بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/12/09

لوحة ثقافية



عادة ما تجمعهم طاولات المقاهي والمطاعم والحانات، يؤمونها من سياقات متنوعة، الشعر الرواية، القصة، الرسم، السينما، المسرح، الموسيقى... وغالبا ما تكون موائدهم باذخة بالثرثرة واللغو، فاقدة للأفكار والمشاريع...
ينتقدون هذا ويسخرون من تلك، ويتندرون على ثالث لينتهوا بالشتم والقدح في أعراض من لم يقاسمهم خشب الطاولة وكراسيها...
لوحة سريالية لا تُرسم بالخطوط والألوان بقدر ما تُرسم بالأسى على من يؤثثون مشهدنا الثقافي، والاستثناءات قليلة جدا مثل تلك "التعديلات" التي يستحضرها الرسام بعد أن ينهي لوحة ما.
يقلبون الصحف صباحا، وفي الظهيرة يُلقون الأسماك في بطونهم، لمن استطاع إليها سبيلا، ليفضوا في الليل أختام سيد الطاولات "الماغون"... وغدا صباح جديد وصحف أخرى...
جيل يتطاوس على جيل... جيل يُقزم وينفي ويدمر ويُقصي بشراهة لا متناهية، وجيل يكابد ويتجاسر والجسر بينهما مهزوز أبدا، ولا تواصل بين الجيلين إلا بما توفر من فتات الطاولات... وما بينهما جيل يرمي خطاه هنا وهناك...
جيل يلهف الدعم حتى وان لم ينتج، يسافر إلى أصقاع الدنيا تملقا، يحوز على الجوائز قبل انطلاق المسابقات... وجيل يتسول ليصدر نصه البكر أو فيلمه الأول أو يقيم معرضا للوحاته... جيل لا يسمع بالملتقيات والندوات والمهرجانات إلا بعد انقضائها... وما بينهما جيل يغمس حبره تارة بالأسود وطورا بالأبيض...
جيل صرنا نخشى أن نفتح يوما ما حنفية الحمام فتندفع من حلقها، قبل الماء، ذات الأسماء ونفس الوجوه... وجيل يولد ويموت وكأنه لم يكن أبدا... وما بينهما جيل ينوس ذات اليمين وذات اليسار...
جيل تقاعد "إبداعيا" فبات يستثمر اسمه ليستأثر بكل شيء... وجيل سيخفت بريقه لشده ما ضاق به السياق... وما بينهما جيل يتهافت هنا وهناك...
جيل يعتبر نفسه المتن وما سواه هامش... وجيل ينخره السوس لشدة ما هُمش... وما بينهما جيل يتأرجح على الحبلين...
لئن تُعرف الشجرة من ثمارها فإن ثمار شجرتنا تبزغ من بين الأوراق في عتمة شديدة التعفن، ولا تُنبئ بسلة "طازجة" في ظل تناسل أكوام الثمار الفاسدة، وتأبيد استمرارها لكأنها باتت القاعدة التي لا شذوذ عنها...
هكذا سنظل نردد أغنية تبتعد كلماتها عنا... ولا نعرف حدود الصوت من الصدى...مادامت أجيالنا الثقافية تُباعد المسافة فيما بينها... وترفع الحواجز...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق