بحث هذه المدونة الإلكترونية

2010/12/10

وثيقة حقوق الإنسان في الوطن العربي


إعلان النوايا أو النص الغائب

وافقت بعض البلدان العربية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، وبعض هذه الدول صادقت على الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرتين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966.

واشتدت الدعوة داخل الوطن العربي لتحقيق حماية دولية للمواطن العربي وذلك بإصدار ميثاق مخصوص لحقوق المواطن العربي في حمى المنظمة الإقليمية العربية (جامعة الدول العربية). وقد وضعت بالفعل مشروعا لهذا الميثاق ومهدت له بمذكرة إيضاحية ترصد له أهم اتجاهاته، وبقرار مجلس الجامعة عدد 668 بتاريخ 15 ديسمبر 1970 شُكلت لجنة من الخبراء التي أنجزت " إعلان حقوق المواطن في الدول العربية ".

ولئن عمم المشروع على الدول الأعضاء جميعهم فان 9 دول فقط هي التي عُنيت بالرد !!! وقد رفضته دول أخرى شكلا ومضمونا. ولهذا التباين في المواقف مبرراته على أرض الواقع، فتنوع الإيديولوجيات في الوطن العربي ولاسيما في المجال السياسي والحيز التنظيمي يشكل أحد أهم العوائق في وجه جمع الكلمة حول مشروع تصورات قانونية ولوجيستيكية محددة في شأن حقوق المواطن العربي، وهي أيضا تعبيرة "موضوعية " تدل على تباين مواقف سلطة الحكم في كل قطر من مسألة الحريات، إذ أنه يتفاوت تشددا أو تساهلا بتفاوت مدى ديمقراطية هذا الحكم أو استبداده و مدى إعلائه أو تحطيمه لحاجز التجهيل السياسي الشاهق والمضروب على أفق المواطن العربي مند قرون خلت وحال بينه وبين إدراك الأوليات والبديهيات الأساسية المتعلقة بحقوقه في وجه السلطة.

ولكن المصادقة العالمية والحماية الإقليمية ظلت تنظيرا متعاليا _ ولا تزال _ عن الممارسة الواقعية، ولهذا الأمر أسباب تعيق التحقيق وشروطه الطبيعية، وتنأى به عن التجسيد بدءا من النص/ النوايا وصولا إلى الفعل/ الغائب.

فالإعلان العالمي، ولئن كانت نواياه حسنة، فانه واقع ضمن رؤية إيديولوجية أفرزتها طبيعة المرحلة التاريخية التي صدر فيها (1948)، إذ ليس لحقوق الإنسان من معنى سوى حق رجل الأعمال الغربي في التسرب إلى كل ركن من أركان العالم للسيطرة على الأسواق والاستحواذ على الثروات واستثمار مواده الأولية وتحقيق الأرباح، وهذا هو جوهر كونية حقوق الإنسان بالمفهوم البرجوازي الإمبريالي، ظاهره إنساني أممي، وباطنه طبقي استعماري.

أما على مستوى الحماية الإقليمية العربية، فان العوائق تتعدد وتختلف، وفي تقديري الشخصي، فإنها تنحصر في أربعة أركان رئيسية، أولها ما أصطلحُ عليه بالحلقات الاستعمارية الضاغطة وهو ما أعني به التبعية العمياء للقوى الاستعمارية الأجنبية، ولا أقصد بهذا ضرورة الاستقواء بالأجنبي، لأن التبعية دائما ما تكون للدوائر الرأسمالية وللكمبرادورات الاقتصادية واللوبيات الاستعمارية في حين أن الاستقواء بالأجنبي هو الالتقاء الحر والواعي بالقوى الديمقراطية والتحررية في العالم من أجل ضمانة أكثر لإنسانية الإنسان.

ثاني العوائق، هو فقدان التجارب الميدانية، بمعنى فقدان الصيغ التي تُطرح كبدائل أو أصول للنظم الديمقراطية، وسببه أن الشرائح التي تصل إلى سدة السلطة في أي قطر من البلاد العربية ومن دون استثناءات، عبر كفاحها التحريري، هي الشرائح الوسطى أو الشرائح البرجوازية الصغيرة وهو بطبيعتها متذبذبة وغير مستقرة إيديولوجيا وسياسيا، ولهذا أسقطت _ بمجرد نيلها استقلالا صوريا _ برامجها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية "الإصلاحية" لحساب مصالحها الطبقية وزجت بشعوبها نحو مطبات الفقر والجهل والقمع.

ثالث العوائق هو ما يمكن أن نصطلح عليه بضياع العقل العربي بين جاذبية الأصالة/التراث من ناحية وجاذبية الحداثة/العولمة من ناحية ثانية، خاصة على مستوى التأويل الديني وتحليل العلاقات الاجتماعية وإنتاج الرؤى الاستشرافية.

وآخر العوائق، وهو أهمها وأخطرها في الوقت الراهن، فهو يتمثل في الكيان الصهيوني وما استنزفه ويستنزفه من طاقات حيوية في مجالي التخطيط والعلاقات الدولية المُحتمل إقامتها بندية مع الطرف الآخر غير العربي.

هذا على مستوى ما هو نظري، أما على المستوي التطبيقي الواقعي، فان الأسباب تختلف أيضا وتتعدد، فالبنية الانثروبولوجية للدولة تتسم عموما بطابعها ألحصري القائم على الإقصاء، بمعنى أن السلطة تحتكرها جماعة محددة بشكل ضيق وهي أسرية، وفي الأعم اقتصادية (نفطية، تجارية، صناعية، خدماتية...) وهي عموما تغيب دور المؤسسات وتوجه برامجها إن أوجدتها لالتزامات خارجية بطبيعة الحال مثل المنظمات الحقوقية بصورة خاصة. وهذا الطابع ألحصري يمنع أية عملية "ارتقاء" يطرحها من هو خارج إطارها ومنظومتها ولا تقبل به إلا إذا دخل منظومتها (مثلها مثل نظام الموالي)، أي من ضمن علاقة دينية للطرف الآخر، مما يفضي عمليا إلى دفع هذا الآخر إلى المعارضة القصوى (التيارات المتطرفة).

وفي الحقيقة فان لهذه العوائق والتمظهرات السلبية جذور وأصول تمتد إلى زمن البدايات، بدايات تشكل نظام الحكم في الوطن العربي، ويمكن حصر هذه الجذور في : " حرفية التفسير " وهو ما يسمى في علوم القانون باسم " الصورية " أو ما يعرف عادة بالجمود وضيق الأفق النظري...

أما الحقوق والحريات الغائبة تماما فأهمها حرية الرأي والتعبير عنه شفاهة أو كتابة أو طباعة، وما حرية الرأي المزعومة إلا حرية الموافقة والإجماع المطلق، وما تطور أجهزة الرقابة لدى مؤسسات الدول العربية أو تحديدا لدى الأحزاب الحاكمة إلا دليل قاطع على الانتهاك الصارخ لهذا الحق الرئيسي.

أيضا الحق في التجمع السلمي سواء أكان ذلك في أماكن مغلقة أو في فضاءات مفتوحة، إلا إذا أوحت به أو نظمته السلطات الرسمية، ويكفينا مثالا على دلك ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية من مسرحيات مفبركة حول التجمعات والمسيرات الحقوقية والنقابية والحزبية والجمعياتية. كذلك حق تشكيل النقابات أو الأحزاب السياسية أو الجمعيات غير الحكومية، ولا يخفى على عربي واحد التباين الفاضح بين مقرات الأحزاب المعارضة التي تشبه المحلات التجارية والمساكن الشعبية ومقرات الأحزاب الحاكمة والتي تشبه النزل الفاخرة وهي المشيدة بأموال الشعب المنهوبة عنوة.

ومن أهم الحقوق الغائبة أو المغيبة كليا في المجتمعات العربية هو حق المشاركة في إدارة الحياة العامة، إما مباشرة أو عن طريق ممثلين يختارهم بحرية الرفض والقبول فقط. أما أخطر الحقوق المغيبة فعلا خاصة منذ استفحال النظام الرأسمالي وتنامي آفة الخوصصة فهو حق الشغل/حق الحياة، ولا داعي للتذكير بآلاف المعطلين عن الشغل وآلاف المتعاقدين مع الموت والذل في كل المؤسسات والشركات وحتى في مكاتب الوزارات الرسمية في الأقطار العربية.

أما الحقوق والحريات الغائبة جزئيا في الوطن العربي فهي أساسا الحقوق المدنية المتوافرة قانونا في حالات معينة وتشمل على سبيل الذكر حق الإنسان في الحياة وفي عدم تعرضه للاستغلال والعبودية والعمل الإلزامي (بغير حكم قضائي) وكذلك حقه في الأمن الشخصي وفي المساواة أمام القضاء وفي الاعتراف به حيثما كان كشخص أمام القانون وعدم التدخل بشكل تعسفي أو لا قانوني في شؤونه الخاصة أو العائلية. ثم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...

بالأخير أعتقد أنّ هناك نقطتان مهمّتان يجب أن نضعها في الاعتبار دائما وأبدا، الأولى تتمثّل في أنّ الدّفاع عن الحريات يعني القيام بهذا الدفاع في وجه المعتدي الحقيقي وهو لن يكون في معظم الأحيان سوى سلطة الحكم المنصبة من طرف القوى الإمبريالية، والراعية لمصالحها الاقتصادية والحضارية داخل أوطانها والثانية هي أن نؤمن بأن كفالة الحريات وضمانتها مهمة نضالية مستمرة سواء أكان الحكم ديمقراطيا أو غير ديمقراطي. فمادامت الديمقراطية ليبرالية في عمقها فإننا لا نضمن حقوق متساوية لكل البشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق