بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/11/29

مَا لَم يَقُلهُ شيبُوب في حوَاره مَعَ المَحبُوب

في حوار إنشائي، بقدر ما خلا من المعلومات الدقيقة بقدر ما توفر على كل مكونات العمل المسرحي، لعل أهمها ديكور الاختفاء والتخفي بتلك الستائر التي تغطي المكان، تماما مثلما غطى المُحَاوَرُ كل الحقائق، "رتب" أول الفارين من النظام السابق، سليم شيبوب، حوارا تلفزيا، كان اقرب إلى جلسة "عتاب ومصالحة" بين صديقين لم يلتقيا منذ مدة... الأول أبدى فائضا كبيرا من التكلف والتصنع والثاني أرخى له جناح اللغة ليتفادى الحُفر والمزالق... ويسير في طريق معبدة نحو براءته المشتهاة... حوار استنفرت له أجهزة "الدولة" قبل أن تشرأب نحوه أعناق "الشعب" منذ أن تم الإعلان عن موعد بثه، فبعد القرار القضائي المانع لبث حلقة الحوار وما رافقها من جدل انتظرنا "وليمة إخبارية" عن أطوار العائلة الغريبة وعن جزء من تاريخ الاستبداد في فترة الحكم النوفمبري... وانتظرنا أن يعتذر صهر بن علي من عائلات الشهداء ومن الشعب التونسي... فلم نظفر سوى بتداعيات موهومة لشخصية صدقت أنها ضحية ولم تكن رأسا من رؤوس الفساد... ولم نظفر سوى بمحاولات بائسة لشراء الذمم من خلال الإيهام بإرجاع الأموال إلى الشعب... لكأن شيبوب لم يفهم شعار "شغل حرية كرامة وطنية" الذي رفعه المفقرون والمهمشون والمعطلون عن العمل، وتلبست به فكرة "الرجولية" فلم يجد في "الفرار" خير شكل للتعبير عن مدى "رجوليته"! وكأن الأموال التي نهبها من جيوبنا ومن عرقنا باتت "منة" سيمنحنا إياها شيبوب وليست حقا استشهد من اجله عشرات التونسيات والتونسيين! (يا للوقاحة) سليم شيبوب الذي أوردت بعض الصحف رسالته الخطية لبن علي يوم 12 جانفي 2010 تلك التي يكتب فيها " أصبح من المؤكد اليوم أن المؤامرة من أجل التغيير توضحت بعد التصريح الأخير لحمّة الهمامي على قناة فرانس 24 وأصبح من المحتم اليوم أن نستخدم هذا التصريح ضدّه وضد هذه المؤامرة الخفية التي تستهدف نظامنا. بالإضافة إلى ضرورة عكس الهجوم عبر حملة إعلامية على قنواتنا المحلية والقنوات الفضائية من خلال شخصيات ذات مصداقية من المجتمع المدني، حملة اعتقد أنها مهمة جدا ويجب أن تنال موافقتكم، كما اقترح أن يقوم القذافي بتصريح في هذا الاتجاه وشجب تصريحات ( الفوضوي) حمّة الهمامي التي تهدد استقرار المنطقة بأسرها، عبر عمليات نهب لممتلكات المواطنين وترويعهم من خلال استغلال قلة وعي الشباب...". هذه الرسالة، التي لم يتم تكذيبها في إبانها، وهو ما يمنحها الهامش الأكبر من المصداقية، كافية لمعرفة حقيقة الرجل و"وطنيته" المزعومة، فالحملة الإعلامية التي اقترحها على صهره آنذاك قامت بها نفس الشركة التي قامت بالحوار اليوم مع شيبوب، ونعني بها شركة "كاكتوس" من خلال الحوار الذي نشطه سامي الفهري ومعز بن غربية ليلة 13 جانفي 2010 خير دليل على ذلك، أما القذافي فلا أخال تونسيا واحدا ينسى كيف قال في حوار تلفزي تحت خيمته لقناة "نسمة" مع سفيان بن حميدة "انه لو كان تونسيا لانتخب بن علي مدى الحياة" وقد سبق أن صرحت زوجة شيبوب بتطور علاقة زوجها بالقذافي وأكدت سفره إلى ليبيا بعد الخطاب الثاني لوالدها، ثم لا ننسى التدخلات "العبقرية" في القنوات التلفزية الأجنبية لكل من برهان بسيس وبوبكر الصغير وسمير العبيدي والبشير التكاري... دفاعا عن "نظامنا" كما ذكر سليم شيبوب في الرسالة التي لم يسأله عنها معز بن غربية في حواره الأخير معه... أما عمليات النهب والسرقة لقصور العائلة المالكة، فمقاطع الفيديو المنشورة على المواقع الالكترونية كافية للتأكد من "خطة" سليم، ونداءات الاستغاثة الوهمية على إحدى القنوات التلفزية خير دليل على ما جاء في رسالة شيبوب، في حين يعلم التونسيون أن الشابات والشبان الذين ينتمون إلى حزب العمال الشيوعي آنذاك (باعتبار أن زعيمه حمة الهمامي مذكور في الرسالة) والى كل القوى الحية فقد كانوا في الصفوف الأمامية للمظاهرات والمسيرات وكانوا محركها الأساسي في أغلب جهات الوطن... إن ما يحز في النفس حقيقة ليس الحوار في حد ذاته، بل الحكومة المؤقتة الحالية والقضاء التونسي الذي لا يفعل سوى فتح التحقيق تلو التحقيق دون البت النهائي في القضايا، وها هو يُسقط قرارا تنفيذيا من خلال مشروع أمر يحمل اسم "مجلة الأخلاقيات القضائية"، فلولا تخاذل وصمت الحكومة والقضاء لما تجرأ سليم شيبوب على إخراج هذه المسرحية المهزلة، وربما كان من الأجدى بالصحافي الذي أجرى الحوار أن يعود مثلا إلى الخطوط التونسية للطيران والى شركة تونس للاتصالات والشركة الوطنية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية للملاحة والى الشركة التونسية لصناعة الحليب والى وزارة أملاك الدولة ووزارة التجهيز للتأكد من حقيقة العمولات التي أخذها شيبوب بعد توسطه في صفقات مالية خيالية لعل أهمها صفقة بناء المدينة الأولمبية برادس... كان من الأجدى مثلا بمعز بن غربية أن يعود إلى إحدى الحوارات التي أُجريت مع طارق ذياب، قبل أن يصير وزيرا، (19 جانفي 2011) تلك التي يقول فيها حرفيا عن سليم شيبوب:" هو الذي يسيطر على كل شيء و أفسد الرياضة في تونس وساعده بعض العملاء وتواطأ معه عدد من رجال الأمن ورؤساء الجامعات والترجي الرياضي التونسي والوزراء، لقد كان المفسد الأول للرياضة ووراء العنف في الملاعب طوال 17 سنة ..." (فخار يكسر بعضو)... معز بن غربية، الذي يعيش في تونس، ويعرف آخر تطوراتها وأحداثها، كان بإمكانه أن يسأل محاوره عن دور رجل الأعمال كمال اللطيف أو شفيق جراية في النظام السابق، خاصة أنهما يمثلان لغزا محيرا للشارع التونسي في المدة الأخيرة، غير أن الصحافي اكتفى بإجابة شيبوب عن رجل الأعمال المُتُوًفى حديثا عزيز ميلاد، وهي إجابة مدحية لم تضف جديدا في عالم المال والفساد... أما إذا عدنا إلى نسخة جواز سفر شيبوب التي تم نشرها "فجأة"، بعد حواره، فسنتأكد أن هذه الوثيقة سارية المفعول وتُمكن صاحبها من العودة إلى تونس، وبغض النظر عن مهنته المنصوص عليها بجواز سفره (صهر رئيس الجمهورية) فان السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تنشر الجهة التي نشرت هذه الوثيقة منذ مدة، وهي وثيقة من جملة آلاف الوثائق التي يتم نشرها في إبانها وكلما اقتضت "المصلحة" ذلك... ولعل خير مثال على ذلك أيضا ما صرح به مؤخرا مدير ديوان رئيس الجمهورية المؤقت حول العثور على ملفات فساد داخل رئاسة الجمهورية! هكذا بعد سنتين كاملتين! ومن المضحكات المبكيات في إطار العدالة الانتقالية الموهومة، أن يتحدث سفير تونس بالإمارات، السيد طارق بالطيب، عن اتصال سليم شيبوب بالسفارة التونسية بغية تعريف بالإمضاء على وثيقة من المصالح القنصلية بأبو ظبي، والتلفظ بالكلام البذيء تجاه احد العاملين بالسفارة! وكأن هذا السيد غير مطلوب للقضاء التونسي، وكأن السفارة غير معنية بإلقاء القبض على هارب من العدالة التونسية ومتهم في أكثر من قضية... بل إن السفير يتحدث عن تجاهل معز بن غربية لطلبه بالتدخل المباشر في ذات الحصة لتوضيح وجهة نظر "الدولة" في خصوص إمكانية إعادة سليم شيبوب إلى الأراضي التونسي خاصة أن وزارة الخارجية قامت بالتنسيق مع قناة "التونسية" في الغرض!!! وبالمقابل مثلا لم نسمع أو نطالع تكذيبا أو تصحيحا من سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية لما أورده شيبوب في الحوار حول مراسلته للوزير! إن هذا الحوار التلفزي، الذي يشبه "جلسة عتاب حميمية" بقدر ما كشف عن عديد المحاولات "الجادة" من بقايا النظام السابق للتموقع من جديد والظهور في مظهر الضحية، فقد مثل إفرازا مرضيا وكشف بشكل ساطع مدى تخاذل وتساهل "الحكومة الشرعية" في مسار العدالة الانتقالية وتباطؤها، إن لم نقل خوفها، من اتخاذ الإجراءات الحازمة واللازمة لجلب المتهمين وإعادة ما نهبوه من الشعب، حتى نطوي هذه الصفحة السوداء التي طالت أكثر من اللزوم... بل إن مثل هذه الحوارات التلفزية هي نتيجة حتمية لفشل الحكومة الحالية في إدارة ملفات الفساد والفاسدين، ومنحهم الفرصة للعودة من جديد ولعل ظهور برهان بسيس في قناة "حنبعل" وفي "التونسية" وبعده ظهور عبير موسى محامية التجمع سابقا في إحدى القنوات بمظهر "الحقوقية" مثل بداية مسار النكوص والالتفاف على أهم مطالب الثورة... وهاهي ليلى المكي، المتمعشة من نظام بن علي حد التخمة، تمدح منذ أيام قليلة سيدها وسيدتها في برنامج حواري بالإذاعة الوطنية على المباشر! إن ظهور شيبوب في حوار تلفزي إلا تأكيد على أن مشروع إقصاء التجمعيين الذي اقترحته حركة النهضة ما هو إلا صياغة بالقوة لا بالفعل، لمشروع حزبي انتخابي بالأساس، ولا علاقة له بهدف "تحصين الثورة"، بل هو تحصين لحظوظ الفوز في الانتخابات... والاستئثار بدواليب الحكم والتسيير بأدوات قديمة ومهترئة...