بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/07/25

دليــدا تـــونس



كلما ألقت جملة موسيقية في الهواء الطلق أتذكر تلك الجملة الشعرية المشحونة حميمية ورهافة للشاعر بول ايلوار تلك التي يقول فيها "إني أسمع صوتك في ضوضاء العالم"، ولا أجد بدا من الانحناء لها ألف عام وعام لأنصت لآهاتها وهي تدحرج الحروف وتوازنها بين مهموس ومجهور لتنثرها شهبا أو حبات ثلج من شرفات حنجرتها الأسطورية لتطوف وتطوف حتى تستقر في أعماق مريديها، وفي أعماق أعماق الروح.
هكذا أنصتُ إلى "سمو أمينة فاخت"... وهكذا أنصتً إليها الآلاف من مريديها... هكذا كنا...خاشعين في حرمها وهي تغني مما اختارت، فكأنها بسخاء توزع علينا كراماتها...نتلقى السحر من صوتها...من تلاعب الريح بشعرها...من رقصها ويديها المفتوحتين تعانقان السماء...من بذخ جسدها في التلفظ بما اختارت أن تغني لنا...
يطوف بنا صوتها فتطوحنا إلى الأقاصي، وتطوف هي بتمائم الألحان والكلمات ولا تترنح... تدرك يقينا أنها تتدثر بأوتار الكمنجات الهاربة من صقيع هذا العالم ... تشحن الفضاء بتعويذاتها مثل فراشة أرجوانية تنضو على قنديل الغناء الأخضر فتحترق بلهيبه ولا تموت على غير عادة الفراشات... تبوح بأشيائها الصغيرة، بقُبلها الطائشة، وبدولاب روحها...
كنجمة مكابرة فاض ضياءها فوق ركح مسرح قرطاج الأثري حاضنة كيسها السحري المملوء بالسحابات والعصافير والفراشات والشهب... وتشرع في توزيعه بالتساوي على جهات القلب المليون... فتضيء صدأ الروح وتملأ خواء القلب وتُزهر مفاصل الجسد ليتدرج بنا معها من سنواتها الأولى فالتسعينات وسلطان فعلها إلى أيامنا هذه واستعادة الطبول لسلطتها على المشهد.
يخترقك صوتها، فاستمالتها للمصدح، فتماهيها مع آلاف الأحجار المرصوصة منذ ألاف السنين، فعينيك، فقلبك، فتهوي مثلما هوت على الركح ليتسع فجأة لك وللآلاف من الذين امتلكهم سلطان حبها...
تخال نفسك في حضرة "دليدا" عندما تمرر لك ذلك الإحساس الاستثنائي فترغب في البكاء وفي الطيران وفي تسامق السماء وفي التوحد مع صوتها...تماما مع الفنانة أمينة فاخت "داليدا تونس" ستكتشف حتما أن حياتك أنت عند غيرك مثلما هي حياة غيرك عندك أنت، لا فكاك لك منه، ولا فكاك له منك إلا بالحب، بالحب وحده تصير حياتكما حديقة بلا سياج، مفتوحة على اللامنتظر منها ومنك...
بالحب ننتظرها، وبالحب تهل علينا، لتجعل كل واحد منا يهذي بكلمات "سارج لاما" وصوت "دليدا" في أغنية "je suis malade" ويقول:" مثل تشبثي بصخرة/مثل تشبثي بخطيئة/أتشبث بك/أنا متعب/أنا مرهق/لتصنعي السعادة/عندما يتواجدون/أسكر كل ليلة/لكن الخمور كلها/لها نفس المذاق عندي/وكل السفن/تحمل رايتك/لم أعد أعرف أين أتجه/فأنت في كل مكان/سيهلكني هذا الحب/إذا ما استمر الحال/سأهلك وحدي مع ذاتي/قرب مذياعي/كطفل ساذج/أنصت لصوتي..."

هناك تعليق واحد:

  1. تحياتي لك أخي العزيز ناجي..
    لقد أسعدني ما كتبت .. أحسست وأنا أقرأ ما كتبته عن أمينة فاخت (دليدا) وكأنني في صحراء قاحلة وتفصل ما بيني وبينك وأنت تستمع لأمينة فاخت ألف صحراء ، كيف لأحساس تصفه لنا ونحن لم نتجاوز منطقتنا جغرافيا ، الروح لمست ما أحسست به أنت ، ولكن حياة في منطقة عشنا فيها بكل تفاصيلنا قد خلقت تضرساتها البدوية والصحراوية .. أتمنى أن أحضر لها أمسية كي أنثر عني غبار القحولة ، وأكتسب لغة ممكنة لغة موسيقية تتحرك في داخلي بالممكن والمتاح أتلون بهذه اللغة كي تنقلني إلى الأقاصي إلى أقصى الرغبة الجامحة في حبائلها(الروحية )..
    فهد مبارك
    سلطنة عمان

    ردحذف