بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/09/08

رئيس جامعة منوبة الأستاذ شكري مبخوت للــ"الشعب":

الجامعة تعيش تحت هيمنة مطلقة من الوزارة الأولى بالحريات الأكاديمية يمكننا صياغة "عقد جامعي" ديمقراطي ذهاب الأمن الجامعي غير مأسوف عليه الجامعة لا يمكنها إلا أن تكون إلا حداثية وهي المختبر الحقيقي لنجاح المشروع الديمقراطي حتى قبل صياغة الدستور أي طرف سياسي سيحاول السيطرة على الجامعة سينكسر على صخرتها وأدعو الأحزاب السياسية لرفع يدها عن اتحاد الطلبة أجرى الحوار ناجي الخشناوي ـ تصوير منتصر العكرمي
في هذا الحوار الذي خصنا به رئيس جامعة منوبة أياما قبل انطلاق العودة الجامعية، أكد الأستاذ والباحث شكري مبخوت رئيس جامعة منوبة أن ما يعيق سير الجامعة التونسية هو التوهم الخاطئ لدى المسؤولين بان مطلب الاستقلالية، وهو معيار دولي، لا يعني انه مشروط بالمحاسبة والمراقبة، كما اعتبر أن صياغة عقد جامعي ديمقراطي يكمن في فتح حوار مفتوح بين جميع مكونات المؤسسة الجامعية، كما اعتبر أن قرار إلغاء الأمن الجامعي أمر غير مأسوف عليه، وأن ما حدث السنة الفارطة من عنف سببه عدم تطبيق القانون على من مارس العنف من الطلبة، والتوظيف السياسي من ناحية والهالة الاعلامية التي رافقت احداث العنف من ناحية ثانية. * أيام قليلة وتفتح الجامعة التونسية أبوابها للطلبة، فما هي آخر استعدادات جامعة منوبة، وهي التي تضم 14 مؤسسة جامعية ؟ * في الحقيقة الاستعدادات عادية ولا يوجد أي استثناء، فجميع مؤسسات جامعة منوبة لها من الناحية التقنية الخبرة والكفاءة في تأمين العودة الجامعية، ولكن اتخذنا جملة من الاحتياطات اعتبارا لما حدث السنة الفارطة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة من تجاذبات سياسية، ولا نخفي تخوفنا من أن يكون لتلك الأحداث انعكاس هذه السنة، وتخوفنا تحديدا من تعطيل سير الدروس، ولكن نحن متأكدون أن تجربة الجامعيين وتمسكهم بالضوابط الأكاديمية سيمكننا من تجاوز ما قد يطرأ من تجاوزات. هناك تخوف أيضا من تاريخ 25 أكتوبر، وهو تخوف مشروع لأنه موعد محاكمة عميد كلية الآداب بمنوبة الأستاذ الحبيب الكزدغلي مع تكييف قانوني يدعو إلى بعض التساؤلات وهو تكييف قد تكون له بعض النتائج السلبية رغم الموقع السليم للعميد باعتبار أن الوقائع قد جدت في مكتبه وتم التهجم عليه وهناك شهود ونرجو أن تكون هذه المحاكمة من "حواشي" كلية منوبة وان لا تكون منطلقا لتعقيد الوضع من جديد. عدد الطلبة بالمركب الجامعي بمنوبة مستقر إلى حد ما، بل إن العدد هذه السنة اقل بقليل من السنة الماضية باعتبار عدد الناجحين في الباكلوريا، وأيضا لأننا حرصنا مع سلطة الإشراف، التي كانت متفهمة، على أن يكون عدد الموجهين إلى الجامعة عدد معقول خاصة أن عدد الأساتذة القارين محدود وعدد الأساتذة من الصنف "أ" من أساتذة التعليم العالي والمحاضرين اقل بكثير وهذه النقص مفهوم باعتبار جامعة منوبة تعتبر "شابة" (12 سنة) ولكن النزيف الكبير الموجود هو في العدد الكبير للأساتذة المتعاقدين من الذين لا ينتمون قانونيا إلى سلك المدرسين الجامعيين، بل اعتبرهم طلبة، لان ما يتقاضونه يعتبر منحا لإتمام بحوثهم وليست أجورا بمفهوم قانون الشغل، ورغم أنهم طالبوا بالإدماج في السنة الفارطة غير أن التوجه العام للوزارة هذه السنة هو تجديد العقود. * نفهم من كلامكم أن علاقتكم بسلطة الإشراف طيبة خاصة فيما تعلق بطاقة استيعاب الجامعة؟ * السياق الجديد الذي نعيش فيه اليوم بعد انتخاب المسؤولين الجدد على التعليم العالي بما في ذلك رؤساء الجامعات، أوجد سياقا جديدا لم يخلو من جوانب سلبية خاصة فيما تعلق باستقلالية الجامعة من حيث التسيير والقرارات والتصرف الإداري والمالي وفي الموارد البشرية. ما ألاحظه شخصيا هناك نوع من التفكك في علاقات المؤسسات بالجامعات وفي علاقة الجامعات بالوزارة، وهذا التفكك له ما يبرره باعتبار أن الجميع في حالة بحث عن صيغ تعامل جديدة في تسيير الجامعة، وفي اعتقادي أن الصيغة الجديدة لا يمكن أن تقطع مع الماضي إلا بتكريس مفهوم الاستقلالية باعتباره من المعايير الدولية في أي منظومة جامعية، والمشكلة أن في الوزارة من يتوهم أن الاستقلالية تعني عدم المحاسبة والمراقبة وهذا توهم خاطئ بل فهم متخلف جدا بمقتضيات التسيير الجامعي، ونحن كمسؤولون جامعيون عندما نطالب بالاستقلالية فنحن نطالب أكثر بالمحاسبة والمراقبة الحقيقية. نحن اليوم نعيش هيمنة مطلقة من الوزارة الأولى عن طريق المحاسبة المالية ومراقبي المصاريف من وزارة المالية مما يعطل حتى المشاريع التي تخدم أهداف الحكومة، لغياب المرونة في التصرف المالي وفي الموارد البشرية، وهذه الهيمنة يجب أن تنتهي لأنها وضعت في عهد الدكتاتورية للسيطرة على المؤسسات العمومية، هذا من الناحية المالية. هناك الناحية الثانية وهي ما نسميه "مدخلات التعليم العالي"، فالمؤسسات الجامعية تقدم "الشهادات" وهي شهادات نوعية وهو ما يتطلب تصرفا محكما في الموارد البشرية، لكن جامعاتنا لا تتحكم معرفيا في الطلبة الوافدين عليها لان عملية التوجيه ممركزة لدى الوزارة، ولا تتحكم في انتداب الأساتذة ولا في انتداب الكفاءات والإطارات الإدارية ولا حتى في العملة لان عملية الانتداب ممركزة أيضا في يد الوزارة. الأمر المتحقق في الواقع وليس باقتناع الجميع وهو حرية القرار الأكاديمي، وفي الواقع هذا الأمر كان متوفرا في السابق في زمن الدكتاتورية وحافظ عليه الجامعيون وهم بصدد تطويره منذ 14 جانفي خاصة بعد القرار الهام والمتمثل في انتخاب رؤساء الجامعات. * على ذكر الحريات الأكاديمية، ونحن بصدد كتابة دستور جديد هل هناك مسعى من الجامعيين لدسترة هذه الحريات باعتبارها العمود الفقري لنجاح وإشعاع الجامعة التونسية؟ * أولا أود أن أشير إلى أن مفهوم الحريات الأكاديمية في حد ذاته فيه شيء من الاختلاف، فما يفهم مباشره هو حرية التعبير وحرية التفكير وحرية الدرس، ولكن الحريات الأكاديمية في تعريف اليونسكو وفي تعريف أهل الاختصاص تتجاوز هذا الفهم الأولي إلى صياغة علاقات تشاورية مبنية على الحوار المفتوح بين كل مكونات الجامعة من طلبة وأساتذة وموظفين وعملة لصياغة عقد جامعي ديمقراطي. دسترة الحقوق الأكاديمية أمر مطروح لأنها جزء لا يتجزأ من الحريات العامة، ولان كل تمش ديمقراطي يمنع العودة بأي شكل من الأشكال إلى الديكتاتورية يمر حتما عبر دسترة جميع الحريات العامة والفردية ومنها الحريات الأكاديمية، والجامعة باعتبارها نوعية قادرة لان تكون مختبرا حقيقيا لنجاح المشروع الديمقراطي حتى قبل الانتهاء من صياغة الدستور. * باعتبار نوعية الفضاء الجامعي بنخبته المعرفية والثقافية وباعتبارها مختبرا لنجاح الديمقراطية، ألا ترون أيضا أنها مختبرا اليوم "للصراع" بين المشروع التنويري والحداثي والمشروع "الظلامي"؟ * الجامعة لا يمكنها إلا أن تكون حداثية، وما حدث في كلية الآداب كان أمرا مفروضا من الأطراف السلفية التي أرادت اختبار مدى قدرة الجامعة على رؤية ونظرة معينة وهذا الأسلوب معروف في جميع المراحل الانتقالية، وما وقع في منوبة أربك الجميع قبل حكم الترويكا وبعده أيضا، حتى صارت "ورطة". الأمر المطروح هو كيف يمكن للجامعة أن تحافظ على تقاليدها الجامعية وفي نفس الوقت أن تحترم الحريات الفردية حتى وان كانت "متطرفة"، وان تفرض معاييرها في التعامل مع ظواهر مثل السلفية كما تعاملت في السابق مع اليسار. واعتقد انه من الخطئ أن نطرح المسالة من زاوية الجامعة مقابل السلفية، مثلما لم تطرح من قبل الجامعة مقابل القومية أو اليسارية، رغم أن الأطراف السياسية اليسارية وحتى الإسلامية في الماضي كانت "تلوذ" بالفضاء الجامعي عندما كانت الدكتاتورية تضيق الخناق في الفضاء العمومي، أما اليوم فهذا الفضاء مفتوح لكل التيارات و"الصراع" يُدار في فضائه الحقيقي أي بعيدا عن الجامعة، ولذلك علينا أن نمنع أي محاولة للتحكم في الجامعة من أي إيديولوجيا لان الجامعة لا تحتمل إلا العمل النقابي. ومسألة النقاب مثلا هي مسالة محسومة باعتبار أن النظام الداخلي للجامعة يرفض قبول شخص مجهول الهوية، ونحن لا نفرق بين منقبة أو شخص من الطوارق أو شخص مقنع (cagoule ). في الولايات المتحدة الأمريكية أو في بريطانيا تقبل الجامعات بدخول مثل هؤلاء الأشخاص، ولكن هذه ليست حجة لضرب خيارات الجامعة التونسية ولا يمكن اعتمادها باسم حقوق الإنسان والحريات العامة لأنها منظومة كاملة لا تتجزأ. وعلى من يطالب بالحقوق أن يلتزم بالأساليب السلمية لا أن يلجأ إلى العنف وفرض رأيه بالقوة وتعطيل الدروس مثلما فعل السلفيون في كلية منوبة والخطأ الذي نتحمل مسؤوليته السنة الفارطة هو عدم تطبيق القانون بصفة فورية على من مارس العنف في الفضاء الجامعي. * هناك تخوف كبير اليوم من طرف الطلبة وأوليائهم والمدرسين من ارتفاع منسوب العنف والتهديد داخل الفضاء الجامعي، خاصة بعد إنهاء تواجد الأمن الجامعي فكيف ستواجهون مثل هذه الوضعية؟ * بكل بساطة أقول انه لو كان الأمن الجامعي متواجدا السنة الفارطة لوقع ما وقع من عنف وتصادم، لان الأمن الجامعي لم يتدخل البتة لفض مشكلة ما داخل الجامعة بل كان دوره الوحيد قمع الطلبة زمن الدكتاتور، وبالتالي فإن ذهاب الأمن الجامعي غير مأسوف عليه. المطلوب اليوم هو التفكير في توفير الأمن الجامعي على أسس جامعية وفق المعايير الدولية، وللأسف وزارة الإشراف لم تحرك ساكنا بخصوص هذا الجانب. في جامعة منوبة لنا 14 مؤسسة جامعية لم يقع فيها أي إشكال "امني" إلا في كلية الآداب السنة الفارطة، وبالتالي عموم المؤسسات الجامعية هي محمية بطبيعتها لان المواطن التونسي لا يرى في الجامعة إلا معقلا للعلم والمعرفة، وما حدث هو أمر ظرفي ومتعلق بقرار سياسي ضيق ينبغي أن تتحمل فيه الأطراف السياسية مسؤوليتها. * ولكن اليوم لم يعد خافيا على احد إصرار بعض الأطراف للسيطرة على الجامعة؟ * هناك وهم أن من يمتلك الساحة الطلابية سيمتلك الشارع، وهذا وهم ثبت انه لا يعدو أن يكون وهما، وعلى الأطراف السياسية أن تتأكد أنها لن تستطيع الهيمنة على الجامعة وعلى هذه الأطراف أن تكون مسؤولة ومن سيتجرأ ويحاول الهيمنة على الجامعة سينكسر على صخرتها. بالنسبة للعنف الموجود في الجامعة لا يقتصر على الظاهرة السلفية فقط، بل هناك مشاكل المخدرات والمتاجرة بالطالبات وبالتالي يجب أن تكون هناك مقاربة أمنية شاملة ويجب فتح حوار وطني حقيقي لتأمين الدور الفعلي للجامعة التونسية. والحلول الآنية والظرفية لا يمكنها أن تحل مشكلة العنف في الفضاء الجامعي. اليوم علينا أن نوجد تناغما حقيقيا بين أبناء الجامعة من طلبة ومدرسين وموظفين وعملة والجهاز الأمني والجهاز القضائي لتجاوز خطر العنف المهددة للجامعة التونسية. * هناك أحداث وطنية هامة ستعيشها تونس قريبا منها خصوصا إعلان الدستور الجديد والانتخابات القادمة، فكيف ترون انعكاس هذه الأحداث الوطنية على الطلبة والجامعة التونسية عموما؟ * سؤالك ينبني على تصور لما كان في السابق باعتبار أن في زمن الاستبداد كان الفضاء الجامعي هو الذي يستطيع أن يندد ويرفض ويعبر بكل حرية، الآن الفضاءات عديدة، وشخصيا أنا ضد أن تكون هناك إضرابات بسبب مثلا تأخر موعد الإعلان عن الدستور وضد إيقاف الدروس بسبب أحداث طارئة لا دخل للجامعة فيها. يكفينا من ردود الفعل الآنية ويجب أن نجعل من الجامعة قريبة من البرج العاجي لأنه المكان الوحيد الذي يمكننا من رؤية الواقع بطريقة أفضل. الجامعة للجميع ولا احد يملكها، والتهويل الإعلامي في السنة الفارطة هو الذي جعل من أحداث العنف سواء في منوبة أو سوسة أو قابس أو القيروان... أقحمت الجامعة في سياق هي ليست معنية به أساسا. * كإدارة، مع من ستتفاوضون حول مشاغل الطلبة، خاصة أن اليوم هناك الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للطلبة؟ * قانونيا لا يوجد إلا طرف واحد وهو الاتحاد العام لطلبة تونس، ونحن نتفاوض مع كل طرف يكون معبرا عن قضايا الطلبة وله تمثيلية في المجالس العلمية، وهي الوحيدة التي لها صبغة قانونية وشرعية وانتخابية رغم محدودية عدد المشاركين. ونحن نتفاوض معهم باعتبارهم طلبة ولا تهمنا لا ألوانهم الإيديولوجية ولا انتماءاتهم السياسية، ولا نخفيكم سرا أننا كجامعيين نشتكي من غياب الهياكل النقابية الممثلة للطلبة والسبب هو الخلط الذي ورثناه منذ مؤتمر فيفري 72. نحن نتفاوض على المطالب المادية والمعنوية للطلبة ولا نتفاوض على طبيعة النظام التونسي هل هو شبه شبه أم رأسمالي تابع. اليوم نحن بصدد الدخول في مرحلة التعددية النقابية واعتقد أن الطرف الأكثر تمثيلية للطلبة ومن لا يحاول تسريب السياسي إلى النقابي سيكون هو الطرف المفاوض بالنسبة لنا، وهنا أدعو الأطراف السياسية لرفع يدها عن الاتحاد العام لطلبة تونس. ثم نحن نرنو إلى أن تكون هناك تمثيلية بيداغوجية ونقابية وثقافية للطلبة. * ينتج طلبة الجامعة سنويا عددا مهولا من الإعمال الجامعية ولكنها تظل مركونة في الإدراج، فهل تفكرون في طرحها للقراء في المكتبات، خاصة أن فيها من الأعمال ما يضيف للمشهد العلمي والثقافي؟ * أولا يجب أن أوضح مسالة يتم تداوله مفادها أن ما كان ينشر سابقا من المنشورات الجامعية يتم وفق الولاءات الحزبية وهذا غير صحيح إطلاقا بل ما يحسب للجامعة أنها احترمت وحافظت على المعايير الأكاديمية والاستقلالية المعرفية في النشر الجامعي. أما الأعمال الجامعية للطلبة وخاصة رسائل الدكتوراه وهي كثيرة جدا، يجب هنا أن نقر بان الكثير منها لا يقدم إضافة علمية كبيرة وهذا ليس استنقاصا بل لان الإضافات العلمية تكون جزئية في الأبحاث وتندرج عموما في مشروع معرفي شامل، وبالتالي ليست كلها جديرة بالنشر، ولكن غالبا يُترك الأمر لرغبة صاحبها في النشر أو لوجود مثلا جائزة يمكن أن تتوج الأعمال المهمة ونحن في جامعة منوبة أنشأنا هذه السنة جائزة جامعة منوبة للبحوث لاستصفاء واختيار الأعمال الأكاديمية الجادة وستصدر نتائجها قريبا. * في سياق النشر أحدثتم السنة الفارطة مجلة "أكاديما" وكان لها الوقع الحسن منذ عددها الأول فهل ستتواصل هذه المجلة؟ * "أكاديميا" هي مجلة ذات بعد ثقافي ولكنها تُعنى بجل القضايا الجامعية وركزت في السنة المنقضية على توضيح خطها التحريري ووصلت إلى صيغة مرضية إلى حد ما. وستعود في بداية أكتوبر القادم إلى الصدور لتكون صوتا للجامعة المعبر عن قضاياها وشواغلها ونتمنى أن تعيش طويلا.

هناك تعليقان (2):