بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/06/09

جميع الحقوق محفوظة

التركيب الماثل في العنوان أعلاه، تركيب يتكرر بشكل دائم خاصة على الصفحات الأولى من الكتب المنشور، كما أنه يتكرر في أكثر من جينيريك البرامج التلفزية التونسية، وعلى أغلفة الأشرطة السمعية، وهذه الجملة لا تستند الى أي معنى قانوني بالمرة ذلك أنها لا تنصص بشكل واضح وقاطع على من تؤول له جميع تلك الحقوق المحفوظة!!!

هل يمكن أن يتجاهل ناشر مثلا أو كاتب حقوقهما المادية والأدبية؟ وهل يمكن أن لا يتفطن مطرب أو موزع أغان عن حقوقهما؟ أو هل يمكن أن يغض منتج تلفزي النظر عن حقوقه المستحقة من البرنامج الذي يقدمه!!!

لا أعتقد ذلك أبدا، فالحقوق المادية والأدبية هي جزء مهم وأساسي من عملية الانتاج الابداعي، بل هي اليوم باتت تشكل محوره الأساسي، والعمود الفقري الذي من دونه لا تستقيم العملية الانتاجية، فهذه الحقوق تشكل نوعا من الحماية للمبدع ليتقاضى أجرا عن إبداعه لفترة محددة تختلف حسب البلد . وأعتقد أنه من السخف والبلاهة أن ننشر كتبا ونسجل أشرطة غنائية ونبث برامج تلفزية لا تنصص عن صاحب الحقوق الأدبية والمادية، ونتركها تمر هكذا في ظلمة الغموض أو مثلما نقول في عاميتنا التونسية "في المهموتة"...

يبدو فعلا أن مسألة الحقوق المادية والأدبية والفنية ما تزال "في المهموتة" رغم أن القانون التونسي ينص في عدد 94-36 المؤرخ في 24 فيفري 1994 بشأن الملكية الأدبية والفنية على أنه :يجوز بقاء حقوق التأليف والنشر طيلة مدة حياة المؤلف ولمدة 50 سنة ميلادية تبدأ من 1 جانفي من السنة التي تلي سنة وفاة المؤلف... وبالنسبة للأعمال المشتركة التأليف، يحتسب تاريخ وفاة آخر مؤلف باقي على قيد الحياة...وفي حالة عدم توفر المصدر أو إذا كان العمل باسم مستعار للمؤلف، يجوز بقاء حقوق التأليف والنشر مدة 50 سنة اعتبارا من التاريخ الذي تم فيه عرض العمل على الجمهور بشكل قانوني... وبالنسبة للأعمال الفوتوغرافية، يجوز بقاء حقوق التأليف والنشر طيلة مدة 25 سنة ميلادية اعتبارا من السنة التي أنشئ فيها العمل... ومع ذلك مازلنا نطالع تراكيب من قبيل "جميع الحقوق محفوظة"!!!

لمن محفوظة؟؟؟

يبدو أننا لم نستوعب بعد أن مفهوم الحقوق المادية والأدبية تجاوز حماية حقوق مؤلفي الأعمال الأدبية والفكرية (أي حقوق الكتّاب)، وصار الآن يستوعب مجالات أخرى واسعة، فمعظم الدول تعطي حقوق النسخ في الأعمال الموسيقية والدرامية والسينمائية والفوتوغرافية، وكذلك الفنون الجميلة من رسوم ونحوت، والأعمال المعمارية (من الجانب الفني أو الجمالي فقط)، وبرامج الكمبيوتر وتصاميم الأزياء.

من أهم مبادئ حقوق النسخ أنها لا تحمي الأفكار وإنما تحمي تعبير المؤلف عن الأفكار. فمثلاً لو اكتشف أحدهم نظرية فيزيائية، فإنه لا يستطيع أن يخضع النظرية لحقوق النسخ، لكن لو ألف مقالاً أو كتاباً يشرح فيه النظرية، فإن نص المقال أو الكتاب يصبح خاضعاً لحقوق النسخ. ويزداد الأمر تعقيداً في مسألة الصور والرسوم. فمثلاً خلق نسخة طبق الأصل من صورة فوتوغرافية لمنظر معين (عن طريق ماسح ضوئي مثلاً أو من خلال إعادة التحميض) هو خرق لحقوق النسخ... وكذلك لا تحمي حقوق النسخ الجوانب العملية أو العلمية وإنما تحمي الجانب الفني أو الجمالي، أو طريقة التعبير. وتأتي أهمية ذلك في مجال برامج الكمبيوتر والهندسة المعمارية والتصنيع...

ثم ان حقل الحقوق هذا شاسع فهو يحمي حق النسخ أو حق إعادة الإنتاج وحق الاشتقاق أو حق التكييف وحق التمثيل مثل عزف عمل موسيقي أمام الجمهور، أو عرض مسرحية، وتدخل ضمنه حقوق البث وحق العرض مثل عرض فيلم أمام الجمهور وحق النشر أو التوزيع أي بيع نسخ من العمل بشكل تجاري أو توزيعها على العامة بشكل غير تجاري والحقوق الأخلاقية أو حقوق التأليف وتعني حق المؤلف في أن يوضع اسمه على العمل، وأن لا ينسب العمل إلى مؤلف آخر، وأن لا يتعرض العمل للتشويه أو التغيير...

رغم تطور هذه الحقوق وتقدم التشاريع والعقود الملزمة والقوانين الضابطة لهذه الحقوق الا أننا في تونس مازلنا نطالع تركيب "جميع الحقوق محفوظة"...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق