بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/04/16

جنود الليل


نتدثر بالحرير صيفا وشتاء نختبئ في قلب الدفء وهم يجوبون ليلا ساحات المعاهد والمدارس وأقسام الكليات والجامعات والمستشفيات والوزارات والمصانع وكل المؤسسات والبنايات...

نقضي الليالي الطوال مقرفصين أمام شاشات التلفزات أو صحبة الانترنت، وننظم السهرات الصاخبة والحميمة والمجالس الملاح وهم يقتسمون وحشة الليالي مع نباح الكلاب ومواء القطط السائبة وصفير الرياح أو سيول الأمطار الجارفة...

نفترش نحن الموسيقى ونتغطى بالأحلام في ليالينا، ويقضون هم لياليهم متوثبين مستنفرين حتى لدبيب النملة إن حركت خطواتها أمام باب المدرسة التي سيتجه لها أبناؤنا صباحا، أو باب المستشفى، أو باب المصنع أو الإدارة التي ستقضي شؤون المواطنين

يقضون لياليهم في بيوت تقارب مساحتها زنازين السجون، تنتصب عادة وفي الغالب الأعم بجانب المداخل الرئيسية للمؤسسات التعليمية أو الصحية أو الإدارية...

ننام ليلا ونتحرك نهارا، وهم عكسنا يتحركون ليلا وينامون نهارا...

فئة كبيرة من المواطنين العاملين في هذا الوطن لا نعرفهم لطبيعة العمل الذي يؤدونه لصالحنا ولصالح هذا الوطن بمؤسساته وبناياته، هم الحراس الليليون الذين ينتشرون مع غروب كل يوم في مواقع شغلهم وينسحبون منها مع تباشير كل فجر جديد بعد أن يقضون ليلة كاملة يحرسون الجدران والمعدات والأرشيف والمخزون... وحتى النائمين فإنهم يحرسون طمأنينتهم...يحرسون أحلامهم ...

ولكن هؤلاء الحراس يفتقدون لأبسط مستلزمات الراحة إذ تمر عليهم ليالي الشتاء الطويلة في تلك البيوت/الزنزانات بدون أي وسيلة للتدفئة بدون رفيق يقاسمهم الوحدة بدون شاشة لتقطيع الليل إلى أجزاء... وأقصى ترفهم جهاز راديو سيئ الصوت والأخطر من كل ذلك أنهم يحمون مؤسساتنا مجردين هم ذاتهم من كل وسائل الحماية مفتقدين إلى ما من شأنه أن يحفظ سلامتهم وسلامة المؤسسة التي بعهدتهم...

الحراس الليليون لا يتمتعون بمنح خصوصية كافية وأجورهم لا تساوي أبدا حرمانهم من حياة طبيعية يخيطون فيها مثل كل الناس نهارهم بليلهم... والترقيات التي ينالونها مضحكة... ومنهم من يقضي ليله حارسا ثم يواصل صباحه منظفا بذات المؤسسة بأمر من مديرها بتعلة نقص اليد العاملة والأخطر من كل ذلك أننا لا ننتبه لهذه الفئة إلا يوم تُسرق مؤسسة ما، حيث تنصب كل السهام نحو ذاك الجسد النحيل الذي نخره سهد الليالي الطوال وأرق من حرم من نعمة النوم ليلا، هذا فضلا عن نظرة الاحتقار والدونية التي يحسونها من قبل مرؤوسيهم ومن يشتغلون بمؤسساتهم...

الحراس الليليون، هم فعلا الجنود الحقيقيون الذين يحمون هذا الوطن بكل أمانة حتى إن لم تتوفر لهم الحماية الشخصية...

اذكر هنا مقطعا شعريا للوركا يقول فيه:

"عيونها في الأرض الظليلة

تتعتم بليل هائل

وبين منعطفات الريح

يسمع صرير الفجر المالح"

أفلا يستحقون فجرا أقل ملوحة... لتنبت بعض الأزهار في حدائق لياليهم وليالي أبنائهم وبناتهم ككل الناس...

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا على هذا الاهتمام الذي تعيره لهؤلاء الناس البسطاء الكادحين. ناس نمر بجانبهم و اقصى اهتمام قد نعيره لهم، اهتمامنا بخيال المآته. وقفة جميلة لنفتح اعيننا على اشياء و اشخاص موجودون دون ان نراهم

    ردحذف