2012/10/17
حوار مع حسين العباسي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل
حسين العباسي
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في أول حوار لجريدة الشعب
الاطراف التي ستلتقي حول مبادرة الاتحاد لن تعوض
لا المجلس الوطني التأسيسي ولا الحكومة المؤقتة
أجرى الحوار ناجي الخشناوي وعبد الجبار الذهبي/تصوير منتصر العكرمي
لأول مرة منذ انتخابه أمينا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل بعد مؤتمر طبرقة يدلي الأخ حسين العباسي بحديث شامل إلى جريدة الشعب ويأتي هدا الحديث في مرحلة دقيقة جدا حيث يتحرك الأمين العام على عدة واجهات منها ما يتعلق بمتابعة الشأن النقابي وخاصة على مستوى دفع المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص ومنها ما يتعلق باللقاءات والمشاورات مع الفرقاء السياسيين ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية لتفعيل مبادرة الاتحاد وانجاح مـؤتمر الحوار الوطني حولها المقرر ليوم 16 من هذا الشهر... رغم هذا الحراك الدائرة رحاه دون توقف فان الاخ حسين العباسي لم يبخل على جريدتنا بهذا الحور الذي قدم له بتقييم شامل لطبيعة المرحلة قبل 14 جانفي الى الآن حيث أكد أنه رغم الاستقرار النسبي المشهود بالبلاد بدت هناك مسائل اشتدت حولها الخلافات والتجاذبات جعلت الاتحاد يفكر في اطلاق مبادرة عساها تكون محل توافق بين كل الفرقاء السياسيين للخروج بالبلاد من الوضع الذي تردت إليه.
وفي هذا الحديث ايضا أجاب الاخ الامين بكر نزاهة وصراحة عما تم انجازه نقابيا منذ مؤتمر طبرقة مبرزا بالخصوص جانب المفاوضات الاجتماعية وسن مشروع العقد الاجتماعي واعداد مشروع دستور يتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال واعداد تصور جديد لإعادة هيكلة الاتحاد.
كما تطرق الحوار الى مسائل تتعلق بالقرار النقابي داخل الهياكل وتأثيرات التعددية النقابية وبعض ظواهر الانفلاتات وعلاقات الاتحاد الدولية ودورها في دفع عجلة الاستثمار الوطني في وقت تراجعت فيه ثقة بعض الدول ببلادنا...
• الأخ الأمين العام، كيف تقيّمون طبيعة المرحلة الراهنة وتأثيراتها على الأداء النقابي؟
ـ لابد من الرجوع الى الوراء قليلا قبل 14 جانفي لمعرفة طبيعة المرحلة فالجميع كان يعرف ان الاتحاد يناضل في بلاد فيها تصحر سياسي وديمقراطية محدودة وحقوق الانسان مقموعة ونظام حكم متسلط يحاصر الاحزاب وايضا مكونات المجتمع المدني مقابل تفريخ آلاف الجمعيات الصورية كان يفاخر بها في الخارج. غير ان الحقيقة لو أحصيت عدد الجمعيات الفعلية لوجدت أنها لا تتجاوز أصابع اليد مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وعمادة المحامين وجمعية الصحافيين وجمعية النساء الديمقراطيات وهي جمعيات قليلة لكنها لم تكن بمنأى عن اطار «المصيدة» فكانت هناك دوما محاولات لإرباكها عبر افتعال مشاكل وهمية وكل من يخرج عن دائرة السيطرة تحاك ضده التهم والمكائد مثلما تم اختلاق أزمة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وعمادة المحامين عندما أرادوا التعبير عن رأيهم وكذلك جمعية القضاة التي تعرضت الى عديد المشاكل.
بعد 14 جانفي يمكن ان نقول ان المرحلة طبعت بعدة ميزات لعل اهمها زوال عامل الخوف، وبدأت الكلمة الحرة تجد الطريق الى العلن وهامش الحرية اصبح متسعا الى درجة الفوضى وكل واحد يتكلم من فهمه للحرية ودعني أقول بصراحة ان «البكوش نطق» بعد الثورة وهذا ما جعل الظرف يتغير في فترة قصيرة. هذا كان ايجابيا لانتعاشة الكلمة الحرة وتحرير الاعلام وخلق التجاذبات السياسية.
لكن ايضا تميزت الفترة الاولى بعد الثورة بفراغ دستوري عمّ البلاد فكل المؤسسات انهارت وكان على بعض الاطراف لم شتات الفرقاء في اطار عملية توافقية وهذا الدور قام به الاتحاد العام التونسي للشغل لكن الحقيقة ليس وحده فهناك عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان... وتجمع الفرقاء في ما سمي بمجلس حماية الثورة وأحدثت اللجنة العليا للانتخابات، لكن ايضا لا يمكن ان نغفل القول إن هذه الفترة تميزت بظواهر اخرى فهناك اطراف أخذت تحاسب اطرافا اخرى بموجب ودون موجب وكل واحد ركب جواد الثورة وكل واحد حسب أنه لاعب رئيسيّ في الثورة ليس من باب الحلم بمناب من الثورة لكن لمحاسبة اشخاص آخرين، الاتحاد عاش هذه الفترة وهو يقترب من موعد مؤتمر طبرقة ويستعد لتوديع فترة نيابية ويستقبل اخرى، في ذلك الوقت لم يكن الاتحاد يعمل فقط على ادارة المرحلة مع بقية الشركاء لكن كان ايضا يتفاوض حول الزيادة في الاجور وفي نفس الوقت يعد الى المؤتمر الوطني لذلك نؤكد القول ان الاتحاد كان يناضل على عدة جبهات واستطاع رغم دقة الظرف أن يظل متماسكا في وقت انهارت فيه عدة منظمات مثل ما عاشه اتحاد الصناعة والتجارة أو ما حدث لاتحاد الفلاحين.
وباعتبار الاتحاد منظمةً تمارس فيها الديمقراطية رغم الحصار المضروب بشكل عام على الحريات والديمقراطية ولم يخضع الى التدجين عبر تاريخه واستطاع ان يتماسك وان يلعب كل هذه الادوار المتعددة وكانت بصماته واضحة سواء في حماية الثورة او في مساعدة اعمال اللجنة العليا للانتخابات أو في تجميع شتات الفرقاء رغم الصعوبات والعراقيل حتى وصلت البلاد الى موعد 23 اكتوبر كل ذلك دون التأثير على أداء الاتحاد الاجتماعي.
مؤتمرنا انعقد بعد موعد 23 اكتوبر وبطبيعة الحال وجدنا المجلس التأسيسي يشتغل وتشكلت حكومة الترويكا...
وانتقلنا من مرحلة التوافق الى مرحلة الشرعية وعلى اساس ذلك أطقلنا أيادينا للتعامل مع الحكومة المنتخبة المؤقتة غير ان الفترة شهدت بعض المشاكل مع الترويكا وكلنا يعرف المرحلة الصعبة التي مر بها عمال البلديات وانعكاساتها، لكن الاتحاد عرف بفضل تماسك هياكله والتفاف قواعده وعراقة علاقاته مع أجزاء كبيرة من المجتمع المدني كيف يدير المرحلة ويخرج منها منتصرا.
وبعد ذلك مباشرة دخلنا في المفاوضات الاجتماعية والكل يعلم الصعوبات التي اعترضتنا فهناك من دعا الى سنة بيضاء وهناك من دخل في موجة من التصعيد ووقعت تجاذبات لكن الاتحاد ذهب مباشرة للتمسك بحق منظوريه والدفاع عن مطالبهم في فترة شهدت تطورا مفزعا للأسعار وتدهورا كبيرا للمقدرة الشرائية للشغالين والبلاد تمر بمرحلة اقتصادية صعبة لكن بفضل تحلينا بروح الحوار والتفاوض والاقناع استطعنا اقناع الاطراف الاجتماعية الاخرى بأحقيتنا في الزيادة في الاجور وهو ما تم في الوظيفة العمومية ونأمل ان يكون كذلك في القطاع العام والقطاع الخاص.
وتساويا مع هذا العمل الاجتماعي بدأنا رغم الاستقرار النسبي المشهود بالبلاد نتساءل الى اين نسير خاصة بعد أن ظهرت بوادر عدم توافق حول عدة مسائل اشتدت حولها الخلافات لذلك فكرنا في الاتحاد منذ شهر جوان الماضي في بحث الوضع واستنتجنا ان هناك بعض القضايا لابد ان يحصل حولها توافق واستقرءنا الواقع وكانت لنا نظرة استشرافية وفهمنا ماذا نفعل ولذلك بوبنا ما هو سياسي وما هو اجتماعي وما هو اقتصادي وارتأينا ضرورة تجميع التونسيين من اجل التوافق على اهم المسائل المطروحة لإيماننا بأن ما يحدث له انعكاسات على الوضع العام الذي اتسم بالعنف وبعض مظاهر الارهاب والتراجع في الديمقراطية وتأكدنا ان الامر أخذ يستفحل والسكوت عنه قد يدفع الى سرقة الثورة او الالتفاف عليها او يقع انحباس في أهدافها.
هذه قراءتنا للوضع وما سيترتب عنه خاصة في ظل اعداد دستور للبلاد، الاتحاد لم يغفل هذا الجانب فقدم مشروع دستور ورأى أنه يجب ان يجد الطريق الى النفاذ الى دستور البلاد خاصة في الابواب المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال ويلعب الاتحاد دوره حتى يوجد لمشروع دستوره اثرا في دستور البلاد القادم.
بالمقابل لا يمكن ان ننسى انه بعد الانتهاء من الدستور والذهاب الى الانتخابات سيجد الاتحاد نفسه امام عدة ملفات أخرى منها مراجعة قوانين الشغل ومراجعة واقع الصناديق الاجتماعية ومراجعة نظام التأمين على المرض الذي بدأت تظهر عليه بوادر العجز ولنا في كل هذه الملفات دراسات لكنها تحتاج الى تحيين ولنا ايضا دراسات حسب الجهات تحتاج كذلك الى بلورة منوال تنمية نابع من اهداف الثورة وكل هذا لا يمكن ان يحجب عنا الواقع القطاعي مثل التشغيل والجباية والصحة والتعليم.
•تظهر احتجاجات نقابيّة واعتصامات من حين إلى آخر ومعظمها يتم خارج مؤسسات الإنتاج، وهناك من ينسبها الى الاتحاد، فماهو موقفكم من مثل هذه الاشكالية، خاصة ان بعض النقابيين في عدة جهات يدفعون ضريبة هذه التحركات، سجونا وملاحقات واعتداءات بالعنف؟ مع العلم ان بعض التحركات المنفلتة عن السيطرة النقابية تأتي من بعض الهياكل جهوية او قطاعية؟
ـ أولاً ظاهرة الانفلات بدأت في التكاثر اسبوعا فقط بعد الثورة وهناك احتجاجات واعتصامات وعدة مظاهر هي خارجة عن نطاق الاتحاد مثل قطع الطرق او الاحتجاج على مظاهر البطالة أو من أجل الماء أو الكهرباء...
هي مظاهر يتضرر منها الاتحاد لكن جانب الكبت خاصة في القطاع الخاص والخوف الذي كان سائدا والذي تفجر بعد الثورة دفع بالمئات للانخراط في الاتحاد وبدأت تظهر ملامح انفلات عن المنظمة نفسها فتشن اضرابات واعتصامات في هذه المؤسسة او تلك دون ان يكون للهياكل النقابية المسؤولة علم بذلك، ولا ننكر ان هذه الظواهر مازالت موجودة لكنها اخذت تنتفي شيئا فشيئا.
وفي الواقع اقول ان هذه المظاهر قد تعود إلى عوامل أخرى منها تفجر حالة الكبت والحرية لدى كل الناس من جانب، ومن جانب آخر هناك من يدفع في هذا الاتجاه لتشويه الاتحاد والنقابيين على خلفية ان الاتحاد قوة يعمل على عدم استقرار البلاد ويُريد عرقلة المسار ويريد الفوضى وغير ذلك من الاوصاف المعروفة والتي أدت حتى إلى إلصاق تهم ببعض النقابيين عرضوا من أجلها على المحاكم غير ان الثابت والاكيد ان هؤلاء لم يفلحوا في مسعاهم وعرف الاتحاد كيف يجاري الوضع ويتحمل مسؤوليته ويقنع الاطراف الأخرى بان من يأتي مثل هذه الافعال لا يمكن ان يكون من الاتحاد او من قواعده.
• هناك من يصرّ على التهجم علي الاتحاد وممارسة العنف المجاني ضد النقابيين ومقرات الاتحاد ولعل ما حصل يوم الاربعاء دليل قاطع على استهداف الاتحاد العام التونسي للشغل، فكيف تردون على هذه الممارسات؟
الانفلات قائم ويمكن أن نجد له مبررات لكن ما لا نجد له مبرّرا اطلاقا هو العنف، بمختلف انواعه المادي واللفظي، والكلام البذيء الذي يدل على مستوى قائليه! وان يصل الأمر الى اتلاف ممتلكات الاتحاد وتحطيم بعض السيارات وقذف المكاتب المركزية بالحجارة والزجاجات الحارقة فهذا أمر غير مقبول وغير منطقي، وكان بامكان الامن الذي رأى كل شيء ان يحمي مقر الاتحاد غير انّ هذا لم يقع ولم نلاحظه.
وبطبيعة الحال عندما يكون العنف والقذف بالحجارة والزجاجات الحارقة لا يقبل انسان ان يبقى مكتوف الأيدي، لو مرّت خمس دقائق أخرى لتمّ اقتحام مقراتنا وحرق ممتلكاتنا واتلافها لكن للاتحاد رجال ونقابيون يحمونه ويحمون مقراته ومن هنا فصاعدًا سندافع عن أنفسنا بأنفسنا.
• يرى بعض المراقبين والملاحظين للشأن النقابي أن المكتب التفيذي الوطني يتفرد بالمواقف ويغيُّب سلطات القرار داخله وخاصة الهيئة الإدارية الوطنية، فما مدى صحّة هذا الرأي؟
ـ أولاً أريد التساؤل حول مصادر هذا الكلام ثم أعود بك إلى هيكلة الاتحاد لأقول لك ان المكتب التنفيذي ليس سلطة قرار والقرارات لها هياكل منظمة هي التي لها صلاحيات اتخاذها ولم يحدث ان اجتمعنا في المكتب التنفيذي واتخذنا قرارا بالاضراب في مؤسسة او جهة أو قطاع ومن يدعي مثل هذا الكلام عليه ان يحيلنا على قرار واحد اتخذه المكتب التنفيذي عوضا عن الهياكل المسؤولة، لو عدنا إلى القانون الاساسي للاتحاد ونظامه الداخلي سنجد ان الهيئة الادارية الوطنية اجتمعت في اكثر من مناسبة على خلاف ما يحدده القانون ولنا في المفاوضات الاجتماعية خير مثال حيث كنا نعود دوما الى الهيئة الادارية ونأخذ رأيها ثم نلتزم بما تقرره وحتى في حال الوصول الى اتفاق مع الاطراف لا نمضي على أي شيء الا بعد العودة الى الهيئة الادارية وأخذ رأيها.
إذن أؤكد انه لم يحدث ان اتخذ المكتب التنفيذي قرارا بمفرده وحتى المبادرة التي اطلقناها عرضنا تفاصيلها على الهيئة الادارية وهي التي قامت بالتعديلات والتنقيحات ثم صادقت عليها وكلفت المكتب التنفيذي بالسهر على تنفيذها.
وعليه فإن المكتب التنفيذي لم يتغول اطلاقا على سلطات القرار داخل الاتحاد وربما من يروج لهذا يكنّ أمرا في نفسه لابراز ان المكتب التنفيذي هو من يبحث عن الزيادة في الاجور وهو من يريد كذا وكذا دون مراجعة هياكله وسلطات القرار بالاتحاد.
• أصوات من داخل الهياكل النقابية ترى في اهتمام الاتحاد بالشأن السياسي العام رغم حتمية دوره الوطني، مغالاة قد أضرت بحقوق الشغالين ومطالبهم فهل يعني ذلك الدفع باتجاه تحجيم دور الاتحاد؟
ـ الاتحاد يُمانع من اجل كلمة الحق ومن أجل فعل ايجابي ولا يمانع لمجرد الظهور بمظهر المعاند والممانع، والاتحاد إذا مانع في بعض الامور فهو يدرك لماذا يمانع وله من الدلالات والحجج ما يكفي لتأكيد مواقفه.
ما يقال لم أسمعه من كثير من النقابيين ولكن هذا أسمعه من أطراف سياسية، لهذه الاطراف السياسية أقول ان الاتحاد منذ تأسيسه وهو يلعب دوره الاجتماعي والسياسي وحشاد عندما انسلخ من الـ س ج ت وأسس الاتحاد العام التونسي للشغل لانه رأى في الـ س ج ت عدم مقاومة للاستعمار رغم دفاعها عن حقوق العمال ورأى حشاد في تأسيسه للاتحاد العام التونسي للشغل فضاء يمكن له ان يمزج فيه النضال بين ماهو اجتماعي واقتصادي وبين ما هو سياسي لذلك فان اغتياله لم يتم من أجل مطالب اجتماعية بل لانه كان يلعب دورا متميزا في الحركة الوطنية في غياب الحزب وغياب السياسيين وحتى بعد اغتياله فان رفاقه واصلوا على نفس الدرب ناهيك أنه عندما بدأت تونس تجهز للاستقلال والقيادات الحزبية والسياسية في المنافي كان الاتحاد يعمل ويتوفر على برنامج اقتصادي واجتماعي تم استغلاله من قبل الحبيب بورقيبة عندما استقلت البلاد واصبح هو رئيسا وبعد ان احكم بورقيبة استغلال هذا التقرير تنكر للاتحاد وجاء بأحمد بن صالح وكما يقال ـ علمته الرماية ولما اشتد ساعده رماني - ولا انكر ان الاتحاد مر بفترات صعبة وأخذ الضعف منه لكن هناك خطّا ممانعًا لا يسكت ولا يرضخ ولا يهادن ويدافع عن المطالب والاستقلالية وفي بعض الاحيان يُصعّد إلى درجة التعجيز من أجل خلق حراك بالبلاد وكلنا يذكر استماتة احمد التليلي في الدفاع عن الديمقراطية ويذكر استماتة الحبيب عاشور في الدفاع عن الاستقلالية وحتى أزمة 1978 كانت أزمة دفاع عن الاستقلالية لكن بعد رجوع الاتحاد وجد البلاد قد انخرطت بشكل واضح في النظام الليبرالي وبدأت تقبل بالانصياع الى املاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بتعلة اصلاح الاقتصاد التونسي وغير ذلك ولكن في ذلك الوقت كان النقابيون منشغلين بالاعداد لمؤتمر سنة 1984 وشكل ذلك مناسبة لأن يُعدّ الاتحاد تقريره الاقتصادي والاجتماعي الشهير ودخل في مفاوضات مع الحكومة التي كانت تراها شكلية لكن الاتحاد عاد الى الممانعة وكانت الحكومة انذاك قد شعرت بان المؤسسات قابلة بالوضع وأن المجتمع قابل بما يدور ولم يبق الا الاتحاد على خط الممانعة فافتعلت له ازمة 1985 وجاؤوا بقيادة منصبة ثم جاءت مرحلة ما بعد 1987 وتم مؤتمر سوسة وكان اسماعيل السحباني لاعبا رئيسا في ملعب السلطة اذ هو الذي تم في عهده تحوير مجلة الشغل وبعض تشاريع العمل التي تمت مراجعتها في 74 و77 وبدأت تتلاشى وتغيب في فترات وتبعا لذلك أطلت مظاهر العمل الهش والمرونة وغيرها والتي مازال العمال الى الان يعانون نتائجها السلبية، وخلال سنة 1988 وعند رجوع الاتحاد كانت البلاد في ذلك الوقت قد قطعت اشواطا كبيرة في الانخراط في الاقتصاد العالمي وتم التفويت في أغلب مؤسسات القطاع العام وكان يفترض في قيادة الاتحاد التي انبثقت عن مؤتمر سوسة ان تعجل ببعض الاصلاحات وايقاف نزيف بيع مؤسسات الدولة لكن للاسف قبلت القيادة في ذلك بالكثير من الواقع وقبلت بالكثير من الخنوع للسلطة لكن هذا لم يحجب الخط الممانع داخل المنظمة والذي نجده قائما دوما وبدأ العمل شيئا فشيئا حتى تمت ازاحة السحباني وفعل هذا الخط من داخل الاتحاد وخارجه فعله في مؤتمر جربة وفي تحييد المنظمة عن الدخول الى مجلس المستشارين رغم عدد البقاع التي عرضت عليها.
اردت ان أذكر بهذا لأقول ان الاتحاد ليست له أطماع عندما يهتم بالشأن السياسي، والنقابي الذي لا يفهم في الشأن السياسي ويفعل فعله فيه لا يمكن ان يكون نقابيا ناجحا ولذلك لا يمكن للنقابي ان يظل يترقب التجاذبات السياسية حتى يداهمه خطر انعكاسها على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية بل يجب عليه الذهاب إلى مربع السياسة وميزة الاتحاد انه يذهب الى هذا المربع بما يغيض بعض السياسيين الذين يرون فيه منظمة مهنية حرفية فقط، ويذهب البعض منهم، الآن إلى حدّ التساؤل عمّا قام به الاتحاد في عهد بن علي الشيء الذي يدفعني إلى التأكيد بأنّ الاتحاد دافع على الأقل عن الديمقراطية وأطر انتفاضة الحوض المنجمي ولم يسكت عندما وقع إرباك الرابطة والمحامين والصحافيين والقضاة... فالاتحاد كان دائم الحضور في هذه المحطّات ليس بالنسب المأمولة لكن أيضا لم تكن قيادته كلّها مهادنة فهناك نفس داخله دائم التحرك ويدفع دوما باتجاه الايجابي والدليل على ذلك احتضانه لشباب الثورة وتأطيره لتنطلق الثورة من مقرّات الاتحاد ولا يمكن أن نجحد علىقيادة الاتحاد مواكبتها لانطلاقة الثورة ذلك أنّ ثلاثة من أعضاء المكتب التنفيذي رابطوا أيّام الثورة بسيدي بوزيد والڤصرين والأمثلة كثيرة على ذلك رغم استمرار حكم بن علي وكان الاتحاد أحسّ بأنّ محرّك الثورة لا يدور بشكل مجدي وسريع في ذلك الوقت فأعلن الاضرابات القطاعية والجهوية ثمّ الاضراب العام والذي توّج باندلاع ثورة 14 جانفي وسقوط نظام بن علي لكن وبعد كلّ الأدوار التي قام بها في ظلّ الثورة بدأنا نسمع أشياء غريبة ومحاولات لتحديد دور الاتحاد فقلنا على رؤوس الملإ أن لا أحد داخل السلطة أو خارجها بإمكانه تحديد المربع الذي يتحرك فيه الاتحاد ونحن قمنا ومازلنا نقوم بدورنا التاريخي دون أن ننسى تذكير الأحزاب والسياسيين بأنّنا لسنا منافسين لهم ولسنا طلاّب حكم أو سلطة ونقف من الكل على نفس المسافة في استقلالية تامة... واستطعنا أن نقنع كل الناس بدورنا هذا وهو ما أكّدته الأيّام حتى أنّ كل المجتمع أصبح يرى في الاتحاد الأمل الذي يمكن أن يخرج البلاد ممّا تردّت فيه.
• في أكثر من مرّة وقع الحديث عن تقارب بين الأطراف الاجتماعية سواء مع الحكومة أو مع منظمة الأعراف، وهو تقارب رأى فيه بعض المراقبين مزايدة على واقع العمّال والبلاد، فما هي النتائج الفعليّة لهذا التقارب إلى حدّ الآن؟
ـ من المهم هنا أن نفرّق بين المسائل... لم أر إلى حدّ الآن أي تقارب لكن قد يحدث هذا التقارب بما يعني أنّه في بعض الأحيان يطفو ملف ما ويكون محلّ حوار مع هذا الطرف أو ذاك فيحصل اتفاق حوله ألا نرى في هذا تقاربا وفي بعض الأحيان لا يحصل الاتفاق فنلتجئ إلى النضال ثمّ تأتي النتائج ايجابية هذا أيضا نسمّيه تقاربا وان تمّ التعثّر فلا نناصب أحدا العداء بل نواصل النضال ويمكن الفصل بين مصلحة العمّال والبلاد، ومنذ مؤتمر جربة تحديدا لم يعد بالإمكان الفصل بين ماهو اجتماعي وبين ماهو اقتصادي لذلك أخذنا بعين الاعتبار وضع المؤسسة التي تمرّ بصعوبات ولم يعد بالامكان الحديث عن وضع العامل دون الحديث عن المؤسسة وهو ما نعتبره تقاربا لكن ليس التقارب الذي نغفل فيه الجانب الاجتماعي للأجراء وفي نفس الوقت أيضا ليس بأي كلفة كانت حتى ولو انهارت المؤسسة لأنهّ عند انهيار المؤسسة نفقد الشغل ونفقد الأجر ولهذا يجب أن يقتنع أرباب العمل أنّنا في نفس المركب وأن لا يأخذوا منطق التقارب على حساب حقوق العمل والعمل نفسه ولا أيضا على حساب الحق النقابي... نحن نتمنّى أن يدرك أصحاب العمل هذا الفعل على غرار ماهو موجود في نقابات أوروبية وبلدان متقدّمة ومن هنا يأتي حرصنا على التفاوض في العقد الاجتماعي... وفي النهاية أقول أنّه ليس هناك تقارب بالمعنى المشترك إنّما فقط هناك معرفة بدقة المرحلة...
• حصل مؤخرا الاتفاق في الوظيفة العمومية لكن المفاوضات تتعثّر في القطاع العام وتتردّى إلى نقطة الصفر في القطاع الخاص، فما السبيل إلى تجاوز هذا الوضع خاصة في ظلّ استمرار ارتفاع الأسعار وتدنّي القدرة الشرائية للشغالين؟
ـ بالنسبة إلى الوظيفة العمومية أنهينا التفاوض وبالنسبة إلى القطاع العام المفاوضات سائرة أمّا في القطاع الخاص فتمّ التراجع من قبل الأعراف ونحن في الاتحاد متمسكون بما صرّح به أحد ممثلي اتحاد الصناعة والتجارة وطالبنا من اتحاد الصناعة والتجارة مراجعة موقفهم والالتزام بما جاء على لسان ممثلهم وبالمناسبة كنت اليوم (الثلاثاء) في حديث مع رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة وقلت لها إنّنا نترّقب الامضاء على الاتفاق قبل أن نلتجئ إلى اللجنة العليا للتفاوض وإذا لم يحصل الاتفاق فإنّ قطاعاتنا على استعداد للنضال.
• في ظل ارتفاع الأسعار وبعد الزيادة في المحروقات وفي معلوم الكهرباء والماء وفي ظل الانفلات الموجود في السوق عموما كلها أثرت بشكل سلبي على نسق المفاوضات في الوظيفة العمومية وعلى نسبتها، فما هو موقف الاتحاد من هذه الوضعية؟
ربما ارتفاع الأسعار هو الذي يجعلنا نناقش وندافع بقوة لتحقيق المزيد في نسبة الزيادة في الأجور، ولكن ما يحدث أن ما نتحصل عليه باليسرى يُفتك باليمنى، والخوف كل الخوف أن تتدهور المقدرة الشرائية إلى وضع أكثر كارثية.
سعر الطاقة يؤثر على المقدرة الشرائية للمواطن العادي لكن أيضا يؤثر بدرجة اكبر على المؤسسة والمشكل هنا يتضاعف فطبيعي أن المؤسسة التي تعاني مشاكل وفي ظل التنافس، ستضطر إلى الزيادة في سعر المنتوج وبالتالي الزيادة في سعر استهلاكه، وهو ما يضر بعملية الترويج الداخلي وكذلك بعملية التصدير إلى الخارج، كما أن مثل هذه الزيادات ستأثر على العلاقات الشغلية بين الأطراف وقد تؤدي مثل هذه الزيادات لغلق المؤسسات وبالتالي تسريح العمال وهو ما يمثل لنا كارثة حقيقية.
•هل توصّل الاتحاد في هذه الفترة الزمنيّة القصيرة منذ مؤتمر طبرقة إلى تجسيم البعض من توصيات وقرارات المؤتمر خاصة المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟
ـ التزمنا أمام المؤتمرين بالعمل على أربعة ملفات هي:
1 ـ في ظلّ الحكومة الانتقالية المؤقتة سنعمل وسندافع عن مشروع دستورنا حتى يلقى أثره في دستور البلاد.
ونحن بصدد القيام بهذا العمل.
2 ـ سنعمل مع الدولة ومع اتحاد الصناعة والتجارة على انجاز عقد اجتماعي يربط بين جميع الأطراف وقد شرعنا في هذا العمل وخطونا فيه خطوات بالتعاون مع منظمة العمل الدولية وتمّت الى حدّ الآن عديد الجلسات هنا وهناك والحاصل أنّ هناك اتفاقا على أن ننهي هذا العقد قبل 14 جانفي القادم.
3 ـ اخترنا أن تدور المفاوضات الاجتماعية على سنة واحدة باعتبار أنّ هذه الحكومة مؤقتة وفعلا أنهينا جزءًا من هذه المفاوضات ونعمل على إتمام ما تبقّى.
4 ـ المؤتمر شرّع لنا أحقيّة اعداد تصوّر لهيكلة جديدة للاتحاد وقد انجزنا ذلك وسنعرض مشروعنا أوّلا على هياكلنا الجهوية لإبداء رأيها قبل أن يتمّ عرضها على المجلس الوطني ليس للنظر فيها فقط وإنّما لإنجاز هذا الحلم لأنّ منظمتنا منذ مؤتمر جربة قائمة على نفس القوانين في حين تطورت العلاقات الشغلية وتطورت القوانين والتقنيات تغيّرت وبرزت علاقات عمل لم تكن مألوفة وهناك مهن جديدة برزت وأخرى اندثرت وهناك تصنيفات مهنية جديدة في قطاعات محدثة جديدة... كل هذا يحدث وهيكلة منظمتنا مازالت جامدة.
هذه هي النقاط الأربعة التي وعدنا بانجازها هذه السنة ونتمنى أن لا تنتهي السنة حتى نكون أوفينا بما تعهدنا به ومع هذا وعدنا بأنّنا سنفتح كل الملفات العالقة مع الحكومة القادمة التي ستكون حكومة استقرار وقد شرعنا من الآن في اعداد ملفاتنا (الصناديق الاجتماعية واقع التشغيل ـ بوادر إفلاس الصندوق الوطني للتأمين على المرض إلى غير ذلك) ونتمنّى أن نبدأ بالعمل الفعلي على هذه الملفات في الأشهر الأولى من السنة القادمة.
•يرى البعض ان التعددية النقابية باتت أمرا واقعا، فما هي انعكاساتها على نسبة الانخراط بالاتحاد العام التونسي للشغل، وهل يفكر الاتحاد في آليات لتحصين النقابيين من محاولات الاغراء وشراء الضمائر؟
هذا الوضع يملي علينا اليوم أن نستأنس بتجارب عديد المنظمات التي لها أقدمية في فهم هذه المسائل واليوم نقوم بتعاون في هذا المجال مع نقابة س.ف.د.ت وأقول إن تحصين هياكلنا ليس من الاغراء فقط وإنّما من كلّ المواقع التي تصادف فيها النقابي اخلالات وفي حديثنا مع عدّة نقابات ذات التجارب أكّدوا لنا أن أصعب الفترات التي مرّوا بها هي الفترات الانتقالية من هيكلة إلى أخرى، وكل نقابي حرّ يعرف كيف يحصّن نفسه من الاغراءات.
• الاتحاد بصدد اعداد مشروع العقد الاجتماعي، والذي سيعرض على وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى منظمة الأعراف، فهل «سيفرض» الاتحاد مشروعه الاجتماعي والحقوقي على الأطراف التي عُرفت تاريخيا بـ «عدائها» للعدالة الاجتماعية والعمل النقابي عموما ؟
ـ انطلقنا في اعداد المشروع في حدود شهر فيفري بعد ان نضجت الفكرة ووجدنا المموّل وبعد ان عبرت كل الاطراف المعنية عن استعداداتها علما وان من وفر التمويل هو المكتب الدولي للشغل B I T وفي مرحلة أولى تم التعاطي حول الموضوع مع B I T كل طرف على حدة ثم وقعت دعوتنا (الاطراف الثلاثة للانتاج). وحصل اتفاق ان ننهي هذا العمل قبل 14 جانفي وعندما نتوصل الى التوقيع على هذا الاتفاق تصبح كل الاطراف ملزمة به ويقع الرجوع اليه في كل اختلاف. ان بلادنا تحتاج ايضا الى عقد مجتمعي وربما هذا العقد الاجتماعي هو الذي سيمهد الى وجود عقد مجتمعي ببلادنا.
• إلى أي مدى يمكن للاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتوفر على علاقات دولية تاريخية مشعة التـأثير في القرارات الدولية بشـأن تونس سواء على المستوى الاقتصادي (الاستثمار) أو السياسي في مرحلة توحي بالتحفظ من عدة جهات خاصة منها الأوروبية؟
ـ للحقيقة ان كل الاخوة الذين مروا من قسم العلاقات الدولية بالاتحاد العام التونسي للشغل كانوا دوما نقطة قوة وتركوا إرثا ايجابيا نحن الآن نبني عليه ودائما نحن في حاجة الى مشورتهم فلنا كوادر بعدة منظمات جديرة بالاحترام والتقدير ولا نتردد في الاخذ برأيها على غرار الاخ محمد الطرابلسي.
نحن في العلاقات الدولية نتعامل بالاساس مع النقابات وخاصة الاوروبية لانها مستقلة ولا تتأثر بمواقف حكوماتها على خلاف النقابات في بعض الدول العربية. هذا ما يعني ان العلاقات بين بلدنا واحدى البلدان الاخرى اذ كانت تشهد خلافات فلا يعني ان النقابات تتأثر بهذه الخلافات.
غير ان الجدير بالتذكير في هذا المجال اننا اذا شعرنا كنقابات بأن الخلافات السياسية ستنعكس على الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي هنا يتنزل دورنا ونقوم بما يجب القيام به للحد من الانعكاسات وهذا ما تم بعد الثورة حيث ينظر العالم كله الى بلدنا نظرة اعجاب لان ثورة تونس أثبتت للعالم فشل منوال التنمية الذي كان متبعا في تونس وما قام به الاتحاد من دور على هذا المستوى تنظر اليه النقابات الاوروبية بإكبار واعجاب لأنه كشف زيف النمط التنموي الذي كان متبعا في تونس. وأعطى حجة لهذه النقابات من اجل الدفاع عن حقوق الشعوب الأخرى التي تعاني من نفس نمط هذا المنوال التنموي.
وعموما نريد التأكيد على ان اختلافاتنا بالداخل لا يمكن ان تحجب عنا الدفاع عن مصلحة البلاد العليا في الخارج فنحن ندعو للاستثمار في بلادنا وهناك من يرى في النقابات صمام أمان لبعث المشاريع والاستثمار لذلك ستكون لنا مشاريع تعاون مع عدة منظمات نقابية ويمكن ان تصل الى المشاركة بوفود من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وأذكر في هذا السياق برنامج عمل سيتم مع منظمة القوى العمالية بفرنسا.
وأقول صراحة اننا مازلنا مقصرين نسبيا في جانب العلاقات الدولية نظرا للضغط الداخلي وكثرة الاعمال والالتزامات التي جعلتنا لا نقوم بهذا الدور كما يجب ونأمل ان نعود الى هذا الدور بعد انهاء العمل على بعض الملفات العاجلة.
•هناك من يعتبر بروز مبادرة الاتحاد مجددا يستند الى ثلاثة مستجدات وطنية وهي ظهور نداء تونس كقوة سياسية وجدل انتهاء الشرعية الانتخابية وتداعيات أحداث سفارة أمريكا، ما مدى صحة هذه المقاربة؟
ـ المبادرة أطلقناها منذ شهر جوان الماضي عندما شعرنا بأن هناك بداية لتجاذبات وصراعات سياسية كبيرة وشعرنا ان بلادنا تحتاج الى من يجمع الناس ويدعوهم الى التوافق حول بعض المسائل المطروحة وعندما أطلقنا المبادرة وجدت ترحابا من عديد الاطراف ووجدت تعاطفا عاما خاصة ان المرحلة اتسمت بالحديث عن قرب موعد 23 اكتوبر والشرعية وما الى ذلك وبروز مظاهر للعنف السياسي والمادي حتى داخل المجلس التأسيسي وارتسمت حول الديمقراطية وحرية الاعلام واستقلالية القضاء نقاط استفهام عديدة... وهذا ما اثر سلبا على الوضع العام الاجتماعي وحتى الاقتصادي بما قد لا يسمح بالتحكم فيه اذا لم تكن هناك بوادر للحوار الوطني وعدنا لدعوة الاطياف السياسية والمجتمع المدني بغاية تجميعهم ولسنا نطلب منهم اي شيء غير العمل على مصلحة تونس وترك المصلحة الفئوية أو الحزبية جانبا لكن المتعارف عليه ان لا حزب يطمئن للآخر لذلك رأينا نحن في الاتحاد على اعتبارنا غير معنيين بالتنافس لا على السلطة ولا على الحكم ولا على غيرهما واننا نقف على نفس المسافة من كل الاحزاب وان الناس يمكن ان يستمعوا الينا عدنا الى دورنا الذي لعبناه قبل وبعد الثورة وقررنا ان ندعو السياسيين ونقول لهم ان مصلحة تونس تعنينا كما تعنيكم لكن دون ان نكون منافسين لكم وسنعرض عليهم مبادرتنا التي فيها ما هو عاجل وما هو آجل وما هو على المدى الطويل لذلك حددنا نقاطا محددة يجب ان يحصل عليها التوافق وأهمها طبيعة نظام الحكم الذي نريده لتونس والاسراع بتكوين اللجنة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاعلام وانهاء التجاذبات حول استقلالية القضاء العدلي وبعد ان نوجد التوافق حول هذه النقاط العاجلة يمكن ان نتحدث بأريحية في مسائل أخرى.
نتمنى ان يقع التفاهم والتوافق وان تلتقي جميع الاطراف بالفعل حول مصلحة تونس بعيدا عن الفئوية والحسابات الضيقة مع التأكيد ان الاطراف التي ستلتقي في هذا الحوار لن تعوض المجلس التأسيسي ولن تعوض الحكومة.
نحن نسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الطرف الذي يسعى إلى إقصاء طرف آخر لأننا نعتقد ضمن هذه المبادرة أن من مصلحة الجميع هو أن تجلس كل الأطراف إلى طاولة الحوار والتفاعل المسؤول والعميق مع جميع وجهات النظر حتى نخلص إلى وفاق وطني، فبالأخير نحن نطرح هذه المبادرة لا لان تتحول إلى ما يشبه سوق عكاظ تتناظر فيه الأحزاب السياسية وإنما لخلق مناخ توافقي يخرجنا من عنق الزجاجة.
ومسألة الإقصاء هاته هي التي تأخذ الآن الحيز الأكبر من جهد ومناقشات الهيئة المشرفة على تسيير هذا الحوار. هناك مواضيع حارقة يجب إن نحسمها الآن وهنا، وبعد ذلك فليتنافس المتنافسون.
• تسعى بعض وسائل الإعلام إلى حصر العمل السياسي في الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة وحركة نداء تونس، في حين أن اليوم هناك الجبهة الشعبية، التي تقدم نفسها كخيار أول، إلى جانب تشكل قوة رابعة ممثلة في الحزب الجمهوري والمسار، فأين يرى الاتحاد نفسه بين هذه الخيارات؟
فيما يخص ما تروج له وسائل الإعلام من الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة من جهة وحركة نداء تونس من جهة ثانية، هناك اليوم تجمع الأحزاب اليسارية في إطار الجبهة الشعبية وهي ستغير الخارطة السياسية، وهناك تقارب بين الحزب الجمهوري والمسار، وهناك عديد النقاشات بين أكثر من حزب، وان تقاربت فإننا سنشهد وجود أكثر من قطبين، وشخصيا لست مقتنعا بوجود استقطاب ثنائي فقط، لان المشهد السياسي عموما يعيش حالة مخاض كبرى، وستحسم هذه التكتلات والأقطاب السياسية عندما تتحدد رزنامة الانتخابات القادمة.
نحن في الاتحاد العام التونسي للشغل مستقلون عن كل الأحزاب ونقف نفس المسافة من كل الأحزاب السياسية. صحيح أن الشأن السياسي يعنينا ولكن عندما يصير الأمر يهدد استقلاليتنا فان كل الحساسيات السياسية وكل التوجهات الموجودة داخل الاتحاد تنصهر مع بعضها البعض في الصف النقابي، لان كل نقابي مسؤول يعرف الخطوط الحمر بين نضاله النقابي وانتمائه السياسي.
نحن في الاتحاد يهمنا أن تنتهي حالة التشرذم بين الأحزاب الصغيرة التي تجمعها رؤى وأفكار مشتركة ولكنها مشتتة، لان ذلك يمنح الفرصة ليكون هناك تنافس حقيقي وأيضا نضج سياسي في البلاد، وتكفينا الأصوات الضائعة في انتخابات 23 أكتوبر الفارطة لنعرف حجم الضرر الذي يحدثه تشتت الأحزاب.
الفسيفساء السياسية الموجودة في البلاد اليوم هي نفسها تقريبا موجودة في الاتحاد وبالتالي لا يمكننا أن نقول بان الاتحاد يجد نفسه مع هذا الطرف أو ذاك وهو أمر محسوم لان هياكلنا تنضبط لاستقلالية المنظمة ولكن هم أيضا أحرار في اختيار هذا الحزب أو ذاك التكتل.
المشروع الاقتصادي والاجتماعي، وفي إطار منوال التنمية الذي يعده الاتحاد وينسجم مع مبادئه وثوابته ومثلما نادت به الثورة التي قامت في تونس، هذا المشروع هو الذي يجعل إمكانات التفاهم واردة مع أي حزب يحترم مشروعنا الاقتصادي والاجتماعي ويسعى إلى تطبيقه في ارض الواقع، ولكن معلوم أن الحزب الذي يمسك بزمام السلطة تتغير مواقفه، ولا أخفي سرا إن قلت أن بعض الأحزاب الموجودة اليوم في السلطة كانت علاقتنا بها جيدة لكن بمجردة أن اعتلت سدة الحكم غيرت طريقة تعاملها، وإذا تحولت الأحزاب الموجودة اليوم من السلطة إلى المعارضة فسيصيرون أحبابا للاتحاد.
هذا الأمر لا يغرينا ولا يدفعنا لاختلاق نعرة داخل الاتحاد لصالح هذا التوجه أو ذاك ولذلك من المستحيل أن نقرر مساندة هذا الطرف على حساب طرف آخر أو نلزم النقابيين باختيار هذا الحزب أو ذاك الحزب، حتى لو طرح حزب ما مشروعنا الخاص في الاتحاد فلن نلزم نقابي أو نقابية به لان هذه مسألة تبقى شخصية.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)