بحث هذه المدونة الإلكترونية

2007/06/12

مسافرون لأحمد القاسمي

حشاد نازلا من جوف الصواعق

غير خاف على ذوي البصائر أن الرجال العظام وأبطال التاريخ هم المعالم التي تضيء للشعوب سبيلها نحو الحرية والتقدم والكرامة الإنسانية، وإذا ما كان تاريخ الشعوب رهين كد الجماهير وكدحها، فان طبائع الأمور وحكمة التاريخ تقتضي أن تتبلور رؤى تلك الجماهير الكادحة وتطلعاتها في رجل أو امرأة ينطق أو تنطق بلسانها وتعبر عن وجدان تلك الجموع الغفيرة إذا ما كان الموقف موقف قول وتعبير... ويضم فاعليتها ويجمع نشاطها وحركتها تحت قيادته وتأطيره إذا ما كان الموقف موقف فاعلية ونضال فيقود كفاحها ويوحد صفوفها ويتقدم بها إذا ما كان الموقف موقف تحرر وانعتاق وانطلاق نحو أفق الحرية والإنسانية الرحب، وهكذا تتمثل في أفذاذ قلائل من كل شعب آمال أجيال وأهداف قرون طويلة من النضال والاستبسال...
ومثلما كان لايطاليا غاريبلدي وأنطونيو غرامشي ولفرنسا نابليون ولألمانيا باسمارك ولروسيا لينين وللصين ماو تسي تونغ وللهند غاندي ولتركيا مصطفى كمال أتاتورك... كان لشعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية رموز وأبطال نافحوا عن حرمة أوطانهم وحقهم في السيادة الوطنية، وكان لنا نحن التونسيون فرحات حشاد ذاك الذي تجرأ على صواعق الاستعمار الفرنسي وعبث بأقداره ومطامحه في النيل من حرمة الوطن وإرادة شعبه.كان لابد ان اكتب بهذا الشكل لأقدم المؤلف الجديد للكاتب والناقد التونسي أحمد القاسمي صاحب رواية «زابينغ» وأعني بمؤلفه الجديد النص المسرحي «مسافرون» الذي قدم لنا من خلاله أحمد القاسمي ـ وعلى غير سيرة معاذ جبور بطل رواية «زابينغ»ـ قدم لنا سفر ثلة من خيرة مناضلي الحركة الوطنية بتونس وعلى رأسهم فرحات حشاد الى جانب مصطفى الفيلالي والنوري البودالي واحمد التليلي.وضمن هذا النص المسرحي حشد احمد القاسمي ما أمكنه من المواقف التي افرزتها مرحلة ما بين خريف 1947 (اضراب الاشهر الطويلة) وشتاء 1952 (اغتيال فرحات حشاد) وانتقل بشخوصه واشباحه في فضاءات معلومة ومحددة توزعت بين منزل حشاد برادس ومقر الاتحاد العام التونسي للشغل بنهج ترنجة وضيعة زيتون بالنفيضة وضيعة زيتون بنعسان.وعلى خلاف تعقيدات شخصية معاذ جبور في رواية «زابينغ» والتي ربما تطلبتها البنية الحكائية وتقنيات سرد الرواية، على خلافها كتب احمد القاسمي «مسافرون» بلغة بسيطة ومكثفة في آن وكأنه استمدها من شخصيات نصه وخاصة من حشاد والتليلي، كما ان التقنيات المسرحية لم تكن معقدة في نصه هذا حيث اكتفى القاسمي ببعض الاشارات الركحية او ببعض الاحالات النفسية لتسيير نسق احداث المسرحية خاصة في تنقلها من فضاء لاخر لينجح الى حد بعيد في ايهام القارئ بتحوله الى مشاهد يتابع كيانات حية متحركة فوق ركح مسرح ما، وهذا ربما ما يجعل نص «مسافرون» مؤهل بشكل كبير للاخراج المسرحي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق