بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/10/09

بين أولاد أحمد وبن عثمان:وسقط القناع عن القناع




كل كاتب مشنوق بنصه، وكل نص على قدر الزيت فيه يضيء. قد يحرق النص كاتبه فيصير لعنته الأبدية، وقد يضيء سبيله فيصير قنديلنا الأبدي نرصد به انسجام الخطوات من تبعثرها في الدرب الحبري الذي يُكابده نصا بعد نص...ونختار بين إحراقه أو الاحتراق به.
وربما أفضل تشخيص لمهمة الكاتب/المثقف ذاك الذي قدمه المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد بقوله:" المثقف لا ينزع إلى تهدئة الأوضاع، وهو ليس معززا للإجماع، بل هو شخص يرهن وجوده كله للإحساس النقدي، وهو إحساس يشي بعدم تقبل الصيغ السهلة أو الأفكار الجاهزة أو البراهين الناعمة الملائمة تماما لما تقوله الجهات القوية أو التقليدية، وما تفعله ولا اقصد هنا عدم الرضا السلبي بل الاستعداد الفعال لقول ذلك على الملأ"... وأضيف على هذا الكلام فأقول بأن "الجهات القوية والتقليدية" لا تستعين بآراء المثقف لتقويم سلوكها وتعديل سياساتها بل إنها تعمل جاهدة على تدجينه واحتوائه لتنـزع عنه وظيفة النقد والسؤال والمحاسبة...
هي ذي مهمته الأساسية التي لا يتنازل عنها مهما كانت الإغراءات، غير أن تاريخ الكتابة، ومثلما يشهد على الموت المادي والرمزي الذي طال مئات الكتاب وهم يدحرجون كل الإغراءات تحت نعالهم، فهو أيضا يشهد على الآلاف من الذين سقطت أقلامهم تحت نعالهم، ولم نعد نعرف هل هم فوق الأرض أم تحتها... هل هم كتاب أم هم مستكتبون؟
من هذه الزاوية يمكننا أن نقف على "المناوشة" الحبرية التي حصلت مؤخرا بين الشاعر الصغير أولاد أحمد والروائي حسن بن عثمان، حيث أطنب بن عثمان بجريدة الصحافة في توصيف مناخ حرية الإبداع في تونس مستتشهدا بأولاد أحمد فكتب: "شاعر منشق، متمرد، سليط اللسان والقلم... ومع ذلك فإن تونس لم تغمطه حقه ولم تتعرض له بالأذى، إضافة إلى أنها تستلطف تطويحاته السلوكية" فرد عليه الشاعر أولاد أحمد بجريدة الطريق الجديد حيث كتب:" ... ولأن نعوتا مثل هذه تندرج في خانة قلّة الأدب المحض، وفي حفرة التعامل مع اللغة العربية بعقل دارج، وفي هوّة الغيرة المفضوحة من وضعية كاتب مستقل مثلي، افتكّ مساحة حريته بنفسه وبقلمه، بالرغم من الحروب المنظمة ضده بانتظام طيلة ربع القرن الذي نحن بصدد أدائه كلّ بطريقته... فإنني أتجاوز هذه النقطة لأبشّره بما لا يسرّه من أمور الدنيا التي يحبها حبّا جمّا ويستكثر علينا أن نعوّضها بالكتابة على الأقل...".
ما حدث بين كاتب "برومسبور" وكاتب "تفاصيل" قد يؤدي إلى أن "تنتفي كل صداقة زائدة عن اللزوم بل ينتفي لزوم الصداقة ذاتها إذ لا صديق للكاتب سوى سلاحه." مثلما أعلن ذلك بصريح العبارة الشاعر ضمن رده على الكاتب (وقد كان ردا فصيحا لن يجدي بعده تعقيب) غير أن انقطاع هذه العلاقة من تواصلها لا يعنيني في شيء، فهي بالأخير لن تكون أكثر من مناوشة ظرفية بين الرجلين وستتحول إلى نادرة بينهما في مجالسهم القادمة، أما ما يعنيني بشكل مباشر فهو هذا السقوط الصاروخي والانحدار الرهيب للعديد من الأقلام التي كبرنا مع نصوصها... وباتت تتهاوي، بكتابتها العرجاء، مثل فقاقيع الهواء والسحابات العابرة ولم تعرف كيف توطن جراحها ولا جراحنا مثلما يفعل المبدعون الحقيقيون.
هاهو "حسن" يلتحق بابنه الورقي "عباس" فيفقد صوابه ويُصاب بإسهال حبري في باب "ما قل ودل" وهو يُقر بأن حرية الإبداع جريمة تستوجب العقاب، وأن الوضع الطبيعي للمثقف هو أن يتعرض للأذى ويُجرم من أجل أفكاره أما غير ذلك ففضل ومنّة من السلطان؟؟؟ متناسيا أن فعل التهرئة الإبداعي والمَأسَسَة الثقافية والتهميش المُنظم... أشنع وأبشع؟؟؟
.......
عندما اقترح السلطان على الشاعر عمر الخيام، حسب رواية أمين معلوف في سمرقند، أن يحقق حلم حياته فيمنحه مرصدا فلكيا وبالمقابل يجاور المثقفين فينقل للسلطان أخبارهم ومواقفهم منه، أجابه"دعوني لنجومي".
فهل كثير علينا أن يصرخ "مثقفونا" دعونا لنجومنا، وأن يصيروا رموزا للثبات على الموقف في زمن تتحول فيه الأفكار إلى مروحة للهواء المتأكسد...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق