بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/07/08

قصة قصيرة

زوجـا حذاء

من يتحمل مسؤولية واحد يتحمل مسؤولية اثنين
حنا مينه

استأنف رسم الأرقام فوق الورقة الفضية التي انتزعها من العلبة الحمراء، بعد أن أشعل اخر سيجارة كانت بداخلها ظل يركّب ثمن كل قطعة تقفز إلى ذهنه، ويجمعها مع سابقاتها فوق الورقة الصغيرة ثم يشكل صورتها لون خشب بيت النوم مثلا, نوع التلفاز, حجم الثلاجة, شكل طاولة المطبخ وعدد مقاعدها, عدد الأطباق والكؤوس والفناجين... حتى صيغة الدعوات كتبها في ذهنه، واختار شكل مظاريفها وألوانها.بدأت مساحة البياض فوق الورقة الفضية تتضاءل وظل ذهنه هائما وسط الفضاءات التجارية الكبرى ومحلات الأثاث المشهورة كان يتنقل من محل إلى اخر ويناقش الأسعار والأثمان مع التجار والباعة، ولم يستفق إلا على أزيز القلم ينكسر فوق صلابة خشب طاولة المقهى أين كان يجلس.أسقط القلم في جيب قميصه وأخذته ابتسامة شاحبة نحو الركن الأيسر للمقهى ليلمح أصابع فتى ـ في عمره تقريبا ـ تتشابك مع أصابع عجوز سائحة وفوق طاولتهما تذكرتا سفر ـ على ما يبدوـ وزجاجتا بيرة.طوى الورقة الفضية بأصابعه الخشنة ودسّها في العلبة الحمراء، الفارغة ثم نهض وخرج. ألقى علبة السجائر المملوءة بالخشب والأطباق والدعوات في أول حاوية فضلات اعترضته ثم قطع الشارع العريض باتجاه الإسكافي الرابض أمام صندوقه الأزرق منذ أن جاء إلى هذه المدينة. دفع له ما تبقى في جيبه من قطع نقدية ليستلم زوجي الحذاء بعد أن تفحصهما جيدا. وضعهما داخل كيس بلاستيكي أسود ثم دلف إلى شارع عريض اخر.كان ينظر إلى زوجي حذائه البني وفي عينيه كل الغبطة, فزوجا الحذاء تزاوجا إلى الأبد دون حاجة إلى أثاث أو دعوات أو ابتسامات شاحبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق