بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/03/04

الشابي و"الشياب"

يموت الشعراء ولا يبقى إلا الشعر، فلا عُمر للشعر وما من شاعر عمر وما مات، فهو باق على مر الأزمان وهم عابرون... وربما لهذا بالذات الشعراء هم المؤهلون قبل غيرهم لمنازلة الموت والهزأ منه على شرفات المجاز والكلامي العالي مثلما فعل قلقامش في سفر خلوده الشهير...

ألم يكتب محمود درويش ويقول "هزمتك يا موت الفنون جميعها." وقبله استعجل أبو القاسم الشابي الموت فحمل قلبه معه ليجرب ظلمة القبر عندما قال "جف سحر الحياة يا قلبي الدامي فهيا نجرب الموت هيا".

ويقدم لنا تاريخ الشعر مفارقات عجيبة لشعراء وشاعرات لم يعمروا طويلا فوق الأرض ومع ذلك ظفرت منهم البشرية بثروات شعرية أصيلة، وعلى العكس تماما أيضا نافست مئات الأسماء الدينصورات في أعمارها ولم يتركوا للبشرية إلا سوءات حبرية...

أعود إلى محمود درويش وأستعير منه جملة شعرية ثاقبة من مجموعته "أثر الفراشة" تلك التي يقول فيها "الفارق بين النرجس وعباد الشمس هو الفرق بين وجهتي نظر: الأول ينظر إلى صورته في الماء، ويقول:لا أنا إلا أنا. والثاني ينظر إلى الشمس ويقول:ما أنا إلا ما أعبد." وهذا الكلام ينطبق تماما على عدد غير قليل من "الشعراء" التونسيين الذين يستأثرون بالمشهد الشعري عموما إنتاجا وحضورا وتسييرا وتكليفا في الداخل والخارج... في الليل وفي النهار وفي كل الفصول...

لا يعنيني ههنا العمر البيولوجي لهذه الفئة من "الشعراء" بقدر ما يعنيني العُمر الإبداعي والعمر الشعري لديهم ذاك الذي توقف عن العطاء منذ سنوات بعد أن أُصيبوا بترهل إبداعي وعقم شعري لتحولهم من حالات شعرية إلى مؤسسات ثقافية تحترف تسويق المكرور والرديء وتهميش كل نفس جديد...

فأغلب أولئك "الشعراء" تجاوزوا الخمسين من العمر ومع ذلك مازلنا نراهم يتأبطون عكاكيزهم ويتنقلون من أمسية شعرية لأخرى، ومن مدينة لأخرى، ويعترضوننا في المطارات ليمثلوا تونس في الملتقيات الدولية، ووحدهم تستضيفهم الفضائيات والإذاعات وتُصدر الصحف والمجلات على صفحاتها الأولى صورهم، بل منهم من خرج من "بيت الشعر" وسكن "دار الصحفي"...

وهؤلاء "الشياب" يطبعون المجموعات الشعرية أكثر مما تنتجه مصانعنا من علب الطماطم ويذهبون إلى الأمسيات الشعرية التي ينظمونها هم ويفوزون بجوائزها أكثر مما يذهبون إلى المكتبات لاقتناء الكتب...

هؤلاء الشعراء "الشياب" يشاركون في أمسيات شعر البراعم وأمسيات الشعر التلمذي وأمسيات الشعر الطلابي ولو كانت هناك أمسية لشعر الرضع لما فوتوا المشاركة فيها... و...و...و...

وقد يأتي اليوم الذي نفتح فيه حنفية الماء فتتقاطر أسماء أولئك "الشياب" مع حبيبات الماء...

لست شاعرا ولكن أغلب أصدقائي شعراء وشاعرات من أبناء هذا الجيل وبناته، وجلهم يعانون من الغبن والإقصاء والتهميش والاستغلال والإفراد ومتروكون على قارعة الطريق أو قارعة الحلم، لا يُدعون للأمسيات الشعرية إلا بقدر تفانيهم في الولاء للمنظمين ولا يُمنحون الجوائز التشجيعية إلا على سبيل الخطأ ولا تُنشر مجموعاتهم الشعرية إلا بعد هضم حقوقهم الأدبية والمالية كمؤلفين...

وليعذرني أبو القاسم الشابي لأعدل في بيته وأقول:

"أيها الشياب، أيها القدر الأعمى،

قفوا حيث أنتم أو فسيروا

ودعونا هنا تغني لنا الأحلام

والحب والوجود الكبير"

فحلوا أيها "الشياب" عن سماء الشعر... لتضيء بنجوم أكثر تلألأ...

ملاحظة مهمة:

مسالة "الشياب" هذه تنسحب بشكل أفظع في العمل السياسي والمدني في تونس ذلك أن نفس الأسماء ما تزال تستأثر بقيادة الأحزاب والمنظمات والجمعيات منذ السبعينيات والى يومنا هذا باسم النضال طبعا...





هناك تعليق واحد:

  1. يا خويا. أمد الله في أعمارهم وأبقاهم ـ تقلق انت؟؟؟
    عندك مشكلة مع "الشياب"...ههههههههه....
    هيا نقلك حاجة... أحنا السبب ناجي. على خاطر أحنا اللي ماناش قادرين نتجاوزوا.هم مستندين لغريزة البقاء و " التكبيش" و أحنا -------.
    تتفكرش هاك النقاش هك العام في ------- على علاقة الهامش بالمؤسسة...
    هيا قلي انت تو صفحات جريدة الشعب كيفاش مقسمين وبين أشكون؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ردحذف