بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/04/01

الاستقلال البارد


من مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات في العالم أجمع منذ فجر الحضارات المؤسسة لتاريخ البشريّة، إقامة الحفلات ونشر اليافطات والأعلام للزينة في الساحات العمومية والشوارع وحتّى داخل البيوت... وتذكّر وتكريم من اقترنت به ـ أو بها ـ مناسبة الاحتفال... وإلى ما غير ذلك من المظاهر التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها غير أنها تحمل دلالات عميقة لعل أهمّها التذكير بالأمجاد ـ باعتبارها احتفالا ـ ومزيد تمتين أواصر المحتفلات والمحتفلين...
وككل الشعوب قاطبة، أحيا الشعب التونسي يوم 20 مارس 2008 الذكرى 52 لنيله الاستقلال التام عن المستعمر الفرنسي غير أن يوم الذكرى الذي انقضى منذ أسبوع فقط لم يحمل مراسم الاحتفال والبهجة والتمجيد إلاّ بذاك اليوم الوحيد الذي يُمنح للموظفين والموظفات والعمال والعاملات بعنوان يوم راحة فلم نشاهد أعلام تونس ترفرف في الشوارع الفسيحة التي كانت يوم الخميس الفارط خالية إلا من بعض الأرجل المتعثرة هنا وهناك... ولم نطالع يافطات للمنظمات والجمعيات والأحزاب وحتى أمام مداخل الشركات والمعامل والمؤسسات الوطنية التي نراها تتسابق في مناسبات أخرى في إعلاء اليافطات «الموشّات» بالأخطاء اللغوية والصور والأعلام وتُقيم المسابقات والجوائز وتستأثر بمساحات شاسعة في الصحف والمجلات لتبارك وتمجّد وتساند وتشجع وتضاعف ولاءها...
حتى شارع الحبيب بورقيبة، المجاهد الأكبر الذي أتى بالاستقلال الداخلي للبلاد ـ وان كان على مقاسه ومقاس فرنسا ـ حتى شارعه لم ترفل جدران محلاته ومؤسساته باليافطات والأعلام والصور... ربّما تتعلّل هنا البلديات ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المجتمع السياسي والمؤسسات الوطنية بقلة ذات اليد وبارتفاع أسعار البترول والقمح وبالمصاريف الزائدة التي قد تُنهك ميزانية المجموعة الوطنية غير أن هذا لا يشفع لهم كلهم التغاضي التام والتناسي القصووي لتشريك الشعب التونسي في الاحتفال بيوم مولدهم الوطني في حين نراهم جميعهم يُصابون بما أسميته هستيريا اليافطات والأعلام في مناسبات أخرى!!!
أعتقد ان التاريخ هو أولا وقبل كل شيء الماضي قبل ان يكون الحاضر والمستقبل وأعتقد أيضا أن ردم الماضي في قبور باردة لن يمنح أبدا شرارة وحرارة للحاضر الآني والمستقبل الاتي...
اعترف أنّي أصبتُ يوم 20 مارس 2008 بنكسة عاطفية كبيرة وبرجة إيديولوجية عميقة وأنا أشعر أنّ لا فرق بيني وبين ذاك السائح الفرنسي ـ نعم فرنسي ـ الذي سألني في شارع الحبيب بورقيبة عن سبب اغلاق المحلات والمؤسسات وعن ركود حركة الشارع فلم أجد بدا من اجابته بأن اليوم 20 مارس هو يوم راحة فقط...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق