بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/11/23

شعوب الأقدام

نجحت الكرة في أن تكون المشروع الوطني العربي الأول، كما نجحت في تحويل وجهة الأزمات العربية من أزمات بين الحكومات إلى أزمات بين الشعوب، بعد الأزمة المستمرة إلى ألان بين الجزائر والقاهرة بسبب تصفيات كأس العالم لكرة القدم التي فاز ببطاقتها المنتخب الجزائري في مباراة فاصلة في السودان.
واخذ المنحى العدائي البغيض من كل طرف ضد الآخر وبوجه عنصري قبيح يتصاعد، وسط اتهامات متبادلة باستهداف جاليتي البلدين في كل من الجزائر ومصر بسبب التعبئة الإعلامية المنظمة المنتهجة من قبل "منابر الفتنة" المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية من الجهتين، وذكر كل طرف الآخر بشكل هجين أن إسرائيل هزمت مصر في حرب الأيام الستة وأن فرنسا حولت الجزائريين إلى عبيد...
وبسبب مبارة قدم هاجم مصريون سفارة الجزائر في القاهرة، واستمرار تبادل الاتهامات على مستويات عالية بين مسؤولي البلدين، وأعلن نقيب الموسيقيين المصريين أنه قرر منع المطربين المصريين من الغناء في الجزائر ووقف إصدار تصاريح للمطربين الجزائريين للغناء فى مصر وقطع العلاقات الموسيقية المصرية ـ الجزائرية، كما قرر رفع دعوى قضائية ضد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم ورفع دعوى قضائية أيضا ضد السفير الجزائري في القاهرة للسبب ذاته.
كما دعا رئيس اتحاد النقابات الفنية المصرية، الممثلين والسينمائيين والموسيقيين، إلى عدم إشراك الفنانين الجزائريين في الأعمال الفنية داخل مصر، مثلما هدد الاتحاد المصري لكرة القدم بوقف النشاط الرياضي لمدة عامين، كما تبادل وزراء البلدين الاتهامات وبلغ الأمر حد سحب السفراء وتدخلت الجامعة العربية لتهدئة الأمور غير أنها فشلت، كعادتها، في شؤون العرب...
وعلى الضفة المقابلة ذهب بعض الإعلاميين "الإسرائيليين" إلى التعبير عن سعادتهم في خلاف البلدين العربيين، متمنين "مباراة" من هذا النوع بين حركتي "فتح" و"حماس"، كما وصفت إحدى القنوات "الإسرائيلية"، مباراة إيران والأردن وهي مباراة جرت في نفس يوم مباراة الجزائر ومصر وانتهت بفوز الإيرانيين بهدف يتيم. ووصفتها بأنها "مباراة بين السنة والشيعة". وتساءل أحد "الإسرائيليين" بشكل ساخر قائلا:"أي عقلية حمقاء هذه؟ بدل أن تطعموا شعوبكم تقومون بإرسالهم إلى الملاعب؟."
من هذا التعليق الساخر نقف على حجم المهانة التي تُلحقُ بأمة كاملة بسبب مبارة كرة قدم، ونقف فعلا على سبب تخلفنا الذي لم يمكنا حتى من إدارة أزمة عابرة اندلعت فوق ملعب لتدك أركان دولتين وتهتك هيبتهما المفترضة، وهذا في تقديري أمر طبيعي، ولم استغربه مطلقا لأن أنظمتنا بحجم الأحذية، لا تعلي من شأن العقل المفكر والمبدع لتثبت ذاتها بقدر ما تعول على الأقدام القذرة لتأبيد التخلف والتردي الاقتصادي والأمني والإنساني... مستمرة في استغباء شعوبها بشكل بات مفضوحا...
إني لن اخجل من أن ضم صوتي واصرخ عاليا إلى متى سنظل كالخنازير نلهج في الملاعب ونحن جوعى، جوعى للحرية والديمقراطية والثقافة وجوعى للأكل؟؟؟
هل ستتحصل الجزائر على كاس العالم؟ وهل ستحصل عليه مصر لو فازت في مباراة الجهل الأخيرة؟ لا أظن ذلك مطلقا، ولكن أظن أن ما أججته التسعون دقيقة بين البلدين سيكون فرصة مهمة لإلهاء الشعبين، وكل الشعوب العربية، عن البؤس المعمم والخراب الدائم الذي يسبح فيه مئات الملايين العرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق