بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/09/14

الخط التحريمي

لأن الخط التحريري الذي استبسل لأجله عشرات الصحافيين أيام الديكتاتورية بات مهددا اليوم ويتم تحويل وجهته لما أسميه خطا تحريميا بفضل الخط التحريضي المتصاعد والممنهج لإخماد كل نفس جديد يريد الخروج من جبة دخل فيها إما خوفا أو طمعا في السابق... ولأنه كان في البدء إعلاميا يساريا متطرفا، ثم صار إعلاميا يعاوده الحنين إلى اللون البنفسجي، ثم صار إعلاميا كافرا فخائنا لوطنه، سجى القلم في درج مكتبه بالبيت وخرج إلى الشارع الطويل ليكتب مقالا تحت الطلب يستجيب لإعلام الثورة، إعلام الأغلبية التي كانت في الصفوف الأمامية للثورة إبان اندلاعها!!! لقد أراد أن يكتب مقالات تحت الطلب مساهمة منه في تحقيق أهداف الثورة... وينأى عن ذاك الإعلام الذي لا يفعل سوى تشويه المسيرة المظفرة للحكومة المؤقتة... ذاك الإعلام الأعور الذي لم ير أهداف الثورة تتحقق مثلما حلم به كل تونسي وكل تونسية، وهي أهداف تعزز انتقالنا الديمقراطي السلمي، وتجعل من تونس بلدا رائدا في الثورات السلمية الحديثة مثلما كانت رائدة في المدنية... فكان أول مقال له فرصة للتذكير بأهم أهداف الثورة المتحققة مع الحكومة المؤقتة: من أهداف ثورتنا أن يصير كل مواطن قادر على قراءة أخبار البلد في الصحف والجرائد بعد "الفجر" حتى لا يعكر صفونا "المغرب"... ومن أهداف الثورة أن نوقف الفيضانات العارمة بالشمال الغربي بواسطة جدار سميك من عُلب الحليب والعجين. ومن أهدافها أن نختن فلذات أكبادنا حتى نؤدي دينا لنا في عنق كل تونسي للشيخ عبد العزيز ابن الباز، كدنا ننساه لولا مقال شيخنا الراشد. من أهداف الثورة التونسية أن نترك عصابة فرت بثروة البلد ونستبدلها بطائرة تأتي من حيث تنعم ذات العصابة، محملة بالأغطية الصوفية. من أهداف الثورة أن نعرف أن في تونس مدينة اسمها مكثر لم تضرب بجذورها في التاريخ الحديث ومقاومة المستعمر في الجبال، بل بزغت فجأة من برنس منصفنا. ومن أهم أهداف الثورة التونسية أن نطيع "منقذنا" الجديد ونتماهى مع بعضنا البعض مثل "دجاج الحاكم". من أهداف الثورة أن نهدي سحب سماء تونس وغيومها المدرارة لتمطر في قطر أو في السعودية. من أهداف الثورة أن نخيط كفنا للشعب السوري في فندق من فئة تسعة وتسعين نجمة ونرفع تابوتا مغطى بالعلم الأمريكي لجثة شقيق عربي. من أهداف الثورة أن نمنح أبناءنا رصاصا حيا بدلا من الدمى الصينية ليلعبوا مع جيرانهم على حدودنا الغربية والشرقية... وقريبا في أحياء العاصمة... من أهداف الثورة أن نضيف عيدا لترسانة أعيادنا، نحتفل فيه مرة في السنة بشراء البصل لطبخه ويكون فرصة للعائلات للتزاور وتبادل رؤوس البصل... من أهداف ثورتنا أن نستبدل المركز الوطني للأرشيف بحديقة غنًاء أسوة بمن استبدل سجن 9 أفريل بشجيرات دفلى، حتى لا نرهق مسيرتنا الجديدة بتلك الأسماء المتبجحة... من أهداف ثورتنا أن نتعلم كيف تكون الجثث بحالة وفاة... وكيف نصيب سمك البحر الابيض المتوسط بالتخمة البشرية...

2012/09/08

رئيس جامعة منوبة الأستاذ شكري مبخوت للــ"الشعب":

الجامعة تعيش تحت هيمنة مطلقة من الوزارة الأولى بالحريات الأكاديمية يمكننا صياغة "عقد جامعي" ديمقراطي ذهاب الأمن الجامعي غير مأسوف عليه الجامعة لا يمكنها إلا أن تكون إلا حداثية وهي المختبر الحقيقي لنجاح المشروع الديمقراطي حتى قبل صياغة الدستور أي طرف سياسي سيحاول السيطرة على الجامعة سينكسر على صخرتها وأدعو الأحزاب السياسية لرفع يدها عن اتحاد الطلبة أجرى الحوار ناجي الخشناوي ـ تصوير منتصر العكرمي
في هذا الحوار الذي خصنا به رئيس جامعة منوبة أياما قبل انطلاق العودة الجامعية، أكد الأستاذ والباحث شكري مبخوت رئيس جامعة منوبة أن ما يعيق سير الجامعة التونسية هو التوهم الخاطئ لدى المسؤولين بان مطلب الاستقلالية، وهو معيار دولي، لا يعني انه مشروط بالمحاسبة والمراقبة، كما اعتبر أن صياغة عقد جامعي ديمقراطي يكمن في فتح حوار مفتوح بين جميع مكونات المؤسسة الجامعية، كما اعتبر أن قرار إلغاء الأمن الجامعي أمر غير مأسوف عليه، وأن ما حدث السنة الفارطة من عنف سببه عدم تطبيق القانون على من مارس العنف من الطلبة، والتوظيف السياسي من ناحية والهالة الاعلامية التي رافقت احداث العنف من ناحية ثانية. * أيام قليلة وتفتح الجامعة التونسية أبوابها للطلبة، فما هي آخر استعدادات جامعة منوبة، وهي التي تضم 14 مؤسسة جامعية ؟ * في الحقيقة الاستعدادات عادية ولا يوجد أي استثناء، فجميع مؤسسات جامعة منوبة لها من الناحية التقنية الخبرة والكفاءة في تأمين العودة الجامعية، ولكن اتخذنا جملة من الاحتياطات اعتبارا لما حدث السنة الفارطة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة من تجاذبات سياسية، ولا نخفي تخوفنا من أن يكون لتلك الأحداث انعكاس هذه السنة، وتخوفنا تحديدا من تعطيل سير الدروس، ولكن نحن متأكدون أن تجربة الجامعيين وتمسكهم بالضوابط الأكاديمية سيمكننا من تجاوز ما قد يطرأ من تجاوزات. هناك تخوف أيضا من تاريخ 25 أكتوبر، وهو تخوف مشروع لأنه موعد محاكمة عميد كلية الآداب بمنوبة الأستاذ الحبيب الكزدغلي مع تكييف قانوني يدعو إلى بعض التساؤلات وهو تكييف قد تكون له بعض النتائج السلبية رغم الموقع السليم للعميد باعتبار أن الوقائع قد جدت في مكتبه وتم التهجم عليه وهناك شهود ونرجو أن تكون هذه المحاكمة من "حواشي" كلية منوبة وان لا تكون منطلقا لتعقيد الوضع من جديد. عدد الطلبة بالمركب الجامعي بمنوبة مستقر إلى حد ما، بل إن العدد هذه السنة اقل بقليل من السنة الماضية باعتبار عدد الناجحين في الباكلوريا، وأيضا لأننا حرصنا مع سلطة الإشراف، التي كانت متفهمة، على أن يكون عدد الموجهين إلى الجامعة عدد معقول خاصة أن عدد الأساتذة القارين محدود وعدد الأساتذة من الصنف "أ" من أساتذة التعليم العالي والمحاضرين اقل بكثير وهذه النقص مفهوم باعتبار جامعة منوبة تعتبر "شابة" (12 سنة) ولكن النزيف الكبير الموجود هو في العدد الكبير للأساتذة المتعاقدين من الذين لا ينتمون قانونيا إلى سلك المدرسين الجامعيين، بل اعتبرهم طلبة، لان ما يتقاضونه يعتبر منحا لإتمام بحوثهم وليست أجورا بمفهوم قانون الشغل، ورغم أنهم طالبوا بالإدماج في السنة الفارطة غير أن التوجه العام للوزارة هذه السنة هو تجديد العقود. * نفهم من كلامكم أن علاقتكم بسلطة الإشراف طيبة خاصة فيما تعلق بطاقة استيعاب الجامعة؟ * السياق الجديد الذي نعيش فيه اليوم بعد انتخاب المسؤولين الجدد على التعليم العالي بما في ذلك رؤساء الجامعات، أوجد سياقا جديدا لم يخلو من جوانب سلبية خاصة فيما تعلق باستقلالية الجامعة من حيث التسيير والقرارات والتصرف الإداري والمالي وفي الموارد البشرية. ما ألاحظه شخصيا هناك نوع من التفكك في علاقات المؤسسات بالجامعات وفي علاقة الجامعات بالوزارة، وهذا التفكك له ما يبرره باعتبار أن الجميع في حالة بحث عن صيغ تعامل جديدة في تسيير الجامعة، وفي اعتقادي أن الصيغة الجديدة لا يمكن أن تقطع مع الماضي إلا بتكريس مفهوم الاستقلالية باعتباره من المعايير الدولية في أي منظومة جامعية، والمشكلة أن في الوزارة من يتوهم أن الاستقلالية تعني عدم المحاسبة والمراقبة وهذا توهم خاطئ بل فهم متخلف جدا بمقتضيات التسيير الجامعي، ونحن كمسؤولون جامعيون عندما نطالب بالاستقلالية فنحن نطالب أكثر بالمحاسبة والمراقبة الحقيقية. نحن اليوم نعيش هيمنة مطلقة من الوزارة الأولى عن طريق المحاسبة المالية ومراقبي المصاريف من وزارة المالية مما يعطل حتى المشاريع التي تخدم أهداف الحكومة، لغياب المرونة في التصرف المالي وفي الموارد البشرية، وهذه الهيمنة يجب أن تنتهي لأنها وضعت في عهد الدكتاتورية للسيطرة على المؤسسات العمومية، هذا من الناحية المالية. هناك الناحية الثانية وهي ما نسميه "مدخلات التعليم العالي"، فالمؤسسات الجامعية تقدم "الشهادات" وهي شهادات نوعية وهو ما يتطلب تصرفا محكما في الموارد البشرية، لكن جامعاتنا لا تتحكم معرفيا في الطلبة الوافدين عليها لان عملية التوجيه ممركزة لدى الوزارة، ولا تتحكم في انتداب الأساتذة ولا في انتداب الكفاءات والإطارات الإدارية ولا حتى في العملة لان عملية الانتداب ممركزة أيضا في يد الوزارة. الأمر المتحقق في الواقع وليس باقتناع الجميع وهو حرية القرار الأكاديمي، وفي الواقع هذا الأمر كان متوفرا في السابق في زمن الدكتاتورية وحافظ عليه الجامعيون وهم بصدد تطويره منذ 14 جانفي خاصة بعد القرار الهام والمتمثل في انتخاب رؤساء الجامعات. * على ذكر الحريات الأكاديمية، ونحن بصدد كتابة دستور جديد هل هناك مسعى من الجامعيين لدسترة هذه الحريات باعتبارها العمود الفقري لنجاح وإشعاع الجامعة التونسية؟ * أولا أود أن أشير إلى أن مفهوم الحريات الأكاديمية في حد ذاته فيه شيء من الاختلاف، فما يفهم مباشره هو حرية التعبير وحرية التفكير وحرية الدرس، ولكن الحريات الأكاديمية في تعريف اليونسكو وفي تعريف أهل الاختصاص تتجاوز هذا الفهم الأولي إلى صياغة علاقات تشاورية مبنية على الحوار المفتوح بين كل مكونات الجامعة من طلبة وأساتذة وموظفين وعملة لصياغة عقد جامعي ديمقراطي. دسترة الحقوق الأكاديمية أمر مطروح لأنها جزء لا يتجزأ من الحريات العامة، ولان كل تمش ديمقراطي يمنع العودة بأي شكل من الأشكال إلى الديكتاتورية يمر حتما عبر دسترة جميع الحريات العامة والفردية ومنها الحريات الأكاديمية، والجامعة باعتبارها نوعية قادرة لان تكون مختبرا حقيقيا لنجاح المشروع الديمقراطي حتى قبل الانتهاء من صياغة الدستور. * باعتبار نوعية الفضاء الجامعي بنخبته المعرفية والثقافية وباعتبارها مختبرا لنجاح الديمقراطية، ألا ترون أيضا أنها مختبرا اليوم "للصراع" بين المشروع التنويري والحداثي والمشروع "الظلامي"؟ * الجامعة لا يمكنها إلا أن تكون حداثية، وما حدث في كلية الآداب كان أمرا مفروضا من الأطراف السلفية التي أرادت اختبار مدى قدرة الجامعة على رؤية ونظرة معينة وهذا الأسلوب معروف في جميع المراحل الانتقالية، وما وقع في منوبة أربك الجميع قبل حكم الترويكا وبعده أيضا، حتى صارت "ورطة". الأمر المطروح هو كيف يمكن للجامعة أن تحافظ على تقاليدها الجامعية وفي نفس الوقت أن تحترم الحريات الفردية حتى وان كانت "متطرفة"، وان تفرض معاييرها في التعامل مع ظواهر مثل السلفية كما تعاملت في السابق مع اليسار. واعتقد انه من الخطئ أن نطرح المسالة من زاوية الجامعة مقابل السلفية، مثلما لم تطرح من قبل الجامعة مقابل القومية أو اليسارية، رغم أن الأطراف السياسية اليسارية وحتى الإسلامية في الماضي كانت "تلوذ" بالفضاء الجامعي عندما كانت الدكتاتورية تضيق الخناق في الفضاء العمومي، أما اليوم فهذا الفضاء مفتوح لكل التيارات و"الصراع" يُدار في فضائه الحقيقي أي بعيدا عن الجامعة، ولذلك علينا أن نمنع أي محاولة للتحكم في الجامعة من أي إيديولوجيا لان الجامعة لا تحتمل إلا العمل النقابي. ومسألة النقاب مثلا هي مسالة محسومة باعتبار أن النظام الداخلي للجامعة يرفض قبول شخص مجهول الهوية، ونحن لا نفرق بين منقبة أو شخص من الطوارق أو شخص مقنع (cagoule ). في الولايات المتحدة الأمريكية أو في بريطانيا تقبل الجامعات بدخول مثل هؤلاء الأشخاص، ولكن هذه ليست حجة لضرب خيارات الجامعة التونسية ولا يمكن اعتمادها باسم حقوق الإنسان والحريات العامة لأنها منظومة كاملة لا تتجزأ. وعلى من يطالب بالحقوق أن يلتزم بالأساليب السلمية لا أن يلجأ إلى العنف وفرض رأيه بالقوة وتعطيل الدروس مثلما فعل السلفيون في كلية منوبة والخطأ الذي نتحمل مسؤوليته السنة الفارطة هو عدم تطبيق القانون بصفة فورية على من مارس العنف في الفضاء الجامعي. * هناك تخوف كبير اليوم من طرف الطلبة وأوليائهم والمدرسين من ارتفاع منسوب العنف والتهديد داخل الفضاء الجامعي، خاصة بعد إنهاء تواجد الأمن الجامعي فكيف ستواجهون مثل هذه الوضعية؟ * بكل بساطة أقول انه لو كان الأمن الجامعي متواجدا السنة الفارطة لوقع ما وقع من عنف وتصادم، لان الأمن الجامعي لم يتدخل البتة لفض مشكلة ما داخل الجامعة بل كان دوره الوحيد قمع الطلبة زمن الدكتاتور، وبالتالي فإن ذهاب الأمن الجامعي غير مأسوف عليه. المطلوب اليوم هو التفكير في توفير الأمن الجامعي على أسس جامعية وفق المعايير الدولية، وللأسف وزارة الإشراف لم تحرك ساكنا بخصوص هذا الجانب. في جامعة منوبة لنا 14 مؤسسة جامعية لم يقع فيها أي إشكال "امني" إلا في كلية الآداب السنة الفارطة، وبالتالي عموم المؤسسات الجامعية هي محمية بطبيعتها لان المواطن التونسي لا يرى في الجامعة إلا معقلا للعلم والمعرفة، وما حدث هو أمر ظرفي ومتعلق بقرار سياسي ضيق ينبغي أن تتحمل فيه الأطراف السياسية مسؤوليتها. * ولكن اليوم لم يعد خافيا على احد إصرار بعض الأطراف للسيطرة على الجامعة؟ * هناك وهم أن من يمتلك الساحة الطلابية سيمتلك الشارع، وهذا وهم ثبت انه لا يعدو أن يكون وهما، وعلى الأطراف السياسية أن تتأكد أنها لن تستطيع الهيمنة على الجامعة وعلى هذه الأطراف أن تكون مسؤولة ومن سيتجرأ ويحاول الهيمنة على الجامعة سينكسر على صخرتها. بالنسبة للعنف الموجود في الجامعة لا يقتصر على الظاهرة السلفية فقط، بل هناك مشاكل المخدرات والمتاجرة بالطالبات وبالتالي يجب أن تكون هناك مقاربة أمنية شاملة ويجب فتح حوار وطني حقيقي لتأمين الدور الفعلي للجامعة التونسية. والحلول الآنية والظرفية لا يمكنها أن تحل مشكلة العنف في الفضاء الجامعي. اليوم علينا أن نوجد تناغما حقيقيا بين أبناء الجامعة من طلبة ومدرسين وموظفين وعملة والجهاز الأمني والجهاز القضائي لتجاوز خطر العنف المهددة للجامعة التونسية. * هناك أحداث وطنية هامة ستعيشها تونس قريبا منها خصوصا إعلان الدستور الجديد والانتخابات القادمة، فكيف ترون انعكاس هذه الأحداث الوطنية على الطلبة والجامعة التونسية عموما؟ * سؤالك ينبني على تصور لما كان في السابق باعتبار أن في زمن الاستبداد كان الفضاء الجامعي هو الذي يستطيع أن يندد ويرفض ويعبر بكل حرية، الآن الفضاءات عديدة، وشخصيا أنا ضد أن تكون هناك إضرابات بسبب مثلا تأخر موعد الإعلان عن الدستور وضد إيقاف الدروس بسبب أحداث طارئة لا دخل للجامعة فيها. يكفينا من ردود الفعل الآنية ويجب أن نجعل من الجامعة قريبة من البرج العاجي لأنه المكان الوحيد الذي يمكننا من رؤية الواقع بطريقة أفضل. الجامعة للجميع ولا احد يملكها، والتهويل الإعلامي في السنة الفارطة هو الذي جعل من أحداث العنف سواء في منوبة أو سوسة أو قابس أو القيروان... أقحمت الجامعة في سياق هي ليست معنية به أساسا. * كإدارة، مع من ستتفاوضون حول مشاغل الطلبة، خاصة أن اليوم هناك الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للطلبة؟ * قانونيا لا يوجد إلا طرف واحد وهو الاتحاد العام لطلبة تونس، ونحن نتفاوض مع كل طرف يكون معبرا عن قضايا الطلبة وله تمثيلية في المجالس العلمية، وهي الوحيدة التي لها صبغة قانونية وشرعية وانتخابية رغم محدودية عدد المشاركين. ونحن نتفاوض معهم باعتبارهم طلبة ولا تهمنا لا ألوانهم الإيديولوجية ولا انتماءاتهم السياسية، ولا نخفيكم سرا أننا كجامعيين نشتكي من غياب الهياكل النقابية الممثلة للطلبة والسبب هو الخلط الذي ورثناه منذ مؤتمر فيفري 72. نحن نتفاوض على المطالب المادية والمعنوية للطلبة ولا نتفاوض على طبيعة النظام التونسي هل هو شبه شبه أم رأسمالي تابع. اليوم نحن بصدد الدخول في مرحلة التعددية النقابية واعتقد أن الطرف الأكثر تمثيلية للطلبة ومن لا يحاول تسريب السياسي إلى النقابي سيكون هو الطرف المفاوض بالنسبة لنا، وهنا أدعو الأطراف السياسية لرفع يدها عن الاتحاد العام لطلبة تونس. ثم نحن نرنو إلى أن تكون هناك تمثيلية بيداغوجية ونقابية وثقافية للطلبة. * ينتج طلبة الجامعة سنويا عددا مهولا من الإعمال الجامعية ولكنها تظل مركونة في الإدراج، فهل تفكرون في طرحها للقراء في المكتبات، خاصة أن فيها من الأعمال ما يضيف للمشهد العلمي والثقافي؟ * أولا يجب أن أوضح مسالة يتم تداوله مفادها أن ما كان ينشر سابقا من المنشورات الجامعية يتم وفق الولاءات الحزبية وهذا غير صحيح إطلاقا بل ما يحسب للجامعة أنها احترمت وحافظت على المعايير الأكاديمية والاستقلالية المعرفية في النشر الجامعي. أما الأعمال الجامعية للطلبة وخاصة رسائل الدكتوراه وهي كثيرة جدا، يجب هنا أن نقر بان الكثير منها لا يقدم إضافة علمية كبيرة وهذا ليس استنقاصا بل لان الإضافات العلمية تكون جزئية في الأبحاث وتندرج عموما في مشروع معرفي شامل، وبالتالي ليست كلها جديرة بالنشر، ولكن غالبا يُترك الأمر لرغبة صاحبها في النشر أو لوجود مثلا جائزة يمكن أن تتوج الأعمال المهمة ونحن في جامعة منوبة أنشأنا هذه السنة جائزة جامعة منوبة للبحوث لاستصفاء واختيار الأعمال الأكاديمية الجادة وستصدر نتائجها قريبا. * في سياق النشر أحدثتم السنة الفارطة مجلة "أكاديما" وكان لها الوقع الحسن منذ عددها الأول فهل ستتواصل هذه المجلة؟ * "أكاديميا" هي مجلة ذات بعد ثقافي ولكنها تُعنى بجل القضايا الجامعية وركزت في السنة المنقضية على توضيح خطها التحريري ووصلت إلى صيغة مرضية إلى حد ما. وستعود في بداية أكتوبر القادم إلى الصدور لتكون صوتا للجامعة المعبر عن قضاياها وشواغلها ونتمنى أن تعيش طويلا.

2012/09/04

حوار مع مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري:

ما دخل رئيس حركة النهضة في التحوير الوزاري؟! من حق الشعب أن يعرف مآل لجنة التحقيق في أحداث العنف يوم 9 افريل أجرى الحوار ناجي الخشناوي ـ تصوير كريم السعدي اعتبرت المناضلة مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري وعضوة المجلس الوطني التأسيسي، أن صيغة الفصل 28 تثير الاستغراب باعتبار أن مسودة التوطئة والمبادئ العامة في دستور "الجمهورية الثانية" ينص صراحة على مبدأ المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل على أساس المواطنة، محملة في ذات الوقت مسؤولية ضرب هذا المبدأ لصمت وتواطئ كل من حزب التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية، معتبرة أن المسيرة الاحتفالية بعيد المرأة (13 أوت) التي انتظمت في عديد ولايات الجمهورية رسالة تنبيه وتحذير لكل من تسول له نفسه المساس بالمرأة التونسية رمزا للجمهورية. في هذا الحوار تتطرق المناضلة مية الجريبي إلى ما حف بالفصل 28 من الدستور وآخر مستجدات الحزب الجمهوري وآفاق الجبهات الانتخابية القادمة. * كنت أول أمينة عامة لحزب سياسي في تونس وترشحت لرئاسة المجلس التأسيسي، فهل تعتبرين أن هذه الوظائف القيادية ستظل مكفولة للنساء التونسيات على ضوء المتغيرات الحاصلة في تونس؟ * التونسيات قطعن أشواطا مهمة في المشاركة في النشاط العام بدءا من حركة التحرير ومرورا ببناء الدولة الحديثة وصولا إلى الإطاحة بالنظام السابق، وأعتقد أن ما حققته المرأة التونسية من مكتسبات لم تكن مسقطة ولم تأت من فراغ، إنما اقتلعتها عن جدارة وباستحقاق، وأعتقد أن وجود المرأة في المواقع الريادية والقيادية دون إمكانياتهن الحقيقية. الآن نعرف أن هناك دعوات للتراجع عن هذا الموقع المتقدم والنكوص بمسيرة مشعة للمرأة التونسية المتحققة على مدى عقود وعلينا كمناضلين سياسيين وجمعياتيين وعلى كل فئات الشعب التونسي أن يقف صفا واحدا أمام هذه الهجمات وأن يبرهن على فطنته وحذره من المشاريع التي تحاول شد حركة التاريخ إلى الوراء، وما حصل ليلة 13 أوت بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة خير جواب على كل مشكك في قيمة المرأة التونسية. * قبل وبعد 14 جانفي كانت المرأة في الصفوف الأمامية لجل التحركات، وكان مطلب المساواة مركزيا في كل تلك التحركات، وتضمن ما لا يقل عن 40 مشروع دستور قدم للمجلس التأسيسي مبدأ المساواة بما يعني وفاقا وطنيا حول هذا الاستحقاق، غير أن الفصل 28 مثل "نشازا" دستوريا؟ * أعتبر أن مبدأ المساواة قيمة إنسانية وهي محل توافق وطني في صفوف الشعب التونسي لا نخبته الفكرية والسياسية فقط، وهذا التوافق أسست له الحركة الإصلاحية التونسية المتأصلة في تاريخها والمنفتحة على التاريخ الحضاري المستنير، بدءا من خير الدين ومرورا بالطاهر الحداد والفاضل بن عاشور، وهو تيار متواصل في الزمن... وبالفعل فإن مشاريع الدساتير المقدمة للمجلس التأسيسي وعلى رأسها مشروع دستور الاتحاد العام التونسي للشغل نصت جميعها على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، ومهم أن نستذكر هنا وثقية 18 أكتوبر التي جمعت أطرافا من اليسار ومن القوميين ومن الإسلاميين وقد ثمّنت آنذاك الهيئة في الوثيقة المكاسبَ التي جاءت بها مجلةُ الأحوال الشخصيّة التونسيّة، ورأت فيها ثمرةً لحركة إصلاحيّة تنويريّة خلّصتِ المرأةَ من قيود عصور الانحطاط الاجتماعيّة والثقافيّة، وأسهمتْ بذلك في تحرير نصف المجتمع وتحديثه مع الحفاظ على مقوِّمات هويّته الحضاريّة الخصوصيّة. وطالبت الهيئة بتعميق هذه المكاسب، في توافق مع المواثيق الدوليّة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، وقد التزم الجميع وقتذاك بالنضال من أجل تكريس هذا المبدأ وتطويره ايجابيا، ولذلك أعتقد انه لا مجال اليوم للتراجع عن هذه الالتزامات والنكوص بتلك العهود. والفصل 28 من الدستور الحالي يثير الاستغراب، فإذا كنا نؤمن بمبدأ المساواة كما يقول إخواننا في كتلة حركة النهضة فلماذا يتم التخلي عن هذا المصطلح التأسيسي وتعويضه بكلمة "التكامل"؟! خاصة أن مسودة التوطئة والمبادئ العامة تنص صراحة على المساواة وكل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي متفقة على ذلك باعتباره مبدءا يوحد كل التونسيين، غير أن هذا الفصل بالصيغة المقترحة من كتلة حركة النهضة كان مفرقا للجميع لذلك دعوتنا لكافة الكتل أن نتوحد ونوحد كل التونسيين من خلال التنصيص صراحة ووضوحا على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل. *كيف تقيمين تراجع حركة النهضة اليوم وهي في الحكم عن مبادئ 18 أكتوبر وخاصة فيما تعلق بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل والحريات العامة والفردية؟ *نحن نشهد ازدواجية في الخطاب تَسم أداء حكومة الترويكا والحزب الحاكم بصف خاصة، فوثيقة 18 أكتوبر كانت محطة تاريخية تؤسس لعلاقة ديمقراطية تعددية بين كل العائلات الفكرية حتى نتعايش بسلام بل ونتكامل في خدمة الصالح العام تحت علوية القانون، وفي إطار احترام المبادئ الديمقراطية الجامعة، لكن مع الأسف الشديد وقع التراجع عن هذا الاتفاق، والحقيقة أن التراجع عن هذه التعهدات لم يقتصر على وثيقة 18 أكتوبر، بل أيضا عن الوثيقة الممضاة عشية الانتخابات (23 أكتوبر) التي التزمنا بمقتضاها جميعا بأن لا يتجاوز عمل المجلس التأسيسي مدة السنة. ازدواجية الخطاب نلاحظها أيضا في مجال استقلال القضاء، حيث يعلنون عنه شفويا ويرفضون التنصيص عليه في القانون، وكذلك الأمر في خصوص المساواة بين المرأة والرجل، وأنا أعتبر أن صمت الحزبين "المشاركين" في الحكم (حزب التكتل من اجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية) عن مثل هذه التراجعات الخطيرة لا يمكن إلا أن يحمل اسما واحدا هو "التواطؤ". *في سياق هذا الخطاب المزدوج، كيف تقيمين تعامل الحكومة الحالية مع الأعياد الرسمية مثل عيد الجمهورية وعيد الشهداء وعيد المرأة، وهل ترين أن إبداء التجاهل لهذه الأعياد من ناحية، وممارسة العنف والقمع ضد المحتفلين من ناحية ثانية، مرده الطبيعة الانتقالية للمرحلة أم هي سياسة إستراتيجية لضرب مقومات النظام الجمهوري؟ *من ليس له ماض لا يمكن أن يزعم بناء المستقبل، والماضي لدى كل الشعوب يتجسد ويتمظهر في الأعياد الوطنية والشعبية. ما استغربه أن حكومتنا المؤقتة منذ أن تولت مقاليد الحكم لم تحفل بأي مناسبة لا وطنية ولا شعبية. في 20 مارس، عيد الاستقلال، قلنا إنهم حديثون بالحكم لكن تواصل الأمر، ففي يوم 9 افريل عيد الشهداء، وقع "الاحتفال" بالمتراك وبالغاز المسيل للدموع ولا يفوتني هنا أن أسأل عن مآل اللجنة التي تشكلت للتحقيق في أحداث العنف المنظم الذي سلط على الشعب يومها. كما تجاهلت الحكومة عيدين وطنيين بقيمة عيد الجمهورية (25 جويلية) وعيد المرأة (13 أوت)، ولكن نحن في الحزب الجمهوري ومع كل مكونات المجتمع المدني الحية والغيورة على تاريخ تونس والمفتخرة بأعيادها الوطنية والشعبية، كنا نحتفل في كل مرة ونعبر عن وفائنا لكل الأجيال التي سبقتنا وناضلت من أجل حياة أفضل لنا، وقد نظم الحزب الجمهوري اجتماعا شعبيا ضخما في شارع الحبيب بورقيبة يوم 25 جويلية 2012 واحتفلت الأحزاب والجمعيات والمنظمات بيوم المرأة بالزخم الذي لاحظه الجميع، كما حرص الحزب الجمهوري أن لا تقتصر هذه الاحتفالات على تونس العاصمة بل انتظمت الاحتفالات في قابس وصفاقس ونابل والمهدية والمنستير وبنزرت وبنعروس وغيرهم من الولايات. الاحتفال بعيد المرأة كانت احتفاليا وكذلك تعبويا للوقوف في وجه خطر التراجع عن مكتسبات المرأة والمجتمع التونسي. *في كلمتك في قصر المؤتمرات بمناسبة عيد المرأة كنت توجهت برسالة للحكومة وصفتها بالتاريخية ؟ *إن اجتماع 13 أوت في قصر المؤتمرات والذي سبقته مسيرة ضخمة انطلقت ليلا في شارع الحبيب بورقيبة مرورا بشارع محمد الخامس، والتي ضمت أحزابا سياسية ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني والنقابي يؤسس إلى صيغة تجميعية لكل القوى الديمقراطية الوسطية والمعتدلة لمواجهة كل أخطار الاستبداد بأشكالها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وهذا التجميع يكتسي أهمية بالغة بعلاقة بالاستحقاقات الدستورية والسياسية القادمة وبذلك فهو يكتسي بعدا تاريخيا، وما قلته في كلمتي تحذير من الانحرافات الخطيرة التي تأتيها الحكومة المؤقتة. * وفقا لتصريح سابق ذكرت أن قرار منع التظاهر يوم 13 أوت تم الإعلان عنه في اجتماع حزب سياسي (حركة النهضة) فهل يعني أن وزير الداخلية، الذي اعتبرته في السابق عديد النخب السياسية قد أظهر من الكفاءة ما يخول له أن يكون رجل دولة محايد، فهل يعني هذا أن الدولة التونسية عادت إلى مربع الاستبداد والى سيطرة الحزب الحاكم على دواليب الدولة؟ *مظاهر التداخل بين الحزب "الحاكم" ومؤسسات الدولة عديدة وتبعث على الانشغال وتؤكد مرة أخرى أننا لم نقطع بعد مع أساليب العهد الماضي، فنرى على سبيل المثال رئيس حركة النهضة يعلن عن تحوير وزاري وشيك وهو لا يتقلد أي منصب حكومي! ونرى مسؤولين حزبيين يستغلون القاعة الشرفية لمطار تونس قرطاج لاستقبال ضيوفهم الحزبيين تحت رايتهم الحزبية، أما عن تصريحات الولاة الذين من المفترض أن يتحلوا بالحياد والاستقلالية، فهي عبارة عن حملات انتخابية سابقة لأوانها، أما عن تبريرات لممارسات حزبية حدث ولا حرج وليس أدل على ذلك من ممارساتهم فيما يتعلق بالنيابات الخصوصية التي تنم عن نزعة سيطرة واستحواذ وهيمنة تفتح المجال أمام كل الأخطار. أن تحقيق أهداف الثورة التي جاءت من اجل تحقيق الكرامة لكل المواطنين مهما كانت انتماءاتهم تفرض على كل الوطنيين الوقوف صفا واحدا ضد هذه الانزلاقات الخطيرة. *بعد نجاح مؤتمركم التوحيدي، وفي خضم التكتلات والجبهات الانتخابية والإستراتيجية، هل هناك آفاق جديدة للالتقاء مع مكونات سياسية أخرى؟ *البناء الديمقراطي يفترض التوازن بين الأطراف السياسية لتأمين التداول على الحكم وهو الركن الأساسي للنظام الجمهوري وهذا التوازن يفترض تجميع الجهود وتوحيد العائلة الديمقراطية الوسطية المعتدلة. هذا الالتقاء الذي ضم إلى جانب الحزب الديمقراطي التقدمي ائتلاف عدة أحزاب وسطية تقدمية مثل حزب آفاق تونس والحزب الجمهوري إلى جانب تشكيلات سياسية حديثة العهد وهي حزب الإرادة وحزب الكرامة وحركة بلادي وحزب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية إلى جانب شخصيات وقوائم مستقلة، هو التقاء ليس خيارا بل هو ضرورة وليس تمشيا حزبيا لبعض الأطراف، وإنما مطلب واسع تعبر عنه عديد النخب والمواطنين في بلادنا، لذلك قرر المكتب السياسي للحزب الجمهوري المنعقد مؤخرا في صفاقس فتح باب المشاورات مع كل الأحزاب والجمعيات والمنظمات التي نلتقي معها في نمط المجتمع الذي ننشده لتكوين أوسع جبهة ديمقراطية ممكنة في أفق الاستحقاق الانتخابي القادم. *ولكن أفضى هذا التوحيد إلى انقسامات داخل الحزب الديمقراطي التقدمي وكذلك في صفوف الحزب الجمهوري، فهل هناك مبادرات لإعادة مناضلي الحزب خاصة أمام حركة الاستقطاب الواسعة التي تقوم بها بعض القوى على غرار نداء تونس؟ * أولا نحن نحترم كل الخطوات التي تقوم بها الأحزاب الأخرى في إطار من الأخلاق السياسية ونؤكد تواصلنا مع الأحزاب الوسطية والمعتدلة من اجل جبهة انتخابية، والحزب الديمقراطي التقدمي جسد مساره التوحيدي بانصهار تسعة (9) أحزاب إلى جانب 15 قائمة مستقلة، رغم أن الرأي العام السياسي والوطني لا يذكر إلا ثلاثة أحزاب فقط. والآن تجاوزنا هذه المرحلة، ومؤتمر الحزب الجمهوري تزامن مع انسحاب عدد من الكوادر السياسية، وبالطبع نحن نأسف لهذا الانسحاب، ونأسف أننا عندما كنا نطرح مسالة التوحيد نَزَعَ بعض من إخواننا إلى التفرقة، وكما قلنا في عديد المناسبات أن هذه الانسحابات جاءت رفضا لنتائج مؤتمرنا الذي كان ديمقراطيا وشفافا، وعلى كل حال نحن تجاوزنا هذه المرحلة والحزب الجمهوري يشق طريقه بثبات، ولا أدل على ذلك هذا الامتداد الجغرافي ونجاح تحركاتنا الميدانية والتجاوب الشعبي العفوي وربما مسيرة الاحتفال بيوم المرأة 13 أوت دليلا آخر على ثبات نهجنا الوسطي والمعتدل. تجاوزنا مرحلة الانقسامات وعسى أن يجد كل الديمقراطيين والمعتدلين بعضنا البعض في خدمة تونس. * تم مؤخرا عرض تقرير بسير المشاورات بين حزبكم وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي ونداء تونس، هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل من هذا التقرير؟ * تنادينا، نحن الأحزاب الثلاثة للحوار وتقريب وجهات النظر بخصوص الراهن السياسي وأيضا للبحث في سبل تجميع طاقاتنا، وقد أكدنا على خطورة الوضع العام بالبلاد والمتسم بنزعة السيطرة والهيمنة من الحزب الحاكم، وبوضع اجتماعي على حافة الانفجار، ووضع سياسي ملتبس بحالة من الغموض الشديد في خصوص خارطة طريق واضحة المعالم، كل هذه المؤشرات كانت أرضية مشتركة لنا ضمن هذا التقرير وقد تم عرض التقرير على الحزب الجمهوري الذي ثمن التوازن السياسي بين الأحزاب الثلاثة، وكلف الحزب الجمهوري الهيئة التنفيذية بإطلاق المشاورات مع الأحزاب الوسطية واليسار المعتدل ومنظمات المجتمع المدني لتكوين أوسع جبهة ديمقراطية تؤمن المسار الانتقالي نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الإطار لا يسعني إلا أن اثمن "الجبهة الشعبية" التي تشكلت مؤخرا بين عدة أحزاب يسارية وهو ما يدل على أن كل الأطراف قد استخلصت الدرس من الانتخابات السابقة ومن حالة التشتت، وهذه الجبهات سوف تيسر الأمور على المواطن ليتمكن من حسن الاختيار. *دعا الحزب الجمهوري منذ مدة إلى حل الحكومة وتكوين حكومة إنقاذ وطني، هل هذا المقترح مازال ساري المفعول في هذه الفترة؟ *عديد الأطراف الوطنية، (أحزاب وجمعيات ومنظمات وكذلك مواطنين ) تؤكد على فشل الحكومة، هاته الحكومة التي انتظر منها المواطن المضي قدما في تجسيد البرامج التنموية العادلة والتي تمتص جزءا من البطالة المتفاقمة في صفوف الشباب وتحدث حركية اقتصادية، هاته الحكومة التي فشلت في تشبيك منظومة الحريات العامة والفردية وفي إرساء العدالة الاجتماعية، وفي إحلال الأمن، لكن مع الأسف الشديد نلاحظ خطابا مزدوجا خاصة فيما تعلق بالحريات، وكذلك لم تتراجع نسبة البطالة بل تفاقمت، ورأينا خطاب الرضى عن النفس تطلقه الحكومة في كل مناسبة وبالمقابل ولا تلقي إلا باللوم على الأطراف الأخرى من معارضة وإعلام وحتى المواطن المحتج والرافض لوضعه المزري لم يسلم من الحكومة. هذه الحكومة تنصلت من مسؤوليتها وعليها أن تقر بفشلها وهذا ما يدفعنا للبحث عن سبل إنقاذ وطننا، وقد قدم الحزب الجمهوري حلا يضمن يتمثل في توافق وطني واسع حول حكومة محدودة العدد (15 وزيرا) متركبة من كفاءات مشهود لها بعيدا عن المحاصصة الحزبية وتتبنى برنامج إنقاذ وطني عاجل بما يفسح المجال أمام إجراءات عاجلة وناجعة وبما يفسح المجال أيضا أمام الأحزاب السياسية وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي لإنهاء صياغة الدستور. *الحكومة دائما ما تعلن أن هناك حوارات ومشاورات جارية مع المعارضة هل كنتم، الحزب الجمهوري، طرفا في هذه المشاورات؟ * أعتقد انه لا يمكن أن نؤمن الاستمرار إلا بالحوار بين المعارضة والحكومة، غير أن الترويكا متقوقعة على ذاتها، رافضة الاعتراف بالأخطاء وتغلق باب الحوار، ورغم كل التصريحات التي نسمعها من حين إلى آخر بخصوص التشاور والتحاور فان المناسبة الوحيدة التي التقى فيها رئيس الحكومة المؤقتة مع المعارضة تعود لأشهر خلت وكان لقاءا عاما!!! *يبدو أن الإعلام والقضاء هما الحلقة المحددة لتغول الترويكا ولذلك لا تتواني حركة النهضة في السعي الجاد للاستحواذ على الإعلام وتطويع القضاء، وأمام التعيينات الأخيرة في قطاع الإعلام من ناحية وتضارب التصريحات بشأن إطلاق سراح النقابيين المعتقلين من ناحية ثانية كيف ترون مستقبل هذين القطاعين؟
* لا ديمقراطية بدون قضاء مستقل واعلام حر، وانه لمن المحزن ان الحكومة تسعى جادة منذ اول يوم لتدجين الاعلام وتطويع القضاء، تارة بشن الهجومات على الاعلاميين وطورا بالخروج علينا بمشروع خوصصة الاعلام العمومي، وهنا لا يفوتني ان أشيد بالوقفة الحازمة لابناء القطاع ولكل مكونات المجتمع السياسي والمدني والحقوقي في الدفاع عن قطاع الاعلام عموميا مستقلا، وبالمناسبة احيي الوقفة الاحتجاجية التي قام بها الصحافيون أمام جريدة عريقة (الصباح) للدفاع على حرية الكلمة ورفض التعيينات المسقطة. القضاء بدوره يشهد استهدافا من طرف السلطة التنفيذية، وما بالعهد من قدم يذكر الرأي العام الوطني عزل 81 قاضيا في ظروف غامضة تفتقد إلى الشفافية من طرف السلطة التنفيذية التي قامت الثورة من اجل أن ترفع يدها عن السلطة القضائية، وكما تابع الرأي العام الوطني شهد المجلس الوطني التأسيسي جدلا كبيرا بين من يدافع عن استقلالية حقيقية للقضاء وبين من يريد أن يطوع هذا الجهاز... كل هذه المؤشرات تنبؤ بان القطع مع الماضي هو شعار أجوف.

2012/09/03

حوار مع المناضل حمة الهمامي أمين عام حزب العمال:

بهذه الأساليب سيتم تزوير الانتخابات القادمة أجرى الحوار ناجي الخشناوي ـ تصوير كريم السعدي في ذات الشقة التي حاصرها البوليس السياسي لسنوات طويلة استقبلنا المناضل التونسي حمة الهمامي، وبتلك الابتسامة التي تعلو محياه كلما اقتاده البوليس إلى احد الغرف المظلمة، خصنا زعيم حزب العمال بهذا الحوار، وكان واضحا وصريحا وحاسما في أجوبته على جملة الأسئلة التي طرحناها، والتي حاولنا أن تكون مواكبة لآخر تطورات المشهد السياسي في تونسي، بدءا بخطاب رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي في مؤتمر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، مرورا بتفاصيل الجبهة الشعبية وآفاقها الانتخابية والسياسية وصولا إلى مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ودوره التاريخي لا في ثورة 14 جانفي فقط، بل في استقلال تونس... في هذا الحوار وجه حمة الهمامي جملة من الرسائل إلى الرؤساء الثلاثة والى عدد من الفاعلين السياسيين. * لنبدأ من الخطاب المفاجئ للرئيس المؤقت للجمهورية، وخاصة فيما تعلق بحركة النهضة، كيف قرأتم "اتهاماته"؟ * ما قاله المرزوقي في خطابه لم يكن مفاجئا أو غير منتظر، لأن تشكل الترويكا لم يكن على قاعدة مبادئ بل لغاية تقاسم المناصب رغم ما يوجد من اختلافات جوهرية بين الأطراف الثلاثة، وأمام فشل الحكومة المؤقتة في إيجاد حلول جذرية للمطالب الشعبية من ناحية وتغول حركة النهضة وفرض توجهها ورؤيتها على شريكيها في الحكم (التعيينات والقرارات الاقتصادية والاجتماعية...)، وكذلك في ظل "انطلاق" الحملة الانتخابية بطريقة غير قانونية، كان متوقعا أن يقول رئيس الجمهورية المؤقت ما قاله. ثم لا ننسى أن رئيس الجمهورية المؤقت تعرض للعديد من "الإهانات" من طرف حركة النهضة خاصة في نزع الصلاحيات عنه وفي قضية تسليم البغدادي المحمودي وفي تعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي... اعتقد أن ردود فعل المرزوقي جاءت متأخرة جدا ولا يمكن أن تكون لها مصداقية لدى الرأي العام. * وكيف تقرؤون ردة فعل قياديي النهضة وخاصة ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن تصريح غاضب لوزير الداخلية فيه نوع من التهديد بكشف "دوسيات" المرزوقي؟ * انسحاب عدد من قياديي حركة النهضة عبر بشكل واضح عن خيبة أملهم من رجل عدوه "صديقا" فوجدوه معارضا لهم، أما بخصوص تصريح السيد علي العريض وزير الداخلية فقد تم تكذيبه بشكل رسمي وقاطع، ولكن لو فرضنا أن العريض قال ما نسب إليه، فلا يمكنني أن أقول إلا أن مثل هذه الممارسات لا تذكرنا إلا بممارسة بن علي. * كلمة رئيس المجلس الوطني التأسيسي وُصفت بأنها "مهادنة" لحركة النهضة، بل مُمجدة لها؟ * ذاك هو مصطفى بن جعفر. لا يمكنه أن يكون مثل منصف المرزوقي على الأقل من الناحية السياسية، فهو لا يستطيع أن يقول "لا" لحركة النهضة، ولا أن يأخذ مواقف واضحة وحاسمة في بعض الأحداث. واعتقد عموما أن مواقفه هذه تعود أساسا إلى التفكك الذي أصاب حزب التكتل وللانسحابات المتوالية لمنخرطيه. وللتاريخ يجب أن نذكر أن بن جعفر ساهم في هيئة 18 أكتوبر 2005 ثم انسحب منها وانتقدها بشدة، بل اعتبرها حركة متشددة ودعا في نفس الوقت إلى الإبقاء على بن علي ونظامه والقبول ببعض الإصلاحات الشكلية. * بالتزامن مع مؤتمر حزب المؤتمر، انعقد مؤتمر الحزب الاشتراكي اليساري، وفي تصريح لإحدى الإذاعات قال محمد الكيلاني أنه لا فرق بين حركة نداء تونس وحزب العمال فيما يخص الدفاع عن قيم الجمهورية، وان هناك مساع "للتحالف" في هذه المرحلة... ما رأيكم في هذه المقارنة وما حقيقة هذه "المساعي"؟ * أعتقد أن ما تذكره لي من كلام على لسان محمد الكيلاني هو كلام يلزمه هو، ونحن لنا اختلافات جوهرية في ما يخص برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي مع حركة نداء تونس، ثم إن المطروح الآن ليس فقط الدفاع عن مبدأ الجمهورية بل ما هو محتوى هذه الجمهورية وما طبيعتها وسياستها الداخلية والخارجية... كل هذه النقاط نختلف فيها جذريا مع حركة نداء تونس، هذا فضلا عن كونها حركة ليبرالية. حتى حركة النهضة تتحدث عن الدفاع عن مبدأ الجمهورية وعن الدولة المدنية والجمهورية الديمقراطية، ولكن اعتقد انه ليس مهما الكلام عن الشعارات، وإنما المهم هو الإيمان بهذه المبادئ والقيم. حركة نداء تونس مازالت ترفع الشعارات ولم تتقدم برؤية متكاملة وببرنامج واضح ومفصل حتى يحكم عليها الرأي العام بشكل نهائي. اعتقد أن كلام محمد الكيلاني ليس في محله تماما، وانفي شخصيا تماما أن يكون هناك أي اتصال لا مباشر ولا غير مباشر بين حزب العمال وحزب نداء تونس. وهناك مسألة مهمة أود أن أشير إليها في هذا السياق، وهو الترويج الإعلامي المغلوط لما يسمى استقطابا ثنائيا، إما مع حركة النهضة أو مع حركة نداء تونس، وهو ما يذكرني سابقا ما كان يروج له بن علي، إما معه هو أو مع الاتجاه الإسلامي... اليوم هناك جبهات سياسية تتشكل ورؤى تختلف والحكم وحده للرأي العام الشعبي لأنه الوحيد القادر على اختبار موازين القوى. * هناك من يتحدث عن إمكانية "التوحيد" بينكم وبين محمد الكيلاني خاصة انه كان من بين أهم مؤسسي وقيادات حزب العمال الشيوعي التونسي؟ * لا وجود لخلافات ذاتية بين مناضلي حزب العمال والحزب الاشتراكي، ولكن خلافاتنا سياسية بالأساس، والدليل على ذلك أن مثل هذا التصريح للكيلاني يمكن أن أقراه على أن حزبه لا مانع لديه من التحالف مع حركة نداء تونس، وهذا ما نختلف فيه معه، فنحن كحزب عمال ومع الحركة الوطنية الديمقراطية ومع القوى القومية وكل مكونات الجبهة الشعبية نسعى إلى تحقيق أهداف الثورة والتي لا نخال أن حركة نداء تونس ومعها الحزب الاشتراكي اليساري معنيان بتحقيق أهداف الثورة. * في سبر للآراء مؤخرا، حزتم على المرتبة الرابعة في عملية التصويت، فهل يعني هذا أنكم، في الجبهة الشعبية، قادرون على تقويض ما يُسمي بالاستقطاب الثنائي، وأن الأمل عائد للتيار اليساري والقومي والتقدمي ليأخذ حجمه الحقيقي؟ * رغم تحفظاتنا على ما ينشر من الإحصائيات والأرقام في عمليات سبر الآراء، إلا أن هذا الترتيب يمكن أن يكون مؤشرا ايجابيا على تفاعل الرأي العام الشعبي مع الجبهة الشعبية في الوقت الذي نلاحظ فيه تراجعا لدى بعض الأطراف الأخرى بما فيها الترويكا. هو مؤشر ايجابي ولكنه جزئي، ونحن في الجبهة الشعبية متفائلون لعدة أسباب، أولها أن اللحظة الراهنة لم تجمعنا ولكن تاريخنا النضالي هو قاسمنا المشترك الأول، ودون مزايدة أقول أن محكمة أمن الدولة أنشأت خصيصا لليساريين والقوميين في الحركة النقابية والطلابية والحقوقية والسياسية... ودون مزايدة أيضا التاريخ يشهد لكل القوى اليسارية والقومية والقوى التقدمية وفي مقدمتها الحركة النقابية والحقوقيين بأنهم كانوا في الصفوف الأمامية للاحتجاجات الشعبية التي توجناها بإسقاط الدكتاتور يوم 14 جانفي. نقطة الضعف التي اعترت هذه القوى الحية هو التشتت وعدم التنسيق والعمل المشترك، ولكن بعد انتخابات 24 أكتوبر ثمة من قام بعملية حسابية بسيطة أثبتت أن الأصوات التي جمعتها القوى اليسارية في تونس تؤهلها لان تحتل المرتبة الثالثة لو لم تكن مشتتة (بين 32 و34 مقعدا في المجلس التأسيسي). ثم إن السعي المحموم لحركة النهضة لإعادة إنتاج نظام ديكتاتوري أتعس من نظام بن علي كان رافدا مهما للتشبث بتوحيد القوى اليسارية والقومية في الجبهة الشعبية (12 حزب وتيار سياسي) إلى جانب عدد كبير من المستقلين. كل هذه المؤشرات يمكن أن تخرجنا من "مربع" المعارضة إلى الحكم ومن قوة احتجاج إلى تنفيذ أهداف الثورة دون مواربة أن تلكؤ كما نرى اليوم. * ولكن قبل انتخابات 23 أكتوبر تشكلت بعض الجبهات والأقطاب ذات التوجه اليساري والتقدمي غير أن "نزعة" الزعامات ساهمت بشكل مباشر في هزيمتكم في انتخابات المجلس التأسيسي، فهل ستُحسم هذه النزعة نهائيا بعد تشكل الجبهة الشعبية؟ * أثناء انتخابات 23 أكتوبر لم تكن هناك مسألة زعامات بالشكل الذي يتم الترويج له، ولكن كانت هناك عديد المسائل الرئيسية منها بالخصوص الاختلاف في الموقف من الالتحاق بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والموقف من حكومة السبسي آنذاك مما أثر على نتيجة الانتخابات... حزب العمال والى آخر لحظة ظل ينادي بقائمات موحدة على كل الدوائر، غير أن بعض شركائنا طرحوا قائمات موحدة جزئية... ثم لا ننسى أن في تلك الفترة لم يكن هناك وعي كبير للرهان على المشروع اليساري بقدر ما كان رهان على مشروع مجتمعي. الآن وقع تقييم كل هذه المسائل بجدية داخل الجبهة الشعبية وتم تقديم النقد والنقد الذاتي من كل طرف في الجبهة... المسؤولية تحملناها جميعا ولم تلق على طرف بعينه وهذا مهم وأساسي. * هل لكم أن تطلعونا على تفاصيل هيكلة الجبهة الشعبية؟ * لأن جبهتنا سياسية استراتيجية وليست انتخابية، واعتبارا من دروس التجربة الماضية ستكون هناك قيادة مستقلة على المستوى الوطني ولن يكون هناك نضال حزبي بل جبهوي، كذلك الهيكلة ستمتد جهويا ومحليا وفي القرى إلى جانب الانتشار القطاعي، وهناك مجلس وطني وهيئة تنفيذية وهيئة موسعة لاتخاذ القرار، ونحن الآن بصدد تدارس مقترح مهم سينص على أن المستقلين سيمثلون ثلث المقاعد في جميع الهيئات. * كيف تردون على حملات التشويه الممنهجة ضدكم وضد المناضل شكري بالعيد؟ * الأطراف المناوئة للجبهة وفي مقدمتها حركة النهضة تنتهج تكتيك بن علي، ففي البداية قالوا أن اليسار لن يتوحد، والآن ابتدعوا حكاية أن راضية النصراوي ستكون وزيرة البيئة، ثم أثاروا مسالة الزعامات وحاولوا تغذيتها بيني وبين شكري بالعيد تحديدا، ثم هم الآن يواصلون شن حملة منظمة على المناضل شكري بالعيد الغاية منها إرباك مسار الجبهة والذي يعتمد التركيز على الشخصيات البارزة، وكلنا نتذكر كيف ركز نظام بن علي على أحمد بن صالح لضرب حركة الوحدة الشعبية، ثم ركز على أحمد المستيري زعيم حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وركز على الزعيم الحبيب عاشور لضرب الاتحاد... التركيز على شكري بالعيد الآن هو لغاية ضرب حركة الوطنيين الديمقراطيين لأنه يتزعم المسار التوحيدي ولكن أقول لمن يروج هذه الأكاذيب أتحداكم أن تنشروا أي دليل على ما تتهمون به شكري بالعيد، بل أتحداكم جميعا أن تنشروا أرشيف البوليس السياسي... * هناك إصرار "للاستيلاء" على مؤسسات الدولة لغايات انتخابية، وهناك من يطوع وسائل الإعلام لنفس الغايات، وفي نفس الوقت لم تحسم مسألة الهيئة العليا للانتخابات، ألا ترون أن تفاؤلكم مبالغ فيه أمام هذه الأساليب؟ * بن علي استخدم مؤسسات الدولة وسقط واستغل الإعلاميين وسقط كذلك... نحن نؤمن أن مؤسسات الدولة هي ملك الشعب لا الأحزاب وكذلك نؤمن باستقلالية الإعلام وحياده في العمليات الانتخابية، والجبهة الشعبية ملتصقة بالحركة الطلابية والحركة النسائية وبعدد كبير من الإعلاميين النزهاء وبالنقابيين والحقوقيين والعمال والفلاحين وهم نقاط قوتها ورأسمالها الرمزي. الأكيد إن إمكانيات الجبهة المالية متواضعة ولكن النشاط النضالي والتطوعي سيكون سندنا، أيضا في الجانب الإعلامي لدينا عدد كبير من الشباب الناشط على الشبكات الاجتماعية ولكنه ليس منظما في عمله، كذلك لا تنسى أن كل وسائل الإعلام فيها صحافيات وصحافيون يحملون الفكر التقدمي، أما فيما يتعلق باستغلال مؤسسات الدولة فيكفينا اليوم إن نتابع الحركات الاحتجاجية من الجماهير الشعبية الرافضة للتعيينات الحزبية من طرف حركة النهضة وأيضا المراقبة المستمرة والحذر والتثبت من محاولات استغلال المرافق العمومية، وأود أن أقول هنا أن حركة النهضة بمحاولاتها هذه ستأكد تزوير الانتخابات القادمة خاصة أن النهضة والترويكا عموما لا تريد أن تكون الهيئة العليا للانتخابات مستقلة، كما أن القانون الانتخابي إلى الآن مازال غامضا، وهناك صراع على مكاتب الاقتراع... اليوم لا يمكن أن نفكر فقط في الانتخابات، بل علينا أن ننتظر إمكانية حدوث انقلاب، ووارد جدا أن يتعفن الوضع ويحدث انقلاب وقد يحدث من داخل الترويكا ذاتها. حركة النهضة اليوم تريد وضع يدها على وسائل الإعلام، وتسعى للسيطرة على الإدارة التونسية وترفض استقلالية السلطة القضائية، وكذلك على جهاز الأمن وفي علاقتها بشعار "أزلام النظام" فكلنا اليوم يشاهد كيف تقوم النهضة بتعيين التجمعيين على رأس المؤسسات الحساسة في البلاد، وواضح أن النهضة لا تريد أن يعاود التجمع حكم البلاد وإنما ترغب في التحكم فيه أو مسك الحكم بيده، والنهضة أثبتت أنها ليبرالية أكثر من نظام بن علي ونحن اليوم نعيش استعمارا فلاحيا جديدا من خلال التفويت السري والعلني للأراضي التونسية للقطريين والسعوديين والأتراك والإسبان... من ناحية والمحافظة على اتفاقيات الشراكة الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي أمضاها نظام بن علي إلى جانب ضرب مكاسب المرأة والحريات الفردية والعامة. * ألا ترون أن ملفات الفساد أصبحت بمثابة وسيلة للمقايضة والتهديد خاصة في قطاع الإعلام وسلك القضاة؟ * الثابت والأكيد أن حركة النهضة ليس في برنامجها لا مقاومة الفساد ولا محاسبة الفاسدين سواء في الإدارة أو الإعلام أو القضاء، والدليل التعيينات الغريبة على رأس الإدارات والمؤسسات الإعلامية، ولو قام سامي الفهري بتغطية مؤتمر حركة النهضة لمَا تم اتهامه... والأعمال التي يقوم بها وزير العدل الآن لا تثير إلا الشبهات... كل هذا طبيعي لان حركة النهضة ليست حركة ثورية. * وكيف تنظرون إلى مسألة التعويضات؟ * من يستحق التعويض أساسا هو الشعب التونسي المفقر والجهات المحرومة، في حين أن تعويض الأفراد الذين تريد حركة النهضة أن تمنحهم الملايين، يجب أن يكون آخر شيء وبعد التدقيق الشفاف لكل من قُمع في السابق، والأخطر أن عادل العلمي مثلا اعتبر التعويضات غنيمة بعد الفتح الرباني! وبالمقابل مثلا أجرة نائبة مصطفي بن جعفر تساوي أجرة 38 عامل! ولا أحد من وزراء هذه الحكومة صرح بممتلكاته! ولا أحد يعلم حجم مصاريفهم الآن! * كيف ترون علاقة السلطة اليوم مع الاتحاد العام التونسي للشغل؟ * سلوك الحكومة المؤقتة وتحديدا حركة النهضة تجاه الاتحاد العام التونسي للشغل هو نفس السلوك الذي انتهجته الحكومات السابقة، وإذا كانت حكومة بورقيبة أو بن علي كانت تريد تركيع الاتحاد خوفا من قوته في البلاد، فان حركة النهضة تعسى لضرب الاتحاد لأنها لا تؤمن بتاتا بالعمل النقابي كايديولوجيا، ثم هي حركة ليبرالية محافظة ولا تهتم للعمال، ولذلك تسعى إلى "التنويت" داخل هياكل الاتحاد لتفكيكه ولنتذكر جيدا موقف الإسلاميين من أحداث 26 جانفي 1978 ألم يعتبروا تلك الأحداث "فتنة"، وفي عام 75 في أول إضراب عام في الوظيفة العمومية الذي قام به الأساتذة كان قياديي النهضة الموجودون إلى الآن ضد الإضراب... * وكيف تقيمون المبادرة الوطنية التي أطلقها الاتحاد؟ * المبادرة ايجابية وكنا ننتظر من الاتحاد أن يقوم بتفعيلها بشكل جيد، وقد لاحظنا أن جميع الأطراف استحسنت المبادرة ما عدا حركة النهضة التي اعتبرت أنها "أتت في الوقت الضائع" ثم تداركوا الأمر فيما بعد ولكن موقفهم الأول هو الصحيح لأنهم يرفضون الحوار ويعتبرون أنهم الوحيدون الذين يجب أن يطلقوا المبادرات باسم "الشرعية الانتخابية" وهنا أود أن أقول لحركة النهضة أن أدولف هتلر كانت له شرعية انتخابية بنسبة 34 بالمائة. اعتقد أن على الاتحاد أن يتصرف كطرف حاسم في البلاد، لان فرحات حشاد زمن الاستعمار كان حاسما وقال " من لم يذهب إلى السياسة أتته هو" واليوم نحن نعيش استعمارا جديدا. * اتهمت الحكومة الحالية الاتحاد بحماية القوى اليسارية، بل أن زعيم حركة النهضة اعتبر أن الاتحاد تحالف مع بقايا النظام السابق واليسار المتطرف؟ * هذه تهمة من سجل الاستبداد وفاشلة، وتدخل في سياسة فرق تسد، وأذكر هنا أن في محاكمتي سنة 2002 اتهم وزير العدل آنذاك البشير التكاري بعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل بمساندتنا... رسائل حمة الهمامي إلى : المنصف المرزوقي: (mieux vaut tard que jamais) مصطفى بن جعفر: "الله يسامحك" حمادي الجبالي: أتحداكم أن تنشروا ملفات الفساد وأرشيف البوليس السياسي حسين العباسي: الحذر كل الحذر من سياسة فرق تسد الطيب البكوش: التاريخ هو التاريخ الباجي قائد السبسي: ننتظر أن تقدم نقدا ذاتيا مية الجريبي:الحسابات الصائبة توصل إلى النتائج الصائبة عبد الفتاح مورو: السياسة ليست مراوغات كروية لطفي زيتون: متى تفهم أنك مستشار ولست وزيرا؟

2012/08/23

معرض الكتاب والناشر التونسي والجهل القديم الجديد

أصدرت وزارة الثقافة بلاغا تعلم فيه الناشرين والموزعين والمكتبيين أن الدورة 29 لمعرض تونس الدولي للكتاب ستلتئم هذه السنة من 02 إلى 11 نوفمبر 2012 بقصر المعارض بالكرم. ومعرض تونس الدولي للكتاب هو حدث يوفّر مساحة محترمة من الديناميكية والحركيّة الثقافية مدّة أيامه العشرة. فبقدوم المعرض الدولي للكتاب يتذكّر التونسي أنه طلّق الكتاب والقراءة وتدحرج إلى أسفل السافلين في أقانيم البيولوجيا الزائلة، وحاصرته "كتب" السحر والشعوذة والطبخ والتجميل والتطبيب البدائي... ويسارع عدد غير قليل من الطلبة والمثقفين والكُتّاب لفكّ أسلاك الحصار المعرفي ورأْب صدْع الهجران الفكري فيلوذون بأروقة قصر المعارض بالكرم وأجنحته المحلقة بالكتب، ليُنقذوا أدمغتهم من مستنقع الجهل ويُفطرون عن إمساكهم المعرفي... معرض الكتاب، يهدف إلى الإسهام في النّهوض بقطاع الكتاب بوصفه أداة رئيسية لنشر المعرفة وتداولها، وإتاحة الفرصة للجمهور الواسع للتعرّف على مستجدّات الإنتاج الفكريّ والأدبيّ والعلميّ والفنّي تونسيّا وعالميّا، والعمل على إشاعة الرغبة في القراءة وممارسة المطالعة، وتنشيط الحوار حول قضايا الفكر والأدب والثقافة انطلاقا من الكتاب، كما يهدف إلى توفير الظّروف الملائمة لتنشيط الشراكة بين المهنيين في قطاع الكتاب بتونس والخارج. هذا الهدف الأخير، أي توفير الظّروف الملائمة... هو الذي يعنيني ضمن هذه البطاقة، خاصة من ناحية الظروف المادية التي توفرها إدارة المعرض للناشرين والعارضين والمكتبيين المشاركين، وتحديدا التونسيين، وتخصيصا للناشرين التونسيين الجدد، أو الشبان إن شئتم. فهؤلاء تعاملهم إدارة المعرض، من الناحية المادية، مثلهم مثل أي ناشر يأتي من خارج الحدود أولا، وتُعامل ـ ماديا ـ مثلا ناشر تونسي عمر دار نشره لا يتجاوز الخمس سنوات (دار المعرفة الجذلى، منشورات وليدوف، دار ورقة للنشر، دار انانا للنشر والتوزيع، دار مسكلياني، منشورات كارم الشريف...) مثله مثل دار الآداب أو دار رياض الريس أو دار الجمل أو دار المدى أو الدور الأوروبية... فالنظام الداخلي للمعرض ينص فصله السادس على وجوبية دفع 80 بالمائة من الرسوم التقديرية المستوجبة على كل من تحصل على الموافقة المبدئية في المعرض، كما أن استمارة المشاركة في المعرض المفصلة للرسومات لا تستثني الناشر أو العارض التونسي ولا تمنحه خصما أو تخفيضا، ولا تقدم له حتى إمكانية السداد بسعر تفاضلي، بل هو مثله مثل غيره من الناشرين عليه أن يدفع 100 دينار لاكتراء 12 متر مربع، وكرسي بـ13 دينار ومكتب بـ 26 دينار ومطورات زجاجية بـ33 دينار وغيرها من التجهيزات التي يحتاجها العارض...(هذه الارقام مأخوذة من الموقع الرسمي لمعرض الكتاب). لن أتحدث عن ضرورة التشجيع والمساندة والدعم، ولكن أعتقد، وهذا رأي يلزمني، أن من حق الناشر التونسي (بمن فيهم من أصابتهم لوثة التجارة بالمعرفة وهم كُثرٌ) أعتقد أن من حقههم أن يُعفوا تماما من أية رسوم. نعم يجب أن يُعفى تماما كل ناشر تونسي من أي فلس قد يُثقل عليه، خاصة وأننا نعلم جيدا الظروف التي يعمل فيها الناشرون التونسيون، وتحديدا الجدد منهم. وأيضا لئلا ننعت النظام الداخلي لمعرض الكتاب بالتناقض عندما نطالع الهدف الأول لتنظيمه الذي يحرص على "الإسهام في النّهوض بقطاع الكتاب بوصفه أداة رئيسية لنشر المعرفة وتداولها"... ولا أعتقد أن السيد المهدي مبروك وزير الثقافة، الذي اجتمع مؤخرا مع أعضاء من نقابة كتاب تونس ومن اتحاد الناشرين ورابطة الكتاب الأحرار واتحاد الكتاب التونسيين ونقابة الكتبيين وممثلين عن الموزعين، لا أعتقد انه سيتجاوز مثل هذه النقاط التي من شأنها أن تدفع بالناشر التونسي ليضع قدمه في عالم الورق وهو ما سينعكس إيجابا على نسبة القراءة والقراء في تونس التي نحن اليوم بحاجة ملحة لها لرفع أكوام الجهل القديمة والجديدة الوافدة علينا من المغاور المظلمة ومن عقود الانحطاط والتخلف...

2012/08/21

من "صفر فاصل" إلى "خمسين فاصل"

ربما من بين أهم النتائج التي أفرزتها التجربة الانتخابية التي عشناها بعد الإطاحة بالدكتاتورية السابقة، حالة التشتت والانقسام التي أصابت مختلف الأطياف السياسية ذات الأفق التقدمي والتنويري، بل يمكن تسميتها نتيجة النتيجة، فلولا التشتت بين مختلف الأحزاب والتيارات والعائلات الايديولجية المشتركة في حد أدنى من الديمقراطية لما كانت النتائج بتلك الشاكلة، وربما تلك النتيجة هي التي جعلت القوى الديمقراطية والتيارات اليسارية التونسية تسعى لبناء "جبهة سياسية مفتوحة" عساها تفلح في وضع حد لحالة التشرذم التي تشقها ومواجهة نزعة التيار اليميني لاحتكار الحياة السياسية. وحالة تشتت اليسار التونسي‮ ‬بمختلف فصائله وأحزابه وتياراته هي‮ ‬حالة تاريخية بامتياز،‮ ‬فرغم أن اليسار التونسي‮ ‬لم‮ ‬يجلس في‮ ‬الجهة اليسرى للبرلمان بصفته كتلة موحدة منذ نشأة المؤسسة البرلمانية في‮ ‬تونس فهو لم‮ ‬يلتق خارجها أيضا كتلةً‮ ‬موحّدةً‮ ‬ذات هدف مشترك وان برزت بعض التحالفات في‮ ‬السبعينات والثمانينات فهي‮ ‬لم تفلح في‮ ‬رفع أوتاد خيمة تتسع لجميع فصائل اليسار التونسي‮ ‬من ماركسيّين لينينيّين وماويّين وتروتسكيّين وغرامشيّين على ما أظن‮... ‬وهذا‮ ‬يبدو أمرا طبيعيا ومفهوما ذلك أن تاريخ تونس الحديث لم‮ ‬يفرز منعرجا حاسما من شأنه أن‮ ‬يمنح المدرسة اليسارية باشتراكييها وشيوعييها فرصة الالتقاء على أرضية صلبة‮... ‬فهذا القطب الإيديولوجي‮ ‬والسياسي‮ ‬لم‮ ‬ينتظم‮ ‬يوما في‮ ‬جهاز واحد ولم‮ ‬يجمعه نظام قيمي‮ ‬واضح، وبالطبع تفرقت وجهات منتسبيه من مقر إلى آخر وتوزعوا بين النشاط العلني‮ ‬في‮ ‬الأحزاب المعترف بها أو النشاط السري‮ ‬لمن لم‮ ‬يحصُل على تأشيرة نشاط‮... في هذا الإطار تم الإعلان مؤخرا عن تشكيل جبهة شعبية ضمت 12 حزبا يساريا وشخصيات مستقلة، تشكلت "بديلا عن الاستقطاب المغشوش بين الائتلاف الحاكم والفصائل الليبرالية التي تدعي بحكم تواجدها خارج السلطة كونها تمثل بديلا عن حكومة الترويكا". وهي جبهة تهدف إلى "تحقيق أهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية في شكلها الشعبي وليست الديمقراطية الليبرالية التي لا تخدم، كما كانت دوما، غير البورجوازية ورجال الأعمال والمتنفذين مالا وجاها وتحقيق المساواة والعدالة الثورية في جميع مستوياتها سواء بين المرأة والرجل أو بين الفئات الشعبية وبين الجهات". خاصة أن التونسيين "لم يجنوا من ثورتهم سوى مزيد من التفقير والتهميش والاستبلاه والتسويف". لا يختلف تونسيان في أن التجربة السياسيّة في تونس كانت مشوّهة ومشلولة لأسباب يعلمها القاصي والداني ويمكن أن نُجملها في دكتاتورية الحكم في "جمهورية" ما بعد الاستقلال بنسختيها البورقيبيّة والنوفمبريّة... والتجربة السياسية موصولة حتمًا بالوعي السياسي، هذا الذي انحسر طيلة نصف قرن فيما يُعرف بالطبقة السياسية في مختلف تلويناتها وخطوطها، بمعارضتها وموالاتها، وهو ما ساهم في غلق قنوات التواصل بين "الطبقة السياسيّة" والقواعد الجماهيرية المعنية بالشأن العام فظلت تلك الجماهير طيلة حكم بورقيبة وبن علي "بضاعة مٌعلَّبة" تُباع وتُشترى زمن "المسرحيات الانتخابية" السابقة... ورغم عدم التخلّي عن سياسة القطيعة بين ما اصطلح عليه بالنخبة وبين الشعب، ورغم تعدّد المؤشرات السلبيّة والسالبة لمواطنة المواطن، فإنّ التجربة السياسية التي سيُقدم عليها الشعب التونسي من خلال المشاركة في ثاني انتخاب بعد الإطاحة بالنظام النوفمبري تحمل في عمقها عديد المؤشرات الممكنة للقطع مع سياسة الوصاية والاستحواذ على إدارة الشأن العام... ويكفي اليوم أن يجلس كل مواطن إلى نفسه ويسأل كيف سأختار من يمثلني ولماذا؟ هذا طبعًا بعد أن يكون قد آمن بأن صوتًا واحدًا من شأنه أن يحدّد وجهة هذا الوطن والكف عن الاستخفاف بقيمة الصوت الواحد... وبالتالي بقيمته إنسانا أولا ومواطنا ثانيا.... وهي الدرجة الأولى للدخول في التجربة السياسيّة... بوعي بسيط، ولكنَّه عملي في مرحلتنا الراهنة... إن هذه الجبهة وغيرها من الجبهات المتأصلة في الديمقراطية والمؤمنة فعلا بالعدالة الاجتماعية والحريات قد تأتي ثمارها على عكس التحالفات الظرفية التي تشكلت قبل الانتخابات (مثل القطب الديمقراطي الحداثي، الائتلاف الديمقراطي المستقل، ائتلاف 23 أكتوبر، تحالف الأربعة) واتسمت في مجملها بنزعتها البراغماتية المتمثلة في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، في حين أن التحالفات الجديدة تبدو تحالفات إستراتيجية ذات عمق سياسي ورؤية بعيدة المدى تعلي المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الحزبية وتنأى عن التقسيمات العددية البائسة التي ابتدعتها حركة النهضة من قبيل "جماعة صفر فاصل" وهي التي تذكرنا بمصطلحات النظام النوفمبري من قبيل "الشرذمة الضالة".

2012/08/09

مصطفى بن جعفر في بيت الطاعة

بعد أن انخرط رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر مع جماعة "سيف الحق على من لا يرى الحق" واستبسل في "قرع" مطرقته في وجه "الكفار والملحدين والعلمانيين" من نواب المجلس الوطني التأسيسي ونائباته، ها هو يترك "رأسه" خارجا ويدخل خاشعا، صاغرا، حاني الظهر، مطأطئ الرأس قبة المجلس... ففي انسجام تام مع التهافت السلطوي، يدخل رئيس المجلس الوطني التأسيسي مطمئنا إلى بيت الطاعة، محاطا بنائبات ونواب حركة النهضة، يدخل متأبطا فصلا جديدا لينسف به حجرا آخر من "جدار الحريات" الذي "رفعته" سواعد بنات تونس وأبنائها على مدى عقود، فبعد المصادقة على "قانون تجريم المسّ بالمقدسات" المهدّد للحريات العامة والفردية والذي سيعيد، تحت عنوان جديد، منظومة الرقابة والقمع التي انتهجها نظام المجاهد الأكبر وصانع التغيير وكبّلا بها كل الطاقات الإبداعية إلا من أبى واستكبر، وبعد الصمت المقيت أمام إصرار "نائبات ونواب" حركة النهضة على عدم استقلالية الجهاز القضائي ليظل مرتعا لهم وعصا غليظة يسلطونها على قناة نسمة وصحفي التونسية وسفيان الشورابي وغيرهم وصولا إلى أحفاد حشاد، نقابيي صفاقس الموقوفين من أجل إصرارهم على استكمال أهداف الثورة... بعد هذين الفصلين هاهي قبة باردو تزفّ لنساء تونس "بشرى" عبوديتهن في دستور "الجمهورية الثانية" بعد أن شرعت حركة النهضة تمهيدا لذلك في تطبيق "دونيتها" وهي تفصل بين النساء والرجال في ندواتها وتحض أئمتها في المساجد لدعوة الرجال إلى الزواج بأربع نساء، وتكره العازبات على الزاوج بتظاهرة الزواج الجماعي وتفرض اكتساح الحجاب للتلفزة العمومية لتقمع حرية اللباس والتعدد وتفرض زيّا موحدا على التونسيات، وتفتح رياضا لبراعم تونس فتخنق طفولتهن بالنقاب والحجاب... هاهو الفصل 28 المُذلّ للثائرات الحرّات العزيزات اللّواتي صمدن في المصانع والمعامل وتشققت أياديهن في المزارع والبساتين، للواتي بحّت حناجرهن في الصفوف الأمامية للمسيرات والمظاهرات المندّدة بقمع الحريات وبالاستبداد... يطلع علينا بإجماع نساء النهضة دونما خروج عن القطيع أو تغريد بعيدا عن السرب... تماما كما الدمى لا تتحرك إلا بخيوط من خلف الستار... هاهن نساء بلادي يخذلن نساء بلادي، ويقفن ألفا قاطعة في وجه تاء التأنيث يرفضن مبدأ المساواة بين الجنسين ويكتفين بدورهن كزوجات وأمّهات تحت مسمى التكامل الذي ابتدعنه تلافيا لمنطق المواطنة بما هي تساوٍ في الحقوق والواجبات... وإن كنت لا أستغرب مواقفهن تلك لانسجامها مع أدبيات الحركة التي نصبتهن بالمجلس التأسيسي وسياساتها منذ نشأتها، وأيضا لاتساقها مع ثقافة التأييد و"انصر أخاك ظالما أو مظلوما " التي عودننا بها، فإني أستغرب الصمت المريب لرئيس المجلس وهو أحد مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بما يعنيه ذلك من إرث نضالي للرابطة من أجل تكريس حقوق الإنسان في كونيتها أي بعيدا عن تعلات الخصوصية الثقافية والدينية وفي وحدتها أي لكل إنسان دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين... أستغرب موقف بن جعفر من هذه التراجعات الخطيرة وأسأله حينئذ لكي تكون على هذا التهاون بحقوق نصف المجتمع التونسي وتطلعاته بأي مطرقة ضُرِبت يداك ؟ وأسأله أيضا من أجل ماذا تدخل صاغرا بيت الطاعة؟ هل برئاسة مكذوبة ومنكوبة وعدت؟ وإن كان ذاك هو ثمن ما للتونسيات والتونسيين من حقوق عليك فانظر فيما فعلته الأيادي العابثة برئيسنا الحالي لكي تُدرك بَخْسَ ما وُعدت به فهُنْتَ من أجله.

2012/08/02

أموال المفقرين وآمالهم بين عبد الاله بنكيران وراشد الغنوشي

في الوقت الذي يترجل فيه الداعية السلفي "نشأت أحمد محمد إبراهيم" من السيارة الفاخرة "رولز رويس" التي يبلغ سعرها 340 ألف دولار أمريكي (500 مليون) بمدينة "مساكن" من ولاية سوسة لإلقاء "محاضرة" بعنوان "نعمة الصبر وفوائد الابتلاء بالفقر"، لم يتردد رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران في "إطلاق سراح" ناهبي المال العام المغربي عندما نزل ضيفا على القناة القطرية (الجزيرة) في برنامج "بلا حدود"، قائلا أن فلسفته في القضاء على الفساد هي "عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه"! وفي نفس الوقت أيضا مثل "قانون العودة للعمل والتعويض للأشخاص المنتفعين بالعفو التشريعي العام وأولي الحق منهم" مسألة ذات أولوية في مؤتمر حركة النهضة الأخير... رغم الوضع الاقتصادي المتأزم في تونس... رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي عبد الإله بنكيران رفع الراية البيضاء في وجه المستكرشين المغربيين الذين أثروا على حساب عرق المفقرين، حيث يعلن من جهة أولى تراجعه عن كشف لوائح المستفيدين من الفساد الاقتصادي والمالي المغربي، ومن جهة ثانية يشن "حربا استباقية" على جيوب البسطاء والمفقرين والمعدمين خوفا من هزيمة سياسية قد تلحق بحزبه، ضاربا بذلك عرض الحائط الحديث النبوي الشريف الذي يقول:" هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". أما شباب حركة النهضة في تونس وقيادييها فقد وضعوا الشعب التونسي برمته في سلة "الخيانة" عندما طالب هذا الشعب "بعقلنة" التعويض المادي خاصة في هذا الظرف العصيب الذي يعيشه المواطن البسيط (قطع الماء، عمال مطرودون، غلاء الأسعار...) وقد بلغ الأمر بشباب حركة النهضة أن كتبوا نصا تقول احد فقراته:"الشعب التونسي الذي صدق فعلا أنه شعب عظيم"! هكذا يتم تكريم الشعب التونسي من طرف حركة النهضة التي ضربت عرض الحائط (مثل حزب العدالة والتنمية المغربي) قول الرسول محمد "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله". ففي الوقت الذي تترك فيه الحكومة بن علي طليقا في السعودية وأمواله مخزنة في البنوك الأوروبية، وفي الوقت الذي تُحاك فيه الصفقات مع رجال الأعمال الفاسدين والمورطين في تخريب الاقتصاد التونسي... وفي الوقت الذي تُمضي فيه الحكومة على القروض الكبرى من أمريكا وقطر والسعودية وتركيا... وفي الوقت الذي تغض فيه الحكومة عن الاداءات المتخلدة بذمة رؤوس الاموال وتستفرد بالشعب المسكين من خلال وزارة المالية وومضتها الشهيرة حول البناء الجماعي للوطن بدفع الاداءات المتخلدة لدى الفقراء والبسطاء... أمام هذه الوضعيات يصير الشعب التونسي "خائنا" عندما ينتفض ضد تأبيد الفقر والتهميش! إن سياسة "مع أو ضد" التي انتهجتها حركة النهضة إبان حملتها الانتخابية ضد كل القوى الديمقراطية باعتبارها "كافرة وعلمانية وملحدة" هي نفس السياسة التي تعتمدها الحكومة ضد وسائل الإعلام باعتبارها أيضا "كافرة ومعارضة للحكومة" وهي نفس السياسة التي تنتهجها اليوم ضد الشعب التونسي برمته! متناسية أن جزءا كبيرا من هذا الشعب هو الذي طالب بسن العفو التشريعي العام، وهو الذي قال إن التعويض لمساجين الرأي العام من صميم العدالة الانتقالية، على أمل أن يكون صوت "الحكمة الشعبية" أعلى من صوت "اغتنام الفرص" (ألم يقل عادل العلمي إن التعويضات بمثابة الغنيمة!) ولم تدعو حكمة الشعب التونسي في صرف التعويضات إلا إلى تحقيق أهداف الثورة من تنمية عادلة وحل مشكلة البطالة وإقرار نظام جمهوري ديمقراطي ثم تكون التعويضات للمساجين... فهل يعني هذا خيانة شعبية وهل يبرر هذا الموقف السخرية من الشعب واعتباره "تافها" بعد ان صارت عظمته "كذبة" في نظر شباب النهضة وقيادييها! إن التعويضات الحقيقية هي تلك التي تفتح المدارس والمعاهد والكليات، هي التي تفتح المستشفيات وتعبد الطرقات السيارة، هي التي توفر كل مرافق الحياة الكريمة لأبسط مواطن تونسي في أعماق البلاد، هي التي تستصلح الأراضي المهملة، وهي التي تخلق مواطن الشغل للمعطلين عن العمل وتخرج المفقرين من حالة العدم واليأس الوجودي، ولكن ما دام هناك داعية سلفي وهابي يترجل من "الرولز رويس" ليلقي ما يسمونه "محاضرات" تدعو إلى " نعمة الصبر وفوائد الابتلاء بالفقر" فان كل عاقل في هذا البلد سيكون ضمن خانة "أعداء الثورة"!

2012/07/28

مفتاح لطفي العبدلي وصديد وزارة الداخلية

قد تبدو العلاقة المتوترة بين الفنان المسرحي لطفي العبدلي ووزارة الداخلية بعد رفض هذه الأخيرة حماية العروض المسرحية التي يقدمها العبدلي في المهرجانات الصيفية، قد تبدو ظاهرة معزولة أو كما نعتها وزير الثقافة "زوبعة في فنجان"، غير أن الأمر اكبر من ذلك بكثير، لأن الفنان التونسي والمبدع بصورة عامة لم يخرج بعدُ من وضع الهشاشة والتهميش والمحاصرة الذي كان عليه رغم استماته في فك عزلته الإجبارية التي وضعه فيها النظام السابق، ورغم محاولاته الجادة الاقترابَ من الواقع التونسي وتأسيس ثقافة تقدمية وتنويرية تقترب من "أيقونة الثورة التونسية" أو ما يُسمى "ثورة"، غير أن المفاتيح التي يسعى الفنان إلى أن يفتح بها الأقفال المضروبة على الأفواه والعقول تصطدم في كل مرة بالحواجز القديمة والمتاريس التي تربى عليها جزء كبير من هذا الشعب... وبأطنان من الصديد... إن مثل هذه العلاقة المتوترة والاعتداءات التي تأتي في صورة ظواهر معزولة، ما انفكّت تتحوّل من خلال تواترها إلى ما يشبه خُطة مُمَنْهَجة تستهدف المكتسبات الثقافية والمدنية المتحققة بفضل نضالات المثقفين والمبدعين التونسيين، لا منة أو مزية من أي نظام سابق لا البورقيبي ولا النوفمبري، وما يجعل من هذا الوضع الفضائحي شبيها بالخطة الممنهجة هو ردّ فعل الحكومة المؤقتة إزاء هذه الاعتداءات إذ غالبا ما تتراوح بين التجاهل التام لها أو التقليل من خطورتها أو إصدار بيانات عابرة لا تتلوها إجراءات رادعة، و هو ما يعطي الانطباع لدى المعتدين بأنّهم غير معنيين بقوانين الجمهورية ولا باحترام رموزها، بل هم محميون من قبل أجهزة الدولة... ولذلك تتالت الاعتداءات (المخرج السينمائي النوري بوزيد والمسرحي رجب المقري، ومجموعة أولاد المناجم، فرقة أجراس، اقتحام قصر العبدلية، اقتحام قاعة السينما آفريكارت... والقائمة قد تطول إن لم تكن جاهزة سلفا) غير أن الخطير في ما يحدث الآن وهنا، للمسرحي لطفي العبدلي هو أن "المعتدي عليه" مؤسسة رسمية مخول لها حماية المجتمع التونسي برمته أفرادا وجماعات وفقا للقانون المنظم للحياة العامة لا لمزاج المسؤولين، إذ يبدو أن أجهزة الدولة تخلت عن الصمت والتجاهل أمام اعتداء السلفيين على المبدعين لتلتحق بهم "رسميا" وتقف ضد الفن والفنانين، وما يؤكد هذا الموقف السلبي الرسمي هو عدم الرد على التصريحات الإعلامية للطفي العبدلي والمشاهد المصورة في القنوات التلفزية، والتي تُظهر بما لا يدع للشك مجالا أن وزارة الداخلية تخلت عن دورها في حماية العروض الفنية للطفي العبدلي وعلى الجمهور الذي يواكب عروضه والذي يعد بالآلاف! وربما يكون المثل المُنطبق على هذا الموقف المخجل من مؤسسة رسمية هو "رب عذر أقبح من ذنب" ذلك أن موقف الوزارة، أو شق واسع منها، وفق تصريحات لطفي العبدلي يعود إلى النقد الذي يوجهه العبدلي إلى هذه المؤسسة (لا ضدها) ! ووفق هذا "المنطق"، ومثلما رفضت وزارة الداخلية حماية عروضه بتعلة النقد، فان لطفي العبدلي عندما يتجه إلى طبيب سيرفض علاجه، أو عندما يقيم ندوة صحافية ستقاطعه وسائل الإعلام أو عندما يمتطي الطائرة لعرض مسرحي بالخارج سترفض الديوانة عبوره أو عندما يذهب إلى احد المطاعم سيرفض النادل تقديم الوجبة له.... وهكذا حتى يجد لطفي العبدلي نفسه أمام "عزرائيل" عندما يطلب الموت (اللطف عليه) سيرفض منحه ذلك ليكون منسجما مع سياسة الحكومة التونسية المؤقتة في الصمت والتواطؤ حد القتل الرمزي والمعنوي لكل بارقة أمل... ولكل نفس حر يتوق إلى تأسيس تونس أخرى... ربما ما يجعل هذه "الوضعية" أكثر بؤسا هو الموقف الباهت لوزارة الثقافة، فمسؤولها الأول اعتبر أن الأمر "زوبعة في فنجان" وهو تماما ما نسمعه من الحكومة برمتها إذ تعتبر دائما أن الإعلام يهول الأمور! كما أن مدير مهرجان نابل، وتحت شعار "كل الأمور على ما يرام"، صرح في بداية عرض لطفي العبدلي أن الأمن موجود ويحمي الجمهور، غير انه طلب الأمن في منتصف العرض بعد تهاطل الحجارة على المدارج والركح! قد يموت لطفي العبدلي ولكن فنه ومسرحه لن يموت... هذا ما لا تعرفه العقول المتحجرة القادمة من وراء الأسيجة الدوغمائية والمغاور المظلمة... وهذا ما لم تستسغه بعد المؤسسات الرسمية في تونس...

2012/07/04

هل تَعدلُ حركة النهضة عن النظام البرلماني؟

جثم النظام الرئاسوي على الشعب التونسي طيلة نصف قرن من الزمن، إذ أن النظامين السابقين، البورقيبي والنوفمبري، لم يكرسا أدنى مستويات النظام الرئاسي، بل استأثر الحبيب بورقيبة بالسلطة التنفيذية مطوعا السلطتين الثانيتين لزبانيته، وسار على خطاه بن علي طيلة 23 سنة بعد أن صنع ديكورا برلمانيا من خلال المجالس التي تم إنشاؤها والتي يقوم بتعيين أعضائها وفقا لمنسوب الولاء وكانت تمهد له الطريق التشريعي والقانوني ليبسط هو نفوذه وسيطرته، فكان الهيكل برلمانيا ووظيفيا النظام رئاسويا. والنظام الرئاسي، ليس نظاما "بائسا"، بل هو من بين الأنظمة التي تضمن الفصل التام بين السلطات حسب نظرية مونتسكيو، ولكن الانحراف به هو الذي يجعله نظاما مؤسسا للدكتاتورية والاستئثار بالسلطات الثلاثة معا، وهو ما حصل في تونس في المرحلتين السابقتين. ورغم أن فرنسا "مرجعنا السياسي"، قد اختارت النظام شبه الرئاسي مع الجمهورية الخامسة، كما تبنته مختلف دول أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين، وهو نظام يشترك فيه رئيسا الدولة والحكومة حيث يتم اختيار رئيس الدولة من قبل الشعب وكذلك يكون رئيس الحكومة مسؤولا أمام أعضاء البرلمان الذي يمكنه أن يعزل رئيس الحكومة ويحاسبه، رغم "محاسن" هذا النظام، فأن الأطراف السياسية التونسية قبل انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وبعده ما تزال مختلفة حول طبيعة النظام الذي سيتم اعتماده، ولم يكن خافيا على أحد استماتة حركة النهضة أو "حزب الأغلبية" كما يحلو لمناصريها تسميتها، في الدفاع عن النظام البرلماني خاصة بعد أن استأثرت بقرابة 45 بالمائة من مقاعد المجلس التأسيسي، وهي المقاعد التي مكنتها من تعيين السيد محمد منصف المرزوقي رئيسا مؤقتا للجمهورية بعد "مسرحية" انتخابات البرلمان... وذات مقاعد الأغلبية، بتراخ مفضوح من حزبي التكتل والمؤتمر، هي التي جعلت من السيد حمادي الجبالي رئيسا مؤقتا للحكومة والذي تعدت صلاحياته كل الحدود خاصة بعد تجاوز مؤسسة رئاسة الجمهورية في قضية البغدادي المحمودي. وما إصرار حركة النهضة على تكريس النظام البرلماني إلا لبسط نفوذها وسيطرتها من جديد على أجهزة الدولة بالتمام والكمال وهو ما هي ماضية فيه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ستعدل حركة النهضة عن النظام البرلماني بعد أن أطلق الباجي قائد السبسي ما سماه "نداء الوطن"؟ خاصة أن كل المؤشرات تدل على أن هذه الحركة/الحزب ستجمع شتات الجهاز القديم إلى جانب التحالف مع بعض القوى الليبرالية والحداثية، وستسخر كل طاقتها وتجربتها للفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات القادمة لتضمن بذلك كتلة موازية لكتلة النهضة في البرلمان ولتحد من الهيمنة البرلمانية لنواب الحركة الإسلامية، وربما لذلك استنفرت حركة النهضة (متخفية وراء اقتراح نواب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) لإصدار قانون يقصي التجمعيين من ممارسة الفعل السياسي بعد أن تم إقصاؤهم من الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي الوطني في 23 أكتوبر 2011 بسن المرسوم عدد 15 كما أن افتعال بعض الأحداث لإرباك المسار الديمقراطي وضمان سلاسة الانتقال نحو أفق أكثر عدالة وتقدم، كلها سيناريوهات تصب في مربع الهيمنة على المشهد السياسي والاستحواذ على مفاصل الدولة. ومن الأهمية بمكان أن لا نغفل نتائج الانتخابات المصرية ومدى تأثيرها على اختيار حركة النهضة للنظام البرلماني، فالفارق بين محمد مرسي وأحمد شفيق ضئيل ويطرح إمكانية فشل الإسلاميين في مصر في الانتخابات القادمة، وفي سياق الانتخابات المصرية لا يمكن أن نغفل تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أمام السفارة المصرية بتونس حيث قال "مثلما فشل أحمد شفيق في مصر سيفشل في تونس" في إشارة بليغة للباجي قائد السبسي، باعتبار أن أحمد شفيق يمثل فلول النظام السابق وكذلك ينتمي الباجي قائد السبسي وأبرز قيادات "نداء تونس" إلى النظام التونسي السابق، إذ يبدو أن قادة حركة النهضة على وعي تام بالمنافس الانتخابي القادم الذي لن تفلح معه محاولات التشتيت والتشويه باسم الدين مثلما حصل للأحزاب المتنافسة في انتخابات المجلس التأسيسي، لأن الهيكل التنظيمي الجديد للباجي قائد السبسي سيعتمد على "الإرث" السابق وسيلتف حوله جزء مهم من الشعب التونسي. ومن المرجح أن تثير حركة النهضة، المستفيد الرئيسي من الانتخابات السابقة، طبيعة الحكم الذي سيُعتمد في تونس حال الانتهاء من صياغة الدستور بعد أن تناقش قيادتها وكوادرها وأعضائها حظوظ النجاح بالاغلبية في المرحلة المقبلة... من عدمه... ناجي الخشناوي

2012/05/23

مقاولات صحفية

يبدو أن مصطلح "الصحافة المؤسسة" قد دخل طور الانقراض من أوسع أبوابه، بعد أن تم "تحرير سوق الإعلام" بشكل غير معلن، وفُتح الباب على مصراعيه للأفراد والمؤسسات التجارية ذات الغطاء الإعلامي للاستثمار والاتجار في السياق الصحافي... بذهنية المرابين... فمثلما تفيض اليوم الفضاءات التجارية الكبرى والأسواق المنظمة والموازية بالسلع القابلة للتلف والإتلاف بعد أول استعمال، تفيض سوق الصحافة بالمقالات والحوارات والتحقيقات والأخبار التي لا طعم ولا رائحة لها، وتنتصب أكشاك الإعلام لتبيعنا معلباتها الفاقدة للصلاحية، أو منتهية المفعول بعد أول عرض لها، وتنتصب "حضائر" الصحافة هنا وهناك فتستعر حمى المقاولات وينشط سوق البيع والشراء ويتناسل الوسطاء والسماسرة للتسريع ببيع المنتوج الوفير وعقد الصفقات دائما وأبدا... إن كل صحفي مشنوق بنصه، وكل مقال على قدر الزيت فيه يضيء. قد يحرق المقال بكاتبه فيصير لعنته الأبدية، وقد يضيء سبيله فيصير قنديلنا الأبدي نرصد به انسجام الخطوات من تبعثرها في الدرب الإعلامي الذي يُكابده مقالا بعد مقال...ونختار بين إحراقه أو الاحتراق به. بين الإحراق والاحتراق تسير اليوم بعض الصحف اليومية والأسبوعية في سياق واحد هو سياق البيع والشراء، ولكل "مقال" ثمنه من هذا أو من ذاك، حتى تدربت أنوفنا على شم رائحة هذا المقال ومن يقف خلفه بماله قبل أن نعثر على معلومة أو خبر صحفي قد ينيرنا أو يفتح لنا سبيلا من سبل هذه البلاد الذاهبة نحو حتفها. وربما أفضل تشخيص لمهمة الصحفي المحترم/لا المحترف ذاك الذي يرهن وجوده كله للإحساس النقدي، وهو إحساس يشي بعدم تقبل الصيغ السهلة أو الأفكار الجاهزة أو البراهين الناعمة الملائمة تماما لما تقوله الجهات القوية أو التقليدية، تلك "الجهات القوية والتقليدية" التي لا تستعين بآراء الصحفي لتقويم سلوكها وتعديل سياساتها بل إنها تعمل جاهدة على تدجينه واحتوائه لتنـزع عنه وظيفة النقد والسؤال والمحاسبة... هي ذي مهمته الأساسية التي لا يتنازل عنها مهما كانت الإغراءات، غير أن تاريخ الصحافة، ومثلما يشهد على الموت المادي والرمزي الذي طال مئات الصحفيين وهم يدحرجون كل الإغراءات تحت نعالهم، فهو أيضا يشهد على الآلاف من الذين سقطت أقلامهم تحت نعالهم، ولم نعد نعرف هل هم فوق النعال أم تحتها... هل هم كتاب أم هم مستكتبون؟. ربما يتم اختزال هذه الظاهرة من القراء في "تصفية حسابات" بين هذا الرأسمالي وذاك، أو بين هذا الجهاز وذاك، ولكن الثابت والمؤكد أن الأداة التي يتم استعمالها هي الأخطر من هذا الرأسمالي أو ذاك، فقد ينتهي واحد من الاثنين، ولكن الأخطر أننا بصدد إعادة إنتاج "صحافة المجاري" وبصدد تكريس القلم المستأجر الذي يكتب تحت وقع الدينار، ويبدو أننا لم نعد بحاجة إلى "القائمة السوداء" فيكفينا ما يتنازع عنه المهرجين، الصغار منهم والكبار، في هذا السرك الذي لا ينتهي لنعرف من هذا ومن ذاك...

2012/05/02

النهضاويون والباجيون

بين النهضاويين والباجيين (نسبة للباجي قائد السبسي) قد تتقهقر البلاد بعيدا في الاستبداد من جديد، فهذا الاستقطاب الثنائي الذي يطوق الزمن التونسي الآن، من خلال انتشار الإسلاميين فوق الكراسي الوزارية والمكاتب الإدارية من جهة، والعودة المنظمة للتجمعيين في جبة الدستوريين من جهة ثانية يجعل البلاد تسير في اتجاهين اثنين أحلاهما مر. فالإسلاميون، بتفرعاتهم النهضوية والسلفيات المتعددة، انقضوا على البلاد بعد انتخابات 23 أكتوبر، حيث "احتلت" النهضة الواجهة، وتركت الشوارع الخلفية للسلفيين، أما التجمعيون فقد منحهم تراخي الحكومات المتعاقبة، الزمن الكافي لإعادة ترتيب بيتهم من الداخل والتشكل في مرحلة أولى ضمن أحزاب مختلفة الأسماء متشابهة المرجعية، وفي مرحلة ثانية ها هم يلتفون حول مبادرة "نداء الوطن" التي أطلقها الباجي قائد السبسي، والتي "أوقعت" عديد الأحزاب ذات التوجه اليساري والشخصيات الحقوقية في "شراكها" باسم الوسطية والاعتدال... الأكيد أن للسياسة شروطها و"حكمتها" في تبرير "التبدل" و"التفسخ" و"التماهي" و"الذوبان"، ولكن الأكيد أن رجل السياسة الفطن لا يمكنه أن "يتورط" في مثل هذه المبادرة دون أن يطرح أكثر من نقطة استفهام، لعل أهم هذه النقاط تلك التي تسائل "الدستوريين/البورقيبيين" عن دورهم طيلة فترة حكم "التجمعيين" وإهانتهم للحبيب بورقيبة وصمتهم على قبر ذاكرة الرجل وذاكرة جيل بناء الدولة الحديثة؟ بينما لا يمكن أن ننسى الرسالة الشهيرة، التي وجهها المناضل الوطني جورج عدة (أحد ضحايا بورقيبة ذاته) لبن علي يدعوه فيها إلى فك عزلة الزعيم بورقيبة وإخراجه من الإقامة الجبرية. لماذا بزغ "الحب البورقيبي" فجأة بعد أن أسقط المفقرون والمهمشون والمعطلون عن العمل نظام بن علي؟. أما نقطة الاستفهام الثانية، والتي لا تقل أهمية عن الأولى، فهي تلك التي تسأل عن مدى تخلص التجمعيين من الدكتاتورية والانتهازية والفساد، الصفات التي صارت ألصق بهم من جلدتهم؟. الثابت أيضا أن اختلاط التجمعيين بالإسلاميين والعكس بالعكس، هي حقيقة راسخة لا يمكن أن ينكرها أحد، ولكن هل يعني هذا أن البلاد محكوم عليها بأن تُشنق بحبلهما دون سواهما؟ أليس من حق المواطن أن يتجه إلى المؤسسات العمومية دون خوف من المظلة السياسية؟. إن السباق السياسي هو في الأخير سباق مصالح ومواقع لا سباق مواقف ومبادئ، وربما الأخطر في هذا السباق هو التشبث بالاطلاقية وبنظرية "أنا ربكم الأعلى"، فهذا وزير نهضاوي يقول بأن "أفضل حكومة عرفها التاريخ الحديث لتونس هي حكومة حمادي الجبالي"، وهذا "كاتب دستوري" يكتب مقالا على أعمدة الصحف يصف فيه "نداء الوطن" للباجي قائد السبسي بأنه "نداء الزمن.". إن الوسطية الموهومة من جهتي النهضاويين و"الباجيين"، لا تعني "الإسلام المعتدل" لدى النهضة، ولا "الإسلام التونسي" لدى "الباجيين"، بل الوسطية لدى المواطن التونسي الذي يدفع الضرائب حتى على أنفاسه، تعني له تحقيق العدالة الاجتماعية بعيدا عن الاستغلال الفاحش لأصحاب المال الذين "غرفوا" عرق العمال بحماية بن علي. وتعني الوسطية كذلك، تحقيق الكرامة الإنسانية الحقيقية للمواطن التونسي باعتبار صفته المواطنية بعيدا عن تصنيفه الديني. أما السؤال الذي لا يمكن تجاوزه، فهو الذي يقول: متى كانت الثورات تنتهي إلى الوسطية؟ إن "الثورة" لا تندلع إلا لتقطع بشكل جذري مع الوجه المظلم للماضي، هذا الوجه الذي رسمته في تونس أيادي الدستوريين باستبدادهم والتجمعيين بفسادهم والنهضاوين بعنفهم.

2012/04/27

جولة داخل القصر الرئاسي:عندما تتنازع الجدران التاريخ والسلطة

الحبيب بورقيبة، زين العابدين بن علي، محمد الغنوشي، فؤاد المبزع ومحمد المنصف المرزوقي... رئيسان كادا يكونان دائمين لولا موت المجاهد وعزل "الثورة" للدكتاتور... وثلاثة رؤساء مؤقتين، الأول نام ليلة واحدة على بند الدستور 56 ليجد نفسه بعد ذلك أمام حاكم التحقيق، والثاني عاد إلى مناطق الظل والصمت والثالث يمارس الآن صلاحياته التي اختارها... خمسة أسماء تداولت على كرسي الحكم في تونس ما بعد الاستعمار الفرنسي... وكانت لهم الإقامة بين جدران قصر قرطاج وأروقته وغرفه الفسيحة وحدائقه الغناءة المطلة على البحر الأبيض المتوسط... أسماء تنازعت فيما بينها صفاتهم الشخصية التي تراوحت بين كاريزما "الدكتاتور المتنور" والإفراط في النرجسية... ولكن أيضا الهوس بالفن والتاريخ... أما "الدكتاتور الجاهل" فجدران القصر الرئاسي لا تذكر من "عهده" سوى كاميرات التجسس ووقع أحذية الوشاة والمخبرين... أما الثالث فألتبست عليه في "ليلة القصر الوحيدة" كوابيس الفصلين 56 و57 من الدستور التونسي وإصرار الشعب على افتكاك حريته... في حين اكتفى الرابع بالنوم العميق على الأرائك الوثيرة وتسريح قدميه المترهلتين بين أشجار القصر وزهوره... لينسحب في صمت كما جاء... وها هو الخامس يفتح الباب الموصد لنكتشف "بعضا" من ملك الشعب التونسي الذي يخشى حتى أن يمر أمام القصر... ويعيد للجدران بعضا من تاريخ هذا الوطن... ****** رفقة السيدة اسمهان يوسفي (دكتورة التاريخ المعاصر وتشتغل الآن في الدائرة الثقافية بالقصر) ورفقة السيد وسام التليلي (مخرج سينمائي وملحق بالدائرة الثقافية بقصر قرطاج) كانت لنا جولة داخل جزء كبير من قصر قرطاج الرئاسي مساء يوم الثلاثاء 24 أفريل 2012 للتعرف على بعض من تفاصيل هذا المبنى الذي منه تستمد تونس سيادتها وترسم نظامها. كان الدخول من أحد الأبواب الجانبية من جهة نزل أميلكار، وكانت أولى المعلومات متضاربة حول المساحة الجملية للقصر (18 أو 34 هكتار)، ولكن الثابت مثلما تعلمنا بذلك السيدة اسمهان يوسفي أن المهندس المعماري الذي اشرف على تصميم وبناء القصر هو "أوليفيي كوكو" الذي طلب منه الحبيب بورقيبة تحويل الحديقة الشاسعة إلى قصر رئاسي، لتنطلق أشغال البناء سنة 1960 ولتتواصل إلى نهاية 1969 وكان البناء على ثلاثة مراحل وتم تشييد القصر حسب نمط معماري عربي أندلسي تونسي، وقد ترك المهندس "كوكو" الفيلا الصغيرة التي كانت متواجدة بالحديقة والتي تحولت فيما بعد إلى "بيت الحكمة"، أما الجزء الأول من البناء فقد انطلق بالمسرح الأنيق المتواجد بقلب القصر. ****** يحتم علينا تاريخ بناء القصر أن نصف المسرح أولا باعتباره أول جزء تم بناؤه (1964)، رغم أن بداية الجولة انطلقت من بهو الرؤساء، كما أن الدهشة و"الفرحة" التي بدت على وجوهنا ونحن نكتشف أن قصر قرطاج يحمي بين جنباته أيقونة معمارية هي "مسرح قرطاج" الذي "ألح" الحبيب بورقيبة على تشييده، وهو الذي كان "مهووسا" بالمسرح وبمتابعة الأعمال المسرحية خاصة لعلي بن عياد في المسرح البلدي، غير أن المسرح الذي بناه بورقيبة داخل القصر، كان مسرحا "بورجوازيا" من خلال توزيع مقاعده (120 مقعد)... هذا المسرح الذي يفوق أناقة ورفعة ذوق من المسرح البلدي، ظل طيلة 23 سنة، زمن الدكتاتورية النوفمبرية، ظل صامتا ولم يقف على خشبته سوى ثلاثة أسماء، من "مثقفي" البلاط و "سيادته" (رفض مرافقنا ذكر الأسماء). فوق المسرح توجد قاعة سينما مجهزة بكاميرات من صنف 35 مم و16 مم وهي الآن تشهد عملية صيانة من طرف السيد وسام التليلي الملحق بالدائرة الثقافية. ****** عودا على بدء، دخلنا القصر من الباب الرئيسي حيث بهو الرؤساء، وهو عبارة عن قاعة فسيحة تنتصب على جدرانها لوحة عملاقة للحبيب بورقيبة والى جانبها لوحة فيها الآية القرآنية "إن ينصركم الله فلا غالب لكم" ولوحة متوسطة لزبير التركي (رسم لنادل مقهى)، وقبلهما توجد لوحتان كبيرتان الأولى مكتوب فيها بلون ذهبي نص "قرار المجلس القومي التأسيسي في إعلان الجمهورية" ممضى من قبل رئيس المجلس جلولي فارس، واللوحة الثانية مكتوب فيها نص "بروتوكول الاتفاق التونسي الفرنسي المتعلق باستقلال تونس" في عشرين مارس 1956 ممضى عن تونس من قبل الطاهر بن عمار وعن فرنسا وزير الخارجية كريستيان بينو. وتنتصب فوق رخام القاعة عديد الطاولات وفوقها مزهريات الورد والتحف، أما السقف فله زخرفة إن وُصفت ستفقد رونقها مثلها مثل مختلف الثريات المتدلية كعناقيد العنب... دخلنا "رواق البايات" الطويل والمفروش بسجاد احمر وتكسو جدرانه الستائر الأنيقة إلى جانب بعض الجداريات من السيراميك المثبتة في الجدران والمكسوة بالمنمنمات الفارسية، ولكن أهم ما علق على الجدران تلك الصور العملاقة جدا لكل من علي باش باي والمشير محمد باشا باي 2 ومحمد الصادق باشا باي وكل البايات الذين حكموا الايالة التونسية. وفي جدران الرواق "حُفرت" بعض الأماكن لتحفظ التحف النادرة والهدايا الرئاسية والأوسمة والنياشين وكذلك القطع الأثرية الأصلية. على الجهة اليمني للرواق دخلنا "قاعة عليسة" وهي الفضاء الذي كانت تستقبل فيه وسيلة بورقيبة سيدات المجتمع وزوجات الرؤساء والوزيرات، وبعدها نجد "قاعة ابن خلدون" وهي المكتبة التي وشحها الحبيب بورقيبة بالكتب والمراجع والمصادر، واستغلها بن علي وعائلته "مكمنا" آمنا لما طالت أيديهم من أموال وذهب ومخدرات... ****** دخلنا "مغارة الحبيب بورقيبة"، حيث التحقت بنا السيدة نائلة محجوب وصيفة القصر الرئاسي (المسؤولة الأولى عن القصر)، وهي التي كان لها الفضل الكبير في حفظ جزء من تاريخ تونس ذاك الذي كتبه الحبيب بورقيبة، ففي تلك "المغارة البورقيبية" (قاعات أنيقة) تعثر على كنز تاريخي، فيه من الصور الشخصية والعائلية والرسمية وصور لعديد الزعماء والرؤساء والمناضلين، وفيه عدد لا يحصى من التحف والقطع الأثرية والهدايا وأغلب متعلقات بورقيبة (أحذية، سرج الحصان الذي كان يمتطيه، طربوشه، شهادات، تماثيل شخصية، قصائد كُتبت في بورقيبة، سجادات، آلات تصوير، قطعة قماش من غطاء الكعبة الشريفة....). ومن بين ما كان يحتفظ به بورقيبة في مكتبه الخاص صورة للزعيم الوطني فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى جانب صورة كبيرة لأحمد التليلي وبالمثل لمحمد علي الحامي... ومن بين القطع التاريخية التي حفظتها ذاكرة القصر الرئاسي بقرطاج محفظة هدية من الاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس عشر. المغارة التاريخية أيضا انتصبت فيها مكتبة تراصت فوق رفوفها ألبومات الصور وأرشيف سمعي بصري وورقي ومجموعة كبيرة من الأفلام المحفوظة في العلب (35 و16 مم)، والتي سيتم الاعتناء بها ورقمنتها، كما لا يفوت الزائر لهذا القصر أن شعار الجمهورية التونسية موجود في كل ركن وبكل الأحجام... قاعات رئاسية وأخرى شرفية... قاعات موصدة وأخرى مفتوحة... أروقة ممتدة وأعمدة رخامية منتصبة ونوافذ عالية تطل على البحر وعلى الحدائق المحيطة بالقصر... أرائك وطاولات ومزهريات في كل ركن... ثريات تتدلى وأخرى تلتصق بالجدران... مضخمات صوت متبثة في قاعة الرئيس الرسمية وكذلك في القاعة التي تجتمع فيها الحكومة... كل هذا كان في جزء من القصر الرئاسي لقصر قرطاج ذاك الذي استقبل بورقيبة طيلة ثلاثين سنة ولما انتقل إلى مقبرة آل بورقيبة بالمنستير ظلت أنفاسه تتحرك بين الرفوف والجدران... وذات القصر هو الذي اغتصبه بن علي من الشعب ذات 7 نوفمبر 1987 ومكث فيه 23 سنة إلى أن لفظته الجدران... وهو ذات القصر الذي يستقبل بعد 14 جانفي 2011 والى حدود الآن الدكتور محمد المنصف المرزوقي باعتباره رئيسا مؤقتا، والذي نتمنى أن لا يخرج منه إلى المقبرة أو يلفظه القصر إن فكر في الوثب على سلطة الشعب... فالجدران تعرف أن السلطة يمكن أن تتحول إلى تسلط ودكتاتورية، والتاريخ لا يمكن أن ندخله إلا مرة واحدة، عكس القصور التي ندخلها متى شئنا.

2012/04/23

المناضل والإعلامي الطاهر بن حسين صاحب قناة الحوار التونسي هذا هو تكتيك حركة النهضة مع وسائل الإعلام القديمة والجديدة

داخل مقر قناة «الحوار التونسي» كان اللقاء مع المناضل والإعلامي الطاهر بن حسين. الحركة كانت دؤوبة بين الفنيين والصّحافيين، أخذنا رُكنًا مع صاحب القناة وحاولنا أن نقترب من شخصيته وهواجسه وطموحاته الإعلاميّة والسياسيّة. فكان هذا الحوار:
• باعتباركم تمثّلون جزءًا من المشهد الإعلامي، كيف ترون انعكاس «الثورة» التونسيّة على هذا القطاع؟ ـ أوّلا أودّ أن أذكّر أنّ قناة «الحوار التونسي» ليست وليدة لثورة 14 جانفي، ربّما ارتبطت القناة قانونيًّا بتاريخ الثورة، ولكن تاريخيّا كانت موجودة من قَبْلُ، وتحديدا منذ سنة 2006. أمّا بخصوص المشهد الإعلامي فالثابت أنّ التطوّر حصل فقط على المستوى الكمّي (صحف جديدة واذاعات وقنوات تلفزية) لكن في العمق لم يتغيّر شيء، فعندما نرى اليوم وسائل الاعلام التي تريد خلق رأي عام بعد الثورة، هي نفسها وسائل الاعلام النوفمبريّة وخاصّة القنوات التلفزية، ولم يعد خافيًّا اليوم أنّ القنوات التي ساهمت في تكريس استبداد النظام السابق هي ذاتها التي تعمل اليوم على خلق وتوطيد الاستبداد الجديد، فالقناة التي ترتمي في أحضان النهضة اليوم هي التي كانت في أحضان بن علي بالامس، ولذلك أقول إنّ مثل هذه القناة وغيرها ستلعب دورًا قذرًا جدًّا في إعادة منظومة الاستبداد. التاجر لا يمكنه أن يدافع عن الحريّات بل يدافع عن رأس ماله المالي، ولذلك ارتمت هذه القناة في أحضان النهضة والثانية في أحضان الليبراليين لتأمين الربح المادي ضاربين عرض الحائط رسالة الاعلام الحقيقيّة، انظر مثلاً جريدة «لوموند» أو «ليبيراسيون» فهما لم تتغيّرَا ولم يبدّلا خطهما التحريري. ما نلاحظه اليوم من منسوب «الحريّة» في علاقة بملفات الفساد مثلاً أو نقد الحكومة يدخل في ما أسميه «الابتزاز». أذكر أنّ صاحب قناة تونسيّة خاصّة طلب من رجل أعمال 500 مليون لئلاّ يكشف تورّطه مع النظام السابق، وهذه الممارسات تذكرنا مثلا بالصحافة اللبنانية التي أثرت بطريقة الابتزاز، وهي طريقة لا يتفطّن إليها المشاهد، والابتزاز هنا متبادل فالحكومة الحاليّة تبتز أحد القنوات الجديدة التي لم تحصل على ترخيص رسمي للبثّ، ولكنّها ستحصل عليه بمجرّد أن تؤدّي «مهمّتها» في تجميل صورة الحكومة الحاليّة والمساهمة في تأبيدها. • هل يمكن أن تعتبر هذه الفترة (2013/2011) شبيهة بفترة (89/87) في علاقة بالانفتاح الإعلامي؟ ـ في فترة انقلاب بن علي على بورقيبة كان الناس يعتقدون أنّ هناك كابوسًا انزاح وصدّق الناس أنّ بن علي سيستمرّ في نهج الحريّات في الفترة الأولى وأنّه سيطبق ماجاء به بيان 7 نوفمبر، ولكن أعتقد أنّ فترة 88/87 خلت من منطق الابتزاز بين السلطة والحكومة على عكس ما نعيشه اليوم مع حركة النهضة. اليوم تُعْتَبَرُ شروط المنافسة مختلّة بين وسائل الاعلام، فهل يعقل أنّ النظام السابق أغدق المليارات على القنوات الخاصّة ونطالب اليوم أن تنافسها قنوات جديدة حصلت على رخصة عمرها أشهر معدودة! لقد تمّ خلق كلّ الظروف التي تمنع أي تغيير حقيقي وجذري، وهي عمليّة مقصودة ومدروسة خاصّة من حركة النّهضة، فالقنوات القديمة تضغط على خطّها التحريري بفسادها السابق وأمّا القنوات الجديدة فستضيق عليها الخناق لتتوقّف من تلقاء نفسها. • كيف ترون إذًا شروط محاسبة الاعلاميين المتورّطين مع النظام السابق؟ ـ المصيبة الكبرى ان الهيئة العليا لاصلاح الاعلام انها مكوّنة من فنّيين وليس من سياسيين والثورة سياسية بالاساس وليست فنية وربّما لذلك غلب السياسيون اهل الاختصاص، كل اعضاء الهيئة نزهاء لكنهم للاسف ليسوا سياسيين. هناك من اثرى في زمن بن علي، ومن خان ميثاق الشرف الصحافي ومحاسبتهم يجب ان تكون سياسية بالاساس ومن المفترض ان يعيد صاحب القناة و«باعث القناة» الاموال الطائلة المنهوبة من عرق المواطن باسم الاشهار وكذلك على كل من أخلّ بشرف المهنة ان ينسحب من المشهد الاعلامي ولكن أكرّر واقول للاسف إن خيوط الاستبداد حبكت بين الحكومة وذات الوجوه الاعلاميّة المتورطة سابقًا وهذا ليس بالغريب عن طرف رفض الثورة وطرف ثان لم يشارك في الثورة بل سطا عليها وعندما نتذكّر ان العلم التونسي لم يُرفرف يوم 20 مارس 2012 بشكل رسمي سنعرف كيف تتعامل هذه الحكومة مع الوطن ومع الثورة. •اذن علينا ان ننتظر ثورة جديدة من قِبل الاعلاميين؟ ـ بالفعل يجب ان تُقام ثورة داخل قطاع الاعلام فنسبة 90 بالمائة من الوجوه والاقلام التي نراها اليوم لا يجمعها سوى قاسم مشترك اسمه «قلة الحياء» فنفس الاسم الذي كنّا نراه ونسمعه يكتب ويمجّد بن علي نراه اليوم يتحدث عن «المخلوع» وعن "النظام البائد" ولو كنت مكان واحد من هؤلاء إمّا ان انتحر او أغادر البلاد، ولكن ما حدث العكس تمامًا، بل ان هذه الاسماء صارت تُزايد على المناضلين والشرفاء الذين لم يصمتوا زمن بن علي فهل يُعقل مثلاً أن يقول «سمير الوافي» لابراهيم القصاص أين كنت في السابق، هل هناك وقاحة أبعد من هذه السلوك؟! •لنعد إلى قناتكم، الحوار التونسي، التي بدأت في افتكاك نسبة مهمّة من المشاهدين، كيف تقيمون أداءها اليوم؟ ـ القناة موجودة منذ 2006 ولم تتخل عن خطها التحريري النضالي ودورها اليوم يتوقف على عزيمتي وتطوعي لصرف آخر مليم في جيبي لان وجود قناة الحوار التونسي اليوم ليس ترفًا بل هو ضرورة وضرورة وطنية، واعتقد اننا في القناة نملك ثروة رمزية تتمثل في ايمان الفريق العامل بالقناة برسالة الاعلام بغض النظر عن الجانب المادي (رغم أن رواتبهم اكثر من رواتب قناة حنبعل مثلاً او نسمة) وكذلك اليوم بدأنا نلمس تعاطف الرأي العام الوطني مع القناة وتزايد اهتمامهم ببرامجها لان المواطن وجد صورته في القناة دون تزييف او تجميل، كما ان الاحتجاجات العمالية ننقلها كما هي دون تشويه مثلما تفعل بعض القنوات الاخرى بايعاز من الحكومة لتشويه صورة الاتحاد العام التونسي للشغل رغم ان نفس الاضرابات والاعتصامات كانت تنتظم في حكومة الباجي قائد السبسي مثلاً. •وماذا عن رأس مال القناة؟ ـ لا أخفيك سرّا ان قلت ان التعاطف الذي تلقاه القناة اليوم من عموم المواطنين قد مهّد الطريق لتعاطف بعض رجال الاعمال الوطنيين الغيورين على هذا الوطن ومن ذلك ان رصيدنا المالي تعزّز بوجود خمسة من رجال الاعمال وهو ما سينعكس ايجابا على القناة خاصة في الجانب التقني (الصورة، الاضاءة، الصوت، المعدات، الفريق الصحافي...) كما ان اليوم لدينا بعض الوعود بالاشهار، وفي ظرف اسابيع ستكون برمجتنا جاهزة ومتنوعة. اليوم معركة القناة تتعلق بجودة الصورة اما المضمون وخطنا التحريري فذاك هويتنا التي انطلقنا بها ولن نتنازل عنها أو نغيرها. •ربما لذلك قناتكم مستهدفة بشكل مباشر من قِبل السلطة؟ ـ بالفعل خطنا التحريري يقضّ مضجع السلطة لأنّه يكشف جانبا كبيرا من زيفها واستبدادها وتملقها فهل تعرف مثلا ان المرزوقي الرئيس المؤقت اليوم أخرج سنة 8 جويلية 2008 بيانا يكتب فيه بالحرف الواحد ان «قناة الحوار التونسي هي المتنفس الوحيد للمعارضة» واليوم عندما ينظم ندوة صحافية يستدعي فيها حنبعل ونسمة والتونسية والقناة الوطنية ويستثني قناة الحوار التونسي! أما المحاصرة الأمنية وافتكاك المعدات وتهشيمها فكله يدخل في المحاولة اليائسة لتطويعنا وتدجيننا كبقية القنوات باعتبار الاعلام ـ وفق رئيس الحكومة ـ هو اعلام حكومي وليس عمومي حتى لا نقول انه إعلام سلطاني! في دوز منعوا فريق القناة من التصوير مع المرزوقي وكذلك في جندوبة منعنا حمادي الجبالي من التصوير وفي بنزرت ثم منعنا ايضا من التصوير... بينما قناة التونسية لا تملك رخصة ومع ذلك تصور في كل الاماكن وتستدعي من تشاء من الوزراء. •لنعد الى الشأن السياسي الوطني، كيف تقيمون الأداء الحكومي الى حد الآن؟ ـ لا يمكن الحكم على الاداء الحكومي في ظرف 100 يوم مثلما نسمع اليوم، لكن يمكن بالمقابل الحكم على التوجه العام لهذه التشكيلة المؤقتة ودعني اقول انه توجه للسطو على السلطة خاصة ان الانتخابات القادمة سوف لن تكون في صالح حركة النهضة لعدم كفاءتها في ادارة الشأن العام للبلاد ولما أظهرته من لهفة على كرسي الحكم بكل الطرق، الى جانب عدم ايفائها بالوعود الانتخابية وربما هذا الفشل هو الذي سيخلق كتل سياسية اخرى اقدر ان تكون في حدود الخمس (الاسلاميون ـ القوميون ـ الليبراليون ـ اليساريون ـ الوسطيون) وهذا امر صحي وضروري، واعتقد ان الاسلاميين سيأخذون حجمهم الطبيعي والذي لن يتجاوز 15 بالمائة في اقصى الحالات. •ولكن هل تعتقدون ان هذه الاطراف ستستوعب اللعبة الديمقراطية وتجنب البلاد الدخول في «حرب اهلية» خاصة أن بوادرها بدأت تظهر من خلال عنف (الميليشيات) على المواطنين؟ ـ تلقائيا، لا اعتقد ذلك، اما الحرب الاهلية فمستبعدة لانه تاريخيا لا تقوم الا في وجود قطبين يصعب ان ينتصر الواحد على الآخر، لكن المسيرة التي هي بصدد التشكل الآن في تونس قد تجنبنا الوقوع في ذلك، وهذا ايضا يتوقف على اقتناع النهضة بعدم التعنت عندما تكتشف حجمها الحقيقي، وربما لذلك تستميت اليوم الحكومة في إلجام تحركات السياسيين ومنع المواطنين من التظاهر وارضاخهم لمنطقهم، منطق «قل ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء» والنهضة اليوم بصدد منع السياسة على غيرها واستثمار مواقع قيادييها المؤقتة. •ولكن أين دور طرفي الترويكا، التكتل والمؤتمر امام هذا التمشي؟ ـ بكل بساطة اقول انهما لعبة يبد حركة النهضة خاصة انهما اظهرتا عدم انتمائهما الى الطبقة السياسية المناضلة والمترفعة عن الانتهازية. •لنعد الى التكتلات السياسية ألا ترون اننا بصدد الدخول في استقطاب ثنائي خاصة امام تواصل حالة التشرذم التي يعيشها اليسار؟ ـ بصراحة اعتقد انه في تونس لا يوجد يسار سياسي بل هي نخبة مثقفة تستلهم من الايديولوجية اليسارية ولكن من ناحية الاستقطاب الثنائي، انا لا أراه كذلك ربما عقائديا يجوز الاستقطاب الثنائي ولكن سياسيا هناك عدة تكتلات. ثم ان الحملة التي تشنها النهضة اليوم على التجمعيين هي حملة مفضوحة ويائسة ، فهل يعقل ان يمارس السياسة من فجّر الفنادق والقى الزجاجات الحارقة ويقصى مثلا رئيس شعبة!

2012/03/22

قيس رستم في أول معرض شخصي بعد الثورة: الخط ده خطي

موسيقى الألوان والأشكال، هي الصفة التي يمكن إطلاقها على معرض قيس رستم "ببراءة" تكوينها وتشكيلها، وبما وقعه من سيمفونية متجانسة ومتناغمة في الحركات والوضعيات والتبدلات التي قد تبدو للعين المجرّدة نمطية، هجينة حينا، محبّبة حينا آخر، في حين أنّها تغور بعيدا في مداراتها التي تناسلت منها تلك اللوحات المنتصبة هناك بفضاء ألف ورقة، مدارات مشحونة بزخم ثوري جمالي... ومدججة بألوان المسرح والرقص والإيقاعات الموسيقية.
بعد أن شاهدها كل من الفاضل الجعايبي وجليلة بكار وهشام رستم ولطفي الحافي في مرسمه، أخرج الرسام التونسي والسينوغرافي والموسيقي قيس رستم 17 لوحة زيتية للعموم مفتتحا بها أول معرض شخصي له بعد الثورة التونسية يوم 17 مارس الجاري بمكتبة وفضاء الفنون "ألف ورقة" بالمرسى بالضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية. لوحات قيس رستم، امتد زمن انجازها من شهر فيفري 2011 إلى موفى شهر جوان من نفس السنة، وعن ظروف انجاز هذا المعرض يقول قيس رستم " تركت الناس في شارع الحبيب بورقيبة ينهون مشوارهم الثوري وأغلقت باب مرسمي لأنجز ثورتي الشخصية بين الخطوط والألوان...". أسرار تأسيسيّة وشيفرات أوليّة "فكها" قيس رستم بمفرده داخل مرسمه، فوق المساحات البيضاء التي بسطها أمامه ليقدّمها لنا نوتات موسيقية لتشكيل جسدي يرقُص على إيقاع ريشته وفكرته كما تأججت بداخله... فبين الامتلاء والفراغ تعبُرُ الخطوط والأشكال، الدائرية والمربعة، المستقيمة والمتعرجة... تعبر ملفوفة داخل ألياف القماش المُبقّع بالألوان والتّعرجات... تعبر واحدة واحدة، تارة نحو السواد الفاقع وأخرى نحو البياض الهيوليّ، وثالثة نحو باقي الألوان... تاركة أثرها هي وحدها ولا شيء سواها... ترتخي لتنتصبَ وتتمدّدُ لتنحسر... تنتعشُ لتنتكسَ... تنمو وتتشكّلُ وفقا لقانون الأصابع التي تحرك الريشة... أجساد يبعثر قيس رستم أطرافها وتفاصيلها فتنتصب كبيرة في هذه اللوحة حد الاستيلاء على كل مساحتها، أو صغيرة في تلك اللوحة حتى لا تراها العين... ملتحفة بالألوان في وضعيات منفردة أو محتشدة، وكأنها تعبر عن حالات وحركات مخصوصة، وكأن قيس رستم يذكرنا بأن أجسادنا هي بمثابة الإيقاع من الموسيقى... أو هي بمثابة الألوان من اللّوحة... متماهية فينا مثلما هي الإيقاعات كينونة الموسيقى وهويّتها، ومثلما هي الألوان حديث اللّوحة وبوحها... هل هناك فعلا جسدُ مُتخيّل أو محلوم به خارج جسدي أنا ؟ أم أن هناك جسد يتناسل من جسد آخر ولا يفصل بينهما إلاّ رعشتي في العالم سواء كانت باللّغة أو بالموسيقى أو بالصورة أو بالنّحت أو بالرّسم...؟ سؤال يستفز المتجول داخل فضاء "ألف ورقة" وهو يتنقل من لوحة إلى أخرى حيث الأجساد مُنبثقة من طينة لونيّة ومن ريشة مارقة وفالتة، هي ريشة قيس رستم، المدجج بالموسيقى والرقص، وهو الملحن وعازف الإيقاع وكذلك السينوغرافي المحنك ولعل مسرحيتا "خمسون" و"يحي يعيش" تشهدان على قدرة قيس رستم في التصميم المتكامل والفني للعناصر المشهدية. يقول قيس رستم "المسرح والموسيقى كان لهما انعكاس كبير على ألوان لوحاتي، خاصة من ناحية التحكم في الفضاء ومجاراة نسق الريشة وكذلك الإيقاع الحي في كل رسم" وهذا الانعكاس يلمسه زائر المعرض من خلال الوضعيات المختلفة للأجساد المتعدّدة في وحدتها، إذ أنها توزّعت في الألوان بين الملائكيّة والشيطانيّة... بين الآدمية والجنيّة... بين الإنسية والحيوانية... وضعيات تتجسّد في تلك التناقضات ولا تخضع لنواميسها الطبيعية والتشكيلية، بقدر ما تنفلتُ من قبضتها الهندسيّة نحو مرافئ بعيدة وعميقة، أبعدُ وأعمقُ من التعبيريّة الباهتة الشاحبة، لكأنّها منظومة حسيّة مُبتكرة تُعبّر عن شكل إقامة قيس رستم في آنه ومكانه وطبعا وفقا لجسده هو دون شريك أو رقيب، ما عدا اللغة، تلك التي تطوق لوحاته بحروفها التي تنتصب هنا كبيرة وهناك صغيرة... حروف لاتينية تتشكل منفردة في هذه اللوحة ومجتمعة في كلمات في لوحة أخرى... تفتح لوحات قيس رستم الباب واسعا للتأويل وقراءة الرسائل المشفرة التي أراد الرسام إرسالها للمتقبل غير أن الرسام ذاته يقول بكل وثوق "لا رسالة لي من هذا المعرض ولا الذي قبله." ولكن اللوحات المعروضة تكتنز بالرسائل الجمالية والسياسية، فجماليا يكسر الرسام كل القيود الممكنة على الأشكال المنتظمة والمستقيمة في الذهن ويقدمها في تعرجاتها المستحيلة وكأنها ترفض الانصياع لضوابط الهندسة والقياسات وحدود الفضاء، حتى أن بعض اللوحات التي توهم بارتفاع القضبان في إحالة على السجن تكسر تلك الضوابط الصارمة للقضبان، وهو ما ينعكس إيجابا على البعد "السياسي" لهذه اللوحات لأنها لا تعبر فقط عن الحالة الثورية التي تعيشها تونس بل هي تحرض، ربما في لا وعي قيس رستم، تحرض على المضي قدما في الثورة وفي السياق الثوري المؤسس لإقامة أجمل في العالم... وهذه الثورية الكامنة في لوحات قيس رستم تتأتى من "تيمة" الالتزام التي يعيشها الرسام، إذ يقول "الرسم التزام يومي مثله مثل الموسيقى والمسرح، غير أن الرسم يفرض علي التزاما مضاعفا لاني اعبر من خلاله عن الموسيقى والمسرح معا...".

2012/03/21

مسرحية "نجمة وهلال" الشعر والسياسة على خشبة المسرح

ستون عاما مرت على تاريخ 52، تاريخ السيناريو المسرحي، غير أن الأسماء التي تذكر في المسرحية تجد صدا لنضالاتها وكتاباتها في الراهن التونسي اليوم فرحات حشاد، الحبيب بورقيبة، الطاهر الحداد، محمد علي الحامي، بلقاسم القناوي، أبو القاسم الشابي، لزهر الشرايطي، الساسي الأسود... أسماء تذكر في المسرحية وتعبر فضاء المنطوق والمسموع لترحل بمشاهديها نحو أزمنة مفصلية من تاريخ تونس وحياة أفرادها... سحر الرياحي وهاجر سعيد والمنجي الورفلي وعبد السلام الجمل ولزهر الفرحاني ومحمد العوادي وأحمد بلطيف وعبد السلام البوزيدي ونور الدين الهمّامي وعبد الفتاح الكامل، عشرة مسرحيين (8 رجال وامرأتان) يتناوبون على ركح المسرح بقاعة المونديال (تونس العاصمة) وسط ديكور فقير، تطوقهم اضمامة من أغاني تراث المناجم في الشمال الغربي ويجمعهم خيط ناظم لكل حكاياتهم الشخصية والجماعية هاجسهم التوحد أمام بطش المستعمر الفرنسي، والتحرر من عبودية الاستغلال. تزور صحفية فرنسية من أصل تونسي (زينة) قرية جبلية في الوسط في ربيع 1952 بحثا عن شاعر (هلال) قرأت له أشعاره، وانقطعت أخباره وكتاباته منذ سنين. تحاول إجراء تحقيق صحفي عن الشاعر وعائلته وعن مؤلفاته، ولكنها تفاجئ بإختفاءه وإنكار القرية لوجوده فيها. في الأثناء تتزايد المواجهة بين المقاومين التونسيين والمستعمر الفرنسي ويسعى "العمدة" إلى طرد الصحفية بعد أن اكتشفت تورّطه مع المستعمر الفرنسي في عمليات وشاية بالمناضلين، ومع تزايد الصراع تتوصّل الصحفية إلى اكتشاف حقيقة مقتل الشاعر من طرف المستعمر بتواطؤ من العمدة. أحداث تم بناؤها مسرحيا انطلاقا من قراءة المخرج سامي النصري للرواية الشعرية "أمس منذ ألف عام" للشاعر عادل المعيزي التي يتحدث فيها عن تجربة شاعر مع القبلية التي ينتمي إليها والتي تنكره لأنه يأتي على المسكوت عنه ويتكلم ويجاهر بما لا يجرؤ عليه أهل القبيلة. يبدو النص في ظاهره بسيطا، مثله مثل الإخراج الذي أراده سامي النصري بسيطا دون مؤثرات تقنية معقدة، حيث تنفتح أولى مشاهد المسرحية بآهات جنائزية ومواويل مغرقة في البدوية يؤديها أول ممثل يتقدم رويدا إلى منتصف الركح الذي اقتصر ديكوره على نافذتين ضخمتين يرتفع أمامهما ستار احمر. يتوقف المغني عن ترديد الآهات ليقدم للجمهور تأطيرا زمنيا (1952) ومكانيا (تونس عموما ومدينة القلعة الجرداء بالشمال الغربي تحديدا) غير أن لغة النص تأتي في جبة الشعر القائم أساسا على السجع والإيقاع الموسيقي، ثم ينفتح الركح لعدد آخر من الممثلين يؤدون دور عمال المناجم، بأزيائهم المعروفة ذات اللون الأزرق الداكن، يتحركون فوق الخشبة بشكل متناغم بين نواح وغناء جنائزي وشعارات سياسية من قبيل (عرقك يا خدام) (اطلب حقك يا خدام) (اتحاد اتحاد) ليكتشف الجمهور أن سبب حالتهم تلك هو موت عامل معهم برصاص المستعمر. المقاومين، الحرّاس، الجندرمة... إلى جانب النصّ الحواري متداخلا مع التكثيف المشهدي الكوريغرافي والاعتماد على الحركات القوية والسريعة هو من عناصر المسرحية وهو ما جعل العرض يشبه حالة استنفار لا يقطعها إلاّ تأثيثات الصمت أو ثبات الحركة الغنائية أو الموسيقية، وخلق إيقاع مشهدي تمثيلي حركي وسريع. ورغم أن دخول الصحفية فوق الخشبة واستئثارها بالنصيب الأوفر من الحوار فان التوجه "الملحمي" الذي يربط في مستوى الأداء بين القصّ أو سرد الأقوال، وبين التمثيل أي سرد الأحوال والوضعيات عن طريق الفعل الذي يقدّم الأحداث، لم يخفت، خاصة أن النص يقدم معطيات تاريخية من وقائع وأسماء من التاريخ التونسي. ينقسم النص في مسرحية نجمة وهلال (120 دقيقة) إلى مستويين، أوّل درامي حاول رصد العلاقات بين الشخصيات ومن خلالها مجموع الأحداث التي تتعلّق بها وكشف حيثياتها، أي الجانب الاجتماعي في سلوكها وفي تعالقها. ومستوى ثان تعلّق بالسرد أو القصّ الذي يقدّمه راو أو قاصّ قد يكون حينا الشخصية أو الممثّل ذاته رصد الوقائع المتعلّقة بالمكان والزمان، وكشف أبعاد الجغرافيا والتاريخ المتضمنيين للخرافة والمتعالقين معها، مثل رصد أسلوب الحياة وعلاقة الشخصيات بنمطها، والظروف التاريخية التي حفت وساهمت في ظهور الصراعات. الشعر التقى مع الغناء ضمن هذه المسرحية ليكونا روح العرض حيث تم الاعتماد على مقاطع شعرية في سياقين متكاملين، أول حديث من ديوان الشاعر عادل المعيزي، و ثان من الشعر الشعبي وخاصة التراثي منه، والمتعلّق بالشعر الذي قيل أو ألّف خاصة حول رجال الكفاح المسلّح في تونس مما خلق وحدة هامة للمسرحية بين المستوى التاريخي والمستوى الدرامي وجعل الفرجة مفتوحة على محايثة المعنى والأحداث، وفي نفس الوقت إعطاء تصوّر حيوي وصادق عما يحدث. هو ذا عرض"هلال ونجمة" حاول أن يفتح ملف السلطة السياسية وحدودها وتشعب مكوناتها في فترة من تاريخ تونس قد لا تختلف اليوم في طبيعة الصراع الدائر رغم اختلاف من يؤدي ادوار طرفي الصراع. وهذا السياق السياسي ليس غريبا عن المخرج المسرحي سامي النصري الذي اقترن اسمه بالفاضل الجعايبي خاصة بعد مشاركته في مسرحية خمسون التي مثلت محطة فارقة في تاريخ المسرح التونسي المعاصر، بطرحها للمسكوت عنه سياسيا في تونس وبما أتت به من تجديد على مستوى الإخراج والكتابة المسرحية، وأيضا بما أثارته آنذاك من إحراج حقيقي لنظام بن علي الذي حاصرها ومنع أولى عروضها، وهو تقريبا ما حصل لمسرحية سامي النصري التي أنجزت منذ 2010، غير أن ممثليها لم يصعدوا على أي ركح إلا بعد أن سقط نظام بن علي الذي لم تمنح وزارة الثقافة في عهده دعما لهذا العمل باعتباره يقدم نصا ثائرا ويحيل على التمرد والرفض بشكل مباشر لا مواربة فيه، أو هو نص ينتمي إلى ما يصفه سامي النصري بالمسرح السياسي القريب من المواطن والذي لا يكون بعيدا عن فهمهم وتصوراتهم وأفكارهم.