بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/04/11

حكومة الاسلاك الشائكة

يُولدون "أسوياء" مثلنا... غير أن أحلامهم تكبر في غفلة منا لنكتشف فيما بعد أنها كبُرت بفائض العرق النازف من سواعد آبائنا وأمهاتنا... فجأة نُطالع أسماءهم صباحا في الصحف والمجلات، وبعد أخبار الثامنة نشاهدهم على القنوات التلفزية يُسوون ربطات عنقهم ويعدلون ساعاتهم التي تزين معاصمهم ويديرونها إلى عدسة الكاميرا... وفي ظرف أسابيع أو بضعة أيام معدودة نطالع أسماءهم مرة أخرى وبشكل رسمي مرسومة في الرائد الرسمي بصفاتهم الجديدة... لتلمحهم في اليوم الموالي مع الحشود المتراصة داخل الحافلات والمترو، سائرون في ركب من السيارات الفارهة نحو مكاتبهم الوزارية... فجأة نراهم يرفعون الأسلاك الشائكة بين عطور مكاتبهم وعرق آبائنا وأمهاتنا... ونراهم يرصفون بنادق الجيش والبوليس بيننا وبينهم... غير أن الأسلاك الشائكة وبنادق العسس لم تكفهم ليبتعدوا عنا، فما كان منهم إلا إن امتثلوا لأوامر رئيسهم وضربوا على أفواههم كمامات كاتمة لكل حرف أو كلمة أو معلومة... هاهم وزراء الحكومة المؤقتة ورئيس حكومتهم، أصحاب الشرعية، يرفعون الحاجز تلو الحاجز بينهم وبين الشعب الذي منحهم صوته وأمله... هاهم يضربون جدارا عازلا حولهم ليدبروا في ليلهم ما تتفتق عنه قريحتهم وما يأتيهم من أوامر شيوخ الخليج وثعالب الصندوق الدولي للنقد... قد نتفهم تركيز الأسلاك الشائكة والحواجز والمتاريس أمام السفارات، وخاصة منها سفارات الأمر والنهي مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، أما وزارات الشعب التونسي ومؤسسات الشعب التونسي فهي ملك له وحده، هو الذي شيدها بسواعده وهو الوحيد الذي يتمتع بخدماتها... الأسلاك الشائكة المحيطة بالوزارات مثل وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة التربية ووزارة التكوين المهني، وكذلك المحيطة بعدة ولايات وبعض البلديات والمعتمديات والمؤسسات الوطنية... كلها لا تدل إلا على سياسة اللامبالاة وعدم الاكتراث بمن هو خلف هذه الحواجز الاستعمارية بامتياز ولا تدل إلا على ضرب مفهوم "السيادة الشعبية" وبداية التمهيد للدكتاتورية والاستئثار بالسلطة والاستحواذ على دواليب الدولة... ولكنها تدل أيضا على سمات الضعف والخوف لدى أصحاب ربطات العنق الوردية وعدم قدرتهم على مواجهة الشعب وهمومه ومشاكله... فوحده الضعيف يختار الانزواء والابتعاد عن الأضواء ويلوذ بالصمت... ووحده العاجز يختلق كل الأعذار ليبرر عجزه وقلة خبرته، ومن هذه الأعذار الأسلاك الشائكة والحواجز الحديدية ورجال الحراسة... هكذا نرى رمزية الأسلاك الشائكة المضروبة بين دولتهم وشعبنا ولا نرى فيها أي مبرر آخر قد يوهموننا به مثل توفير الأمن والحماية، فالوزير الخائف من شعبه لا يستحق منصب الوزارة والمسؤول المتخفي خلف الأسوار لا حاجة للشعب به والوزيرة التي تتحرك وسط جحافل البوليس لا معنى لها أصلا... أما رئيس الحكومة الذي لا نرى حتى شبحه، فقد قوض كل إمكانات التواصل بين دولته المؤقتة وشعبنا الدائم بعد أن قرر "إسكات" فريقه الحكومي وقطع الصلة تماما بينهم وبين وسائل الإعلام، ولا نخاله قرارا متشبعا بالحديث القائل "وتعاونوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان" بقدر ما نرى فيه هروبا من المواجهة وتملصا من المسؤولية وخوفا على "شعبية" موهومة قد تضيع قبل الانتخابات بزلة لسان لهذه القناة أو تلك الإذاعة... لوزراء الحكومة المؤقتة، ولمسؤولي التغلغل الحزبي نقول لهم لكم الأسلاك الشائكة ولنا المدى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق