بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/01/29

الأعراف ومؤتمر استعادة الثقة

في ذكرى انبعاثها السادسة والستين، أنجزت منظمة الأعراف مؤتمرها الوطني العادي الخامس عشر، وانبثقت قيادة جديدة اجمع كل المراقبون والملاحظون أن ديمقراطية الصندوق وشفافيته كانت الفيصل بينها وبين باقي المترشحين الذين بلغ عددهم 170، لتدخل بذلك هذه المنظمة الوطنية مرحلة الشرعية الانتخابية بعد أن عاشت لأكثر من سنتين فترة عصيبة وحرجة غذتها التجاذبات ومحاولات إرباك مسار "التصحيح" من الداخل. وقد لا يعرف الكثير من التونسيين أن فكرة تأسيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تعود إلى الزعيم الوطني والنقابي خالد الذكر فرحات حشاد، عندما دعا إلى بعث ما سماه "شقيق الاتحاد العام التونسي للشغل" مباشرة بعد تأسيس المنظمة الشغيلة إيمانا منه بأن بناء تونس لا يكون إلا بتعاضد العمال وأرباب العمل... فتأسس اتحاد نقابات الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي يوم 17 جانفي 1947 ليرسم ملحمة نضالية خلال الحقبة الاستعمارية ويمهد لبناء اقتصاد تونسي... كما أن التاريخ يذكر أن مواقف منظمة الأعراف كانت في مجملها مساندة للاتحاد العام التونسي للشغل خاصة في الأزمات المفصلية، رغم أن السلطة سعت بكل الطرق إلى تعميق الهوة بين المنظمتين لإضعافهما وبالتالي السيطرة والهيمنة عليهما... ولعل آخر المواقف المساندة من منظمة الأعراف للاتحاد العام التونسي للشغل تلك التي عبرت عنها السيدة وداد بوشماوي اثر الاعتداءات الهمجية على بطحاء محمد علي يوم 4 ديسمبر 2012... السيدة وداد بوشماوي التي غامرت ودخلت معترك "افتكاك" الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من يد السلطة التي احتكرتها لعقود طويلة، وكابدت من أجل رأب كل تصدع قد يطال منظمتها، اختارها صندوق الاقتراع لتكون أول امرأة في تونس والوطن العربي رئيسة لمنظمة وطنية بحجم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهي امرأة جديرة بهذه المسؤولية لمَ اتسمت به من رباطة جأش وعزم وصبر على ما طالها من حملات الإساءة والتشويه، وأيضا لمواقفها القائمة على تغليب صوت الحكمة والحوار والتعقل. ولا يختلف عاقلان في أن داخل كل منظمة تتواتر الخلافات والانقسامات وتختلف الرؤى والتوجهات، ولكن تبقى بالأخير شأنا داخليا، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولم تكن منظمة الأعراف بمنأى عن هذه الخلافات التي تفاقمت خاصة في السنتين الأخيرتين، غير أن حسن إدارة الخلافات مكنت أبناء المنظمة من تجاوز محنتهم فارتفع صوت التوحيد على محاولات التفريق ليكون التتويج بمؤتمر ديمقراطي سيعزز عودة الثقة إلى نساء ورجال الأعمال الوطنيين ليضطلعوا بمهمة النهوض بالاقتصاد التونسي خاصة أن كل المؤشرات تدفع بهذا الاتجاه ومنها أساسا الاستماتة في الدفاع عن استقلالية المنظمة من كل غطاء سياسي، وتأسيس علاقة شراكة مع الاتحاد العام التونسي للشغل قوامها الحوار المتواصل والجدي خاصة بعد إمضاء العقد الاجتماعي الذي من شأنه أن يدفع بتونس إلى بلوغ دولة الرفاه الاجتماعي في المستقبل، وقد يكون هذا المستقبل قريبا عندما "تقتنع" السلطة، أي سلطة، بعدم التدخل في المنظمات الوطنية والتعامل معها على قاعدة الحوار البناء والتشاور في أخذ القرارات وعندما تضطلع الدولة بدورها في توفير الأمن والاستقرار وكل الشروط التي تشجع أصحاب العمل على الاستثمار لتكون المردودية الإنتاجية في صالح العمال وعموم التونسيين. بعد هذا المؤتمر الناجح والمفصلي تبقى انتظارات العمال والشغالين من منظمة الأعراف كبيرة خاصة في ضمان حقوقهم وتوفير شروط العمل اللائق واحترام الحق النقابي، وتحلي أرباب العمل بالشجاعة والجرأة في الاستثمار للمساهمة في حل قضايا التنمية والتشغيل والقطع مع عقلية الاستئثار بالحوافز والامتيازات لأن المرحلة تقتضي التضحية والتنازل لفائدة تونس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق