بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/03/11

قصة قصيرة


Game over
انضممت إلى حلقة حسن وسعيد وعبودة الحلاق بعد أن صرت أوفر لهم علب السجائر التي اختلسها من دكان والدي. في السابق كنت اذهب إلى محل عبودة مرة واحدة في الشهر. أحلق شعري ثم أعود إلى البيت الذي لم يكن بعيدا عن المحل. لم يكن سني آنذاك يتجاوز السادسة عشرة. أمر كل يوم أمام محل عبودة وأنا أتجه إلى المعهد. ألمحه خلف الواجهة البلورية يرتشف قهوة الصباح وهو يرتب المقصات والأمشاط وينشر المناشف فوق المحمل الحديدي أمام الباب. في المساء عندما أكون عائدا من نفس الطريق تتناهى إلى مسامعي ضحكات حسن وسعيد وعبودة تتكسر داخل جدران محل "الحلاقة الأنيقة".
تعمدت يومها أن اذهب في المساء لحلاقة شعري.علقت معطفي على المشجب الخشبي المثبت وسط الجدار المقابل للمرآة ثم جلست فوق كرسي الجلد وسلمت رأسي لأصابع عبودة ومقصه.
كان فضولي اكبر من خوفي وخجلي فلم أتردد ولم أرتبك عندما اقترحت الانضمام لحلقتهم المسائية. تركت عبودة ينهي تجفيف شعري ودهنه بالكريم المثبت ثم أدرت كرسي الجلد لحسن وسعيد وقلت لهما في نفس واحد وأنا انظر إلى عبودة الواقف حذوي:
_ اسمعوا ياجماعة بصراحة ارغب في الانضمام إليكم كل مساء، وان وافقتم سأوفر لكم يوميا لكل علبة سجائر "مارس ليجار".
من يومها بدأت اشتري الحكايات من محل "الحلاقة الأنيقة" بسجائر والدي، بل صرت أعدو داخل الحكايات وأستلذ تفاصيلها وهي تخدش ذاكرتي وتحفر أثرها عليها.
كانت حكايات المساء ترسخ بذاكرتي أكثر من دروس الصباح، وبدأت أخبار القرية تزهر داخل محل عبودة مع حسن وسعيد. حكايات تعبرني الآن، بعد عشرين سنة من الغياب، مثل الأغاني العتيقة التي كانت تؤنس مساءاتنا في القرية.
كانت حكايات القرية وبناتها تسيل داخل جسدي مثل الماء. عرفت أسرار جسد عفاف وسلاف وأختها مريم. وداعبت حلمتا مروى في خيالي من خلال مغامرات سعيد التي لا يمل من روايتها لنا كل مساء. أغلب الحكايات كانت تفتتح بالحديث عن بنات حينا وبنات الأحياء المجاورة لنا، وعن مقابلات كرة القدم بين الترجي والإفريقي أو عن الطالبات اللواتي يسافرن للدراسة بالعاصمة وما تلبث أن تفوح إشاعات مغامراتهن قبل عودتهن، أو عن الأساتذة الذين يفدون على معهدنا... وعن الأعراس في فصل الصيف، وغالبا ما كانت تنتهي تلك الحكايات بالحديث عن ارتفاع ثمن قنطار السميد مثلا أو انخفاض وزن الخبزة، وفي العطل كنا نحصي عدد الطلبة الذين سيتخرجون من الجامعات ثم يعودون إلى القرية ليزاحموا آباءهم في مقهى الرياضيين. ياه كم سمعت حكايات في مخزن الكلام ذاك.
لم تحترق حكايات حسن وسعيد وعبودة مثلما احترقت سجائر والدي رغم مرور عشرين سنة بحالها. إلى الآن ما زال وهج كلماتها يلفحني ويستفزني أمام هذا الصمت اللعين الذي دفعني إليه هذا الحلاق البدين.
دخلت عليه منذ ساعة تقريبا وظللت مرميا في حضن الصمت والسجائر. كنت ضاجا بالحكايات وبي رغبة جامحة للانفجار بالكلام مع أي كان. كل دقيقة أقول انه سينهض وينتبه لوجودي، غير أن الدقائق ظلت تتعاقب علي أثقل من الصمت ومن طعم التبغ، وهو جامد في مكانه.
التفت على يساري فألفيت مجلة أزياء مركونة فوق الطاولة. التقطتها وشرعت أتصفح ورقها من دون تركيز، وظللت بين الفينة والأخرى أترصد جهاز الأتاري ليظهر على شاشة التلفاز عبارة Game over فتنتهي لعبة مقابلة كرة القدم الافتراضية بين الحلاق البدين وصانعه فيستحي واحد منهما وينتبه لشعري الأشعث ولحكاياتي التي يكاد يحلقها خرس المحل وتخنقها خيوط السجائر.

2008/03/05

سليم... دو...لا...


سليم ... دو... لا...

رغم بريق عينيه الذي يغذي تماسكي كلما التقيته...رغم " أهلا حبيبي" التي يستبقني بها كل مرة....فقد أحسست مذ عرفته أنه منذور للخلاء والوحدة...للألم والسواد والحزن...فالحزن " يكاد يكون سلاليا والألم أيضا إذ يقترن المعنى في حياتنا بالمحنة اقتران الشفاه بالأسنان"...وفي المنتظمات الماقبل حضارية يزدهر " التبذير المفرط للعنف..." وتتنازع الشوارع صفتي" الكسموفاجية" – أكلة الكون- و"الأنتروبوفاجية" – أكلة الإنسان-
منذ عرفته وهو يردد لازمته " وشحلة الوطن على الشوارع" فيطوقك بوابل من نقاط الاستفهام وهو يوشحك بحكمته: " وايش حالك يالشوارع ؟ واش حالك يالوطن؟" فلا تلبث أن تجيبه بأن احتياطي العداء المفرط لحرية المشي فوق الأرصفة الآهلة بالأرجل والأعين قد تضخم حتى تورم فصار ورما يوميا لا يترك سليما يتحرك في دولته ...في شارعه...في مقهاه وحانته...في مكتبته أو بيته...
هي ذي شوارعنا صارت تنوء بعبء الإنسان السليم...تستنكف من مشيته وهو يتأبط كتابه أو محفظته أو حتى جريدته...الإنسان الذي لم يتدرب قط على إيقاع اللكمات والركلات والكدمات المباغتة أحيانا والمقصودة دائما من الكلاب السائبة التي لا تفارق عاداتها في " التملق ولعق الأحذية العسكرية المتنكرة في الجلود المدنية والإقتباس من السلوك الحربائي بأناقة فائقة المكر لقلة الجهد فتمارس التلصص والتلوص واصطياد الفرص وكل أشكال تدبير الرأس على الطريقة التونسية الخالصة...
و"لأنه أندر من الكبريت الأحمر" ومن " أكثر الكائنات تمرسا بالألم " وفقا للمعجم النيتشوي فقد كان على جاهزية استثنائية لتحمل الخسارات الفادحة في نظر العامة وذوي القربى من أحفاد سقراط الموظف ولأنه – مثلما كتب عنه صديقه الشاعر آدم فتحي- " الوحيد الذي يصاب في ماله وجسده فيفكر في تلاميذه لعلهم لا يعاقون عن برنامجهم الدراسي...وفي كتابه الأحدث لعله لا يكون الأخير"...
لأنه كذلك وتماما لم يفاجئني وأنا أزوره في بيته مع الشاعرة يسرى فراوس وباق نرجس وهو يغمرنا بابتسامته الساخرة ويقول لي: " كادت تصدق نبوءتك يا فتى"..." ديلانو شقيق الورد" كتابه الأحدث والذي لعله لا يكون الأخير...قلت له في بيتي الصائفة الفائتة : " وكأنه الكتاب الأخير في حياتك يا سليم"
ولأن الفلسفة شكل من أشكال دق العنق وفق عبارة لويس ألتوسير فإني بت أشك في أن ديلانو بورده وسواده وسخريته وتلامذته هو المقصود بدق العنق ذاك أن " الطوفان اليومي وفائض القذائف التلفزية" وفي " لحظة تطبيع العنف" وفق عبارة آدم فتحي كلها تدجج أسلحتها البدائية والحداثية لدق عنق حرية المشي على رصيف المحطة وسط زحمة العيون الذاهبة في اللآمبالاة والفرجة ...في ساحة برشلونة ...لتصطف جميعها أحرفا في " حكايا منامات تونسية"...
سألت زميلتي عن حصانات النواب في مجلسهم فقالت: هي جمة وهم بالأخير يختارهم الشعب ...وسألت نفسي عن امتيازات حصانة المثقف في شوارع البلاد فهمست لي : هي أوهام ولكنهم بالأخير هم الذين يختارهم التاريخ...
مالذي يعني يا سليم أن يترصدوا خطواتك في شارع المحطة ويهرسوا جذعك ويزفوك لخراب المستشفيات العمومية وتعود لك بطاقة هويتك كما سلمتها ؟؟؟
مالذي يعني هذا أمام اتهامك في عقلك ودينك وديانتك؟؟وأمام سرقة كتابك ومكتبتك ...مالذي يعني هذا في ظل القرف العمومي من الشأن العمومي ؟؟
مادمت شامخا في دولتك التي أسميتها " لن " ...هل ينام في أصفر الورد بعيدا عن بياض ديلانو وحمرته:
فقد تجيء الطعنة الأولى من التمساح
قد تأتي من الأفعى أو الحرباء
حاذرهم إذن...
واحذر الكلب السلوقي أعز الأصدقاء...

2008/03/03

حوار مع عميد المحامين البشير الصيد



نطالب بإعفاء المحامين المتمرنين من أداء الضريبة الحكومية مدة تمرينهم

مثلت الأيام القليلة الماضية فترة انتقالية في تاريخ المحاماة التونسية بعد أن تمكن عميد هيئتها الحالية الأستاذ البشير الصيد من تحقيق أهم مكسب للقطاع الذي ناضل من أجله منذ أكثر من ثلاثين سنة والمتمثل في إحداث صندوق للضمان الاجتماعي خاص بالمحامين، إلى جانب العديد من المكاسب الأخرى المتعلقة بمعاليم طابع المحاماة وتسعيرة التساخير وصلاحيات نيابة المحامين وملكية نادي المحامين وتنظيم التربصات والدورات التدريبية وغيرها من مشاغل القطاع...
عن تفاصيل وحيثيات هذه المكاسب خصّنا السيد العميد بهذا الحوار المطوّل الذي أنجزناه على يومين بمكتبه بتونس العاصمة وللعلم فقد استعاد الأستاذ البشير الصيد عمادة هيئة المحامين في مؤتمرها الأخير 2007 بعد أن كان عميدا لها في دورة 2001/2004 وهو رئيس لجنة الدفاع عن العراق ورئيس منظمة مناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني وعضو بالمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب وعضو مؤسس لمنظمة العدالة الدولية ببروكسيل وقد استقال الأستاذ البشير الصيد من سلك القضاء سنة 1973 بعد أن باشره مدّة ست سنوات أسس أثناءها بمعية ثلة من القضاة جمعية القضاة الشبان وانتخب أول كاتب عام لها كما انتخب عضوا بالمجلس الأعلى للقضاء ثم التحق في نفس السنة أي سنة 73 بسلك المحاماة وكان واحدا من بين الذين رافعوا في قضية الاتحاد العام التونسي للشغل يوم26 جانفي 1978 وفي قضية قفصة سنة 1980 وجل القضايا النقابية والسياسية...

* كيف يقيم السيد العميد المكاسب التي تحققت للمحامين؟
ـ الصندوق تأسس منذ عشرات السنين للمحامين وتضمن قانونه ان يشمل امرين هما تولي دفع جرايات التقاعد والتعويض عن الحيطة الاجتماعية اي التأمين الصحي، غير ان في التنفيذ اشتغل الصندوق من طرف مجلس الهيئة بخصوص التقاعد ولكن بقي منقوصا بالنسبة للتغطية الاجتماعية، وكان قانون المهنة قد نصّ على ان يصدر امرا ينظم الصندوق في مهمتين: دفع جرايات التقاعد للمحامين ولعائلاتهم عند الوفاة وتكاليف العلاج، الا ان هذا الامر لم يصدر وبقي المحامون محرومين من التغطية الاجتماعية وقد طالبت هيئات عديدة وناضل المحامون من اجل تحقيق هذا الهدف الاجتماعي السامي لعشرات السنين واخيرا تحصلوا على مبتغاهم في عهد هيئتنا وعليه فاني اؤكد اني واعضاء مجلس الهيئة وهياكل المهنة نعتبر اننا قد حققنا انجازا كبيرا في هذا الصدد لطالما انتظره المحامون وذلك باصدار سيادة رئيس الجمهورية للامرعدد 355 المؤرخ في 11 فيفري 2008 المتعلق بتنظيم وتسيير صندوق الحيطة الاجتماعية والتقاعد للمحامين الذي أسسّ منظومة التأمين الصحي للمحامين وكذلك بإصدار الأمر عدد 359 المؤرخ في نفس التاريخ المتعلق بضبط طابع المحاماة وكيفية اصداره وتوزيعه والترفيع في معلومه بحيث إن احداث التغطية الاجتماعية لفائدة المحامين يعد انجازا كبيرا ومطلبا عظيما قد تحقق خاصة ان المحامين كانوا محرومين من ذلك ثم ان هذا الامر قد جاء بضمانات هامة بخصوص الناحية الصحية والتأمين الاجتماعي.
* هل يُفصّل السيد العميد للقراء هذه الضمانات؟
ـ في الحقيقة الضمانات هامة ومتعددة جاء بها الامر المتعلق بتنظيم وتسيير الصندوق منها التعويض مائة بالمائة (100) عن تكاليف العلاج المتعلق بالامراض الثقيلة والمزمنة والعمليات الجراحية وشمولية لتكاليف العلاج كافة وعن الفحوص والعيادات والزيارات والكشوفات والتحاليل الطبية والادوية والعمليات الجراحية والاقامة بالمستشفيات والمصحات والتنقل الصحي ومؤسسات العلاج الطبيعي وتقويم الاعضاء واستعمال الالات وتركيبها للتعويض أو المساعدة والاعمال شبه الطبية وكل الوسائل الهادفة للعلاج.وكذلك منح المنح الوقتية في صورة المرض والولادة والحوادث والوفاة، وأيضا وجوب اسداء جراية التقاعد لكل محام أو محامية كاملة من ذلك أنه في صورة ما إذا كان المحامي قد اشتغل قبل التحاقه بالمهنة في ادارة اخرى مدة 10 سنوات مثلا فمن حق الصندوق أن يطالب هذه الادارة بان تدفع له جراية التقاعد عن تلك المدّة.
* لماذا اصررتم على ان يكون التأمين الصحي للمحامين في اطار صندوق خاص بقطاعكم؟

ـ الحقيقة لعدة اسباب منها أن صندوق المحامين الخاص هو مطلب قديم جدا قد تم تأسيسه منذ عشرات السنين وهو يشتغل ويؤدي جرايات التقاعد للمحامين غير أنه بالنسبة للفرع الثاني المتعلق بالتأمين الصحي بقي معطلا ثم ان الصندوق الخاص نرى أنه يحافظ عن استقلالية مهنة المحاماة كما ان هذا الصندوق أقرب الى المحامي بحيث تكون الخدمات أسهل اليه وأقرب عندما تديره هيئته وأعتقد انه سيعطي خدمات افضل من الخدمات التي تعطيها الصناديق الاخرى وهذا في الحقيقة يرجع الى أن الجهات الرسمية عموما ووزارة العدل وخاصة رئيس الجمهورية قد استجابوا جميعا الى مقترحاتنا بنسبة 90 بالمائة وهم مشكورون على ذلك।
* ... وماهي بقية المكاسب التي تحصلتم عليها هذه الايام؟
ـ اضافة الى المكسب الكبير المتمثل في احداث التغطية الاجتماعية للمحامين، فقد تحصلنا على مكاسب اخرى على غاية من الاهمية كانت هي الاخرى بمناسبة استقبالي كعميد للمحامين من قبل رئيس الجمهورية يوم 19 فيفري 2008 الذي تفضل أولا بتحويل ملكية نادي المحامين بسكرة الى الهيئة الوطنية للمحامين وثانيا بتوسيع مجال عمل المحامي اذ قرّر: (أ) ان تكون نيابة المحامي وجوبية لدى محكمة التعقيب في جميع القضايا الجزائية ج (ب) ان تكون كذلك نيابة المحامي وجوبية لدى المحكمة العقارية في قضايا التحيين ومطالب التسجيل وثالثا بالترفيع في منحة التسخير، كما طلب مني سيادة الرئيس ان ارفع له مذكرة شاملة لكل الاصلاحات المنشودة في قطاع المحاماة وبهذه المناسبة، وباسمي وباسم مجلس الهيئة الوطنية للمحامين اتوجه لسيادته بشكري وتقديري على استجابته لهذه الاصلاحات الهامة والكبيرة التي تحققت للسان الدفاع كما لا يفوتني ان أشكر الاستاذ البشير التكاري وزير العدل على المجهودات الهامة التي بذلها هو ومساعدوه من السادة القضاة والموظفين السامين بوزارة العدل من أجل تحقيق الانجازات المذكورة لفائدة المحامين.
* بالنسبة للتأمين الصحي فقد تحقق بصدور الأوامر التي ذكرتها، لكن متى سيتم تنفيذ هذه القرارات بخصوص ملكية النادي والتوسيع في مجال عمل المحامي والترفيع في منحة التسخير؟

ـ أنا أعتبر أنه طالما أذن بها رئيس الدولة فقد تمّت ولا يمكن تأخير تنفيذها।
* ولكن هناك ايضا مطالبٌ اخرى ينتظر أهل القطاع تحقيقها؟
ـ لا شك ان مطالب المحامين عديدة ومتراكمة والقطاع يشكو من كثير من الاشكاليات وينتظر اصلاحات شاملة وعميقة من ذلك الوضع المادي والادبي للمحامين المتمرنين الذين اصبح عددهم مرتفعا حيث بلغ قرابة 1800 محامية ومحام متمرنين فالمتمرنون يشتكون من تدهور ظروفهم المادية بالدرجة الاولى وهم ضمان مستقبل المحاماة إذ يعانون من الخصاصة نظرا لعدة اسباب منها كثرة عدد المحامين لان المحاماة الان تستوعب أكثر مما تستوعبه مؤسسات الدولة مجتمعة من اصحاب الشهادات العليا اذ يقوم مجلس الهيئة للمحامين بترسيم حوالي700 محام ومحامية سنويا من أصحاب الشهائد العليا الذين يُقبلون على مهنة المحاماة وفيهم الكثيرون الذين يضطرون لهذا الالتحاق لعدم حصولهم على وظائف بمؤسسات أخرى، ولذلك فإن المحاماة تشغّل عددا هاما من أصحاب الشهائد العليا يفوق بكثير ممّا تشغّله المؤسسات العمومية والخاصة في البلاد ولذلك كان من أولويات اهتمامات مجلس الهيئة الوطنية الاعتناء بالمتمرنين إذ بادرنا بالعناية بهم من ذلك أننا أسسنا في دورة سابقة صندوق دعم المحامي التمرين وحرصنا على تشغيله في هذه الدورة وأسسنا المجلس العلمي الذي سيعتني بتطوير وتحديث مضامين وأساليب محاضرات التمرين وتنظيم دورات تدريبية وتنظيم دورات للاعلامية والانترنات والحلقات التكوينية التي تقوم بها الفروع، الا أن مجهود الهيئة الوطنية لا يكفي ولذلك تقدمنا للجهات الرسمية وخاصة وزارة العدل للمطالبة باصلاح أوضاع المحامين المتمرنين الذين هم في حاجة الى اصلاحات خاصة بهم زيادة على الاصلاحات المنشودة لعموم المحامين من ذلك طلبنا تأسيس منحة خاصة للمحامين المتمرنين يتقاضونها مدة تمرينهم (سنتين)واعفائهم من اداء الضريبة الحكومية مدة التمرين ومساهمة الدولة في تكاليف الملتقيات والندوات العلمية بتونس أو بالخارج وغير ذلك من المطالب التي رفعناها لوزارة العدل في مذكرات مكتوبة...
* هل هناك نيّة لاعفاء المحامين المتمرنين من أداء معاليم الانخراط في الصندوق على الاقل مدة التمرين؟
ـ مراعاة للوضع المالي للصندوق لم نستطع اعفاء المحامين المتمرنين اعفاءا كاملا من دفع الاشتراك السنوي للتغطية الصحية ولكن يسّرْنا عليهم ذلك بأن خَفّضْنا معلوم انخراطهم الى 100 دينار فقط وهو مبلغ يتماشى ووضعهم كمتمرنين خاصة بعد الترفيع في منحة التسخير، وأملنا بأن الدولة ستحسن أوضاعهم المالية عما قريب الى جانب حرص هياكل المهنة على توفير التوزيع العادل لقضايا التّسَاخير والاعانة العدلية بين المتمرنين।

* من أين ستتأتّى مداخيل صندوق التقاعد والحيطة الإجتماعية للمحامين؟
ـ المورد المالي الاساسي للصندوق سيتأتّى من مداخيل طابع المحاماة مع اضافة اشتراك سنوي رمزي قُدّر بـ 300 دينار بالنسبة للمحامي لدى التعقيب و250 دينارا للمحامي لدى الاستئناف و100 دينار للمحامي المتمرن، وحتى تكون الخدمات الصحية التي يسديها الصندوق للمحاميات والمحامين وعائلاتهم وابنائهم محترمة ومتميّزة تم الترفيع في معلوم طابع المحاماة كما ورد بالامر عدد 359 المؤرخ في 11 فيفري 2008 على النحو التالي: 6 دنانير لاعمال محكمة الناحية و12 دينارا لمطالب تسعير الاتعاب والاعمال أمام الدوائر الابتدائية للمحكمة الادارية والمحاكم الابتدائية العدلية والعسكرية و18 دينارا للعقود المتعلقة بالعقارات المرسمة بادارة الملكية العقارية والاعمال امام الدوائر التعقيبية والاستئنافية للمحكمة الادارية ومحكمة التعقيب ومحاكم الاستئناف العدلية والعسكرية علما أن تنفيذ دفع معاليم الطابع بالنسبة للمحامي أو المحامية وفق تسعيرة الترفيع المذكورة سيكون بداية من 1 ماي 2008.
* هل سيبقى معلوم طابع المحاماة من مشمولات وزارة المالية أم سيعود إلى مجلس ادارة الصندوق؟
ـ إن النصوص القانونية المنظمة لطابع المحاماة قد أعطت صلاحية لطبعه وترويجه منذ سنة 1993 لكل من وزارة المالية بواسطة القباضات المالية ولهيئة المحامين، لكن في الحقيقة منذ ذلك التاريخ فإن وزارة المالية متكفلة بالطبع والبيع واحالة المداخيل الى صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية، وأرى حاليا أن الامر سيبقى كذلك، غير أن عملية الطبع والبيع تتطلب مزيدا من التنظيم والأحكام خاصة أن مداخيل الطابع بعد ترفيع معلومه ستتضاعف بنسبة كبيرة.
* هل يرى السيد العميد أن هيئة المحامين مؤهلة للتسيير الاداري والمالي للصندوق، بمعنى هل لديها الكفاءة التقنية اللازمة لذلك؟
ـ أرى أن مجلس الهيئة الوطنية مؤهل كل التأهيل لإدارة الصندوق وتسييره والقيام بمهامه على أحسن وجه وذلك بناء على النقاط التالية:
(1) لنا كفاءات وخبرات من المحامين أنفسهم إذ فيهم من اشتغل سابقا بصناديق الدولة والصناديق الخاصة والذين اكتسبوا خبرة مهمة يمكن الاستعانة بهم.
(2) إن مجلس الهيئة الذي هو مجلس إدارة الصندوق يعتمد حسب الفصل 11 من أمر التنظيم على إدارة فنية وإدارية ومالية تتكون من إطارات وأعوان مختصين في الميدان يباشرون مهامهم تحت سلطة وإشراف مجلس الإدارة.
(3) يعتمد مجلس الإدارة أيضا على خبراء «إكتواريين» تابعين لوزارة المالية والشؤون الاجتماعية وهم دوليون ويعول عليهم خاصة في تقارير الدراسات والمحاسبة يمكن لمجلس الإدارة بمقتضى اتفاقية أن يكلف الغير بإنجاز بعض أو كل خدمات الصندوق ومعنى ذلك أن مجلس الإدارة يمكن له أن يتعاقد مع مؤسسة مختصة في ميدان التغطية الاجتماعية مثل الصندوق القومي للضمان الاجتماعي أو الشركات الخاصة لكي تقوم بالمهام الفنية والمالية والطبية المختصة كما يمكن أيضا لرئيس المجلس أن يفوض حق الإمضاء لأحد إطارات الصندوق المختصين وبذلك نرى أن كل الإمكانيات مفتوحة أمام مجلس إدارة الصندوق الذي هو في نفس الوقت مجلس إدارة الهيئة।

* هل هناك بالفعل مشروع لتسهيل شروط الحصول على القروض لفتح مكاتب المحاماة؟

ـ هذا الموضوع يتعلق ببناء علاقات مع البنوك التونسية حتى يمكن أن يحصل المحامون على قروض لقضاء الاحتياجات مثل فتح المكاتب على اثر ترسيم المحامين بالاستئناف أو لأغراض أخرى كقروض بناء المساكن وغير ذلك، ومن بين اهتماماتنا الحوار والتفاوض مع بعض البنوك قصد إبرام اتفاقيات تمكن المحامين من الحصول على قروض ميسّرة।* هل هناك جديد بخصوص المعهد الأعلى للمحاماة وتوحيد المدخل للمهنة؟
ـ من مطالب المحامين الهامة التي مازالت محل تفاوض وحوار مع وزارة العدل المعهد الأعلى للمحاماة الذي تم إحداثه منذ مدّة وذلك لأن قانون هذا المعهد والأوامر والقرارات التطبيقية لم تعط لهيئة المحامين دورا أساسيا في تسيير المعهد وفي مناظرات الدخول للمعهد والتخرّج وفي المجلس العلمي... وقد بيّنا إلى وزارة العدل النقاط السلبية بهذا الصدد وطالبناها بتنقيح هذه النصوص بما يُمكّن هيئة المحامين من دور فاعل وأساسي في هذا المعهد الذي هو معهد محاماة وليس كلية وليس مدرسة عليا في القانون والحوار مازال متواصلا بهذا الصدد.
* ستنعقد الجلسة العامة الانتخابية للمحامين الشبان يوم السبت القادم 8 مارس 2008 فكيف ترون آفاق هذه الجلسة وحظوظ المرشحين؟
ـ بالنسبة لي كعميد للمحامين لستُ منحازا لأي مترشح ومن سيفرزهم الصندوق أهلا وسهلا بهم فستتعامل معهم الهيئة وتدعمهم ،وما أحرص عليه أنا ومجلس الهيئة هو أن تتوفر في هذه الانتخابات الموضوعية والشفافية بحيث تكون شفافة ونزيهة في إطار ديمقراطي بين كل المترشحين وحتى لا يقع الطعن في الصندوق الانتخابي. وقعتم مؤخرا اتفاقية مع المجلس الوطني لنقابات المحامين بفرنسا فما هو فحوى هذه الاتفاقية؟ـ الاتفاقية التي وقعناها مع مجلس هيئات المحامين في فرنسا هامة جدا لأنها تتضمن عدة مواضيع تتعلق بالتعاون بين الطرفين مثل إجراء التربصات للمحامين وتنظيم ندوات ودورات تكوينية وقانونية وكذلك يتعلق التعاون بالمسائل الإدارية والمعلوماتية التي تساعد المحامين التونسيين على تطوير وتحديث مهنة المحاماة وتجعلها مواكبة لعصرها.
* ألا ترى أن تفاوضكم وإتباعكم لأسلوب الحوار مع السلطة يخلّ باستقلاليتكم واستقلالية المهنة؟
ـ خلافا لم يروجه بعضهم انطلاقا من خلفية ليست سليمة فإني متشبث باستقلاليتي كمحام أولا وكعميد لهيئة المحامين ثانيا ومتشبث باستقلالية الهيئة وأدافع عنها دفاعا مستميتا والحوار والتفاوض لا ينال من أية استقلالية، بل بالعكس عندما يكون جديا وفي إطار الاحترام فهو يمثل الاستقلالية الكاملة، وليست الاستقلالية عنوانا للتشنّج أو الخصام أو التزيّد أو التهجم على الطرف المقابل أو رفض الآخر بل هي ثبات على المبدأ ومقارعة الحجة بالحجة والدفاع عن المطالب المشروعة، وأنا كعميد للمحامين متمسّك بقناعاتي وتوجهاتي।

* في الدورة السابقة للعمادة استعملتم أساليب وآليات العمل النقابي من اضرابات ورفع للشارة الحمراء واعتصامات... لكن في هذه الدورة توخيتم منهج الحوار والتفاوض فما الذي يبرّر هذا التحوّل؟
ـ هيئة المحامين هي في الحقيقة نقابة تدافع عن حظوظ منخرطيها ماديّا وأدبيا وأنا أؤمن بالعمل النقابي وكنت في الدورة السابقة أول عميد في تاريخ مهنة المحاماة التونسية لجأ إلى استعمال الأساليب النقابية في الدورة السابقة واعتبر نفسي مؤسسا للأسلوب النقابي في قطاع المحاماة إذ قمنا في الدورة السابقة بإضرابات واعتصامات ورفع الشارة الحمراء من اجل تحقيق مطالب المحامين ولكن الذي يخطئ فيه البعض أو يتجاهله أن الأسلوب النقابي يتكون من فرعين اثنين: الفرع الأول يتمثل في أن ممثل النقابة يقوم بالحوار والتفاوض مع الجهات الرسمية لتحقيق مطالب منظوريه وينبغي أن يكون هذا الحوار مركّزا وثابتا ومستمرا ولا يمكن التخلي عنه إلاّ إذا سُدّت الأبواب ولم يأت بنتيجة، آنذاك يقع الانتقال إلى الفرع الثاني والمتمثل في استعمال الآليات والنضالات النقابية السلمية والقانونية مثل الإضراب والاحتجاج والاعتصام إلى آخره، وعندما يقع استعمال هذه الأساليب النضالية تقع العودة إلى الفرع الأول أي الحوار والتفاوض وإذا أثمر الحوار والتفاوض عن نتائج ايجابية لا مبرّر للانتقال إلى الفرع الثاني أي لا فائدة في استعمال الاحتجاجات النقابية عندما تحقق أية نقابة مكاسب جدية ونحن في هذه الدورة طالبنا بالحوار مع الجهات الرسمية ففتحت وزارة العدل الحوار معنا على مصراعيه وشرعنا في التفاوض حول مطالب المحامين فور انتخابنا ومرت جلسات عديدة سادها الاحترام وتهدف إلى تحقيق الحلول لإصلاح قطاع المحاماة وفعلا أثمر الحوار والتفاوض نتائج ايجابية جدية وكسب المحامون مكاسب هامة وهي التي سبق بيانها في هذا الحوار.

حوار مع الفنان عادل سلطان


مع المبدأ تغيب التجارة... وأنا أغني للانتماء القومي والعالمي...
دقيق في موعده وفي كلامه... تضطرم بداخله هواجس من الواقع المؤلم وحماسة لمن يحضن القلم والمبدأ... خفيف كالفكرة ومشرئب نحو تخوم الجغرافيا البعيدة وجذوره ضاربة في الأرض التي تحمله هو صفوان وصفاء... هو ذا ملمح خاطف تركه عندي الفنان عادل سلطان بعد جلسة لم يسوّرها زمن معلوم...
عادل سلطان الذي اصدر اكثر من 50 اغنية اغلبها من كلماته وكلها من ألحانه وأنتج العديد من العروض المتكاملة التي خوّلت له الحصول على وسام الاستحقاق الثقافي في سنة 2003... جلس إلينا وخص قراء «الشعب» بهذا الحوار الذي يكشف فيه عن انتاجاته الجديدة وعن موقفه من طوفان النشاز الفني...
* لنبدأ هذا الحوار بتقديم عملك الجديد الذي وسمته بشموع؟
ـ شموع «عمل فني» نزل منذ أيام إلى الأسواق وهو في جزأين ويحتوي على 17 أغنية كلها من ألحاني وجلها من تأليفي إذا استثنينا النصوص الخمسة التي ألفها الشاعر المهاجر حمادي زعيبط، أما مدار الاهتمام لهذه الأغاني فهو مختلف ومتعدد ولعله من اللافت للانتباه أن محورها وجوهرها هو قضايا الإنسان في علاقته بذاته ومحيطه ومجتمعه والكون عموما، قضايا تبدأ من النواة أي العائلة لتتفرع إلى الانتماء القومي والعالمي وهذا الجوهر لم يمنع عادل سلطان من الاهتمام بمواضيع أخرى كتلك التي تتغنى بالتراث وتنزله مكانة خاصة في المجتمع مثل أغنية «السفساري» أو بالوجدان والأحاسيس الرومانسية مثل أغنية «تثبت» إلى جانب الأغاني التي فيها دعوة للطرب والذوق الرفيع، أما القضية العربية فقد عبرت عن جزئياتها في «شموع» بأربع أغان ومن المفاجآت التي احتواها هذا العمل هو تقديم أغنية ثنائية بعنوان «سيدي» مع ابني صفوان في طرح للقضية الفلسطينية.
* لماذا غامرت بنشر ألبومين في نفس الوقت والحال ان منطق الربح يقتضي ان تصدر ألبوما أول ثم بعد مدة تصدر الثاني؟
ـ بالنسبة لي الاسطوانتان تعبران عن حفل حي مباشر ومتكامل يضم مثلما قلت لك 17 أغنية، ولو فكرت تفكيرا تجاريا وبترت الجزء الأول عن الجزء الثاني فحتما سوف أبتر الفكرة برمتها، وأنا تهمني الفكرة قبل كل شيء واحرص على مدى وصولها للمتلقي حتى لو اقتضى الأمر إصدار ثلاثة أو أربعة أجزاء كاملة، فمع المبدأ تنتفي التجارة ويغيب تماما منطق الربح المادي أمام الكسب الرمزي الذي يهمني بدرجة أولى وهو المتلقي لأعمالي ولمجمل إبداعاتي الفنية.
* على ذكر العملية الإبداعية، كيف تتحقق لديك؟
ـ ليس لي وقت أضيّعه فيما هو أجوف... أنا أشاهد وأسمع وأقرأ كل ما له علاقة وثيقة بالواقع وخاصة المؤلم منه، فأكتب متفاعلا مع واقعي فتتحرك كلمة «لا» في داخلي فتملي عليّ ملهمتي فتكتب يدي بفضل قلمي ويكتسي ما كتبت لحنا مناسبا بفضل عودي ويغنى او ينشد ما وقع بفضل صوتي فيستمع الآخر فيتعرّف عليّ فيشاطر الفكرة والإحساس ويتنفس فتحصل الغاية من الغناء والعرض بصفة عامة... هي ذي العملية الإبداعية تتكامل فيها حواسي بعقلي ويمتد فيها جسر التواصل بيني وبين المتلقي... وأشكر بالمناسبة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لأنها همزة الوصل ولم تتخلف عن دعمي في كل مرة...
* ولكن حتى الرداءة اليوم صارت تسوّق تحت عنوان الإبداع ذاته؟
ـ أقول لمن رمت بهم رياح الرداءة في مجال الغناء بصفة خاصة والإبداع بصفة عامة أن يصمتوا يوما بل ساعة بل دقيقة، لا ترحما على روح فلان أو فلانة بل دقيقة صمت ترحما على روح الفن والإبداع... دقيقة صمت منهم توفر تنظيفا لمسامعنا وأبصارنا من التلوث، ثم يعودون أن شاؤوا ذلك، فالدقيقة سوف تمكننا من تحملهم لثلاثين سنة أخرى قد تتغير خلالها الأمور فيصمتون نهائيا...
* عن أي تغيير تتحدث والفضائيات تتناسل كل دقيقة ومعها تتناسل الرداءة؟
ـ أقول لبعض المختصين في الطبخ والذين يطلون علينا من خلال بعض الفضائيات العربية مستعرضين عضلاتهم علينا بأن يصيروا دلاعة زهرة او من خروف شكلا هندسيا رامين بكل ذلك في القمامة اثر نهاية حصصهم، أقول لهم أطفال فلسطين والعراق وافريقيا وغيرهم ممن يجوعون كل يوم لن يغفروا لكم صنيعكم، وأقول للفضائيات التي تبث ذلك إنها فضائيات تائهة في الفضاء...
حينما أقرأ او اشاهد التلفاز او السينما او حينما اسمع جهاز البث الاذاعي او جهاز التسجيل ما هو ليس بجدير ان يستهلك أتحسر جدا على القلم بل الاقلام وعلى الصفحة البيضاء التي كانت تنعم ببياضها والكاميرا وما يتبعها من صدمة من الاسلاك والآلات اللالكترونية والنساء والرجال وغيرهم ممن يسمونهم جنود الخفاء والذين لا يعملون فيما يشاركون... والمصادح المنتصبة امام المذيعين رغم أنوفهم تنتظر ان تحمل عبر جوفها فكرة مفيدة وممتعة وقاعات البث البدائي والنهائي حتى يذهب بصري في السماء الى هذا القمر الاصطناعي الذي يحمد الله عن كونه اصطناعيا ومن دون روح والا لكان له موقف واضح ولرفض ان يلتقط الا ما هو حق وجدير بأن يلتقط...
* هل تنتظر فعلا مواقف واضحة من تجار الثقافة؟
ـ أعتقد شديد الاعتقاد في ان من له الكفاءة ويريد ان يعمل في حقل الابداع ان يسلح نفسه بالعلم والثقافة وان يواكب كل صغيرة وكبيرة من الاخبار في العالم حتى لا يكون متخلفا فنتخلف معه وبسببه، وبكل بساطة أخذ الموقف والدفاع عنه حد الاستماته يضمنه العلم والثقافة وترشحه الاخلاق والقيم الانسانية...
* كيف ترى حالة النشاز الفني الذي يحوطنا من كل الجهات؟
ـ أقترح على مجلس النواب المصادقة على مشروع قانون أقترحه أنا وغيري ممن يغيرون على الحق، أقترح مشروع قانون يتيح لنا الاحتفال باليوم الوطني بلا نشاز مرة في السنة على الاقل تنكس فيه اصوات الفقاقيع ممن يدعون الاطراب او حتى الغناء وتخدّر فيه أغاني السراب المفلسة وتهدأ فيه عواصف شركات الدعاية والتطبيل للباطل الفني...اقول لشركات الوهم الفني أنتم تقتلون أنفسكم بعد كل عقد تمضونه مع فقاع من الفقاقيع التي تصنعونها، أقول لهم أولادكم بل أحفادكم بل احفاد احفادكم الذين سوف يهدرون الثروة الزائلة التي تجمعونها على حساب الشرف والصدق والابداع.
* كيف ترى ظاهرة العروض الفنية التي تتكاثر من دون عناوين؟
ـ من يقدم عرضا فنيا دون عنوان هو بالضرورة لا يحمل مضمونا وموضوعا فالعنوان التزام منذ البداية بالموضوع وعدم الحياد عنه، اما اذا كان العنوان فلانة او فلان فهذا دليل على ان العرض سيمضي في التعبّد، نعم تعبّد أناس لانسان مثلهم وهو ما لا يجوز ومما يؤكد ما أدّعي ما حصل من اضرار مادية جسيمة ومعنوية بالغة حينما نسي المتعبدون من المراهقين والمراهقات انفسهم وحدث ما حدث في صفاقس।

* بعد عمل «شموع» ما الذي يعده عادل سلطان لجمهوره؟
ـ عندما أتحدث عن أعمالي القادمة فاني لا أعني التفكير فيها وفي نيّة انجازها كما نسمع ذلك عند البعض ثم تتبخر مع الايام، أعمالي القادمة هي الانتاجات الجاهزة للتوزيع والدليل على ذلك انني بدأت انشر صور الاشرطة القادمة وعناوينها وستكون هذه الاعمال الجديدة بين أيدي الجمهور بعد ما يأخذ عملي الحالي «شموع» حظه من الدعاية والترويج.من انتاجاتي القادمة نسخة مصورة مرئية (D V D) لشموع من حفل مهرجان المدينة 2006 والعمل الثاني «ربّاه» وهو ايضا عمل سمعي بصري سوف يصدر في الاسواق بمناسبة المولد النبوي الشريف وهو مُهدى لإذاعة الزيتونة.أما العمل الثالث الذي عنوانه «ارجع الى الله» وهو كذلك سمعي بصري فهو مخصص لشهر رمضان وهناك ايضا «الدنيا جنة» وهو عمل غنائي تمثيلي في شكل سلسلة رمضانية في 15 حلقة.
* وماذا عن عرض عائدون؟
عرض عائدون يعود الفضل في عنوانه الى صديقي العزيز الشاعر البشير عبيد الذي أهداني قصيدة «عائدون يا صلاح الدين» وقد قمت بتلحينها وسوف تكون في افتتاح العرض واختتامه، وعرض عائدون أدعو فيه الآخر الي العودة، والعودة في معناها المطلق عمل ايجابي حتما في كل الاحوال فكأن نقول عاد المذنب عن ذنبه والله يقول «وان عدتم عدنا» والعودة غير العوْد وهذا من فضل اللغة العربية علينا.كما اني أعد عرض «زيتونة» لرمضان 2008 وهو عرض صوفي جديد سميته «زيتونة» لحبي الشديد لاذاعة الزيتونة وحبي الشديد للزيتون خاصة اذا رافقته طابونة بدوية ساخنة...
* شكرا لك على هذه الصراحة؟
ـ لمن يدعي انه يمارس الصراحة أقول كفانا عبثا بالصراحة وكفانا بأحاسيس الناس ذبحا وإطاحة فلقد زدنا الطين بلة، أهلكنا الحرث وأفسدنا النسل ولم تخرج من أفواهنا جملة مفيدة فيها فعل وفاعل وصراحة ما عدا ضحكة لا يقاسمنا فيها الا مغفل تاه وراح... ولو أكلف ببرنامج عنوانه بصراحة لقمت بتصوير حلقة واحدة بمفردي أقول فيها بكل صراحة عن نفسي المشحاحة وعن كونها لم تمارس يوما قط صراحة فيقبض علي من طرف جنود المراوغة بتهمة عدم تعاطي الصراحة مع سبق الاضمار والترصد وعدم ترك المواطن في راحة!!!
كما أودّ أن أقول لمن يضيعون سويعاتهم بل أيامهم بل أسابيعهم بل أعمارهم وأجيالهم في الحديث عما بعد المباراة، أقول لهم فِقْ يا حنيني واسمع لوغات ليست لوغات أم الحسن كما يقول نص ناعورة الطبوع من المالوف التونسي، بل لوغات الثورات، ثورات الانترنات والتقنيات الحديثة وعلم الذرة وغزو الفضاءات وما أُعد لنا من مفاجآت تجعلنا دوما فـي سبـات نـائميـن ونـائمات نحلــم بالـكــرة الـمـصـنـوعـة من الـجــلــد و «الجوّارات»...
أقول... ماذا أقول... أقول وقد ناحت بقربي حمامة... أيا جارة لو تشعرين بحالي...

2008/02/27

حوار مع الشاعر المنذر العيادي


بعد أن فاز بجائزة الاستحقاق في الشعر بلبنان وجائزة العمل المتكامل في مهرجان الاغنية الوطنية الشاعر التونسي المنذر العيادي :
أغنية «في لحظة غضب» ستُغنّى في دمشق بعد ان رفضها مهرجان الموسيقى التونسية!!!

ينسج الشاعر بيته من المجاز والصدق ويسقي أحلامه بألحان أيامه فيطوّع الأوتار والأسى ويرصف الذكريات والأحبّة ويشحذ قلبه بعبق من ماتوا وما يموتوا ليشيّد عالمه الشعري قصيدة قصيدة وصورة صورة... هكذا بدا لي الشاعر المنذر العيادي في عالمه الزاخر بالقصائد الشعرية والنصوص المغنّاة وبالحوارات المرجعية... عالم المنذر العيادي الذي يتدحرج من حجر الشهباء مثل حبة الكهرمان ليشعّ على تفاصيل أيامه ويضبط خطواته التي بدأت تتماسك بعد ثماني سنوات...
ضمن هذا الحوار يكشف لنا المنذر العيادي علاقته بالشهباء وبلبنان ودمشق وبمهرجان الاغنية التونسية ودروب النشر وعن الراحل البشير التلمودي...
* عشت مؤخرا حدثا دوليا وهو فوزك بجائزة الاستحقاق في الشعر عن مؤسسة ناجي نعمان الادبية بلبنان، فكيف تقبلت هذه الجائزة؟
ـ جائزة ناجي نعمان الادبية هي جائزة جاءت لتتويجي عن خلاصة عدة اعمال نشرتها منذ اكثر من ثماني سنوات في المجلات والصحف والدوريات الوطنية والدولية حيث كانت بداياتي من خلال الملحق الثقافي بجريدة الحرية الذي قدمني اليه الاديب الراحل البشير التلمودي والشاعر عبد السلام لصيلع حيث بدأت أنشر قصائدي ثم أشعت الدائرة في مساحات وفضاءات تونسية وعربية، ومعها أشعت الطموحات فكانت مشاركتي في جوائز ناجي نعمان الادبية وكانت غايتي الاساسية التعريف بأعمالي بدرجة أولى على نطاق أوسع، وبتوفيق من الله تحصلت على جائزة الاستحقاق بقصيدة «ومازال الحنين ينزف».هذه الجائزة تحفّزني للعمل اكثر ومزيد تسلق سماء الابداع الشعري وتحملني مسؤولية اكبر في التطرق لموضوعات شعرية تشد القارئ وتعالج قضايانا وأحاسيسنا وهي في النهاية تترجم ان التونسي قادر على التألق محليا ودوليا كلما سنحت له الفرصة لذلك، وجائزة ناجي نعمان مفتوحة للابداعات الادبية كافة من شعر وقصة ودراسات نقدية، وأرجو ان تتناسل الاسماء التونسية في نيل هذه الجائزة وغيرها.
* وقبلها وتحديدا منذ اشهر نلت جائزة احسن عمل متكامل في الاغنية الوطنية؟
ـ كان ذلك في نوفمبر 2007 بقصر القبة بالمنزه عن أغنية «ما بنّك يا تونس ما بنك» وهي من كلماتي ومن ألحان الموسيقي والملحن ياسين الزنايقي ومن أداء المطرب الأصيل نور الدين بن عائشة، وهذه الجائزة هي الاخرى مهمة لأنها تتويج للنفس الآخر من كتاباتي الشعرية وهو الشعر العامي، حيث كتبت العديد من النصوص الشعرية نشرت بمجلة الاذاعة والتلفزة التونسية ومن الصدف الحميدة ان اول حضور لي يتوج بجائزة اعتبرها مهمة في مناسبة مهمة، وهو ما فتح لي الباب لأعمال اخرى مع الملحن ياسين الزنايقي والمطرب نور الدين بن عائشة، وقد تمت دعوتي أنا ونور الدين لكي نشارك في تظاهرة ثقافية بدمشق باعتبارها عاصمة ثقافية لسنة 2008.
* أليست لديك مشاركة ضمن الدورة 19 لمهرجان الاغنية التونسية؟
ـ بالفعل كنت أتمنى ان أكون حاضرا ضمن هذه الدورة وقد تقدمت بمعية المطرب نور الدين بن عائشة بمشروع أغنية «في لحظة غضب» ولكن لجنة الانتقاء كان لها رأى آخر، وبالمقابل أختيرت هذه الاغنية لتكون حاضرة في دمشق.
* لماذا لم تصدر الى الآن باكورة كتاباتك الشعرية؟
ـ مبدئي في الحياة هو في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، الآن وبعد ان تأكدت من قيمة نصوصي الشعرية وجدارتها بالنشر وبإلحاح من العديد من النقاد ومن الاصدقاء الاوفياء بضرورة جمع نصوصي واصدارها فإنني منشغل بالاعداد لهذا الاصدار الذي سيكون مهدى لروح والدتي الشهباء الغالية التي قلت فيها أحلى قصائدي، ولن أخفيك سرا إن قلت لك ان ما أسمعه عن مشاكل النشر والتوزيع والطبع جعلني أضبط أنفاسي وأتمسك بمبدئي التأني والسلامة. كما كنت أسعى قبل نشر اي ديوان الى ان أشعُ بقصائدي لأني أؤمن بأن هناك من القصائد ما يضاهي عشرة دواوين كاملة من الكلام، والآن بعد ان لقيت هذه القصائد آذانا صاغية وصارت مطلوبة اصبح لزاما عليّ ان ألبيّ رغبة قرائي.
* في ظل الفورة المعلوماتية وتناسل المدونات الشعرية والادبية، كيف يرى الشاعر المنذر العيادي مستقبل النشر الورقي؟
ـ طبعا، مما لا يرقى له شك ان عالمنا اليوم صار قرية صغيرة في ظل هذا الزخم التكنولوجي السريع الرهيب مع تباطؤ نسق دور النشر والمشاكل المتواترة بين المبدع والناشر يبدو ان الكفة قد رُجحت لفائدة المدونات والمواقع الالكترونية بل ان عددا مهما من المبدعين قد توجهوا لهذا المنحى لسرعة انتشاره وقلة تكلفته المالية ولضمان التواصل مع القارئ في اي مكان من هذا العالم، غير ان لذة النشر الورقي وما تصحبه من معاناة ومن قلق ومن أرق تدخل في بوابة المعاناة اللذيذة التي تدخل في ذاكرة المبدع وتصير وشما لا يمحي فدائما التعلق بالصعاب والتمرس على الشعاب وان يبدو للانسان العادي مقلقا فهو عند المبدع يحفّزه دائما الى الامام ويجعله متشبثا بالعملية الابداعية خاصة عندما يرى ديوانه بين يديه بعد تلك كل المعاناة والمكابدة التي احيانا يضيع فيها كثير من الوقت والجهد فكم من شاعر لم يلمس ديوانه مطبوعا الا في المراحل الاخيرة من عمره والدليل على ذلك الاديب الراحل البشري التلمودي الذي يكتب منذ 1959 ولم ير كتابه «عودة العشاق» حيث ماتت زوجته ومات البشير ومازال الكتاب مغمورا!!! والبشير التلمودي ليس استثناء فالعديد من المبدعين مازلوا يتعثرون في طريقهم نحو تلمس أوراق ابداعاتهم

* وكأني بك تشخّص واقع النشر في تونس وخاصة لدى المبدعين الشبان؟
ـ لا شك ان النشر في تونس تحسن مقارنة بما كان عليه في السابق واصبحنا نطالع العديد من العناوين شهريا بل يوميا خاصة بعد ما وفرت الدولة الكثير من الامتيازات والحوافز التشجيعية للناشرين من جهة والمبدعين من جهة ثانية الا ان الاشكالية اليوم تكمن لدى بعض دور النشر التي تحصر الموضوع في جانبه المادي فقط ولا تنظر الى وضعية الاديب الذي هو ايضا من الممكن جدا ـ بل من الثابت ـ ان عائقه مادي بالاساس وهنا يقع التضارب فيكون الضحية القارئ بدرجة اولى لتأخر الصدور، وهنا أود ان ألفت النظر الى غياب النشر المجاني الذي أرجو ان يصبح واقعا وممكنا لنطالع خاصة الابداعات الشبابية.
* لنعد الآن الى الكتابة الشعرية لديك، فمن خلال نصوصك يقف القارئ على تمرسك باقتناص الدقائق والتفاصيل وجزئيات الجزئية، فهل هذا توجه مرحلي ام هو طبيعة ؟

- الأقرب انه طبيعة فيّ لأنني منذ صغري أنظر للأشياء بدقة وعمق ولا أنظر لها بسطحية وحسب تصوري الخاص على الشاعر أن لا يكون عابرا بل يكون موغلا في الشيء حتى النخاع، فالذي يراه عامة الناس عاديا يصبح لدى الشاعر شأنا كبيرا، ومثلما يقول نزار قباني ان الاشياء الصغيرة هي التي تساوي الحياة।
* كما نلاحظ في شعرك تعلقك العميق بأمك الشهباء وكذلك بتفاصيل طفولتك؟
ـ مثلما ذكرت في عدة مناسبات أخذت على عاتقي ان أمي الشهباء التي حملتني في بطنها تسعة اشهر سأحملها على صدري طول العمر فالأم بالنسبة إليّ هي الحياة، هي كل شيء، خاصة انني عشت معها حياة خاصة جدا في كنف الحب والحنان فكانت علاقتي بأمي مؤثرة الى درجة أني حين افتقدتها في ظروف خاصة جدا قلت فيها أحلى القصائد التي عبرت فيها عن تفاصيل حياتي وعن جزئيات مهمة من طفولتي وهي في نهاية الامر تعبر عن بداية كل انسان وربما من هذا المنطلق وجدت هذه القصائد رواجا وانتشارا فكأن الشهباء صارت عنوانا لكل الامهات بل اكثر من ذلك لا أذكر أمسية حضرتها لا يطلب مني الحاضرون قراءة جزء من قصيدة الشهباء ويشرفني اني اصبحت أُعرف بشاعر الشهباء التي مازلت أتخيل أنها لم تمت بعدُ لأنها بالفعل مازالت حية في قلبي...
* هل تصدق فعلا ان الشعر لم يعد ديوان العرب خاصة امام انفجار النص السردي القصير منه والطويل والتنظير لموت الشعر والشاعر امام فورة الرواية والراوي؟
ـ أحيانا أصدق وأحيانا لا أصدق، حسب طبيعة النص الذي أطالعه فهناك من القصائد والدواوين الشعرية التي تجعلك توقن وتؤمن ان الشعر مازال ديوانا للعرب، واحيانا وعندما تقف امام واجهات المكتبات وتطالع عشرات العناوين «الشعرية» تصاب بخيبة أمل عندما لا تمسك بصورة شعرية واحدة، وهذا ما يؤكد ايماني الشديد بالقصيدة في حد ذاتها، ثم ان ما أسميته موت الشعر والشاعر أعتقد انه مبالغ فيه لأن بين الشعر والشاعر قصة خلود وصراع دائم ومستمر ضد الزمن الرهيب والنسيان الـمرّ فغاية كل شاعر من خلال شعره هو ان يخلّد ولو ببيت وهذا يتعارض مع فكرة الموت الذي ذكرتها। وأعتقد ان الشعر شعر والرواية رواية لهما نفس الاهداف ونفس المعاناة فكم من شاعر قادر على كتابة أجمل الروايات وكم من روائي أبدع في نحت أروع الابيات الشعرية فهناك تزاوج بينهما ولا أعتقد ان هناك تنافرا وتنافسا وحتى وان وجد فانه في صالح العملية الابداعية عموما...

* لك البياض المتبقي لإنهاء هذا الحوار؟
ـ أود أن أقول أن نجاح أي مبدع لا يأتي من فراغ وبمحض الصدفة وهناك عدة عوامل وتأثيرات تساهم في نحت ملامح وإكسير النجاح فبالاضافة لما ذكرته فإني أؤمن باستقرار الحياة الاسرية وأهميتها في اعطاء دفع معنوي كبير. أشكر جدا زوجتي لما توليه من عناية بشؤوني الصغيرة وأشكرها أكثر لأنها قارئتي الاولى وأشكر كل من علمني حرفا ومن قال لي سر الى الأمام، قل كلمتك وأمض فإن الله معك...

2008/02/26

الأديب اليتيم


لا يعني اليُتم الفقد بقدر ما يعني وما يحيل على الكمد والحسرة، كما يعني في أحد أهم مظاهره وأد الحلم والأمل الذي يعيش من أجله إنسان كامل حياته مثلما عاش ومات الأديب التونسي البشير التلمودي كمدًا وحسرة على عشاقه الذين تركهم للعراء وحدهم من دونه هو بعد أن واراه التراب أربعة من أصدقائه الخلّص!!!
وبما أن الدنيا موازين ومكاييل ومراتب وأسماء و... وحده القبر يسوّي الكل بالكل إلا أن «المسكين» الأديب البشير التلمودي لفّه التجاهل بشكل لافت حتى في دفنه وقبره بعد أن اشرأبت كل الأرجل نحو قبر مصطفى الفارسي...
«البشير التلمودي الذي بدأ الكتابة والنشر منذ سنة 1959 حيث كتب القصة القصيرة والقصيدة النثرية والومضات والشذرات والتأملات الفلسفية وكتب لزوجته أكثر من 1500 رسالة حب» مثلما ذكر صديقه الذي حضر دفنه الشاعر عبد السلام لصيلع...
لم ينشر البشير التلمودي سوى كتاب وحيد وهو «اعترافات الشخص الثالث» منذ سنتين فقط وهو الذي يكتب منذ نصف قرن كامل... مات البشير التلمودي كمدا وحسرة على عجزه عن نشر مجموعته القصصية «عودة العشاق»... مات التلمودي وهو يتوسّد حلمه ويحضنه داخل كفنه الأبيض مثل الحلم ذاته...يذكّرني موت الأديب هذا بتلك المرأة التي تلفظ أنفاسها وهي تضع مولودا فلا تراه ولا يراها!!!ويذكّرني موت الأديب اليتيم كذلك بموت القارئ كل يوم أمام أكداس الكتب التي تنشر يوميا بألوان زاهية وطباعة أنيقة وتصحبها ضجة إعلامية رهيبة وعندما تتصفح متنها تخنقك رائحة الموت الإبداعي!!!هل ينفع اليوم مثلا أن يخطئ نادي «جماعة فوق السور» الذي أسسه البشير التلمودي بدار الثقافة الشيح إدريس ببنزرت ويتكفل بنشر المجموعة القصصية «عودة العشاق» فيكون أصحابه بذلك زرعوا للرجل العنقود الذي عاش يتمنى منه حبّة واحدة!!!
وهل ينفع اليوم مثلا أن يخطئ نادي «أصوات الحرية» بالدندان الذي أمضى فيه البشير التلمودي آخر سنوات عمره ويتكفل بنشر المجموعة القصصية «عودة العشاق» فيكون أصحابه بذلك قد زرعوا للرجل العنقود الذي عاش يتمنى منه حبّة واحدة!!!
وهل ينفع اليوم مثلا أن يخطئ نادي «بانوراما المدينة» بدار الثقافة أحمد بوليمان بباب سويقة حيث كان مبرمجا تكريم الراحل فيتكفل بنشر المجموعة القصصية «عودة العشاق» فيكون أصحابه بذلك قد زرعوا للرجل العنقود الذي عاش يتمنى منه حبّة واحدة!!!
أتمنى فعلا أن يخطئ ثلاثتهم فيصدروا المجموعة القصصية «عودة العشاق» في ثلاث طبعات تليق برجل نذر كل حياته للكتابة وشدّ أزر الكتاب والمبدعين ولكن أتمنى أكثر لو تخطئ وزارة الثقافة فتتكفل بجمع كتابات الأديب اليتيم وتنشرها في مجلد أنيق يليق بالبشير التلمودي لتزرع فعلا العنقود كاملا بكل حبّاته وبكل العرفان الذي يجب على مؤسسة بحجم الوزارة أن تتكفل به إزاء مبدعي هذه المساحة الجغرافية التي لا تحتمل أن يتناسل فوق أديمها يتيم واحد سواء كان كاتبا أو قارئا...

2008/02/19

جورج حبش... جورج وسوف...


قد يتبادر إلى ذهنك أيها القارئ أنني سأخطّ رسالة إلى صديق ما اسمه جورج فالعنوان الذي تخيّرته لهذه الأسطر يحيل بالفعل على كتابة الرسائل، وسوف أشاطرك التخمين الذي ذهبت إليه وأعتبر ـ معك ـ هذه البطاقة رسالة، غير أنني لن أكتبه لشخص ما اسمه جورج ولكن سأكتبها لك أنت ولكل شاب وشابة تونسية غرّبتهم «الثقافة المترديّة» وسطّحت عقولهم فصاروا يخلطون بين جورج حبش وجورج وسوف!!!
«جورج» هو اسم يتردد كثيرا في المجتمعات الانقلوسكسونية لإحالته على الملوكية وشائع في تلك المجتمعات ان من كان اسمه جورج وكلّلت حياته بنجاح ما فإنه يسمّي ابنه «جورج» أيضا ليستمر في النجاح. وبالفعل كثيرون هم الذين تركوا بصماتهم في التاريخ الإنساني وكان اسم جورج ولكن للأسف الشديد أن اغلب جيل اليوم لا يعرفونهم ولم يسمعوا عنهم قطّ وقد اكتشفت ذلك مؤخرا فبمجرّد أن سمعت بوفاة مؤسس حركة القوميين العرب الحكيم جورج حبش منشئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1968 التي تبنت مبدأ العنف الثوري من أجل نشر الوعي العالمي بالنضال الفلسطيني وبقضية الوطن المغتصب من الكيان الصهيوني، بمجرّد أن سمعت بوفاته طفقت أرسل رسائل هاتفية والكترونية ـ كالمعتوه ـ إلى الكثير من أصدقائي وصديقاتي، وما لبثت أن أصبت بصدمة اعتبرتها اكبر من صدمة موت الحكيم... فواحدٌ يجيبني من هو جورج حبش وأخرى تقول لي هل هو حيٌّ وثالث هاتفني بصوته وقال لي بالحرف الواحد: «يا رجل لقد أفزعتني واعتقدت أن جورج وسوف هو الذي مات!!!».
هو ذات الجيل الصاعد... الجيل الذي سيبني ويعلي... الجيل الذي لا يلبس إلا الماركة الشهيرة «جورج آرمني» وينتظر آخر تقليعات مصمّم الأزياء جورج شقرا ويتابع لمسات اللاّعب جورج وياه ويشاهد أعمال النجم الامريكي جورج كولوني ويرتعب خوفا على صحة جورج وسوف ويفضّله هو وجورج الرّاسي في الغناء... الجيل الذي لا يفوّت حلقة واحدة من برنامج جورج قرداحي... انّه الجيل الذي يثق تمام الوثوق في مشروع جورج بوش لتحرير العراق وفلسطين وكامل المنطقة... هو ذا الجيل العظيم الذي يسمونه «شباب تونس» و»شباب القرن الحادي والعشرين»!!!إنّه عينه وذاته الشباب الذي لا يعرف جورج حبش ولاجورج حاوي ولا جورج باطاي ولا جورج قالووي ولا جورج طرابيشي ولا جورج عدّة ولا جورج لوكاتش ولا جورج برناردشو ولا جورج بيزيه ولا جورج أوريل أو حتى جورج مايكل...
عزيزي جورج... عزيزي القارئ... ليست هذه رسالة مضمونة الوصول لشخص بعينه وإنما هي زفرةٌ عابرة على ورق عابر في يوم عابر من أسبوع عابر في حياة عابرة هي حياة شباب تونس وشباب القرن الحادي والعشرين... ولست أغالي أبدا فالمعرفة هي المحرار الوحيد لمعرفة صدق الرهان على جيل ما...

2008/02/05

حوار مع باعث قناة حنبعل التونسية العربي نصرة:


التعددية الإعلامية هي محكّ الشفافية والنزاهة الإعلامية
لن نضيف جديدا للقارئ إذا قلنا أن القناة التونسية حنبعل أحدثت رجّة هائلة ـ وفق عبارة بول ريكور ـ في المشهد الإعلامي الوطني والإقليمي، ذلك أن القناة منذ انبعاثها سنة 2005 اخترقت الأفق الأحادي الذي كان جاثما على المشاهد التونسي من جهة، ومن جهة ثانية كسبت ثقة نفس المشاهد من خلال تغلغلها اليومي بصفة مباشرة في تلافيف المعيش التونسي وصميم الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
يمكن الإقرار، بعد ثلاث سنوات، بأن حنبعل صنعت لنفسها شخصية مستقلة بذاتها ذات خصوصية ومميزات اجتهدت أسرتها الإعلامية والإدارية وعلى رأسها باعثها التونسي العربي نصرة، في تطويرها والحفاظ عليها، بل وجعلها مرجعا لغيرها من الفضائيات التي صارت تستنسخ من قناة حنبعل بعض طرائقها وأساليبها في التنشيط وإدارة البرامج وحتى في الاختيارات والضيوف.
ورغم ما تعيشه قناة حنبعل من ضغوطات وعراقيل غير مبررة ـ مثلما صرّح صاحبها ـ فان القناة لا تزال قائمة الذات، تسير بنفس النسق والإصرار في نهج الاختلاف والإضافة الذي اختارته منذ بدايتها، بل هي وصلت إلى مرحلة الرشد والنضج ولا أدل على ذلك من المولود الجديد الذي سيرى النور يوم 13 فيفري 2008 المتمثل في قناة جديدة ستكون بمثابة فاتحة لباقة كاملة من القنوات، كشف لنا السيد العربي نصرة تفاصيلها ضمن هذا الحوار الذي خصّنا به:
* تطفئون يوم 13 فيفري 2008 الشمعة الثالثة لقناة حنبعل، فهل أنتم راضون عمّا حققتموه؟
ـ كان من المفترض أن نطفئ الشمعة الرابعة لان ترخيص القناة تأخر مدة سنة كاملة، ولكن اعتقد أن ذلك كان في صالحنا، (رب نافعة ضارة) فقد انطلقنا بشحنة كبيرة من الحماس والاتقاد لم تخب إلى الآن وهو ما يجعلني أقول بكل ثقة في النفس إن نجاح القناة التونسية حنبعل فاق حتى توقعاتي الشخصية. ونجاحنا تحقق بفضل إيماني بالمشروع و «هوسي» لخدمة تونس وشعبها وكذلك بالألفة الأسرية وشفافية التعامل بين أفراد الأسرة من تقنيين وإعلاميين وإداريين، وأيضا من الدعم الذي لقيته شخصيا من رئيس الدولة ومن المشاهد التونسي في كل شبر من البلاد الذي برهن على وفائه الدائم لقناة حنبعل وصار يتغنّى باسمها في الملاعب ويستقبلها في الأرياف والمداشر والقرى النائية بالحب والتبجيل.
في عيد ميلادنا هذا أقول أن الرأس المال الرمزي الذي كسبناه أنسانا كل ما صرفته من رأس مال مادي زائل بطبعه.
* ولكن نجاحكم هذا كان محفوفا بالمخاطر فيما أعتقد؟
ـ بالفعل، نجاحنا كان محفوفا بعدة مخاطر وعراقيل وصعوبات ويمكنني أن أصنّفها إلى نوعين:
أولا، صعوبات ومخاطر فرضتها علينا طبيعة المرحلة التي أنشأنا فيها القناة، فالبلاد عاشت 40 سنة على صوت واحد وصورة واحدة انفردت بها قناة تونس 7، فكان من العسير علينا كسر هذا المشهد الأحادي واختراق الحدود، ومع ذلك جازفت وغامرت وزرعت فكرتي في الأرض وللحقيقة أقول أني لم أفاجأ عندما أثرنا القلق لدى الخاملين وأربكنا سُباتهم الطويل رغم محاولات تثبيط عزائمنا، رغم أننا لم نقم بثورة، فقط جسّدنا مفهوم الاختلاف والمغايرة، حيث خلقنا مناخا مغايرا حرّكنا به المشهد الجامد.
وثانيا، صعوبات وعراقيل خارجية تمثلت بالأساس في قلة التعاون الخارجي وفي عدم المساندة من اغلب الأطراف مثل مكاتب الدراسات التي لم تعطنا فرصة لنكبر ونتماسك، وها نحن نكبر ويصلب عودنا يوما بعد يوم وهذا بشهادة الجميع، وأود أن أقول من هذا المنبر إننا برهنا على التزامنا مع طموحنا المشروع أولا وثانيا برهنا على التزامنا بالثقة والدعم اللذيْن منحنا إياهما سيادة رئيس الجمهورية.
إن كانت الصعوبات المالية التي تجاوزناها في البداية ومازلنا نحاول إلى اليوم تجاوز المحدث منها فان الأخطر من المالي هو الذهنيات «الـمُعقدة» والعقول الجامدة والسلبية التي لا تؤمن بالاختلاف والتعددية وهي ذهنية منتشرة بشكل كبير ـ للأسف ـ لدى العديد من المسؤولين في بلادنا، ولا أدل على كلامي من الإحصاء المضحك الذي قامت به مؤخرا إحدى مؤسسات الإحصاء غير الموضوعية وهي حكاية علم بها القاصي والداني.
* اعتقد أيضا سيد العربي نصرة أن هناك عدة مشاكل أخرى تواجهكم في علاقة مثلا بالتقنيين وبالإرسال وانقطاع البث وغيرها؟
ـ بالفعل مازلنا نواجه العديد من المشاكل غير المبررة بالمرة وهي كما قلت لك نابعة كلها من عقلية الحسد وتثبيط العزائم، ولكن أقول للجميع انني اكبر من عراقيلكم وان أسرة حنبعل بلُحمتها وتآلفها لا تنـظر إلا إلى مستقبلها الذي هو جزء من مستقبل تونس الإعلامي، ومن دون تفصيل تلك العراقيل سأذكرها لك وللقراء مُجملة، وأهمها أن قناة تونس 7 لم تتعاون معنا عندما التجأت لها لتمكيننا ببعض التقنيين، وكذلك تهديدنا من قبل ديوان الإرسال التلفزيوني بقطع البث إذا لم ندفع المبالغ الخيالية لتأمين البث، وبالفعل قطع علينا الديوان البث أكثر من مرة لعل اخرها تلك التي دامت سبع ساعات متواصلة في حين لم ينقطع الإرسال عن تونس 7 إلا ساعة واحدة فقط فهل يُعقل هذا !!!
كما أن قناة حنبعل غير معفاة من الضرائب وهو ما يناقض قوانين البلاد وأغرب من ذلك مطالبتنا بأتاوة أو جزية للدولة وهي بدعة لم نسمع عنها في آي بلد في العالم بقاراته الخمس!!!
* كيف عملتم لتجاوز هذه الصعوبات؟
ـ تجاوزنا لهذه العراقيل لم ينته وإنما هو عمل مستمر ودؤوب وميزة هذه الصعوبات أنها غذّت حماسنا أكثر لنضمن رأسمال رمزيا بالأساس تمثل في تكوين 250 إطارا تقنيا شابا متمكنا من آليات العمل المتطورة، العراقيل تجاوزناها بدفع مستحقات شركة عربسات لكامل سنة 2008 ... تجاوزناها أيضا بصرف زهاء 20 مليارا من جيبي الخاص، ونتجاوزها يوميا بآلاف رسائل الشكر التي تصلنا من المشاهدين وببرقيات التشجيع والمؤازرة العفوية من البسطاء الذين لا تنخر عقولهم سوسة الحسد...
* ماذا عن مشروعكم الإعلامي الجديد؟
ـ نعم، بعد أيام قليلة وتحديدا يوم 13 فيفري 2008، يوم عيد ميلاد قناة حنبعل، سنطلق قناة جديدة أسميناها «حنبعل الشرق» وهي قناة مختصة في بث المسلسلات موجهة لجمهور الشرق والخليج، وسنبث أعمالا من عدة دول عربية وأجنبية تمت دبلجتها وقد كان اختيار الاسم مقصودا لأن اكتساح بعض القنوات فضاءنا المغاربي مثل الجزيرة المغاربية و «MBC» المغاربية دفعنا لاكتساح الفضاء المشرقي فنكون بذلك سباقين في هذا الميدان وهذا الاختيار. وستكون قناة «حنبعل الشرق» اللبنة الأولى من مشروع مستقبلي يتمثل في فتح مجموعة من القنوات المختصة في الثقافة والموسيقى والرياضة وهي كلها تستظل بمظلة القناة الأم حنبعل.
* هل سيتابع جمهور الشرق أعمالا تونسية على القناة الجديدة؟
ـ هذا سؤال يمكن أن تجيبك عنه الدوائر المسؤولة أما أنا فأرجو من كل قلبي أن أروّج أعمالنا الدرامية في منطقة الشرق بالشكل الأنسب. وبالفعل فقد طلبت من بعض المسؤولين تمكيني من عدة أعمال تونسية لاقت نجاحا هنا، وقد طلبت تلك الأعمال بمقابل مادي، تصور أنني سأدفع مالا من جيبي الخاص لترويج أعمالنا الدرامية ومع ذلك مازال المطلب معلقا إلى اجل غير مسمى وأقول لكل مسؤول سيطالع هذا الحوار أني إلى الآن انتظر إجابتكم فان كانت بالموافقة فاني سأبذل قصارى جهدي لبرمجة مسلسلاتنا في أوقات الذروة لدى المشاهدين وبشكل يومي ومدروس وان كانت الإجابة بالنفي فإني أيضا أقول بكل أسف إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.

2008/01/08

رواية أجمل الذنوب لعبد الرزاق المسعودي


تداعياتُ رجل أنهكه المكان



عندما يصل القارئ الى الصفحة 123 من رواية الشاعر والروائيّ التونسيّ عبد الرزاق المسعودي «أجمل الذنوب»التي صدرت منذ أسابيع قليلة عن مطبعة فن الطباعة بتونس، سيقف على محنة الكاتب والكتابة والمكتوب معا، ذلك ان هذا الثالوث الماديّ والرمزيّ شكّل بُؤرة السّرد وأفق الحكي في آن واحد... يقول البطل / الرّاوي / الكاتب في الصفحة المذكورة: «... وإذا كانت الكتابة عملية ابداع للواقع وإعادة تشكيل له وصياغة له على نحو ثان منفتح على الخيالي والخارق... فماذا يمكن للكتابة ان تضيفه حين تكون بصدد تناول واقع منسوج، بطبيعته، من حلم وخيال؟!... ماذا يمكن للكتابة ان تفعله او تقدّمه عن مكان استعاري ومجاز للمجاز، مكان تشعر فيه ان الارض والسماء قد اتّحدتا، وان كل العناصر فيه تعود الى نبعها البدائي الغامض؟!».
هذا «البيان الحبري» الذي انتهى اليه الروائي عبد الرزاق المسعودي بعد ان انهكته رحلة الحج لحقول منوبة الموبوءة بالفجر والرقص على جثث مريديها... يؤكد ان المكان لا يمكن ان يكون محايدا ابدا... وأن منوبة مثّلت فعلا فضاء عالم النص وحركة زمن السرد.... وفق نظرية تودوروف بخصوص المكان...منوبة الرواية ورواية منوبة المكان جعل منها مؤلف «أجمل الذنوب» مدخلا لغويا لمدلولات مجرّدة وقيميّة رصدت انساقا دلالية محلية على طبيعة مرحلة معينة من تاريخ مكان جزئي اسمه منوبة ومكان كلّي اسمه تونس لنقف على ما يسميّه الناقد عبد الجليل مرتاض «الصراع الفضائي».«أجمل الذنوب» مثلما أورد كاتبها على الغلاف هي سيرة مكان وهو تنصيص منهجيّ أكد من خلاله عبد الرزاق المسعودي أن المتن السردي الذي دفعه للقارئ ليس من جنس الرواية تحديدا بقدر ماهو متن مسنود بفسيفساء أجناسيّة تقاطعت في تفاصيله لغة الشعر بطول الرواية وألوان الرسم بأوتار الموسيقى وحبكة القصة القصيرة بإسهابات التداعي الحرّ... فلم يخضع مجمل المتن لبنية تقليدية بعينها... أو لضوابط تقنية واسلوبية... منوبة لم تكن مكانا بعينه كانت حالة وطقسا من الحياة... منوبة ذاك المكان الذي منه استلهم هذا النص الادبي ولاجله أُجتُرح... منوبة الكلية والاصدقاء... دروس لطفي اليوسفي وفناجين الصباح... العُشب الاخضر ورائحة الخيانات... نضارة البرتقال وحامض الاحلام...منوبة الكليلة والمدينة تلك التي وصفها ابنها الضال عبد الرزاق المسعودي فكتب «منوبة غزالة راقصت صيادها... زهرة نبتت من خطى الانبياء... لعنة قدسيّة وقصيدة متوحّشة فاضت على ايقاعها... عاهرة بريئة، فاتنة عذبت عشاقها ثم أعطت مفاتنها للغزاة... رصاصة عفوية وألمٌ مُشتهى».هي ذي منوبة التي كتبها / عاشها عبد الرزاق المسعودي طالبا فعاطلا فكاتبا... ومازال يئنّ بوجعها وتبرّجها... في «أجمل الذنوب» ينفك عقد المكان والسيرة الجغرافية في صفحات الوداع فتنكشف للقارئ المفاتيح اللغوية الاساسية لهذا المتن حيث «هديل» تلك الحبيبة التي تركت قلب حبيبها تتلاطمه أجنحة الحمام ونسائم الياسمين.و»الربيع» ذاك الوليمة التي يتعثر فيها ابن جلمة وهو يلتقط روحه المبعثرة في سنوات القحط العاطفي والمعرفي والايديولوجيّ... أما المفتاح الثالث فهو «الموت» الموت الذي كان هاجس الرجل ومحنته الاعسر التي كابدها مجازيا وماديا من أجل كتابة منوبة...هل يمكن ان نُحصي خيبات محبّ وعثرات متوحّد؟! وهل يمكن ان نعاتب شاعرا طوّق قلبه الصّدأ؟!...وحده الحب يُعمينا عن المراتيج التي ظلت مُقفلة وسط أقانيم السرد وتفاصيله، ووحده الرقص الزّرباويّ يُثنينا عن ملاحقة تعرّجات الحكي ومكامن سقوطه...

حوار مع المسرحي حمادي المزي


الفاضل الجعايبي يري نفسه صُرّة الابداع المسرحي


منذ ثمانينيات القرن الماضي بدأ المسرحي حمادي المزي يساهم في تأثيث واثراء المشهد المسرحي التونسي بالعديد من الاعمال المسرحية من كتابة النصوص والاخراج والسينوغرافيا، وقد تنقل كثيرا بين فضاءات الفن الرابع في ربوع البلاد ليستقر به المقام منذ سنوات في ادارة فضاء بئر الحجار بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة.ومنذ سنة 1989 تاريخ أول مسرحية نصا واخراجا لحمادي المزي والتي كانت بعنوان «الناعورة» انخرط الرجل في مراكمة تجربته الخاصة حيث تتالت مسرحياته بمعدل عمل كل موسم... حدّث أبو حيّان التوحيدي قال (1990) دع عنك لومي (1991) التوبة (1992) ويستمر التحقيق (1993) كتاب النساء (1994) شهر زاد (1995) حفلة الباكالوريا (1996) البروف (1998) كواليس (1999) حكاية طويلة (2000) العاصفة (2003) الكرنفال (2005) موّال (2006) وأنتج هذه السنة مسرحية «سينما» التي لاقت رواجا كبيرا ضمن ايام قرطاج المسرحية في دورتها الاخيرة.
انتقلنا الى فضاء بئر الحجار فالتقينا هناك المسرحي حمادي المزي ولم نرتّب لحوار صحفي بالمعنى التقليدي للحوار وانما جلسنا جلسة بوح صادقة بث من خلالها السيد حمادي المزي جملة من آلامه وآماله حول المشهد المسرحي الوطني واخر تطوراته كتأسيس نقابة المهن الدرامية وتقييم الدورة 13 لأيام قرطاج المسرحية

هل نبدأ هذا الحوار بالحديث عن تأسيس نقابة المهن الدرامية؟

ـ عندما تأسست النقابة في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وكان ضمنها آنذاك الفاضل الجعايبي وفتحي العكاري ونور الدين الورغي وغيرهم لم تجد آذانا صاغية ودعما حقيقيا لتماسك ذاك الهيكل وقد كانت هناك قطيعة حقيقية بين سلطة الاشراف والهيكل النقابي।بعض عناصر المكتب الحالي لم تكن متحمسة آنذاك لمشروع النقابة. وأقول اليوم صار هناك خلط كبير في المفاهيم وفي الممارسة، وخلط اكبر بين القطاع العام والقطاع الخاص... وخلط أخطر بين الممثل الامّي والممثل الأكاديمي.هناك تغيّر كبير في الخريطة الثقافية... في مستوى الهياكل والتشريعات. هل تقصد أسماءمحددة؟ـ أنا بكل بساطة اعتقد وأؤمن ان من يدافع عن المهنة هو الممثل بذاته وليست الاسماء هي التي سترفد المشروع بل الطاقات الحية والصادقة مع ذاتها ومع اطارها وخصوصية مهنتها.اعتقد ان الكثيرين لم يعد لهم ما يضيفونه للمهنة. الفاضل الجعايبي في مرحلة ما تجاهل الممارسة المسرحية برمتها وكان لا يؤمن الا بنفسه وكأنه الخصم والحكم في ذات الوقت. كان يرى نفسه صُرّة الابداع المسرحي في تونس.أما المنصف السويسي فقد كان في اتحاد الممثلين وهو الهيكل الذي ينافس النقابة، والذي أوجده آنذاك البشير بن سلامة وقد أوعزَ له السويسي بإجهاض مشروع النقابة.أقول ان الكثير من الاسماء لم يعد لها ما تقدمه لا جماليا ولا فكريا ولست أدري لماذا يركبون الموجة الآن!!!

ولكن المكتب الحالي أغلبه من الممثلين وهم ايضا من جيل ما بعد الثمانينيات؟

ـ ريم الحمروني ـ صالح حمودة ـ الصادق حلواس ـ جمال ساسي وجمال المداني كلهم ممثلون ويهمونني ووجودهم شرعي في المكتب النقابي للدفاع عن حقوقهم وحقوق زملائهم في ميدان تهيمن عليه اسماء لا تُقدّر حق الممثل।أنا مع نقابة للممثلين فقط ولست مع نقابة لمديري الهياكل ووكلاء الشركات وأصحاب المؤسسات والمنتجين.

انتهت ايام قرطاج المسرحية منذ شهر تقريبا، فما الذي تبقى لدى حمادي المزي كمشارك ومتابع من هذه الدورة؟

ـ أنا كنت عضوا مؤسسا لهذه الايام منذ سنة 1983 حيث التحقت بالمسرح الوطني بصفتي اطارا في وزارة الثقافة، وكنا آنذاك مجموعة من المسرحيين।الايام صنعتها مجموعة من الطاقات والكفاءات في بدايتها وقد لاقت الدورتان الاوليان نجاحا وتميزا ولكن فيما بعد واثر توالي الانسحابات والانشقاقات خاصة مع المنصف السويسي بدأت بوادر الفشل تطوق هذه التظاهرة.أعتقد ان التظاهرات الوطنية وذات الاشعاع الاقليمي والدولي يجب ان لا تبني على اهواء فرد واحد. وأرى الان ان ايام قرطاج المسرحية التي بلغت دورتها 13 صارت مهددة في تميزها واشعاعها من قبل التظاهرات المحيطة بنا مثل فرنسا وايطاليا واليونان ولبنان والبرتغال ومراكش وغيرها من التظاهرات التي صارت تستقطب نجوم المسرح في العالم.اعتقد انه من الضروري ان تكون هناك لجنة قارة يديرها مسرحي لتشتغل باستمرار وانتظام على انجاز وضمان تميز كل دورة جديدة من حيث اختيار الاعمال الجيدة ومن حيث التنظيم والاعلام والتوثيق.في هذه الدورة 13 لم أشاهد سوى عملين محترمين هما جدارية للمسرح الفلسطيني والمسرحية البلجيكية وبعض الاعمال الوطنية. فأغلب مشاركات هذه الدورة لم ترتق حتى الى المسرح المدرسي.هناك خلل واخلال في هذه الدورة، فمثلا هل يعقل ان نفتتح الدورة ونختتمها بأعمال أجنبية، انا مع العرض التونسي في الافتتاح والاختتام.شخصيا كنت حاضرا في اغلب الدورات ودائما بأعمال جديدة في كل مرة، وهذه السنة شاركت بمسرحية جديدة هي «سينما» وهي حسب من تابعها من مسرحيين ونقاد واعلاميين كانت نقطة مضيئة في هذه الدورة، بل هناك من تساءل لماذا لم تبرمج مسرحيتي ضمن الافتتاح.

ما رأيك في إلغاء المسابقات والجوائز والندوات الفكرية في هذه الايام؟

ـ المسابقات من أول التاريخ كانت موجودة وبغض النظر عن القيمة المادية للجوائز، فان الاهم هو عنصر التحفيز الحقيقي للمبدع ليواصل تقدمه ويطوّر تجربته ومشروعه، ثم ان الجائزة هي التي تُموقع وتموضع الفنان، هل هو في الدرجة الصفر او في الدرجة العشرين।عيبٌ ان تُلغى الجائزة وهي التي تخلق ديناميكية بين المبدعين تضمن تنافسا ابداعيا بين المشاركين، ثم انه صار معروفا عنا في تونس ان لدينا تجربة مسرحية متفردة وتوازيها حركة نقدية وفكرية في الميدان المسرحي، فماذا طرأ هذه السنة؟ لماذا لم تتواز الندوات الفكرية مع العروض المسرحية؟ كل الورشات والنقاشات لم تسد الفراغ الذي تركه غياب ندوة فكرية معمقة؟اعتقد ان محمد ادريس اشتغل بمفرده ومبدؤه هو ان الدورة ستمر وكفى ولكن السؤال الحقيقي هو ماذا خلّفت هذه الدورة؟ وأي أثر تركته؟ اعتقد كذلك ان على ايام قرطاج المسرحية ان لا تقع في منطق ترضية الاشخاص او البلدان. الفن يجب ان يكون مفصولا عن الاعتبارات السياسية.

هل لديكم رؤية ما أو مبدأ مخصوص في انتاج أعمالكم المسرحية؟

ـ المسرح الذي أقدمه هو ضمن مشروع ورؤية متكاملة، أنا أشتغل مع مجموعة نوعية من المثقفين والاكاديميين سواء كانوا ممثلين او تقنيين، في مسرحية «سينما» اشتغلنا مدة نصف سنة، وعلى نفس وتيرة ومبدأ عملنا نسير وننتج الجديد، وهو ببساطة احترام عملنا وجمهورنا।

وفي ادارة فضاء بئر الحجار؟

ـ فضاء بئر الحجار له مكانة كبيرة في المشهد الثقافي التونسي، ونحن لدينا فلسفة في ادارة الفضاء تتمثل أساسا في الألفة بين المسرحي والتشكيلي والشاعر والأديب والموسيقار.لدينا ألفه ثقافية بين جميع من يعمل في هذا الفضاء ويقدم فيه أعماله وانتاجاته ولعل تظاهرة ربيع المدينة ببئر الحجار خير دليل على الألفة التي نسعى الى تدريسها كل يوم حيث الندوات الفكرية والمعارض التشكيلية والعروض الموسيقية ثم ان لدينا مبدأ ثابتا هو فتح الفضاء دائما وأبدا أمام الطاقات الابداعية الشابة والجديدة، وهو ما نجسده من خلال اعمال خريجي معهد الموسيقى او معهد الفنون الجميلة او معهد الفنون الركحية... وهو ايمان عميق منا بضرورة تكريس فعل التواصل بين الاجيال.

2008/01/04

اشاعة المونديال


ربما ننفرد بنشر هذا الخبر الذي لا يزال الى حد الان في طور الاشاعة، والذي نتمنى ان يظل اشاعة ولا يتحول الى حقيقة ماثلة... ونحن الذين صرنا مخبرا للاشاعات التي تتحول ـ بعد جسّ نبضنا ـ الى حقيقة واقعة ننخرط في ممارستها كالقطيع برضا تام...يُشاع منذ اسابيع قليلة ان قاعة المونديال للسينما سيتم التفريط فيها الى مستثمر أوروبي وسيحولها هي وقاعة «ABC» وما جاورهما الى مركب تجاري ضخم!!! وهذه الاشاعة يتداولها عمال القاعة وأهل الاختصاص من ممثلين ومخرجين وايضا من المواظبين على متابعة السينما والتظاهرات التي تحتضنها قاعة سينما المونديال...
المونديال تلك التي كانت تابعة للشركة التونسية للانتاج والتوزيع السينمائي (SATPEC) والتي اعتنى بها فيما بعد مجموعة من اهل السينما لعل اهمهم المرحوم احمد بهاء الدين عطية وجون بوجناح في أوائل الثمانينيات، كما ان هذه القاعة تعتبر من اهم الفضاءات التونسية ذلك انها تهتم بالسينما الثقافية والمؤسسة اكثر من اندحارها الى السينما التجارية الرخيصة، والمونديال هي القاعة التي أسست واحتضنت ايام السينما التونسية وتظاهرة سهرة الفيلم القصير التونسي وفيها أيضا تلتئم تظاهرة ايام السينما الاوروبية وغيرها من الانشطة السينمائية...قاعة المونديال التي عرض فيها جل مخرجينا اعمالهم مثل النوري بوزيد وابراهيم لطيف وسلمى بكار وخالد البرصاوي ومعز كمون وغيرهم ستصير مركبا تجاريا يبيع عُلب الطماطم والجبن والملاعق والصحون!!!لم أكن أعرف سابقا انه منذ اربعة عقود فقط كان هناك قانون يمنع منعا باتا بيع قاعات السينما او تحويلها الى اي نشاط غير ثقافي، قانون يؤمن / يلزم بالسينما مدى الحياة... قانون يحمي الثقافة مدى الحياة... قانون يجعلنا في مأمن من التعليب والتشيّؤ والتنميط... قانون لم يطبق ـ وحده ـ مدى الحياة، لانه تم تحويره فصار مباحا بيع قاعة سينما وتحويلها الى محل لقلي الفريكاسي او لبيع الملابس المستهلكة...لا تهتموا لارتباكي المنهجي واللغوي، لا تهتموا لان الاشاعة كافية لخلخلة تماسكنا الموهوم بأن الشأن الثقافي لا يزال ـ افتراضا ـ محصنا من الاندثار... ولا تهتموا ايضا لاني ـ ككل التونسيين ـ صرت مؤهلا للانتقال آليا وميكانيكيا وقطيعيا من طور الاشاعات إلى حقيقة الواقع المعايش...فلا اشاعة بيع قاعة المونديال هي الاولى ولن تكون هي الاخيرة التي ستصير حقيقة، ولن أسأل اين هم المخرجون والممثلون والمشاهدون والمثقفون امام هذا الطوفان الهاتك...

2007/12/18

لولا خمسون والجدارية


«أيام قرطاج المسرحية ليست مركضا للخيل».
بمثل هذه الجملة برّر ـ أو علّل ـ السيد محمد إدريس مدير الدورة الثالثة عشرة لأيام قرطاج المسرحية، إلغاءه للجوائز والمسابقات ولعدّة امتيازات أخرى كانت ترتقي بهذه الأيام من يوم لآخر ومن دورة لأخرى…
هذه التظاهرة التي اختتمت فعالياتها يوم السبت الفارط الموافق للثامن من ديسمبر 2007 أجّجتْ في صدور المهتمين نارا، وتركت ـ إلى الآن ـ ألْسُن المسرحيين تتدلّى بنقاط الاستفهام والتعجّب والاستغراب....
كتب الصحافيون وأذاع الإعلاميون وصرّح أهل الاختصاص فأجمعوا كلهم على أن الدورة 13 لأيام قرطاج المسرحية حققت فشلا ناجحا ومتميزا... لولا...
المشهد العام لم يختلف عن السابق: مسارح عجّت بالمتفرجين... دعوات وشارات دخول... معلقات ويافطات... ومضات اشهارية ومتابعات... عروض في الشوارع وأعمال فوق الخشبات... افتتاح واختتام وضيف مبجّل اسمه محمود درويش... مراسلون أجانب ومتابعات فوريّة بالصوت والصورة.. نشرية يومية وأخطاء مطبعيّة،، تزاحم أمام الأبواب وكراس شاغرة... الديكور والتزويق والألوان والأضواء والبهرج لم يتغير ووحده الوفاض جاء خاويا باهتا شاحبا كعادتنا التي جُبلنا عليها في أكثر من تظاهرة ومهرجان...
قد يكون لغياب الجوائز والمسابقات دور كبير في ما آلت إليه هذه الدورة صاحبة شعار إرادة الحياة...وقد يكون لغياب الندوة الفكرية واللقاءات المنظّمة دور كذلك في الإجماع الذي خرج به الجميع من مختلف فضاءات العروض... ولولا عرض «خمسون» التونسية و "جدرايّة"الفلسطينية و "قبلة الموت"البلجيكية، وهي الأعمال المسرحية التي أجمع كل من تابعها على نوعيتها وقيمتها العاليّة التي خففت من وطأة الشعور بالإحباط الذي كان يصاحب المشاهدين كلما شاهدوا عملا آخر، لولا هذه الأعمال الثلاث لحققت الدورة 13 لأيام قرطاج المسرحية فشلا تاريخيا لن ينساه الشارع التونسي بسهولة..غابـــت إذن حوافـــــــز الإبداع والتشجيــــع وغــــاب حتّــى تقييم الأعمال (L'évaluation) وكأن المسألة اعتباطيّة، عُروض لمجرّد العرض فمرّت الدورة مرور الكرام.. ولم يبق بذهن كل من تابع الفعاليات إلاّ التصديق بأن الإيهام بالنجاح لا يعني النجاح وأن الفشل مهما حاولنا أن نخفيه أو نداريه ونحجبه سيبقى دائما فشلا.

2007/12/10

اليوم 10 ديسمبر


يظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق تاريخه 10 ديسمبر، رغم نواياه الحسنة، واقعا ضمن رؤية إيديولوجية أفرزتها طبيعة المرحلة التاريخية التي صدر فيها، إذ ليس لحقوق الإنسان من معنى سوى حق رجل الأعمال الغربي في التسرب إلى كل ركن من أركان العالم للسيطرة على الأسواق والاستحواذ على الثروات واستثمار مواده الأولية وتحقيق الأرباح، وهذا هو جوهر كونية حقوق الإنسان بالمفهوم البرجوازي الإمبريالي، ظاهره إنساني أممي، وباطنه طبقي استعماري.
أما إعلان حقوق المواطن في الدول العربية والذي أُقرّْ بقرار مجلس الجامعة عدد 668 بتاريخ 15 ديسمبر 1970 فقد ظل هو الآخر تنظيرا متعاليا ـ ولا يزال ـ عن الممارسة الواقعية، والعوائق تتعدد وتختلف، ويمكن حصرها في أربعة نقاط رئيسية، أولها الحلقات الاستعمارية الضاغطة، بمعنى التبعية العمياء للقوى الاستعمارية الأجنبية، ولا أقصد بهذا ضرورة الاستقواء بالأجنبي، لأن التبعية دائما ما تكون للدوائر الرأسمالية وللكمبرادورات الاقتصادية واللوبيات الاستعمارية في حين أن الاستقواء بالأجنبي هو الالتقاء الحر والواعي بالقوى الديمقراطية والتحررية في العالم من أجل ضمانة أكثر لإنسانية الإنسان.
ثاني العوائق، فقدان التجارب الميدانية، بمعنى فقدان الصيغ التي تُطرح كبدائل أو أصول للنظم الديمقراطية، وسببه أن الشرائح التي تصل إلى سدة السلطة في أي قطر من البلاد العربية ، عبر كفاحها التحريري، هي الشرائح الوسطى أو الشرائح البرجوازية الصغيرة وهي بطبيعتها متذبذبة وغير مستقرة إيديولوجيا وسياسيا، ولهذا أسقطت ـ بمجرد نيلها استقلالا صوريا ـ برامجها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية «الإصلاحية» لحساب مصالحها الطبقية وزجت بشعوبها نحو مطبات الفقر والجهل والقمع.
ثالث العوائق هو ما يمكن أن نصطلح عليه بضياع العقل العربي بين جاذبية الأصالة/التراث من ناحية وجاذبية الحداثة/العولمة من ناحية ثانية، خاصة على مستوى التأويل الديني وتحليل العلاقات الاجتماعية وإنتاج الرؤى الاستشرافية.
وآخر العوائق، وهو أهمها وأخطرها يتمثّل في الكيان الصهيوني وما استنزفه ويستنزفه من طاقات حيوية في مجالي التخطيط والعلاقات الدولية المُحتمل إقامتها بندية مع الطرف الآخر غير العربي.
هذا على مستوى ما هو نظري، أما على المستوي التطبيقي الواقعي، فان الأسباب تختلف أيضا وتتعدد، فالبنية الانثروبولوجية للدولة تتسم عموما بطابعها الحصري القائم على الإقصاء، إذ السلطة تحتكرها جماعة محددة بشكل ضيق وهي أسرية، وفي الأعم اقتصادية ( نفطية، تجارية، صناعية، خدماتية...) وهي عموما تُغَيِّبُ دور المؤسسات وتوجه برامجها إن أوجدتها لالتزامات خارجية بطبيعة الحال مثل المنظمات الحقوقية غير الحكومية بصورة خاصة. وهذا الطابع الحصري يمنع أية عملية «ارتقاء» يطرحها من هو خارج إطارها ومنظومتها ولا تقبل به إلا إذا دخل منظومتها ( مثلها مثل نظام الموالي) مما يفضي عمليا إلى دفع هذا الآخر إلى المعارضة القصــوى ( التيارات المتطرفة). أما الحقوق والحريات الغائبة بشكل مفزع، فأهمها حرية الرأي والتعبير عنه شفاهة أو كتابة أو طباعة، وما حرية الرأي المزعومة إلا حرية الموافقة والإجماع المطلقين، وما تطور أجهزة الرقابة لدى مؤسسات الدول العربية أو تحديدا لدى الأحزاب الحاكمة إلا دليل قاطع على الانتهاك الصارخ لهذا الحق الرئيسي.
أيضا الحق في التجمع السلمي سواء أكان ذلك في أماكن مغلقة أو في فضاءات مفتوحة، إلا إذا أوحت به أو نظمته السلطات الرسمية، كذلك حق تشكيل النقابات أو الأحزاب السياسية أو الجمعيات غير الحكومية، ولا يخفى على عربي واحد التباين الفاضح بين مقرات الأحزاب المعارضة التي تشبه المحلات التجارية أو المساكن الشعبية وبين مقرات الأحزاب الحاكمة والتي تشبه النزل الفاخرة وهي المشيدة بأموال الشعب المنهوبة عنوة .
ومن أهم الحقوق الغائبة أو المغيبة كليا في المجتمعات العربية هو حق المشاركة في إدارة الحياة العامة، إما مباشرة أو عن طريق ممثلين يختارهم بحرية الرفض والقبول فقط. أما أخطر الحقوق المغيبة فعلا خاصة منذ استفحال النظام الرأسمالي وتنامي آفة الخوصصة فهو حق الشغل ــ حق الحياة، ولا داعي للتذكير بجحافل المعطلين عن الشغل وآلاف المتعاقدين مع الموت والذل في كل المؤسسات والشركات.
أعتقد أنّ هناك نقطتان مهمّتان يجب أن نضعهما في الاعتبار دائما وأبدا، الأولى تتمثّل في أنّ الدّفاع عن الحريات يعني القيام بهذا الدفاع في وجه المعتدي الحقيقي وهو لن يكون في معظم الأحيان سوى سلطة الحكم المنصبة من طرف القوى الإمبريالية، والراعية لمصالحها الاقتصادية والحضارية داخل أوطانها، والثانية هي أن نؤمن بأن كفالة الحريات وضمانتها مهمة نضالية مستمرة سواء أكان الحكم ديمقراطيا أو غير ديمقراطي، فمادامت الديمقراطية ليبرالية في عمقها فإننا لن نضمن حقوقا متساوية لكل البشر.

2007/12/01

حوار مع الناقد السينمائي الناصر الصردي

ليست لدينا سينما تونسية... لدينا فقط أفلام تونسية؟!!

هو ابن النوادي الهاوية قبل ان يكون ابن القاعات॥ ملمٌ بأدق تفاصيل القطاع السينمائي ببلادنا وفي العالم من خلال مهامه الكثيرة التي يقوم بها في صلب الهياكل التي وُجد ضمنها وهو الان يشغل خطة كاتب عام الجمعية السينمائية للنهوض بالنقد السينمائي كما انه منسق عام لأيام السينما التونسية। الناقد الناصر الصردي كان عضوا سابقا بالجامعة السينمائية للسينمائيين الهواة وعضوا بجامعة نوادي السينما وقد شارك في لجنة تحكيم النقاد بالقاهرة سنة 2005، وهو يكتب السيناريو منذ الثمانينات من القرن الماضي ويجرّب أيضا كتابة القصة القصيرة ويكتب النقد السينمائي في الدوريات والمجلات المختصة وهو ايضا ناشط في مهرجان قليبية للسينمائيين الهواة॥السيد الناصر الصردي أجاب عن اسئلتنا حول التظاهرات السينمائية ببلادنا وعن واقع هذا القطاع وآفاقه المستقبلية ضمن هذا الحوار।

تضعون هذه الايام اللمسات الاخيرة حول ايام سينما امريكا اللاتينية الشابة التي ستنطلق يوم 12 ديسمبر ماهي الخطوط العريضة لهذه التظاهرة؟ـ
هي تظاهرة تندرج في نطاق العمل المشترك مع المركز الثقافي الاسباني «سرفنتس» الذي دأبت عليه الجمعية التونسية للنقد السينمائي منذ سنوات وتخص هذه التظاهرة عرض افلام من امريكا اللاتينية خاصة الارجنتين والاوروغواي لمخرجين شبان بحضور احد هؤلاء المخرجين وستقام فعاليات هذه التظاهرة من يوم 12ديسمبر 2007 الى يوم 15 من نفس السهر بدار الثقافة ابن رشيق। لماذا اخترتم تحديدا سينما امريكا اللاتينية؟ـ منذ خمس سنوات أرست الجمعية العمل مع المركز الثقافي سرفنتس بتنظيم تظاهرة سينمائية تخص الثقافة الناطقة باللغة الاسبانية ونظرا لجدية هذا العمل اقترح المركز الثقافي الاسباني تكثيف هذه التظاهرات حتى تصبح ثلاثة لقاءات دورية। وبعد تخصيص دورة للمخرج الاسباني بيدروم ألمودوفار التي تلتها دورات تخص سينما امريكا اللاتينية والسينما الاسبانية السنوية والفيلم الوثائقي الاسباني سنتطرق هذه السنة الى السينما الشابة لامريكا اللاتينية وذلك بما اصحت تتمتع به هذه السينماءات من تألق ومن جودة على الصعيد العالمي وخاصة منها السينما الارجنتينية।
باعتبار هذه التظاهرة وغيرها تنتظم في اطار للتبادل الثقافي فهل تنظم للسينما التونسية تظاهرات مماثلة خارج الحدود؟
ـ لنضع الامور في نصابها تندرج هذه التظاهرة في نطاق التعاون بين الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي والمركز الثقافي الاسباني مثلما ذكرت ولكن يبقى ان هذه التظاهرة هي اساسا نتاجا لسياسة ثقافية تنتهجها عدة دول اوروبية للتعريف بثقافاتها وبمخزونها الفني। اذن هي تنبع من توجه هذه الدول نحو انفتاح ثقافاتها والتعريف بها خارج حدودها وذلك محافظة على اشعاعها وحتى على وجودها। هذه السياسة تضعها وزارات الثقافة بالتعاون مع وزارات الخارجية ونحن ان اردنا ان يكون هذا التعاون تبادلا حقيقيا يجب علينا ـ وأقصد بذلك كل المكونات الثقافية التونسية وخاصة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ـ ان تتوخى مثل ذاك التوجه والرؤية باكثر فاعلية وتكثيف الانشطة خارج الحدود.لقد نظمت عدة تظاهرات تعرّف بالسينما التونسية بالخارج (النمسا ـ مالي ـ فرنسا...) ولكن يجب ان يكون العمل متواصلا ولا يخضع للظرفية الضيقة.نحن داخل الجمعية نرجو ان نتعامل بالمثل مع اسبانيا وغيرها بتنظيم ايام سينمائية تونسية مع كل بلد نتعامل معه. بعد ايام سينما امريكا اللاتينيةباسبوع تقريبا ستنظم الجمعية ليلة الفيلم القصير التونسي، وهي حسب المتابعين تظاهرة ذات قيمة فماذا اعددتم لهذه الليلة؟ـ انطلقت سهرة الفيلم القصير منذ ثلاث سنوات بالتعاون مع قاعة المونديال بتونس العاصمة وقد لاقت نجاحا جماهيريا ملحوظا ورغم «اختفائها» السنة الماضية فقد عزمنا هذه السنة على احيائها وتنظيمها لذا تمت برمجة سهرتين للفيلم القصير التونسي الاولى ستكون يوم 27 ديسمبر بقاعة المونديال والثانية يوم 28 بقاعة افريكا واستغل هذه الفرصة لتوجيه نداء الى مخرجي الافلام القصيرة او منتجيها للاتصال بنا أو بقاعة المونديال لاقتراح اعمالهم لهذه التظاهرة.
على ذكر قاعة الافريكا التي فتحت ابوابها من جديد بفضل اصرار مجموعة من المثقفين فهل تعتبر ان هذا دليل على وجود ديناميكية في المشهد السينمائي؟
ـ في ظل تقلص عدد القاعات السينمائية بتونس حتى أصبح لا يتعدى 12 قاعة في كامل الجمهورية يعتبر اعادة فتح قاعة افريكا مغامرة مادية وفنية تعتبر لاصحابها، واللاّفت للنظر ان اصحاب هذه الفكرة هم من المبدعين الثقافيين فمنهم المخرج والمنتج والممثل والتساؤل هنا يطرح نفسه هل هذا هو دورهم؟ اليس دورهم الحقيقي هو الابداع في حد ذاته؟ ولكن أمام الواقع الضبابي لقطاع السينما فيما يخص انتاجه وتوزيعه وعرضه وفي غياب توضيح مهام كل طرف صلب القطاع وحتى غياب واندثار بعض هذه الاطراف (الموزعين) أصبح المبدع مجبرا على القيام بمثل هذه المغامرة حتى يوفر لنفسه الاطار الادنى للتعريف بالانتاج السينمائي خاصة والثقافي عامة والشيء الايجابي في هذه التجربة انها تدخل في اطار رؤية شاملة للعمل الثقافي بما في ذلك التعريف بالاعمال الجيدة والتعريف بانماط لا نجدها في السوق التجارية السينمائية مثل ـ الافلام الوثائقية والافلام القصيرة وأفلام الذاكرة السينمائية بما في ذلك النقد السينمائي। ولكن الكل يعلم ان وزارة الثقافة تدعم هذا القطاع سواء من خلال دعم المخرجين السينمائيين او دعم اصحاب القاعات؟ـ الشيء الذي يجب تأكيده أنّه الى حدّ اليوم لا يمكن ان نتحدّث عن وجود سينما تونسية او بالاصح افلام تونسية خارج دعم وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، فالمجهود الذي تبذله وزارة الاشراف من منح انتاج ومنح استغلال القاعات ودعم الجمعيات السينمائية ومختلف التظاهرات ذات الصلة يبقى ذا قيمة وهو أساسي لاستمرار هذا القطاع ولكن وللمكانة التي اصبحت تحظى بها الصورة على المستوى العالمي، يجب التفكير والعمل على اثراء هذه الجهود برؤى اخرى।وان تكلمنا عن عدم وجود سينما تونسية بل أفلام فذلك يرجع الى ان مفهوم السينما مرتبط بوجود صناعة متكاملة وبنية تحتية غير متوفرة في تونس الى حد الان، اصبح الان ضروري للنهوض بهذا القطاع وبتخلف صورة تمثلنا على الوجه الذي نريده والتعريف بثقافتنا وحتى بهويتنا ان توفر الاطار الملائم لصنع هذه الصورة.
هل تقصد المراكز السينمائية المتكاملة على غرار ماهو موجود بالمغرب او مصر مثلا؟
ـ وجود مركز سينمائي وطني يبقى من اهم الحلول الجذرية للنهوض بهذا القطاع فهو الذي يضع السياسة العامة للانتاج ويوفر اليات التصوير وما بعد التصوير وذلك باقل كلفة، مما يساهم في تقليص كلفة الانتاج وتوفير العملة الصعبة।يجب كذلك العمل على الارتقاء بمردودية مؤسسات التعليم السينمائية وتوفير الفضاءات العامة لعرض الاعمال التونسية في ظروف طيبة تحترم العمل الابداعي ومتلقيه।في إطار اخر يجب تطوير عدد مشاهدي الافلام في القاعات حتى تطوّر مردوديتها الاقتصادية مما يجعلها تتكاثر ولعل خلق المجمعات السينمائية التي تحتوى على عدّة قاعات متوسطة الحجم يبقى من الحلول الممكنة.فيما يخص استرجاع الجمهور السينمائي الى قاعات العرض لابد من البداية من اول السلّم وذلك ببعث منظومة تربوية سينمائية داخل المدارس والمعاهد والكليات والجامعات وداخل المجتمع المدني بصفة عامة والعمل في اتجاه اخر ضد القرصنة والمحافظة الفعلية على حقوق المؤلف حتى يتمكن من مواصلة ابداعه في ظروف مادية ومعنوية مقبولة.
يبدو انك تحلم كثيرا فالجمهور الذي تتحدث عنه صار مشتتا بين ثلاثة اتجاهات هناك من لجأ الى الفضائيات وهناك من صار مدمنا على الافلام المقرصنة والاتجاه الثالث هو الذي مازال يعتبر ان السينما التونسية هي سينما العراء
।ـ دون ان ننكر هذا الواقع بالنسبة للملاحظتين الاوليين فهذه المؤثرات موجودة كذلك في دول اخرى ولعلها أكثر حدّة دون ان تمنع الجمهور من متابعة الافلام داخل القاعات، فبلدان مثلك كوريا الجنوبية ومصر والمغرب ورغم وجود القرصنة والفضائيات فان هذه الدول وغيرها تتمتع بتزايد سنوي لعدد المتفرجين। اذن يجب البحث عن حلول تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع فمثلا فيما يخص القرصنة التي اصبح لها بعد اقتصادي اجتماعي يتحدى السينما ذاتها يمكن استغلالها لدعم السينما بطريقة غير مباشرة مثلا ارساء ضريبة على الاقراص المضغوطة تعود الى صندوق يدعم السينما.تخيل لو نضيف خمسة مليمات على كل قرص يباع في السوق وعددها يفوق عشرات الالوف يوميا كم نوفر لهذا الصندوق. اما فيما يخص الفضائيات فيمكن «محاربتها» بعرض افلام ذات قيمة فنية وابداعية للناشئة حتى نخلق لهم مضادا لما يبث في القنوات الفضائية، اما فيما يخص نعت السينما التونسية بسينما العراء او سينما الحمام فهذا لا يمت بصلة الى محتوى السينما التونسية الا عبر قراءات انطباعية لبعض الصحافيين فلو اخذنا مثلا مشاهد «للحمّام» فقد لا نجد إلاّ القليل منها في الانتاج التونسي اما العراء بصفة عامة فلعله يوجد باقل حدّة في الافلام التونسية مقارنة بسينماءات عربية اخرى كالمصرية او المغربية وتبقى مشكلة العراء في السينما عامة مرتبطة ارتباطا عضويا بالثقافة السائدة في كل بلد مع التأكيد ان المشاهد الاباحية تظل مباحية فيما عدا توظيفها للموضوع، وهنا أعرّج على وجود الحانة والحمام في بعض الافلام التونسية إذ هما المكانان الوحيدان اللذان يمكن للتونسي ان يتعرّى فيهما رمزيا وماديا دون ان يمثل ذلك عورة او استنقاصا॥
هل تعتقدون ان مخابر قمرت التي انشأها المنتج طارق بن عمار ستساهم في ايجاد بعض الحلول للانتاج السينمائي مستقبلا؟
ـ استبشر كل المهتمين بالسينما التونسية بهذا المشروع الذي ساهمت فيه الدولة التوسنية مساهمة معتبرة باسنادها جزءا مهما من مركب الساتباك القديم لهذا المستثمر وهذا مقابل كراس شروط تدعم كامل مراحل ما بعد التصوير للافلام التونسية بما في ذلك التحميض والتحويل من الرقمي الى عيار 35 وطبع النسخ وكل هذه الاشياء تمثل حلولا فعلية لتقليص كلفة الانتاج غير انه ولحد الان لم ينجز الا الجزء الاول الخاص بالتحميض رغم تجاوز المدة الزمنية المحددة لانهائه وهذا يضع عائقا।
لو ننهي هذا الحوار بدور الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي
ـ هذه الجمعية لها دور اساسي وهو التوثيق النقدي للافلام التونسية فالنقد بمفهوم قراءة الافلام هو الذي يضفي على الاثر الفني اشعاعا يبقى متواصلا على مدى السنين لكن للجمعية كذلك نشاطات اخرى لا تقل اهمية مثل اللقاءات الدورية التي تجمع فيها مختلف ممثلي قطاع السينما من مخرجين وتقنيين وممثلين كما تنظم عدة تظاهرات تعرف فيها بالسينما الوطنية وبالسينماءات المهمة وذات القيمة الاضافية فنيا وجماليا ومضمونا على المستوى العالمي ولعل اهم ايام السينما التونسية التي نظمتها بالاشتراك مع بقية الجمعيات السينمائية في سنتي 2006 و2007 والتي ستصبح مهرجانا سنة 2008 يقام في النصف الثاني من شهر افريل كل سنة وهو مهرجان مدعوم من وزارة الثقافة كما يعرف اعضاء الجمعية بالسينما التونسية على الصعيد الدولي وذلك من خلال مشاركتهم في المهرجانات السينمائية العالمية.

2007/11/30

الفلاسفة الجدد



بات واضحا وجليّا أن العلوم الإنسانية أصبحت اليوم، وفقا لشروط العالم الجديد، لا تساوي شيئا، بل انها اصبحت عبئا ثقيلا وغير مرغوب فيه من قبل الحكومات والانظمة المتطلعة لركوب صهوة الجواد الارعن المسمّى عولمة أو رأسمالية أو تقدّما... ذلك ان العلوم الصحيحة وحدها هي التي باتت تستأثر بالاهتمام والمتابعة والحظوة الكبيرة..
عن هذه الازدواجية اقصي الفيلسوف وعالم الاجتماع والانتروبولوجي والاديب والشاعر وتقدم الفيزيائي وعالم الرياضيات والكيميائي وخبير الاسلحة... فغار العالم بأسره في النفق المظلم خلف الالات الحربية المدمّرة وخلف ادوات التجميل المخربة والالات الملوّثة للطبيعة وغيرها، وظل صراخ الفلاسفة والمفكرين خافتا تحت الازيز والضجيج...هذا التمشّي الذّاهب بالعالم نحو حتفه يمكن لاي عاقل ان يقف على إرهاصاته البعيدة والقريبة، وعلى مظاهره المباشرة او غير المباشرة فإلى جانب النمطية والنمذجة وتشيؤ الانسان وتعطيل كل ملكات التفكير لديه بإنابة من يفكر عوضا عنه الى جانب هذه المظاهر العامة يمكن لنا ان نكتشف «الحملة العالمية لمناهضة الفلسفة والفلاسفة» ضمن البرامج التعليمية التي صارت تقدّم للاجيال الناشئة والمفتقدة لادنى شروط ضبطها.ولنا في برامجنا التعليمية ما يبرهن على انخراطنا في منظومة نهاية الفلسفة والفلاسفة ويكفي ان يلقي واحد منا نظرة عابرة على كتاب الفلسفة المبرمج لتلاميذ وتلميذات السنة السادسة ثانوي والباكالوريا آداب وعلوم على حدّ السواء فالى جانب تخفيض ساعات التدريس من سبع ساعات الى خمس فقط، فقد أصبحت كتب الفلسفة تشبه مقررات بعض دول المشرق من ذلك انها صارت تعتمد على «المختصرات» الى جانب ايراد عدة نصوص من دون اسئلة وادراج نصوص اخرى مترجمة لم يتم التنصيص على مترجميها هذا فضلا عن الاخطاء المطبعية الفادحة وحشد الصوّر وادراج نصوص مستغلقة تتجاوز المستوى المعرفي للتلاميذ مثل الاكسيوم... وكذلك اعتماد «منهج» النوافذ المفضية الواحدة الى الاخرى تماما كالنظام الجامد للحواسيب الذي لا يتطلب جهدا في التفكير بقدر ما يتطلب حدا ادنى من الحفظ والتلقين..ان مقولة انا افكر إذن انا موجود، تتداح وتتراجع لحساب المقولة الجديدة للفلاسفة الجدد أنا أحفظ إذن انا موجود... أو بالاحرى أنا احفظ إذن أنا أنجح..يظل سؤال الفلسفة والتفلسف سؤالا انطولوجيا بالاساس ولا يمكن ان يكون خُطة مرحلية تضبطها شروط تاريخية وهو ايضا لا يخضع لإملاءات او ضغوط بقدر ما ينبعث من اعماق الذات الانسانية المعنية بالدرجة الاولى...

قبل انطلاق ايام قرطاج المسرحية

الممثّل والمخرج المسرحي كمال العلاوي:
المسرح التونسي اليوم يفتقد لسمة الاختلاف...


بدأت رحلته منذ ربع قرن تقريبا، إذ انضمّ إلى فرقة الكاف كممثّل سنة 1973 عندما كان يدير الفرقة آنذاك المنصف السويسي، وقد ترك الممثل كمال العلاوي بصماته في تلك الفترة من خلال مسرحيات «الحلاّج» و «الأخيار» و «ثورة الزنج» و «عطشان يا صبايا» ليصير سنة 1976 مديرا لذات الفرقة كمخرج مسرحي فتناسلت أعماله مثل «هذا فاوست آخر»، «إلكترا الجديدة»، «المحارب البربري»، «سياسات الفضلات»، «حديقة الحيوان»، «أبو الأمين الخليع» ثمّ فاز بستّ جوائز سنة 1982 مع فرقة سوسة لمّا أخرج مسرحيّة «قمرية» وبعدها انتقل إلى صفاقس مديرا لفرقتها المسرحية سنة 1983 فأخرج مسرحية «امرؤ القيس في باريس» ونال أربع جوائز عن مسرحية «أم كوارج في الحروب الصليبية».
سنة 1985 أخرج «المنفي» بالمسرح الوطني وسنة 1986 أخرج «عرس الذيب» مع فرقة الكاف مجدّدا ثمّ انتقل إلى إدارة فرقة المهدية سنة 1987 وأخرج آنذاك «الحصّالة» و «المعصرة» و «أرصفة» ليعود مديرا للمركز الثقافي بسوسة، كما أخرج عدّة مسرحيات بجمعيات الهواية في صفاقس والجم وأكودة وحمام سوسة والقلعة الكبرى وتونس وفوشانة وعمل بعدّة شركات انتاج خاصّة।له مشاركات عديدة كممثل في التلفزيون وفي رصيده الفنّي بعض الأشرطة التلفزية كما كتب عدّة سيناريوهات سينمائية.عمل كمال العلاوي في عدّة برامج بإذاعة المنستير وهو الآن صاحب برنامج «حديث الرّكح» بإذاعة تونس الثقافية، ومازال مستمرًّا في كتابة نصوصه النقدية في مجالي المسرح والسينما على أعمدة الصحف والدوريات المختصة.مؤخّرا، وبعد مسيرة الترحال والترحّل من ركح لآخر ومن فرقة لأخرى، وبعد ربع قرن من التمثيل والاخراج والنّقد والكتابة وجد كمال العلاوي نفسه أمام إرثٍ كبير ومسيرة طويلة من الغُبن أن تأكلها الرفوف والأغبرة فقام بإخراج مسرحية «حرف الياجور» ليقف من خلالها على تجربته واسهاماتها ويطرح من خلالها سؤاله الوجودي ماذا قدّمت؟ وهل مازال في جرابي ما أضيف؟عن هذه المسرحية وعن مسيرته... عن المسرح التونسي وأعلامه... عن جمهور الرّكح والاعلام... كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ كمال العلاوي الذي نخصّ به قرّاء «الشعب». أستاذ كمال، هل نبدأ حوارنا هذا من حلق الوادي وتحديدا من أوّل عرض لآخر عمل مسرحي أنجزته مع شركة «تعابير» للانتاج والتوزيع؟ـ مسرحية «حرف الياجور» أعتبرها تمثّل منعرجا حاسما في مسيرتي المسرحية، مسيرتي فيها ما يقارب السبعين عملا مسرحيا كمخرج إلى جانب الكتابات والأداء التمثيلي. بعد هذه التجربة الطويلة، وجدت أنّه من واجبي أن أطرح السؤال الوجودي على نفسي، هل بإمكاني أن أتجدّد وأضيف أو أبقى حيث وصلت. كان عليّ أن أتموقع في الرّآهن ومع الأجيال القادمة باعتباري جزءا من المشهد المسرحي عموما من حيث متابعتي لِـمَا يُنتج باستمرار أو من حيث برنامجي الإذاعي «حديث الرّكح».نص «حرف الياجور» أخذه المنصف بن نصر عن كاتب صيني محرز على جائزة نوبل سنة 2000 فأوحى لي بدراماتورجيا تتناول جانبا كبيرا من حياتي الخاصّة من حيث علاقتي بالمسرح والمسرحيين ومن خلال مواجهتي الدائمة لكل متطفّل على الميدان المسرحي وكذلك موقفي من الجمهور المسرحي وكذلك انعكاسات المسرح على حياتي الخاصّة واستنتاج نهائي هل الفنّان يبقى دائما وأبدا رهين اعتراف النّاس أو عدمه؟ هل أموت بعد هذه السن المتقدّمة ويكون مصيري النّسيان... تساؤلات عديدة تفاعلت في داخلي، فجرّتني فحاولت بدوري أن أفجّرها فوق الرّكح... الرّكح الذي لم أقف فوقه منذ 22 سنة كاملة. إذن يمكن لنا أن نقول أنّ مسرحيّة «حرف الياجور» بمثابة سيرة ذاتية ووصيّة في ذات الوقت؟ ـ أعتبر هذا العمل تكريمًا حارا للمسرحيين الذين تناسوهم أو هم الآن أحياء أموات، فيكفي أن نرى صور عبد اللطيف الحمروني ونورالدين عزيزة وعمر الخلفي وغيرهم لنتأكّد من قوّة تأثيرهم على كل من عرفهم. وقد حاولت أن أركّز على موت ودفن موزار في لقطة من شريط «أميديوس» ويعلم الجميع أنّ موزار دُفن في مقبرة جماعية وفي سن مبكّرة، وهذا المصير المأساوي لم يَحُلْ دون خلوده، لأنّ الغربيين يتقنون جيّدا تمجيد أمواتهم وتخليدهم. ويكفي أنّ آريان موسكين في القرن العشرين أنجزت شريطا سينمائيا حول حياة موليار وجعلت منه شخصيّة نصف إلهيّة.نيّتي الرئيسية في «حرف الياجور» أنّه من خلال حياتي المضطربة المشاهد يفهم ما هي همومي العميقة. صراحة هل تقصد تحديدا اضطراب حياتك الشخصية أم اضطراب المشهد المسرحي التونسي الذي جَايَلْتَهُ؟ـ اختيار المسرح في حدّ ذاته مجازفة يعيشها الفنّان دون أن يعلم ما يُخفي له المجهول، لأنّه في غمرة النجاحات الأولى يتوه الفنان أمام المحافظة على تلك النجاحات ومن هنا تبدأ رحلة المتاعب مع الوسط العائلي، فالمسرح استهلك منّي وقتي الذي هو بشكل أو آخر هو أيضا ملك لأسرتي. في الواقع عائلتي يمكن أن ترحمني ولكن الجمهور لا يغفر لك أبدا. لذلك أقول أنّ المشكل الأساسي هو ارضاء الجمهور الذي ينتظر أعمالك. الصحّة والمال والوقت كلّها في كفّة والجمهور في الكفّة الثانية ومع ذلك فهذا الجمهور صار أكثر عزوفا عن متابعة الأعمال الجادّة وهو يجري خلف العروض التّافهة والسّخيفة. صار لدينا جمهور نمطي يتابع فقط ما يُضحكه. أذكر في مسرحيتي «حرف الياجور» موقفي من هذا النمط من الجمهور الذي يصطاد العناوين المثيرة ويُصدم عندما يكتشف أنّ المسرحيّة لا علاقة لها بالعنوان!!! قُلتَ أنّه صار لدينا جمهور نمطي يتابع فقط الأعمال التي تُضحكه، ولكن أستاذ كمال لا يمكن للجمهور المسرحي أن يصير نمطيّا هكذا من دون فعل فاعل ان صحّت العبارة... أنا مثلا أعتقد أنّ الفاعلين في المشهد المسرحي هم الذين يصنعون جمهورهم. أليست طبيعة المسرح التونسي «المُضحكة» هي التي صنعت هذا الجمهور؟! ـ أوّلا أودّ أن أعود إلى التاريخ، فالكل يعلم أنّ فترة ازدهار المسرح التونسي جماهيريّا كانت بين نهاية الستّينات وحتّى نهاية الثمانينات، فالمسرحيون في تلك الفترة كانوا مختلفي النزعات أوّلا لأنّهم يبحثون عن ذواتهم بعد مخاض الاستقلال وثانيا أنّ المناخ العالمي كان يتميّز باختلاف المذاهب السياسيّة والبحث عن تعايش الاختلافات المذهبية. تونس مثلا عرفت فترات عديدة أوّلها التعاضد أو الرّؤية الاشتراكية وما خلّفته من انتهازية وبورجوازية صغيرة، بعدها نكسة التعاضد ودخول الرأسمالية وكل هذا على إيقاع نكسة 67 العربية وانتفاضة ماي 68 الفرنسية وهو ما كان لهما عظيم الأثر على الإنتليجتسيا التونسية، وبما أنّ المسرح قريب من الجمهور فالتطرّق لمثل هذه المواضيع كان الشغل الشاغل لأغلبية الشباب المتعطّش آنذاك للثقافة فبرز المسرح المدرسي وبصفة خاصّة المسرح الجامعي الذي كان صوتا صادقا لمشاغل هولاء وولّد هذا مسارح متنوّعة مثل مسرح الكاف مع علي بن عيّاد على سبيل الذّكر لا الحصر.المسرح التونسي اليوم يفتقد أو بالأصح افتقد سمة الاختلاف والتنوّع ممّا جعل المسرحيين يبحثون عن صورة أخرى لمجتمع لم يعد يعيش الاختلافات والنّزاعات.السّؤال أين اتّجه مسرحيّونا الذين ابتعدوا عن الواقعية السياسية والاجتماعية على غرار المسرح الملحمي البريشتي الذي كان في تلك الفترة له تأثير مباشر على المتفرّج؟ سأجيبك بكل بساطة فأقول أنّهم انتقلوا إمّا إلى الأعمال العالمية آرضاء لرغبة ذاتية في التعامل مع عباقرة الكتابة وبعضهم أصبح يبحث عن الأمور الجمالية أكثر من المضامين وبعضهم تطرّق إلى المنحى السيكولوجي ومن فهم أنّ هناك فراغًا تعاطى الاضحاك أو التهريج فتعوّد الجمهور على هذا وصار ينتظر هذا والدليل أنّ الانتاجات التليفزيونية الأنجح هي التي تقدّم السكاتشات والمشاهد الهزليّة وللتّذكير لم يكن للتلفزة في نهاية الستّينات وبداية السبعينات هذا التأثير على جمهور تلك الفترة. كان المسرح سيّد الموقف. لست أدري إلى متى سنظلّ نقول ونكتب كان لدينا مسرح وكان لدينا سينما وأغنية ونضال وكُتّاب وشعراء... لست أدري؟! ـ أنا من طبعي أكره الوقوف على الأطلال والدليل أنّي مثلا لم أقم بإعادة أي عمل مسرحي لي ناجح رغم الحاح العديد من المسرحيين ولست أدّعي في الظرف الرّاهن أنّ جيل اليوم لا يقدّم أعمالا جيّدة. بالعكس هناك عديد من الشبّان الذين يعيشون حيرة ابداعية صادقة ويحاولون تقديم البدائل وهم مُصيبون في كثير من الأحيان في رسم الكثير من ملامح المسرح القادم. طبعا يخطئون أحيانا ككل الناس لكن كل المؤشرات تدل على أنّ هناك فئة تكتسح شيئا فشيئا فئات معيّنة من الجمهور ولكن ما ينقص ترويج هذه الأعمال الجادّة هو ضعف الإعلام والتّحسيس لمثل هذه الأعمال حتّى تجد موقعها الحقيقي في المشهد المسرحي الحالي ـ من المؤلم أنّ هناك أعمالا تستحق أن تُعرض في عديد المساحات ولكن حظّها من الترويج ضئيل وأنا بحكم معايشتي للشباب ومعرفة مشاغلهم الفنية وحيرتهم الابداعية أحاول قدر المستطاع مساندتهم حتّى لا يتملّكهم اليأس لأنّ المثابرة ليست أمرًا هيّنا.هناك أعمال عديدة تُترجم طبيعة المرحلة الراهنة من حيث المضمون وكذلك من حيث الشّكل. هذا الكلام جيّد ومشجّع يا أستاذ ولكن الواقع عكس ذلك تماما، فالمشهد المسرحي تتحكّم فيه أسماء معلومة وتستأثر بكل شيء، الدّعم المالي والإشهار والترويج حتّى لو كانت أعمالهم مُعادة أو بسيطة؟ ـ أنا شخصيّا آليت على نفسي أن أتحاور مع الشباب ولكن الاعلاميين دائما مشكلتهم أنّهم يبحثون عن الأسماء المعروفة ونحن لدينا مثلٌ شعبي يقول «إللّي سمّاك غناك»، هناك بعض شبّان حظّهم أوفر وهم الذين ظهروا تلفزيا ولكن ظهورهم يقتصر على ما هو تلفزي وبالتالي فإنّ حقيقتهم المسرحية ظلّت غير معلومة وهنا المأساة، فالمشاهد الذي تابع ممثلا ما على شاشة التلفزيون يهرول بمجرّد أن يجد معلقة اشهارية لنفس الممثل تعلن عملا مسرحيا له، وعندما يكتشف المسرحية يُصاب بخيبة المسعى والأمل. أنا قصدت يا أستاذ العلاوي أنّ مشهدنا المسرحي يستأثر به جملة من الأسماء مثل الجعايبي والجبالي والتواتي وبن عبد الله وبن يغلان والسويسي وادريس... ومثلا خرّيجو المعهد العالي للفنون الرّكحيّة يعانون الأمرّين؟ـ ما أعلمه شخصيا أنّ وزارة الثقافة تدعم سنويا ما لا يقل عن 60 أو 70 عملا مسرحيا تتوفّر فيها شروط الجودة من خلال النصوص المسرحية والتصوّرات الفنية. وعندما نقول 70 عملا مسرحيا نحسب عدد المشاركين في هذه الأعمال، المعدّل طبعا ثلاثة ممثّلين على الأقل واثنان من التقنيين وهذا يرفع عدد المنتفعين إلى ما لا يقل عن 400 شخص. هذه حقيقة أولى. وهناك من المسرحيين من يرفضون أصلاً المساعدة على الانتاج والعروض المدعومة ولا فائدة في ذكر الأسماء. الذين يصرخون كثيرا هم الذين يصنعون «الحدث» بمغالطات اعلامية وبالكثير من الافتعال والتمويه والشارع التونسي عن طريق هذا الحدث يتفاعل. بينما المتخرّجون الجدد ونظرا لافتقادهم لمثل هذه الأدوات والحيل فإنّهم يجدون أنفسهم نوعا ما على الهامش ممّا يضطرّهم للاكتفاء بالحد الأدنى للعيش. إذن أنت تشرّع لاستعمال مثل تلك المغالطات الاعلامية؟ـ أنا بالعكس أشرّع للصّدق ولتحرّي الاعلام ومواجهة كل أنواع التمويه حتّى يأخذ كل واحد حقّه. مازال يفصلنا أسبوع واحد عن دورة أيّام قرطاج المسرحية، ما الذي يمكن أن تتميّز به هذه الدورة عن سابقاتها؟ـ هو سؤال سابق لأوانه لكن الحق يقال أنّ مثل هذه الأيّام كان لها مردود إيجابي في المستوى العربي خصوصا أنّ الحركة المسرحية من خلال أيّام قرطاج تطوّرت تطوّرا واضحا ويعلم الجميع أنّ عديد المسرحيين قدتعثّروا بالتوجّه المسرحي في تونس رغم نقدنا له ويعتبرون الحركة المسرحية التونسية رائدة ومتطوّرة خاصّة في مستوى التقنيات العصرية والبحث الجمالي والآداء التمثيلي الحداثي الذي أخرجنا نوعا ما عن السّائد والممجوج وأعتقد أنّ هذه الدورة ستشهد اضافات عديدة خاصّة ونحن نعرف توجّهات محمد ادريس في مجال استقطاب التيّارات التي نعرف عنها القليل والتي ستكون فيها اضافات بالنسبة للمسرحيين العرب والأفارقة والتونسيين. ولكن الجمهور المتتبّع لهذه الأيّام أجمع في الدورات القليلة الأخيرة عن تراجع المسرح التونسي أمام نظيره المغربي واللبناني خاصّة؟ـ هذا النوع من التقييم لا معنى له ـ فأحيانا نرى مبادرات مازالت سابقة لأوانها على غرار ما شاهدناه في مسرحية «عشّاق الشمس» لرضا دريرة ولكن بعد الجدل والأخذ والرّد يهتدي الناس إلى حقيقة وهي أنّ فهم الجديد أو البديل يأتي متأخّرا. حاليا المسرحيون التونسيون يقومون بتجارب ستُفهم فيما بعد وكالعادة سيقول العرب إن كانوا لبنانيين أو سوريين أو مغاربة أنّ التونسيين يظلّون رائدين في المسرح. وأنا شخصيا شاهدت أعمالا لو شُوهدت في أماكن أخرى خارج البلاد لوضعت عديد التساؤلات والفن الحقيقي هو الذي يصنع التساؤلات. سأترك لك هذا البياض لتختم به كما تشاء هذا الحوار.ـ أقول أنّه من الضروري أن يفكّر المسرحيون في الخروج من مأزق العلبة الإيطالية لأنّها استنفدت كل طاقاتها وحتّى بعد تكسير بعض الجدران الوهمية فإنّ المبدعين لم يجدوا الحلول الكفيلة بتقريبهم من الجمهور لا بالمفهوم الشعبي البسيط بل بمفهوم جمالي يستحق الإمعان. هذا مطلوب في الظرف الرّاهن وما على المسرحيين إلاّ أن يبتعدوا عن المعارك الضارية والخلافات العشوائية والكلام الهدّام ليتفرّغوا لمثل هذه البحوث «أمّا الزّبد فيذهب جُفاءً وما ينفع النّاس فيمكث في الأرض».