بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/03/10

القصبة، القبة وحرف الصّاد

ما‮ ‬يحدث اليوم في‮ ‬تونس ما بعد‮ ‬14‮ ‬جانفي‮ ‬من اختلاف في‮ ‬المواقف لا‮ ‬يُمكن أن‮ ‬يُقرأ بمعزل عن المواقع،‮ ‬ذلك أن أرضي‮ ‬هي‮ ‬مبدأي‮ ‬ومكاني‮ ‬هو موقعي‮ ‬منك‮... ‬وشعاري‮ ‬هو هويتي‮ ‬التي‮ ‬تمنحني‮ ‬خصوصيتي‮ ‬واختلافي،‮ ‬ولنا في‮ ‬هذا السياق أشدّ‮ ‬الأمثلة وضوحًا والمتمثل في‮ ‬اعتصام القصبة وحركة القبة فهذان الفضاءان،‮ ‬على ضيقهما الجغرافي‮ ‬يمنحانا أفقًا شاسعًا من التأويل‮ »‬السيميولوجي‮« ‬والدلالي‮ ‬للمفردتين في‮ ‬علاقة بالمواقف المعلن عنها‮...‬

فالقصبة،‮ ‬شنقت رمزية السلطة المستبدة داخل مكاتب الوزارات الوثيرة بالرسومات البيانية على جدران المكان وبالهتافات الصادقة عن حلم جماعي‮ ‬لأغلبية مسحوقة وصلوا فيها الليل بالنهار وتماهوا في‮ ‬وجودهم وموقفهم مع دلالات المكان واحالات‮ »‬القصبة‮«‬،‮ ‬فهي‮ ‬التي‮ ‬تتلاقفها الأمواج ولا تستكين في‮ ‬حركة دائبة تشبه حياة المفقّرين والمهمّشين والمفردين من ثروة البلاد والغارقين في‮ ‬بحر العرق اليومي‮ ‬باعتبارهم قوة العمل المستنزفة‮... ‬وحركة‮ »‬القصبة‮« ‬تفتح على مُطلق الرفض،‮ ‬لهشاشة في‮ ‬الوجود،‮ ‬هي‮ ‬حتمًا هشاشة العمل والأمل‮... ‬هي‮ ‬هشاشة الكائن الذي‮ ‬تحالف عليه‮  ‬رأس المال بجشع صاحبه‮...‬

‮»‬القصبة‮« ‬باعتصام بناتها وأبنائها تماهت مع رمزيتها وكَسَر حرف‮ »‬الصّاد‮« ‬مزلاج الصمت ليدلّ‮ ‬على أن من اعتصموا هناك كانوا صامدين في‮ ‬الوجع وفي‮ ‬الحلم‮.. ‬وجاؤوا من صرّة البلاد ليصرخوا صرخة الصراع من أجل صيرورة عادلة وصائبة وصادقة ومن أجل صباح أجمل من قصيدة‮...‬

أما‮ »‬القبة‮« ‬فمن‮  ‬دلالاتها الثباتُ‮ ‬والاستكانة والرضاء‮... ‬وأيضا في‮ ‬وجه من وجوهها تعني‮ ‬الشعوذة والدّجل،‮ ‬وفضاء‮ »‬القبة‮« ‬في‮ ‬العاصمة جعل منه النظام السابق أرضًا واطئة لترويج ثقافة التصفيق وحملات المساندة‮. ‬القبة اليوم،‮ ‬جعل منها المتمعشون من البرجوازيّة الجشعة مكانًا للمحافظة على ثرواتهم المبنية بعرق العمّال وبحُطام المعطلين عن العمل‮... ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬احتشدت بالأغلبية الصامتة،‮ ‬بباقات زهورهم وربطات عنقهم الزاهية وعطورهم البارسيّة‮.‬

أهل‮ »‬القبة‮« ‬اعلنوا عن موقفهم ورفعوا شعاراتهم دون صراخ‮ »‬شعبوي‮« ‬وكان شعارهم الباطني‮ ‬ذاك الذي‮ ‬قاله شكسبير في‮ ‬مسرحية‮ »‬هاملت‮« »‬سأبقى هكذا أتألم ولا أتكلّم‮«... ‬شعارهم المركزي‮ ‬في‮ ‬تاريخ نهبهم لعرق العمّال ومراكمة الأموال وفي‮ ‬جعل هذا البلد أعرجَ‮ ‬ومُختلاًّ‮ ‬يترنّحُ‮ ‬بين اطباق الكافيار ووجبات‮ »‬الخبز والماء‮«...‬

سنة1989‮ ‬ومن داخل‮ »‬قبة‮« ‬المنزه‮ ‬غنّى الشيخ امام عيسى أغنيته‮ »‬هُمّا مين واحنا مين‮« ‬أغنية سيظل صداها‮ ‬يتردّد في‮ ‬أذن المقهورين والمفَقَّرين وتظلّ‮ ‬نبراسهم في‮ ‬مسيرة هتك حُجب الظلام والظلم‮.‬