بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/08/23

أجيال وراء أجيال

لو كنت فرنسيا لمت في فرنسا... ولو كنت كنديا لمت في كندا... ولو كنت يابانيا لمت في اليابان... ولو كنت كوبيا لمت في كوبا... ولكن انا تونسي ومع ذلك لا أحب ولا أتمنى ان أموت في تونس!!!
«أنا» لا تعود عليّ أنا، وإنما هي ضمير ـ ليس حيا ـ يعود لعدد غير قليل من ابناء جلدتنا ولدوا وكبروا هنا وهم الان يكبرون وسيهرمون هناك... ولأكن واضحا فأنا أقصد عيّنة بذاتها من شباب تونس وشاباتها، هم تحديدا ابناء وبنات عدد كبير من «المناضلين» السياسيين والحقوقيين والنقابيين ـ أعرف أغلبهم ـ قاموا «بتهريب» ابنائهم وبناتهم الى الجامعات الغربية والامريكية ليواصلوا تعلمهم ويحصّلوا من الشهادات ما تيسّر لهم، ولهم في ذلك كل الحق، ولكن ما يحزّ في النفس ان العديد من أولئك «المناضلين» الذين صرفوا اعمارهم في السجون والسرية وفي الاعتصامات والمظاهرات من اجل تونس الحلم لأبنائهم وبناتهم وللجيل الذي سيبقى بعدهم، ترى أغلبهم يشجع ابنه أو ابنته على البقاء هناك وعدم التفكير في العودة الى تونس... تراهم يفاخرون ببقاء ابنائهم في باريس ونيويورك ومونتريال والمانيا وغيرها من العواصم ولا تسمعهم يتحدثون الا عن رفاهيتهم هناك وعن حريتهم هناك حتى أقنعوا أنفسهم بأن هذه البلاد ما عادت تصلح لهم وان مناخها أضيق من نشاطاتهم وطموحاتهم فلماذا يعودون؟ ولماذا يؤوبون؟!!
هنا أود أن أسألكم أنتم بالذات، لماذا ناضلتم ولا تزالون؟! لماذا صرفتم أعماركم في النقد والاصلاح وحتى في الحلم بالثورة؟! أليس من اجل ابناكم وبناتكم ومن اجل جيل كامل؟!! هل أفنيتم سنون حياتكم من اجل جيل منذور للهباء والشتات؟!! يا لنفاقكم وخيبتكم ايها المناضلون الثوريون؟!
وحدهم ممن تطلقون عليهم صفة «الشعبيون» يكدون هناك لأجل العودة هنا وبناء مشروع لصالح البلاد... وحدهم صادقون في حب هذه الارض... بل اني اعرف الكثير من الشباب الضائع هنا من «حرق» الى «طاليا» ليعود الى تونس ويبني مشروعا ينقذه من الضياع الذي كان فيه...
وحتى لا أتجنى على احد فاني بالمقابل اعرف عدد قليل جدا جدا من شبان وشابات تغربوا عن تونس وأصروا على العودة اليها بزادهم العلمي والمعرفي الذي حصلوها هناك ولكنهم ـ مع الاسف الشديد ـ يعدون على اصابع اليد...
لن أصف الجيل الذي تربيت على نضاليته بأنه امتهن النضال النخبوي والبورجوازي والفئوي... لن اصفه بذلك لأني بالاخير اظل احترمهم واحترم نفسي باعتباري ثمرة من ثماره... ولكن لست ادري كيف اصف وبماذا اصف صنفا اخطر من الاول من اولئك المناضلون السياسيون والنقابيون والحقوقيون (اقصد كل الحساسيات والاحزاب، حاكمة وتابعة ومعارضة) واقصد بالصنف الثاني عددا كبيرا من «المناضلين» الذين أفنوا اعمارهم في الانصهار في العائلات الحزبية او الحقوقية أو النقابية او المدنية ومع ذلك لم ينجحوا في تكوين عائلاتهم «الدموية» على المبادئ والقيم والشعارات التي رفعوها وآمنوا بها خارج عتبة بيوتهم ومنازلهم اذ نادرا ما تلتقي ابن او ابنة «مناضل» مهتم بالشأن السياسي او النقابي او الحقوقي... فالكل منصرف الى شأنه الخاص... وأي شأن... كرة، مقاهٍ... فضائيات!!!

هناك تعليقان (2):

  1. الذين أرسلوا أبناءهم للدراسة أو للعيش بالخارج هم قلة قليلة من الأرستقراطية النقابية و السياسية التي تعيش على أوهام اخرى..اما الباقون هنا و الذين يحاربون من أجل لقمة العيش فمن أين اهم بالمال حتي يدرسوا أبناءهم بالخارج ..هم عاجزون على تدريسهم حتى بالداخل و عاجزون عن دفع فواتير الماء و الدواء و قصاصات النقل للمدارس...التعميم في مقالك فية الكثير من التجني على الأكثرية النقابية و السياسية التي تعاني الكثير من أشكال الإستثنـــــاءو الحرمان حتى من الحقوق المدنية و حق الشغل و حق الممارسة و العيش بكرامة

    ردحذف
  2. لأنو الوالد "نقابي" و "سياسي" و لأني درست في الخارج في جامعة أمريكية و قعدت توة ندرس في جامعة أمريكية أخرى.. لكل ذلك نرى أني معني بالتعليق على النص هذاية...

    مش بش نزيد على ملاحظة التعميم إلي أشارلها "الحلاج"... أما فمة نقطة أساسية نرى من الضروري التعليق عليها: هل أنو الدراسة في الخارج تعني بشكل آلي "رفاهية" (على أساس الصورة إلي قدمتها) أم ينجم يكون إضطرار ناتج على موانع مختلفة و ناتج ربما على تقدير و دعم ما يلقاهش الواحد في بلادو؟ كيف كيف: الخروج البرة ما يكونش كان بفلوس عايلتك خاصة كيفما قال "الحلاج" كيف تكون عايلتك مش قادرة على ذلك و الأمثلة النقابية على الوضعية هذية أكبر بياسر من بعض إلي تمعشو من النقابة...

    طبعا في الاطار هذا الكل كاينو فمة زادة في خلفية النص تناقض بين الانتماء الوطني و بين مجرد الخروج للدراسة في الخارج..

    الكتل متاع الأفكار المسبقة و المغلقة هذية الكل ينضافلها كتلة أخرى ترى أنو مش فقط الدراسة بل العيش في الخارج هو في ذاتو دلالة على احتقار لوطنك و تجاهل ليه و تناقض مع مبادئ و قيم عالية... و إستثناء "النادر جدا جدا" الموجود في النص يظهر كاينو لتأكيد القاعدة التعميمية هذية مش لتنسيبها...

    هذا إلي يقولهولي النص... و الحقيقة ما نعرفش شخصك و ما نحبش ندخل في أي تفاصيل جانبية... لكنو نص متسرع و ناتج ربما على حادثة معينة و إلا قعدة و نقاش في قهوة... لكنو زادة يجرح الناس خاصة الناس إلي عانات و تعاني من أجل البلاد هذية... و إلي بعد هذا و ذاك مش من حق أي واحد أنو يمسخها بالتعميم هذاية حتى و لو بكلام يخص ناس محددين في ذهن كاتب النص...

    صحيح التعميم هو حل الصحفي إلي يظطر لممارسة الرقابة الذاتية بش ما يحصلش في محظورات الرقيب... أما مش باهي كيف يكون الثمن هو تشويه الناس في قالب بعضها...

    تحياتي

    ردحذف