بحث هذه المدونة الإلكترونية

2007/07/14

الشيخ امام عيسى

حيّ يغنّـــي في بنعروس

تحول مقر الاتحاد الجهوي للشغل بجهة بنعروس بتونس العاصمة يوم الجمعة 6 جويلية 2007 الى محضنة لتربية الأمل على شفاه صغار الجهة وكبارها على حد السواء بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور 12 سنة على وفاة رائد الأغنية المناضلة الفنان الشيخ إمام عيسى حيث إنداحت كل الحناجر طلقة على سجيّتها تردد ما قطفته من بستان الكلام المتسربل بأيامنا الشعبية وايقاعات خطواتنا الرافلة في حرير التعب والاصرار ... كلمة أحمد فؤاد نجم وألحان الشيخ إمام عيسى ...
بجهة بنعروس إلتحمت كل الأجيال بأوتار العازف محسن بن أحمد لتنشد سمفونية الدرب الأخضر ... ووقفت مشدوهة أمام كلمات عم خميس المولدي زليلة صاحب بابور زمّر ...
سرب حمام أبيض
بعد كلمتي الترحيب التي جاءت على لسان الأخت وسيلة العياشي عضوة المكتب التنفيذي الجهوي والأخ محمد المسلمي الكاتب العام للاتحاد الجهوي ببنعروس وبعد عرض مقتطفات من حفلات متعلقة بذكرى الشيخ إمام عيسى استمتع الحضور بعرض موسيقي لأغاني الشيخ إمام تشابكت فيه حناجر الأطفال بالشباب والكهول لتأمنه في تواصل موسيقي وجينيا لوجي... حيث غنى كل من مراد جاد «دوريا كلام» و»أتوب إزاي» وغنت هيفاءالهمامي وفوزية الهمامي أغاني «يمة مويل الهوى» و «رجعوا التلامذة» و «إيدوشمعة» في حين غنت نداء الهاني أغنيتي «يا حبايبنا» و «كل عين تعشق حليوة» وغنّت الطفلة رؤى أغنة «البحر بيضحك ليه» وغنّت يا سمين الطرابلسي أغنيتي «حاحا» و «الأولى بلدي».الحفل الذي أمن إيقاعاته محسن بن احمد من مجموعة العودة وعازف الناي عمار القاسمي من مجموعة الحمائم البيض أوقع الجميع في الغناء والإنشاد.
البابور لم يزمر
«عم خميس»، المولدي زليلة صحاب كلمات أغنية بابور زمر التي أداها الفنان الهادي قلة أكد في جهة بنعروس أن سنواته التسعين لا تضاهي شيئا أمام تلك الحناجر الندية التي جعلته يقفز الى الركح ليغني مع الاعلامي الحبيب بالعيد والمناضل الهاشمي بن فرج والأخت وسيلة العياري والأخ محمد المسلمي وكل الحضور أغنية الشيخ إمام عيسى «مر الكلام» ... غنّى عمّ خميس بدار الاتحاد وعمره فاق التسعين بأشهر ليكرّم أبناء الاتحاد وهم الذين أغرقوه بالورد ... لحظات حميمية عاشها أبناء الاتحاد الجهوي ببنعروس لا أخال أن كاميرا الأخ رضا بن حليمة ستزوغ عن التقاطها والإحتفاظ بها شاهدة على فورة هذه الجهة بما تقدمه كل مرة من برهان ساطع على أن مبادئ الاتحاد نضالا وثقافة هما نبراس الاستمرار وجمرات الإتقاد...

أفكار متقاطعة 24

غسّان كنفاني ونشيد الكلام العـالي


قياسًا على ذلك التَّركيب الذي أورَدَه غَسّان كنفاني ضمن تقديم كتَابه «في الأدَب الصُّهيوني» والذي يقول فيه «إن الصُّهيونيَّة الأدبيَّة سبقَت الصهيونيَّة السياسيَّة.» يُمكننَا أن نَتَجَوَّزَ ونكتُب أن فلسطَين الأدَب والشّعر سبقت فلسطين المفَاوضَات والاتّفَاقَات... فوحدهُ المقلاعُ الفلسطينيُّ والحجرُ الفلسطيني يظلُّ كالزَّغَب يَتَنَاسَل ويطولُ على جَسَد كل فلسطيني وفلسطينيَّة من أتُون شعر محمود درويش وسَميح القَاسم وعزّالدين المناصرة ومن رُسُومات ناجي العلي ومن نثر غَسّان كنَفَاني وهشَام شَرَابي وإدوارد سَعيد وإميل حَبيبي وإليَاس خُوري (بعد أن انخرط في الجبهة الشعبية)...
وإذا مَا كَان الأدَب الصهيوني أقرَب إلى «سَمْفُونية دَعَاويَّة وإعلامية» فإن الحبر الفلَسطيني لا يَزال يَرسم على الجدار اللُّغوي شَذَرَات الخَلق والإبداع ... فكلّمَا انفَتح قَبرٌ على قلمٍ استمر النَّشيد الملْحَمي بمدَاد الإصْرَار في دَربه نَحو سَاحَة البُرتقَال من دون أسْيجَة شَائكة ولا غَمَامَات سَودَاء... وكأنَّ كل قلم فلسطيني هو ألْفُ عام من اللَّحظة العَربيَّة...
غسّان كنفَاني، صاحب «أم سعد» وزارع «أرض البرتقال الحزين» و"وَاحد من الرّجَال" الذين قَاتَلوا «في الشَّمس»، غَسّان كَنَفاني «العَاشقُ»، «العَائدُ إلى حَيْفَا» ... قَبل أسبوع واحد مَرت علَى استشهَاده 35 سَنة كَاملة...
وغَسَّان كنفاني من مَواليد مَدينة عَكا الفلَسطينيَّة في سَنة 1936 عَاش في يَافَا ثم نَزَح إلى جَنوبي لبنَان بَعد نَكبَة 1948 ثم انتَقَل مَع عَائلته ليعيشَ في دمَشق.
عَمل كنفَاني معلمًا للتَّربية الفنيَّة في مدارس وكَالة غَوث اللاجئين الفلسطينيّين (الأونروا) في دمشق ثم انتقل إلى الكويت عَام 1956 حيث عمل مدرسا للرَّسم والرّيَاضة وعملَ في الأثناء في الصّحَافة وبَدأ في نفس الفترة يكتب قصصه ورواياته ومسرَحيَّاته ودرَاسَاته النَّقدية.
في بيروت عملَ محررا أدبيَّا لجَريدَة الحُرية ثم صَار رَئيسًا لتَحرير جَريدة المحرّر عام 1963 وعملَ في صَحيفَتي الأنوار والحَوَادث حَتى عَام 1969 . أسَّس صَحيفة الهَدف وظلّ رئيسًا لتَحريرهَا حتَّى استشهَاده يَوم 8 جويلية .1972
غسّان كنفَاني عَاش يبْني عَلَى الرَّمْل مَا تَحْملُهُ الرّياح ... عَاش يُرَبِّي الأمَلَ ... ويكتب للنموذج الفلسطيني ولطريق استرداد الأرض...
لَقَد كَتَب غَسان كنَفاني أغنيَة شَعبه النّضَاليَّة... وَرَفَع أوتَاد خَيمته اللّغوية لتجْمع ما شتَّتَهُ «رجَال السّيَاسة»... لأنه ظل يَدْرسُ ويُدَرّسُ في مَدرسة الشَّعب... فلسطين... ويَكفي أن يقرأ واحدٌ منّا، نَحن أشباح القلَم والجُرح، هذا المَقطع الذي بَدأ به غَسان كَنفَاني روايتَه الأشهَر»أم سَعد» لنَكتشف وَهَنَ وُجودنا وكذبَة مشيَتنَا...
يَقول غسان عن أم سعد : «أم سَعد امرأة حَقيقيَّة، أعرفُها جيَّدا، ومَازلتُ أرَاها دائمًا، وأحَادثُها، وأتعلَّم منهَا، وتَربطُني بها قَرابة مَا، ومَع ذلك فَلم يَكن هذا بالضَّبط، مَا جعلهَا مَدرسَة يوميَّة، فالقَرابة التي تَربطني بهَا واهيَة إذا ما هي قيسَتْ بالقَرابة التي تَربطها إلى تلكَ الطَّبَقة البَاسلَة، المسْحُوقَة والفَقيرة والمَرميَّة في مُخَيَّمات البُؤس ، والتي عشْتُ فيهَا ومَعها ، ولَستُ أدري كَم عشْتُ لهَا».
هل يعلمُ الفلسطينيُّ كم عاشَ لوطنه؟ وهل يعلمُ الصُّهيونيُّ كم من سَعْدٍ سيُولَد من السَّنابل المتسَامقَة فَوق الأرض الفلسطينيَّة والمتَهَاطلة من وَجَع الوَلاَّداتِ... ؟...
سَيظلّ الرَّصاص الشَّعبي سَائرا جَنبًا إلى جَنب مَع النَّزيف الحبري، شعرا ونثرا وإيقاعًا ليَصلاَ الشّريان بالشّريان ويَضُمَّا حَبات التُّراب الفلسطيني خارجين عن النَّص الرَّسمي وعن مَآدب التَّقسيم وإعَادة التَّوزيع ... فالنَّص الشَّعبي والحبر الفلسطيني لا يُهدران وقتهما وسَيلهما خَيالاً واستشرافًا واهيَا بعيدًا عن اللَّحم الممَزق وعن جُغرافيا الشَّتات...
وحده نَشيد الكَلام العَالي يَرتفع كصَارية خَضراء ليترك انْشقَاق الشَّقَائق وانقسَام الوَاحد واختلاف اللَّون وانشطَار الطَّيف...
تَمَّحي الصُّور المشوَّشَة لأعْلاَم لفَرط تَعدُّدها غَاب عنّا نَصها الخَطابي السّياسويّ لتَظل في عُرَيشَات القَلب والذَّاكرة مَرساةُ المجَاز الشّعري والسَّرد المُتَسَرْبل بخطوات أم سعد وضَفَائر جَفْرا تَحْبِكُ أسْطورةً لشعب مُتَوَحّد في المُقَاومة نَصًا ودَمًا... ودُونَهُمَا عَدَمٌ ونَدَمٌ...