بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/04/14

أقصوصات الأزمنة الأخيرة..بلغة افتراضية جديدة..وتبرجات لا محدودة

بدر السلام الطرابلسي يكتب عن خطوة القط الأسود

صدر مؤخرا عن دار ورقة للنشر باكورة الأعمال الأدبية للكاتب الصحفي ناجي الخشناوي تحت عنوان "خطوة القط الأسود" وهي عبارة عن مجموعة قصصية تتكون من خمسة عشر قصة قصيرة ألفها الكاتب على فترات زمانية متباعدة(2008،2007،2006..) ولم ترى النور إلا في مارس من سنة 2009.

ويعتبر صاحب هذه المجموعة من جيل الكتاب الشبان حيث نشرت له عديد البحوث والمقالات الأكاديمية والفكرية في عديد الصحف والدوريات الورقية والالكترونية المحلية الدولية..كما شارك بأقصوصاته في عدد من المنتديات والدورات الأدبية الإقليمية..حيث لاقت قبولا محترما من قبل النقاد..

ونجده اليوم يلملم شتات قصصه القصيرة في كتاب واحد لينقل لنا فيه عمق تجربته الإنسانية القصيرة بمفهوم الوقت الآلي والطويلة بتنوعها وثرائها الوجودي ممتزجة في شكل رموز ودلالات تتماها وتتقاطع مع فانتازيا افتراضية تبحث لها عن منفذ في جدار الأفق الأفعواني حيث تغمره الثقوب السوداء بلا رجعة..!

المرأة فالمرأة فالمرأة..ثم الجنس والخمر ولفافات التبغ..قواسم مشتركة لمعيش شخوصه المتهالكات على عتبات المدينة الراكدة..والافتراضية أحيانا..أنساق وأنساق تمر بالتدريج وعلى مراحل لترابض في مستنقعات المحجرين المخضبة بالدماء المنهمرة في كل مكان ..افتراضي..(دم غزير يندفع باتجاه المحجرين بلا هوادة حيث ما نقل بصره)..

المرأة فالمرأة فالمرأة..ثم الجنس والخمرة ولفافات التبغ..تلاطمات مترسبة بعضها من بعضها الآخر..تكتمل في قصة صراع من أجل عشق عذري يتصدر صفحات جرائد القرن الوحيد في أعينهم..تزدهر في رحلة ملأ الذات على الملأ دون مواربة أو أغطية زائفة ومصطنعة..حيث

المرأة فيها سيدة الجلسات والاحتفاليات بالنبؤات الجديدة..حيث المرأة بلده الأصيل تعاشره ببذخ وكرامة ودلال...ويجد فيها موسما آخر مغاير..لأجل رحلة العمر صوب جنته المعلقة على أهداب الكاهنة البربرية..مرة أخرى.. والكثير من المرات..

هكذا أراد لنا أن ناجي الخشناوي أن نفهم معه الأشياء..وبتلك الطريقة أرادنا أن نعشقها ونعيشها مع/ و بلا ضوضاء المدينة..هربا من أنياب الجياع و"أقدام الجنود" التي لا يمكن لها أن تكون واقعا افتراضيا..محترزا بشدة على أصحاب البزات الأنيقة جدا..مفضلا المنفى داخل عزلته الحميمية وحانات آخر الطريق..مستمعا إلى "صوت فيروز" ثاني اثني واقعيته الأبدية أين يستقر ملجؤه ورغد المقام..

وهكذا تلمسنا أقصوصاته..بتأثر الغريب لأدب طليعة فنية جديدة ثائرة على طليعيات أخرى لم ترحمها الأزمنة الجديدة ذات الذواق الأممية الرحبة والرؤى المشتركة لعوالم الأنا والآخر و الأخروي القريب لنفق الأفق المتفحم تحت سطوة الماضي السحيق والمقولات المترسبة عبر أزمنة الظلام..والنور الأصولي..

تشكلات جديدة ومتقدمة على سرياليات ما بعد الدمار الكوني الثاني..جاءات في لوحات فنية "تشكيلية" بالأساس..قصصية شكلا ومضمونا وبعدا ورؤيا "افتراضية" ما كان لها أن تتشكل لولا عبق كاتبها الذهني حيث عمليات الجمع والقسمة لم ولن تخضع أبد لمنطق الحسابيات الاقليديسية أو الهندسات...أو حتى العقلانيات الابيكيرية..بل كانت دائما زخما ابنرومي معربد على غير العادة في ثنايا الحانات الإلاهية الممتدة بعيدا بعيدا..على جغرافية الروح المسفرة في العهود القديمة..حيث بابل هي المضجع والمضاجعة مرتين وألف مرة وكل مرة ومرات التاريخ المتقدمة بتكرار هزيل الإخراج والنية..

"خطوة القط الأسود"..مراكمات قصصية صغيرة تبحث عن مكان لصاحبها بين ثنايا ديناصورات الأقصوصات المعاصرة حيث الرتيب هو المعيار والتجريب يبقى كما كان دائما منزعا للهامشيين من أمثال رامبو وبودلار واليار وابن العربي و، صدقوني، عمر بن ربيعة والمهلهل..حيث انتعاشة الكلمة و رجرجة المعنى وصدمة الأفق البالي..

هنا وهناك..يترك القط السود آثار خطاه المزعجة لبعض فحول الأقصوصة الحديثة..هنا وهناك يترك ناجي الخشناوي ارتسامات جديدة للحب ..للجنس..للمعنى..للفكرة المتبرجة..ولكل المكبوتات المترسبة عبر سمك طبقات الفطاحلة القدماء..عندما يتنادمون في أمسياتهم الصيفية البذخة..حيث النرجيلة والفاكهة..والخمرة المعتقة.. وذوات الأرداف العالية..

كان وكنا وكانت الأماكن والأزمان والشخوص والتعقيدات العقدية..كان وكنا وكانت أحداثه الافتراضية تنزع الغمام عن بصائرنا المرتخية بفعل غبار الزمان المتكلس على جفوننا الفقيرة للمساحيق المترفهة..وتفتح نوافذ جديدة نحو ممكنه المستعصي على الولادة الطبيعية..

كنا بحق، وفي الكثير من أنساقه القصصية، قابلات عصاميات لمواليده الغريبة على عرفنا..والهامشية لصفحات أدبياتنا الكلاسيكية..لكننا في النهاية اهتدينا، في خضم النفق القاتم، إلى خطى قطه الأسود.. ******

ناقد وصحفي من تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق