بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/02/01

من السجن الصغير إلى السجن الكبير

من المنتظر أن تصدر موفى هذا الأسبوع قائمة اسمية جديدة تتعلق بالعفو عما يناهز 3000 سجين، بعد أن تم العفو والسراح الشرطي عن 8844 سجينا من قبل رئيس الجمهورية التونسية المؤقت، بمناسبة الذكرى الأولى للثورة التونسية يوم 14 جانفي 2012، وهذا الرقم عده أهل الاختصاص والقضاة بدرجة أولى انه غير مسبوق، وقد شملت القائمة الأولية مساجين تعلقت بهم جرائم القتل والاغتصاب والمخدرات، كما تم العفو عن 23 سجينا محكوم عليهم بالإعدام، وشمل أيضا القرار العفو عن 12 مسجونا مغربيا، كما استبدل الرئيس المؤقت للجمهورية عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد لــ122 سجينا. ويذهب عدد كبير من الجهاز القضائي إلى أن هذا العفو مس من صلاحيات الجهاز وخاصة مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات الذي ينظر في مطالب السراح الشرطي في الجرائم التي يبلغ الحكم فيها 8 أشهر، ويمكن أن يخلى سبيل المتهم بعد قضاء نصف مدة العقوبة المسلطة عليه إذا خلى ملفه من السوابق العدلية وثلثي المدة أن كانت له سوابق. وزارة العدل التي يرأسها نور الدين البحيري (عن حركة النهضة)، والى جانب ملفات الفساد القضائي وعمادة المحامين ومطالب أعوان وكتبة المحاكم التونسية وتعويض عائلات شهداء وجرحى الثورة، شكلت الوزارة في صلبها لجنتين خاصتين بالنظر في مطالب العفو والسراح الشرطي المقدمة لها من قبل عائلات المساجين، غير أن الدفعة الأولى التي أعلن عنها أثارت ردود فعل كبيرة لما اعتبرته العديد من العائلات إجحافا في حق بعض المساجين ومحاباة لعدد آخر، ولعل إطلاق سراح شقيق وزير العدل المتهم بالاعتداء الجنسي على صبي هي التي أججت الاحتجاجات خاصة في مدينة جبنيانة من محافظة صفاقس جنوب البلاد (موطن شقيق الوزير المُفرج عنه)، وقد امتدت التحركات والاحتجاجات لتصل مبنى الوزارة، حتى بلغ الأمر بإحدى المتظاهرات إلى محاولة سكب البنزين على جسدها، وهو ربما ما جعل الوزارة تفتح أبوابها لعائلات المساجين وتتفاوض معهم على مدى الأسبوع المنقضي ووعدهم بإطلاق دفعة جديدة من المحكوم عليهم. هذا التمشي الذي تتبعه وزارة العدل فيما يتعلق بملف العفو والسراح الشرطي، أثار العديد من المخاوف لدى الشارع التونسي خاصة وأن الكثير من المسجونين وممن عرفوا بالإجرام باتوا يندسون في احتجاجات وتحركات المعطلين عن العمل والمواطنين العاديين الذين يطالبون الحكومة بتحسين ظروف عيشهم وتمكينهم من حق الشغل أساسا، هذا فضلا عن مخاوف الجهاز القضائي من التدخل في أحكامه وتغليب السياسي والأخلاقي على حساب منظومة العقوبات القانونية، خاصة أن وزارة العدل تُعتبر وزارة سيادة في حكومة ائتلافية مازالت تضع أولى خطواتها في مسار الانتقال الديمقراطي الذي قامت من أجله الثورة التونسية. وفي علاقة بموضوع المساجين والحياة السجنية في تونس يُذكر أن بعض القنوات التلفزية دخلت، ولأول مرة، بطريقة مباشرة ومطولة إلى زنازين بعض السجون التونسية وأجرت العديد من التحقيقات المصورة خاصة مع السجينات اللواتي يقضين عقوباتهن بالسجن المدني للنساء بمحافظة منوبة المتاخمة للعاصمة، وقد لاحظ العديد من المراقبين والمتابعين اختلاف الأحكام في نفس القضايا تقريبا واستفحال ظاهرة الرشوة في المحاكم التونسية طيلة فترة النظام السابق مما جعل العديد من الأبرياء يقبعون وراء القضبان ورغم براءتهم إلا أنهم لم يتمتعوا بالعفو أو بالسراح الشرطي... إن السؤال الذي يُطرح الآن أمام قبول وزارة العدل بإضافة قائمة جديدة للمفرج عنهم بعد أن نفذت عائلاتهم العديد من الوقفات الاحتجاجية، هو هل أن الوزارة ستُقدم على هذه الخطوة تحت ضغط الشارع أم لاقتناعها بنقصان القائمة الأولى التي أعلنت عنها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق