بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/02/14

من ضيق الحكومة إلى أفق الحَوكَمَة

غلبت السمة الميكيافلية على المشهد السياسي منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011، وانتفت كل القواعد الأخلاقية الممكنة بين الفرقاء السياسيين، مما جعل باب الصراع مفتوحا بشكل معلن بين الأطراف الحكومية من جهة والأطراف المعارضة من جهة ثانية، وبشكل خفي فيما بين أحزاب الترويكا نفسها، فتدحرجت استحقاقات الثورة التونسية من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية إلى أسفل سلم الأولويات، وظلت الغايات السياسية طافحة على سطح المشهد، حتى كان اغتيال الشهيد المناضل شكري بالعيد صبيحة 6 فيفري 2013 المنعرج الحاسم ـ إلى حد ما ـ للقطع مع الميكيافيلية المقيتة والتوجه نحو رؤية سياسية تقترب أكثر من المطالب الشعبية وتنأى عن الطموحات الحزبية... وتنتقل من الحكومة الضيقة إلى الحكم الواسع...لاستعادة الثقة الشعبية... ولئن وجدت "مبادرة" رئيس الحكومة المؤقتة، السيد حمادي الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط (وهو مفهوم يعود إلى المفكر الاشتراكي الفرنسي سان سيمون الذي تنبأ بقيام مجتمع يحكمه العلماء والمهندسون) لئن وجدت الصدى الطيب والحسن لدى اغلب مكونات المجتمعين السياسي والمدني إضافة إلى القاعدة الشعبية العريضة التي ساندت مبادرة تشكيل حكومة كفاءات وطنية، وبغض النظر عن الموقف المتردد لحزب رئيس الحكومة، فإن تأمين نجاح هذه الحكومة في مهمتها الأساسية المتمثلة في تصريف شؤون البلاد إلى حدود إجراء الانتخابات المقبلة، مرهون بالأساس بجملة من التوصيات التوافقية التي وردت في جواب كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، على مراسلة السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقت حول تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية، وهذه النقاط تتمثل في: ـ حكومة محدودة العدد لا يتحمل أعضاؤها مسؤوليات حزبية ولا يترشحون للانتخابات القادمة رئاسية كانت أم تشريعية، وان يكون لأعضائها الصلاحيات الكافية وقوة المبادرة. ـ الرجوع عن التعيينات الحزبية التي فاقت 1200 وتشكيل لجنة عليا للتشاور حول التعيينات الجديدة وفق مقاييس موضوعية. ـ حل كل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات المنظمة التي تنشر ثقافة الكراهية والضغينة والعنف تجسيدا لمبدأ احتكار الدولة وحدها مسؤولية الأمن وحماية الحريات العامة والخاصة. ـ الإسراع بكشف حقيقة كل أحداث العنف وحقيقة اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد وتقديم الجناة ومن يقف وراءهم إلى العدالة. ـ تحييد المساجد والنأي بها عن الصراعات السياسية والحزبية ومحاسبة كل الداعين للتكفير والتحريض على العنف. ـ التعجيل بتركيز الهيئة المستقلة للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومراجعة ضبابية المعايير المعتمدة في تعيين أعضائها وتعيين سقف زمني محدد للانتخابات. ـ تفعيل ما تم الاتفاق بشأنه في العقد الاجتماعي الممضى بين الأطراف الاجتماعية ومعالجة الوضع الاجتماعي المتردي. والى جانب هذه النقاط، يجب، من باب الوفاء لروح الشهيد الوطني شكري بالعيد، عقد مؤتمر وطني ضد العنف بكل أشكاله وخاصة منه العنف السياسي والاغتيالات. إن التوافق حول هذه النقاط من شأنه، أولا أن يحسم الجدل الدائر حول طبيعة الحكومة القادمة، أهي سياسية أم تقنية، وثانيا من شأنها أن تعيد الطمأنينة والثقة لنفوس التونسيين وتعزز وحدتهم ضد كل محاولات الزج بالبلاد في أتون المجهول، وثالثا من شأن هذه النقاط أن تضفي مزيدا من الوضوح لدى المواطن حول القوى السياسية الداعمة للدولة المدنية وللانتقال الديمقراطي السلس، وللقوى المصرة على إرباك هذا المسار. كل هذه النقاط وغيرها يمكن أن يتوافق حولها جميع الفرقاء السياسيين والفاعلين المدنيين في إطار مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل ليستكمل مهامه عبر اللجان التي تمّ انتخابها ،والباب مفتوح للذين تخلفوا... ناجي الخشناوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق