بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/04/14

"الشُّو" السياسي

منحت ثورة 14 جانفي الفرصة التاريخية لعديد الأحزاب السياسية حتى تنشط علنًا بعد أن جرّب النظام النوفمبري كل وسائل القمع والمنع لمناضلات ومناضلي أغلب الأحزاب المعارضة لمنظومة الحزب الدولة...

ثورة 14 جانفي مكنت عدة أحزاب من فتح مقراتها وعقد ندوات والتعبير عن مواقفها عبر مختلف وسائل الإعلام الوطني والأجنبي وساهمت جل الأحزاب تقريبا في مجالس حماية الثورة المحلية منها والجهوية والوطنية، كما شاركت، ولا تزال في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي، وإن كان دخولها بذهنية الصراع السياسي لا البناء الإيجابي.

رموز ومناضلي الأحزاب السياسية كانت لهم محطات "شعبية" مع أنصارهم في دواخل البلاد، ورغم أن انتخابات المجلس التأسيسي التي ستقام يوم 24 جويلية 2011 لا يزال النقاش حول آلياتها وصيغها متواصلا، فإن عديد الأحزاب انطلقت في حملاتها الانتخابية وكشفت الوجوه التي ستترشح عنها، ولئن كانت هذه الحملات سابقة لأوانها فإنه من المستحيل الإقرار باحترام القانون الذي ينص على انطلاق الحملات قبل 22 يوما من موعد الانتخابات ذلك أن الإرث الأسود من القمع الذي تركته منظومة الحزب الدولة يصعب معها كبح جماح الفرحة والعمل الميداني والانغراس في تلافيف الوطن للإقناع وحشد المؤيدين والأنصار...

ولكن هناك من الأحزاب التي انفلت بها الجماح وصارت تستعرض قدراتها التعبوية مستنفرة مشاعر المواطنين بخطاب يتستر في جلباب المقدّس ويحتمي بالفضاءات المشتركة وبالنص المطلق من خلال جوقة المنشدين، وقد ساهمت وسائل الإعلام من حيث تدري ولا تدري في تضخيم حجم هذا الحزب عن الآخر من خلال الاستضافات اليومية تقريبا لرموز بعينها ومن خلال الحوارات الصحافية، كما لم يتوانَ أنصار هذا الحزب عن "اغراق" فضاء الفايس بوك بالمقاطع المصورة التي تقدم جماهيرية هذا الحزب دون غيره...

إنه الزحف المنظم على إمكانية مشهد سياسي متعدد، والاستحواذ الممنهج على الأفق الديمقراطي المنشود باعتبار أن النسخة الرديئة للحزب الدولة قد تتكرّر بشكل أكثر سوءا... بمثل هذا السلوك السياسوي.

هذا "الشُّو" السياسي الذي بدأ يعمّ الفضاءات المختلفة، العامة منها والخاصة، يترك المشاكل الأساسية من تجهيل معرفي وتصحّر ثقافي وتفقير اقتصادي وتشويه مدني واختلال اجتماعي ولا يعمل إلا على مغازلة الذات الفردية في نزعاتها ورغباتها من خلال ثنائيات الإيمان والكفر والخير والشر، والمقدس والمدني ويسقط من قاموسه سلطة الخطاب العقلاني ليعوضها بخطاب السلطة التيولوجية لاستمالة ذوي القلوب الضعيفة والفكر المتردّد.

فمتى نتعلم أن التجارب الحزبية الفاشلة، التي تحشد الجماهير يكون فيها أفق الديمقراطية شديد الانحسار وإمكانات احترام الذات / المواطنة ضئيلة جدا، ولعل حزب الثلاثة ملايين، الحزب المنحل في تونس، خير دليل وبرهان على أن استمالة الناس بالترهيب والترغيب مشروع حمل بذور فشله في داخله لأنه ببساطة ابتعد عن الأرض ليحتمي بالسماء وتخلّى عن مشروعه المجتمعي مثلما نشاهد اليوم بعض الأحزاب تلوذ بخطابها بعيدا عن آلام المواطنين... متناسية ـ عن عمدٍ ـ أن السياسة هي التعامل مع الممكنات وليس تحقيق المطلقات لتضرب بذلك البرهان الساطع على أن الديمقراطية بدعة غربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق