بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/01/02

صندوق الزكاة والتفقير المنظم

ناجي الخشناوي


أذكر أني كتبت أكثر من مرة، تصريحا وتلميحا، في السنوات الماضية حول طبيعة صندوق التضامن (26 ــ 26) الذي خلقه النظام السابق، وأشرت أن هذا الصندوق لا يمثل إلا شكلا من أشكال تعميق التفاوت الطبقي بين أفراد الشعب التونسي باعتبار أن القاعدة التي اعتمدها هي بالأساس قاعدة اخلاقوية (رغم إن التضامن يبقى قيمة إنسانية كونية) غلفها سدنة النظام السابق بغلاف متين من الشعبوية الساذجة، التي صدقها، للأسف، أغلبية الشعب.
ولان غايته الأساسية هي تأبيد الفقر من خلال خلق وهم العدالة الاجتماعية والاقتصادية، كان النظام السابق يمارس كل أشكال التعسف والابتزاز على العمال والموظفين من خلال اقتطاع مبالغ متفاوتة من الأجراء وصغار التجار والحرفيين بعنوان التضامن مع العائلات المعوزة وذوي الاحتياجات الخصوصية وتقليص التفاوت الجهوي، وبالمقابل كان النظام السابق يغدق على رؤوس الأموال كل الامتيازات بدءا من الإعفاءات الجبائية وصولا إلى التسهيلات الأمنية، حيث كان الجهاز الأمني في خدمة مصالح أصحاب المال بحمايتهم من جهة وحرمان أبسط بائع متجول من لقمة عيشه من جهة ثانية.
لقد كان النظام السابق يأخذ بكل بساطة من جيب المفقرين ليضع في جيب الأكثر فقرا بعض الملاليم وعلب الزيت والعجين والأغطية البالية لينتزع من الفئتين مزيدا من الخوف هنا والولاء الأعمى هناك، وها نحن اليوم، ورغم سقوط النظام السابق، ها أننا نجد أنفسنا مرة ثانية وجها لوجه أمام نظرية تأبيد الفقر ولكن بشكل أكثر سذاجة وبطريقة مفرطة في الشعبوية والاخلاقوية المقيتة، فها هو رئيس الحكومة المعينة، السيد حمادي جبالي، يستبدل اسم صندوق التضامن (26 ــ 26) بصندوق الزكاة؟؟؟ فليتهيأ كل موظف مشنوق بالقروض البنكية وليتهيأ كل أجير متعاقد بعقد عمل هش وكل حرفي أو تاجر صغير ليأتيه رئيس الشعبة، الذي صار رئيس مكتب محلي، ويطلب منه "ألف درهم لبيت مال المتضامنين ".
هل هي استمرارية الدولة والمؤسسات بمفهومها المدني أم هو استمرار لنهج النهب المنظم؟
إن الزكاة فريضة دينية يؤديها الإنسان المسلم لأخيه المسلم في إطار تعاليم الإسلام السمحة تحت رقابة الخالق وحده، غير أن المتكلمين باسم الإسلام اليوم، وهم يستوون على كراسي السلطة، يأخذون مكان خالقهم ويجعلون من هذه القيمة حلا سهلا لرتق عيوب النظام الاقتصادي القائم الذي جعل أفراد هذا الشعب متسولين بامتياز، وربما الخطورة الأشد على تخريب المنظومة المدنية أن مثل هذا الصندوق، صندوق الزكاة، ليس إلا مدخلا منظما لا للاستيلاء على ملاليم الفقراء فقط بل للاستيلاء على حريتهم الفردية ومصادرة اختيار علاقتهم بخالقهم، تلك التي جعلها هو اختيارا لا إكراه فيه، ومن تجرأ اليوم على مثل هذه الخطوة لن يتوانى عن مواصلة السير في هذا السبيل، ولن نستغرب أن تحول الدولة مؤسساتها المدنية الواحدة تلو الأخرى إلى مؤسسات للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ومؤسسات للأوقاف وأخرى للمظالم ومحاكم تفتيش.
هذه أولى الثمار المؤساساتية لثورة تونس، تلك التي سالت لأجلها جداول الدماء وامتلأت لأجلها غرف المستشفيات وتناسلت فوق أرضها الثكالى واليتامى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق