة ثقافة وسياحة وتعليم عال كلها تضع في اعتبارها قيمة المستمع والمتقبل عموما ثم ان وزارة الثقافة ترصد ميزانيات مهمة للجهات لتنظيم التظاهرات ولا بد من تحسيس القطاع الخاص لكي يقوم بدوره اما بالاستثمار الثقافي او تدعيم التظاهرات ولم لا استحداث بنك للتنمية الثقافية ولكي نقارب الموضوع بصورة بنّاءة ولكي لا نحمل الدولة وحدها المسؤولية لابد للمبدع ان يكون لديه هاجس البناء والحفاظ على رؤيته ومشروعه الذي هو بالاخير ليس شخصيا صرفا بقدر ماهو يصب في الرؤية الوطنية.
* كيف ترى اليوم واقع تعليم الموسيقى الذي تتجاذبه الاصالة من جهة والتغريب من جهة ثانية ان صحّت العبارة؟
ـ في تاريخ وتقاليد تعليم الموسيقى هناك سعي إلى توطيد معاني وملامح الموسيقى التونسية الاصيلة بالاحتكام الى آلاتها وقوالبها ومقاماتها وايقاعاتها وهناك ذائقة عربية ولو أنها في تحوّل دائم ولكن يبقى الأساس هو تعليم الموسيقى التونسية المغاربية الاندلسية كالمالوف والطبوع والاوزان التي أسست لمراجع قيمة وهذا متوفر في جميع مستويات التكوين والتربية والثقافة والتعليم العالي ولكن هذا لا يمنع من التفتح على المعاهد الموسيقية الكلاسيكية الغربية ولنا شواهد عديدة في هذا الاطار حيث ان لدينا العديد من الطلبة المختصين في الات غربية وانماط موسيقية غربية وكونيّة، وإلى جانب هذا ندرّس موسيقى الجاز والموسيقات الجديدة بالنسبة للقرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.
* هل توضّح لنا أكثر معنى الموسيقات الجديدة وهذا التوازن في التكوين الموسيقي؟
ـ ان التكوين يعي جيّدا أهمية الثقافة الموسيقية العربية والاسلامية من جهة ويدعم تجذّر الطلبة في محيطهم الثقافي والحضاري ولكنه في الان نفسه يأخذ بناصية العلوم والمناهج المتقدمة في الدول الغربية أي ان هناك تضافرا بين ماهو محليّ وماهو آخر بوعي وادراك لضرورة المحافظة على تعابير الهوية التونسية والعربية بتعدد اشكالها التقليدية والكلاسيكية والشعبية والمعاصرة.
* بمعني أن باب الاجتهاد الموسيقي مفتوح للطلبة؟
ـ في صلب معاهد التكوين نحاول ان نفتح ابواب الاجتهاد امام الطلبة لكي تكون نظرتهم للموروث نظرة محافظة وتجديد فلا يمكن فقط أن نحافظ على التراث بل معه لابد للابداع ان يحفظ حق التجديد الابداعي والفني لكي تتغذى مستقبلا المدونة الموسيقية التونسية من دون الاقتصار على حقبة تاريخية معينة أو لون ابداعي بعينه فالتاريخ البشري تراكم لاثار البشر دون اقصاء او تهميش ولكن لابد أن يكون لكل ثقافة شأن تُطوّر من خلاله مضمونها اخذا بمبادئ الاصالة وتجديدا لها وبحثا فيها وهذه سمة الحياة، أي التواصل والاثراء.
ونحن حين نتحدث عن الموسيقات الجديدة فهي تلك التي نُدرك معها حرية دنيا لدور المبدع في التعبير عما يريد من دون تواكل أو التعويل على ظرف تاريخي وحيد او لغة وحيدة او مرجع وحيد وأعتقد أن هذه النظرة المتجذرة والمتفتحة تركز بصورة واعية مآل التنمية، تنمية الاذواق، الافكار، الفكر النسبي، التواصل والبناء...
* لنأخذ مثلا آلة العود، هل تعتقد انها ستصمد أمام زحف الالات الغربية واستئثارها بأذن المستمع اليوم؟
ـ المبدأ الصحيح هو البحث في سُبل تطوير مضامين الفنون بصفة عامة مهما كانت الذريعة أو الآلة وأعتقد أن في ثمانينيات القرن الماضي برزت ظاهرة العزف المنفرد على العود ولكن للاسف هذه الظاهرة لم تعمّم على عدّة آلات أخرى بنفس الحضور والاشعاع وتبقى القضية الخاصة بهذا المعول على تطوير اللغة الموسيقية في تونس وفي الاقطار العربية هو الجدية في مقاربة تاريخية صحيحة واستغلال واع للآلات والقوالب والمضامين والتعامل بذكاء مع روح العصر وأن لا يكون بالانخراط الاعمى فيما هو غريب عن ثقافتنا، يكون بتثقيف المبدع وحضوره الفكري لكي لا يتحول بدوره الى آلة يمكن ان تستغل فيما لا يفيد الثقافة في تونس أو خارجها.
* هل هذا يهم العملية الابداعية كلها وجميع المبدعين من دون استثناء؟
ـ طبعا، فالعملية الابداعية عملية واعية تستقيم بفكر وبوجدان وبمشروع وان غابت هذه العناصر تغيب معها اهداف كل عملية حضارية، والموسيقى تنتمي الى هذه الشاكلة من أنماط التعبير الانساني الذي يؤسس من خلاله لحاضره ومستقبله.
ولعل القضية الكبرى هي اعطاء نظرية واسناد فكر لما يمكن ان يبدو كأنه من مكملات الحياة فالعود كآلة تستغل للترفيه والتسلية اتخذت من الكندي في القرن 9 ميلادي لتأسيس نظرية تقنية فلسفية سميت انذاك «المدرسة العودية» وواصلها الفارابي من خلال «المدرسة الطنبورية» وبعده صفيّ الدين الأُرموي من خلال «المدرسة المنهجية» في القرن 13 وقد اتخذت هذه المدارس أبعادا مهمة جدا في تحديد علاقة الموجود بالمنشود استنادا الى المدرسة الاغريقية القديمة وتطويرا لها في مضامين فكرية وجدانية اتخذها الغرب فيما بعد كسبيل لمناهجه الفنية لعصرالنهضة والعصر الكلاسيكي، فمن المفهوم الكوني الزماني ومبدأ التأثير الوجداني للموسيقى وصولا الى النظرية الوجدانية للايتيقا نجد ان الآلة الموسيقية العربية اضطلعت بدور حضاري تنويري في القرون الوسيطة وهي قرون أوج الحضارة الاسلامية لتفاعلها الحيوي بين ماهو حسي وفلسفي وديني وعلمي ولا بد ان نعود لهذه الاعتبارات ولا أن نعتبر الموسيقى جزءا من التسلية والترفيه خارج سياق الفكر والحضارة والمدنية فالشعوب والتاريخ والحضارات بوجدانها، والموسيقى تعبير لهذا الامتداد الذي يستأنس به الانسان للتعبير عن ملكاته التأسيسية والبناءة للحضارة الانسانية.
* ألا ترى أن موازين القوى بين الحضارات اليوم تعرقل عملية التثاقف والتواصل؟
ـ الغرب استلهم من الموسيقى العربية من موقع القوة، من موقع المستعمر والمستوطن والغازي، ولكن نحن يمكن ان نستلهم من الغرب ولكن بمنطق الندية وبالوعي بالخصوصية والمميزات وذلك خير من ان ننسحب تماما لكي لا نبقى في موقع التبعية الثقافية للغرب وهو ما يجعلنا في موطن التثاقف العقيم، وكما سبق أن قلت الاهم هو أن نواصل بين ماهو كامن في الشخصية التونسية على تنوعها واختلافها وامكانيات التفتح المشروط الذي يقوم على مبدأ الاخذ والعطاء والتأثر والتأثير..
* ما رأيك في تكاثر معاهد الموسيقى الخاصة؟
ـ هي ظاهرة صحية جدا، لان تعليم الناس الموسيقى ضروري لصقل شخصية المتعلم وتعويده على الابداع منذ الصغر وتطويع ملكاته للعلم والعمل
والصناعة بلغة فنية وجدانية واعتقد أنه من الضروري دعم مراكز التكوين لانها تخلق طاقات وابداعات من شأنها ان ترسم ملامح المستقبل.
* ولكن ألا ترى أن هذه المعاهد تؤثر في سوق الشغل؟
ـ يمكن ان تؤثر في توازن سوق الشغل ولكن أعتقد في هذا المجال أن الاهم هو تواصل العملية الابداعية وتكوين الموسيقيين والملحنين والاستئناس بالشعر والاداء وطرق التلفظ...
* ما رأيك في مهرجان الموسيقى؟
ـ مهرجان الموسيقى من المواعيد التي يمكن ان توفّر حضورا لاهل الاختصاص مع تنافس شريف وهو موعدٌ مهم من جملة المواعيد التي تحرص وزارة الثقافة والمحافظة على التراث على اقامتها تشجيعا للابداع والمبدعين.
* ما رأيك أيضا في مسألة إلغاء جوائز المهرجان ؟
ـ القضية ليست قضية جوائز، القضية قضية أهداف عامة ماذا نريد من المهرجان؟ تحفيز المبدعين؟ أم تشجيع الموسيقيين؟ أم اقامة التظاهرة في حدّ ذاتها؟
التظاهرة في حد ذاتها مهمة لانها فرصة لجمع العازف بالمغني بالشاعر والنقاد والمستمع... ولكن بقي ان نتساءل هل لابد أن نحدّد محورا سنويا لكل دورة يتنافس فيها أصحاب كفاءات تتجانس وتتقارب؟ هل يمكن الاستئناس بفكرة أساسية كتشجيع المواهب الجديدة؟ أم هل يجب الاقتصار على الأسماء المعلومة واعطاء المهرجان ما يستحق للتنافس؟ أم... أم... كلّّها فرضيات لادارة المهرجان لتنظر فيها لتتمكن من الوصول الى اطار يكون اكثر وضوحا وعمليا.
* لك أن تنهي هذا الحوار كما تشاء؟
ـ أملي أن تتضافر الجهود بين جميع الاطراف على جميع المستويات لكي نأخذ الموسيقى مأخذ الجد فننهض فعلا بسبل الابداع خاصة أن الموارد التي توفرها مختلف المؤسسات وسلطات الاشراف عديدة وسخية، بقي ان نحسن توظيفها ونسخّرها تسخيرا يطوّر فعلا من مضامين الابداع الفني الذي يبقى هو الفيصل في حكم التاريخ على الشعوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق