بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/01/24

التحالفات السياسية في تونس قبل الانتخابات وبعدها: من الميكيافلية الانتخابية إلى فوبيا حركة النهضة

إبان سقوط نظام بن علي وفراره من تونس يوم 14 جانفي 2011 شهدت الساحة السياسية في تونس طفرة كمية في عدد الأحزاب الجديدة التي تكونت مع الأيام الأولى لما بعد الثورة، حيث بلغ عدد الأحزاب المرخص لها بالنشاط ما يقارب 105 حزبا، توزعت مرجعياتها الفكرية وأرضيتها السياسية بين الليبرالية والماركسية والقومية والإسلامية في عمومها، وقبل الدخول في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر 2011 دخلت عدة أحزاب في تحالفات وجبهات انتخابية لعل أبرزها:
القطب الديمقراطي الحداثي الذي جمع كل من حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري والحزب الجمهوري وصوت الوسط وشخصيات مستقلة سياسية وحقوقية وفنية خاصة منهم السينمائيين مثل النوري بوزيد ومنى نور الدين وإبراهيم لطيف وسلمى بكار والمنصف ذويب.
الائتلاف الديمقراطي المستقل الذي جمع بين عبد الفتاح مورو احد مؤسسي الاتجاه الإسلامي بتونس ثم حركة النهضة وثلة من الشخصيات المعروفة مثل مصطفى الفيلالي وحمودة بن سلامة وصلاح الدين الجورشي وعدد من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي على غرار حزب التحالف الوطني للسلم والنماء لصاحبه رجل الأعمال اسكندر الرقيق وحركة اللقاء الديمقراطي لصاحبها خالد الطراولي وحركة العدالة و التنمية لصاحبها مراد الرويسي.
ائتلاف 23 أكتوبر الذي تشكل على أرضية الجدل الذي دار في تونس حول مسالة الهوية وكيفية التعبير عنها في الدستور وضم هذا التحالف في البداية حزب حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية والإصلاح والتنمية وحركة الوحدة الشعبية وحركة البعث وحركة الشعب الوحدوية التقدمية قبيل عقد مؤتمرها، ولما خفت وهج الصراع من اجل الهوية، انسحب البعض من التحالف وأعاد البعض الآخر تشكيل التحالف في أفق الاستحقاقات السياسية ما بعد الانتخابات، وأصبح يضم أربعة أطراف هي: النهضة والمؤتمر والإصلاح والتنمية وحركة الوحدة الشعبية.
تحالف الأربعة الذي يضم كل من حزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب العمال الشيوعي التونسي وحركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب الطليعة العربي الديمقراطي.
هذه تقريبا أهم التحالفات والجبهات السياسية التي تشكلت في الفترة التي سبقت انتخابات المجلس التأسيسي، التي أسقطت نتائجها عديد الحسابات والانتظارات من هذه التحالفات، إذ كانت على النحو التالي: حركة النهضة (90 مقعد) يليها حزب المؤتمر من اجل الجمهورية (30 مقعد) فالتكتل الديمقراطي (21 مقعد) فقائمة العريضة الشعبية (19 مقعد) ثم الحزب الديمقراطي التقدمي (17 مقعد) فحزب المبادرة والقطب الديمقراطي الحداثي وحزب آفاق تونس (5 مقاعد لكل واحد منهم) أما حزب العمال الشيوعي التونسي فحصل على (3 مقاعد) وتوزعت 12 مقعدا على المستقلين وبعض الأحزاب الصغيرة.
الآن وبعد أن أخذت حركة النهضة بزمام الأمور في تسيير الحكومة والتأثير على نقاشات المجلس الوطني التأسيسي باعتبار أغلبية المقاعد التي بحوزتها، رغم دخولها في تحالف ثلاثي يجمعها بحزبي المؤتمر والتكتل، وبعد أن بدأت بوادر المشروع اليميني تظهر في تونس من خلال تداخل الديني بالمؤسسات المدنية (الجامعات والكليات والوزارات وبعض الهيئات)، بدأت تتشكل في تونس عدة تحالفات سياسية جديدة على أرضية باتت اليوم واضحة وهو الوقوف أمام المد الديني لحركة النهضة والدفاع عن مدنية الدولة التونسية،فبعد أن أعلنت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تونس مية الجريبي عن دمج حزبها مع حزب آفاق تونس والحزب الجمهوري في إطار حزب موحد بمناسبة انعقاد المؤتمر المقبل للحزب الديمقراطي التقدمي أيام 17 و18 و19 مارس القادم والذي من المنتظر أن يكون هذا المؤتمر توحيديا بين هذه الأحزاب وباقي القوى الديمقراطية الوسطية الراغبة في الالتحاق بهذه المبادرة، وفي انتظار أن يتم الإعلان عن تكوين جبهة وطنية تقدمية تجمع كل القوى القومية الناصرية منها والبعثية المتمثلة في حركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية التقدمية وحركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب الطليعة العربي الديمقراطي وحركة البعث، وفي إطار السعي المشترك للتقدّم في اتجاه تأسيس الحزب الديمقراطي الموحد الذي يجمع بين القوى والأحزاب الديمقراطية الوسطية من أجل خلق توازن جديد يعكس حقيقة موازين القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، التقى وفدان من حركة التجديد ومن حزب العمل التونسي تركّبا من السادة عبد الجليل البدوي وماهر المظفّر ومحمد الأمين الزقلّي ومحمد بوحديدة عن حزب العمل التونسي ومن السادة محمود بن رمضان وحاتم الشعبوني وجنيدي عبد الجواد عن حركة التجديد وأمضى كل من عبد الجليل البدوي، المنسق العام لحزب العمل التونسي وجنيدي عبد الجواد، عضو أمانة حركة التجديد بيانا مشتركا بين الحركة والحزب يوم 16 جانفي 2012 أكدا فيه على الضرورة الملحّة لتجميع القوى الديمقراطية في إطار سياسي موحّد يتجاوز الأطر الحزبية الحالية ويكون قادرا على التأثير في مجرى الأمور وعلى تقديم البديل السياسي والاجتماعي المقنع الذي يستجيب فعلا لطموحات الفئات الواسعة من الشعب ولتطلعات الشباب ولمطالب الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية، ويفسح المجال للتداول السلمي والديمقراطي على السلطة.
مؤكدين في نفس البيان على أهمية عامل الوقت وعلى ضرورة الإسراع في عملية البناء المشترك، دون تسرّع أو ارتجال، حتى تتوفّر أسباب النجاح لهذا المسار التوحيدي على أساس مشاركة كل الأطراف المعنية بصفة فعلية وجديّة.
كما دعا الحزبان إلى بعث لجنة مشتركة ومفتوحة لكل الأطراف الوسطية المنخرطة في هذا المشروع الوطني التأسيسي، تكون مهمتها متابعة الأحداث والتطورات والاتصال بكل القوى الديمقراطية الموافقة على نفس التمشي والعمل على تركيز لجان عمل من الآن لتحضير المؤتمر التوحيدي في كنف التآلف والانسجام بين المسارات المختلفة.
وتوجهوا بنداء إلى كافة الإطارات والهياكل الجهوية لحركة التجديد ولحزب العمل التونسي للانخراط الجماعي في هذا التمشي البنّاء واتخاذ المبادرات اللاّزمة من أجل إنجاح هذا المسار التوحيدي، جهويا ووطنيا.
هذه تقريبا أهم التعبيرات الجبهوية التي تشكلت في تونس ما بعد انتخابات المجلس التأسيسي وهي تعبيرات قد تأتي ثمارها على عكس التحالفات الظرفية التي تشكلت قبل الانتخابات واتسمت في مجملها بنزعتها البراغماتية المتمثلة في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، في حين أن التحالفات الجديدة هي تحالفات إستراتيجية ذات عمق سياسي ورؤية بعيدة المدى تبرز جليا من خلال مبادرات الانصهار والاندماج بين أكثر من حزبين، رغم أنها تنطلق من اشتراكها في هاجس "الاسلاموفوبيا".