بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/04/25

"ما تدوم كان بطحة محمد علي"

تماما مثلما تم الالتفاف على مطالب الثورة التونسية وتعويم مطالب المفقرين والمهمشين والمحرومين بفتاوي الجهل و"ضيوف" التشريفات الرسمية لتسميم العقول، تسعى اليوم نفس الأطراف إلى سحب البساط من تحت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الوطنية التي جاءت خيمة واسعة لم تُقص أحدا، ولم يكن لمقترحيها نية سياسية أو رغبة في السلطة، بقدر ما كانت "الأرضية" المقترحة، متشبعة بروح الثورة ومطالب من قام بها واستشهد لأجلها ولأجلنا، وأيضا للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة الذي "دفعتنا" إليه "حكومة الأسلاك الشائكة". وحتى نذكر من قد ينسى أو يتناسى، فان من بين مقومات مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل نذكر: المطالبة بحكومة محدودة العدد لا يتحمل أعضاؤها مسؤوليات حزبية ولا يترشحون للانتخابات القادمة رئاسية كانت أم تشريعية، وان يكون لأعضائها الصلاحيات الكافية وقوة المبادرة. وأيضا الرجوع عن التعيينات الحزبية، وتشكيل لجنة عليا للتشاور حول التعيينات الجديدة وفق مقاييس موضوعية، وحل كل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات المنظمة التي تنشر ثقافة الكراهية والضغينة والعنف تجسيدا لمبدأ احتكار الدولة وحدها مسؤولية الأمن وحماية الحريات العامة والخاصة، وكذلك الإسراع بكشف حقيقة كل أحداث العنف وحقيقة اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد وتقديم الجناة ومن يقف وراءهم إلى العدالة، إلى جانب تحييد المساجد والنأي بها عن الصراعات السياسية والحزبية ومحاسبة كل الداعين للتكفير والتحريض على العنف، والتعجيل بتركيز الهيئة المستقلة للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومراجعة ضبابية المعايير المعتمدة في تعيين أعضائها وتعيين سقف زمني محدد للانتخابات، وتفعيل ما تم الاتفاق بشأنه في العقد الاجتماعي الممضى بين الأطراف الاجتماعية ومعالجة الوضع الاجتماعي المتردي. هذه النقاط الرئيسية التقت حولها الأطراف الحزبية والمدنية والنقابية، ووحدها ظلت الترويكا تغرد خارج السرب، بل كالت التهم للاتحاد واعتبرته يتدخل فيما لا يعنيه (هكذا) وطالبته "بالتزام حدوده"... ثم تتالت مداخلات "المسؤولين" الحكوميين في وسائل الإعلام لإدانة الإضرابات والتحركات المشروعة... بعد سنة وبضعة أشهر من إطلاق الاتحاد العام التونسي للشغل لمبادرته الوطنية، زادت البلاد انحدارا نحو الأسوأ، وتراكمت ذات المشاكل، وظلت "الترويكا" على نهجها سائرة تنثر الأخطاء أنى ولت وجهتها وحيث تكلم "مسؤول" من أحزابها الثلاثة... وبعد الجولات المكوكية ونصب المشانق للعلمانيين وطرد السفير السوري واستقبال رابطات حماية الثورة والاستماتة في الدفاع عن دويلة قطر وجمعيتها الخيرية... دعا رئيس الجمهورية المؤقت إلى "مؤتمر حوار وطني"، وبقدرة قادر تم "تطبيع العلاقات" بين حركة النهضة وحزب حركة نداء تونس، وبقدرة قادر أيضا صار الاتحاد العام التونسي للشغل طرفا في طاولة الحوار معني بالشأن السياسي... وتم تكليف شخصيات سياسية لإقناع قيادة الاتحاد بالالتحاق بمبادرة "الرئيس"... وكذلك الجبهة الشعبية... هكذا بعد أن رفضوا المبادرة الأصل هرعوا إلى نسخة فرعية... وكأن الزمن الذي خسره الشعب التونسي لا معنى له... المأزق الذي بلغته تونس اليوم لا يحتاج إلى قصور باذخة مرفوعة الأسوار والجدران بقدر ما يحتاج إلى مساحة حرة وفضاء مفتوح لا تعلوه المزاليج مثل بطحاء محمد علي الحامي... التي تظل قريبة من نبض كل الطيف السياسي دون تعال وفي نفس الوقت مستقلة عن الجميع.

2013/04/18

عيش نملة... تأكل سكر

لا أرى مثلا شعبيا أكثر دلالة ورمزية من المثل الذي تخيرته عنوانا لهذه البطاقة الأسبوعية، للتعبير عن العلاقة التي تنتهجها رئاسة الجمهورية وخلفها الفريق الحكومي مع "قطر"، خاصة بعد تهديد كل مواطن تونسي من قبل رئيس الجمهورية المؤقت بتحميل مسؤولية كل من "يتطاول" على "راعية ثورات الربيع العربي" وواهبة الصلاحيات الرئاسية... والمدرعات والدراجات والقنابل المسيلة للدموع... ومعهم فتاوي الجهل وعذاب القبر... الثابت أن أول ما يتبادر إلى الذهن في علاقة بالنمل هو الكد والجهد والعمل وهي الصفات المحمودة فيها، المفقودة في رئيس جمهوريتنا، أو ما تبقى من الجمهورية، والثابت أيضا أن النملة لم تختر حجمها الصغير أو المتناهي في الصغر، فالطبيعة أفرزتها على تلك الصورة، وجعلت منها الحيوان الأكثر عرضة للعفس والرفس بالأحذية... ولأن الإنسان وحده يتخير الموضع الذي يلائمه... فإن رئيس جمهوريتنا اختار موضعه أمام الشيخ حمد والشيخة موزة... وما حملت أياديهم من حفنة الدولارات... (وين تحط نفسك تصيبها)... أما السكر، فحلاوته لا تمنع سرعة ذوبانه وانحلاله داخل الفم، تماما مثلما سيحدث بين "منصفنا" والقائمين بشؤون مملكة قطر... عما قريب... ولكن هل يعلم "منصفنا" أن صلاحياته لا تمنحه حق تخير موضع النملة لكل تونسية وتونسي، وان صلاحياته لا تمنحه أيضا التعسف على أفواهنا لذر حبات السكر المسمومة... بمبلغ 28.8 مليون دينار يُخير "المنصف" الشعب التونسي بين أن يكون شعبا من النمل يعيش تحت أحذية قطر، أو أن يكون شعبا مهددا بالقانون والمحاسبة إن هو "تطاول" على قطر... ولن تكون أداة المحاسبة سوى سيارات ودراجات والقنابل المسيلة للدموع التي تهبها قطر إلى حكومة تونس... وبذات المصطلحات الممجوجة من قبيل "الشيطنة" و"تجفيف الينابيع" هرع راشد الغنوشي وحزب حركة النهضة لتوجيه التهم إلى الشعب التونسي بتشويه صورة قطر... أذكر هنا قولا لغسان كنفاني يقول فيه :"يسرقون رغيفك، ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك بأن تشكرهم على كرمهم... يا لوقاحتهم"... إننا أمام حالة انفصام عميقة وحقيقية "للنخبة" الحاكمة اليوم في تونس، فمن جهة تدعي سعيها لتأسيس نظام تونسي ديمقراطي، ومن جهة ثانية تدافع بشراسة على النظام القطري الديكتاتوري والتيوقراطي... وكأنها تستبطن دورها الحقيقي باعتبارها تتولى إدارة "الايالة التونسية" التابعة لما يدعو إليه شيخ الليموزين "يوسف القرضاوي" "الجمهورية الديمقراطية الإسلامية" والتي ستكون عاصمتها "قطر"، جمهورية ديمقراطية إسلامية ستقوم على "نصب المشانق للعلمانيين" وعلى "تحميل المسؤولية الأخلاقية والقانونية" لكل من يتطاول على عاصمتها "قطر"... جمهورية ديموقراطية إسلامية تضخ مئات المليارات لتخريب سوريا والعراق ولبنان وليبيا والجزائر... إكراما للكيان الصهيوني... إنني انتمي إلى شعب عظيم اسمه الشعب التونسي، شعب كتب التاريخ بدم بناته وأبنائه، ولن أكون من عبيد قطر... هاته التي تريد دخول التاريخ بآبار النفط...

2013/04/11

الأخ محمد شعبان الكاتب العام للاتحاد الجهوي بصفاقس:الاتحاد لم يتحرك بعدُ والثورة الحقيقية قادمة

لهذه الأسباب أنا دكتاتور نقابي ممنوع على كل نقابي في الظرف الحالي أن يتجاوز منظمته أو يخرج عنها لا استغرب جهل وزير الصحة وجماعته بأخلاقيات ومبادئ النقابيين وبآليات العمل النقابي نحن لسنا ضد التعددية النقابية لكننا ضد التعددية النقابية الانتهازية لن ينفعنا صندوق النقد الدولي ولا قطر عندما تجوع حركة النهضة الشعب التونسي من العار على إذاعة صفاقس أن تتنكر لما قام به الاتحاد من اجل العاملين بها لهذه الأسباب سنعمل على تنحية والي صفاقس لأنه لا يخدم مصلحة أهالي الجهة أهالي صفاقس شيدوا المساجد بسواعدهم والنهضة تستغلها اليوم بورقيبة وبن علي والمرزوقي عابرون أما الاتحاد فباق الاتحاد سيكون الفيصل الحاسم في الانتخابات القادمة أجرى الحوار ناجي الخشناوي في الطريق إلى عاصمة الجنوب، صفاقس، لإجراء حوار صحفي مع الأخ محمد شعبان الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالجهة، قدرت أن لا يتجاوز اللقاء نصف ساعة لمَا سمعته عن الرجل من كثرة مشاغله و"طباعه الحادة" غير أن هذا الحوار دام أكثر من ساعتين والنصف ساعة داخل مكتب الأخ محمد شعبان، ورغم الدقات المتواصلة على باب مكتبه ورنين الهاتف في كل مرة إلا أن الرجل استرسل في الحديث والإجابة عن الأسئلة دون أن يفتح الباب أو يرد على الهاتف... الحوار اختلفت مواضيعه من الشأن النقابي الجهوي إلى العمل النقابي الوطني مرورا بالوضع السياسي في البلاد واستحقاقات المرحلة، وضمنه كان الأخ محمد شعبان منسجما مع ذاته مثلما يعرفها كل نقابي احتك به. ـ لنبدأ هذا الحوار من آخر المستجدات لما بات يُعرف بإضراب عملة الإعاشة بالمستشفيين الجامعيين بصفاقس، نود أن تطلعنا على آخر التحركات خاصة بعد تعليق الإضراب؟ ـ هو أولا إضراب قانوني وشرعي، وحسب تقييمنا والوثائق الني بحوزتنا لا يمكن للإدارة أو لوزارة الإشراف أن ينفوا قانونية وشرعية إضراب عملة الإعاشة خاصة أن الاتفاق التاريخي الممضى بدار الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 21 أفريل 2011 بحضور وزارة الشؤون الاجتماعية الذي ينص على إلغاء المناولة في القطاع العام وخاصة في قطاع الوظيفة العمومية، ولذلك نحن ناضلنا في مستشفي الهادي شاكر ومستشفى بورقيبة من اجل إلغاء العمل بالمناولة إلى أن وقعت جلسة في شهر أكتوبر 2011 ورغم أن الجلسة كانت في جو مشحون نوعا ما إلا أننا توصلنا إلى اتفاق ينص على أن عمال المستشفيين ونظرا لاقدميتهم في العمل ولديهم أصناف معروفة فاتفقنا على جدولة التصنيف وعلى انتداب هؤلاء العملة بداية من غرة جانفي 2012 وطالبنا من وزير الصحة الإمضاء على هذا الاتفاق وأمضينا 11 محضرا لتأجيل الإضراب ووقعت جلسات تفاوض متعددة مع الإدارة الجهوية للصحة بصفاقس ووقع الاتفاق على تصنيف العملة بحكم الاختصاصات التي يمارسونها في مطعم المستشفيين إلا أن الحالة ظلت على ما هي عليه ونظرا لطول المدة ما ترتب عنه من توتر وحالة احتقان لدى العمال طالبنا مرة أخرى بالإسراع في تنفيذ الاتفاق، غير أن السلبية التي وجدناها من الطرف المقابل وعدم الاكتراث وعدم الالتزام بالاتفاقات وما أبدته الوزارة والإدارة من تحد صارخ للمنظومة الشغلية ولقوانين الشغل دفعتنا إلى إعلان الدخول في إضراب ب15 يوما رغم أننا طالبنا من والي صفاقس أن نتنقل إلى الوزارة غير أن نفس سياسة المماطلة كانت هي الإجابة المتكررة بل أن الوالي قال لي بالحرف الواحد "انسى الموضوع" وما يحز في النفس أن هذه الإجابة جاءت بعد تعليمات واضحة من وزير الصحة بعدم الجلوس معنا. ـ رغم دوركم الايجابي ودور الأخ حسين العباسي الأمين العام للاتحاد لتطويق أزمة المستشفيين إلا أن رفض سياسة الحوار والتفاوض لحقتها محاولات مستميتة لتشويه الهياكل النقابية وتحميلها مسؤولية ما يحدث في المستشفيين؟ ـ نحن نعرف الحملات الممنهجة والمنظمة وتعودنا بها وبتنا نعلم مصدرها والجهات التي تقف وراءها، ولكن في السابق لم تنجح مثل هذه الحملات في ضرب العمل النقابي بل زادتنا لحمة، أما فيما يتعلق الآن بالمستشفيين الجامعيين فالخطير في المسألة أن وزير الصحة في شخصه أدلى بتصريح غريب لأحد الإذاعات قال فيه انه سيعمل بقوة عن طريق ما يسميه المجتمع المدني والذي يختزله الوزير وحزبه في "رابطات حماية الثورة" قال أنه سيعمل على إفشال الإضراب مثلما تم استعمالهم سابقا في إضراب الهادي شاكر، وبالفعل مباشرة بعد التصريح الإذاعي قدمت مجموعة غريبة عن المستشفيين لتكسير الإضراب بتعلة أنهم سيقدون الأكل للمرضى، وكأن العملة المضربون يمنعون الأكل عن المرضى، وهنا لا استغرب جهل وزير الصحة وجماعته بأخلاقيات ومبادئ النقابيين وبآليات العمل النقابي وادعوه إلى أن يطلع على برقيات الإضراب وما تتضمنه من آليات لتقديم الخدمات الأساسية والضرورية. الجماعة التي حاولت إفشال الإضراب والتهجم على النقابيين وجدت السند والدعم من الوزير في البداية ثم في بعض أيمة مساجد صفاقس خاصة بعد خطبة الجمعة التي تزامنت مع اليوم الثالث للإضراب، حيث تحولت خطبة الجمعة إلى "تهريج" وتشويه لتاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل مثلما فعلوا نفس الشيء في أوت 2012 عندما اعتبروا الاضراب "حراما" وأصدروا البيانات المشوهة للعمل النقابي بل ودعوا آنذاك إلى تكوين نقابات إسلامية قالوا إنها "مستقلة". ـ وكيف تردون على رفع قضية عدلية وفتح تحقيق جزائي فيما يسمونه "جرائم القيام بإضراب غير شرعي والصد عن العمل"؟ ـ فعلا استغرب كيف يُقدم محام أو مجموعة من المحامين على تبني مثل هذه القضايا وهم يعلمون أن الإضراب قانوني وشرعي ومثل هذه القضايا لا تدخل إلا في باب التشويه وضرب العمل النقابي ومحاولة التضييق على العمال وضرب حقوقهم ولكن ليعلم الجميع ان ما بني على باطل فهو باطل. ـ هل فعلا تستمد جهة صفاقس إشعاعها النقابي من رموز الجهة وخاصة مؤسس الاتحاد فرحات حشاد والزعيم الحبيب عاشور، وهل بات العمل النقابي بالجهة "مُختزلا" في شخصكم؟ ـ أولا الزعيم فرحات حشاد وكذلك الزعيم الحبيب عاشور هما ابنا كامل هذا الوطن، واعتقد أن كل نقابي يحمل بداخله بذرة هذين الزعيمين التاريخين إلى جانب طبعا محمد علي الحامي أب الحركة النقابية في تونس وأحمد التليلي وبلقاسم القناوي وغيرهم من الرواد، ونقابيات ونقابيو صفاقس متشبعون بخصال ومبادئ وأخلاق الرواد والمؤسسين، ومن الصعب بل المستحيل أن يتنكر نقابي لدماء رواد الكفاحين الاجتماعي والوطني في تونس. الإخلاص والتضحية والالتزام هي المفاتيح الثلاثة التي تأسست في العمل النقابي على يد الرواد وهي أيضا نبراسنا اليومي، إلى جانب الشفافية ونظافة اليد... والمجابهة بالحجة والبراهين... وربما لأني متشبع بهذه القيم وأمارس بها قناعاتي هناك من يعتبرني دكتاتورا... فان كانت هذه الخصال عنوان دكتاتورية فليعلم الجميع أن محمد شعبان دكتاتور نقابي... العمل النقابي في صفاقس لا يُختزل في شخص محمد شعبان، ولكن محمد شعبان منذ أن انتمى للاتحاد العام التونسي للشغل وهو يتعامل مع النقابيين من دون أي خلفية انتخابية أو حسابات أصوات بل أتعامل مع كل النقابيين بمنطق التضامن النقابي لأني اعتقد انها القاعدة الأساسية منذ تأسس الاتحاد إلى اليوم الضامنة لوحدة وتماسك المنظمة. صحيح أن محمد شعبان يُحرك ويُؤطر ويدفع العمل النقابي بصفاقس ولكن لو لم تكن النيابات الأساسية والنقابات الأساسية والفروع الجامعية والاتحادات المحلية لما كان محمد شعبان، ومنذ أن تحملت مسؤولية الكتابة العامة منذ 82 لم يتخلف المكتب التنفيذي الجهوي عن الاجتماع كل يوم جمعة، وما نتميز به في جهة صفاقس أننا نفتح مقر الاتحاد مساء السبت ويوم الأحد وهو تقليد أرساه الرواد... وإن أختلف مع الأخوة النقابيين فدائما على قاعد المحاججة والإقناع لا عن طريق فرض الرأي. والظرف الحالي يحتم على كل نقابي أن لا يتجاوز أو يتحدى الاتحاد واعتقد انه لا مجال للخطأ أو التسرع والإفراط في التحمس خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الاتحاد والبلاد. ـ هناك اتهامات توجه إلى جهة صفاقس وتصنفها الجهة التي "تتقن" الإضرابات بامتياز وأن "رأس الحربة" هو محمد شعبان الذي لا يسعى إلا لضرب الحكومة، فما مدى صحة هذه الاتهامات؟ ـ لا أرد على مثل هذه الاتهامات إلا بدعوة من يطلقها إلى أن يعود ويقرأ تاريخ صفاقس ويطلع على زخمها النضالي المستمد من روح فرحات حشاد والحبيب عاشور وكل النقابيين، وطيلة تاريخ الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس لن تعثر على إضراب غير شرعي وقانوني وكل الإضرابات القطاعية والجهوية لا ننفذها إلا بعد استنفاذ كل سبل الحوار والتفاوض. الآن هناك حلقة مفقودة في المسار التفاوضي وهي تفقدية الشغل التي تمثل وزارة الشؤون الاجتماعية، أين كنا نجلس إلى طاولة التفاوض والنقاش والحوار مع متفقد الشغل، وأصبح اليوم لزاما علينا إما أن نجلس إلى الطرف الإداري مباشرة أو نجلس إلى والي الجهة، وأتحدى أي إدارة في أي قطاع لم نجلس إليها ولم نطلب التفاوض معها، ولكن التعنت والصد وغياب الدور المهم لتفقدية الشغل في تقليص عدد الإضرابات هو الذي جعل من هذه الإضرابات تتضاعف، ومع ذلك عندما نقارن بين نسبة برقيات الإضراب وبين تطبيق الإضرابات فعلا سنكتشف حجم الافتراءات والاتهامات المجانية. ولو كانت لدينا نية لإسقاط الحكومة لما قمنا بإضرابات قطاعية بل كنا سنقوم بإضرابات مستهدفة للحكومة مباشرة، ولكن نحن أرقى من هذه التهم وأخلاقنا لا تسمح لنا "بالغدرة" وإذا كانت لدينا مطالب ضد الحكومة فإننا لن نتأخر في قولها صراحة ودون مواربة، ولكن أيضا عندما ندين صمت الحكومة في مسالة ما مثل إلقاء القمامة في بطحاء محمد علي الحامي فذلك حقنا المشروع، ولكن إذا قررنا القيام بإضرابات ضد الحكومة فسننفذها دون خوف أو تردد، وكل المؤشرات تدفع إلى ذلك منها غلاء المعيشة والتهاون في كتابة الدستور ومحاولات الالتفاف على مطالب الشعب التونسي. ـ احترفت بعض منابر المساجد بصفاقس وبعض الأصوات في إذاعة صفاقس تشويه العمل النقابي وإلصاق التهم بشخصكم فما مدى صحة هذه المعلومات؟ ـ الملاحظة الأولى التي أود أن أسوقها هنا هي أن الإعلام بصفة عامة نختلف في تقييم أدائه، ولكن غير المسموح به أن يعود الإعلام إلى مربع التوجيه والسيطرة الحزبية أو الحكومية، ولكن مع الأسف نلاحظ بداية العودة إلى هذا المربع من طرف بعض المنابر الإعلامية وبعض الأصوات والأقلام الصحفية. وللتاريخ أقول إن إذاعة صفاقس كانت من بين المنابر التي ناضل العاملون فيها من اجل استقلاليتهم وافتكاك حق التعبير وحرية الصحافة، ولا يمكن أن أنسى دور الأخ مختار اللواتي الكاتب العام لنقابة أعوان إذاعة صفاقس إبان أحداث 26 جانفي الذي كان مناضلا صلبا وشرسا في الدفاع عن إذاعته وعن العاملين فيها ولذلك لُفقت له التهم للزج به في السجن زمن محمد الصياح الذي يكن عداء مرضيا للعمل النقابي وللاتحاد العام التونسي للشغل وكان سببا مباشر في اندلاع أحداث 26 جانفي إلى جانب الهادي نويرة وعبد الله فرحات وغيرهم، وميليشيات الصياح في ذاك الزمن حاولت اختراق إذاعة صفاقس تماما مثلما تسعى الآن جاهدة ميليشيات حركة النهضة المسماة زورا وبهتانا "روابط حماية الثورة" وبصراحة أقول للعاملين في إذاعة صفاقس "ممنوع عليكم أخلاقيا أن تشوهوا الاتحاد العام التونسي للشغل ونقابيي الجهة الذين وقفوا ومازالوا معكم ومع حقوقكم... وكلهم يعلمون أن الاتحاد الجهوي للشغل وقف معهم في وجه الوالي الحالي لصفاقس والذي لا يعمل إلا لصالح حركة النهضة ولا يأبه لمصالح أهالي صفاقس ولذلك أقولها دون تردد "سنعمل على إقالة والي صفاقس الحالي"، هذا الوالي الذي يستجير بميليشيات رابطة حماية الثورة؟ هل من المعقول أن والي يمثل الدولة التونسية لا يثق برجال الأمن ويطلب الحماية من أشخاص لا صفة لهم؟ هؤلاء الأشخاص هم الذين اعتدوا على العاملين بإذاعة صفاقس ووحده الاتحاد الجهوي للشغل دافع عنهم... سواء في السبعينات أو الآن... وسنظل ندافع عنهم مهما كان حجم التشويه الذي يطالنا. أما المساجد فمثلما قلت لك فقد تم تدنيسها بخطابات السياسة وتحديدا بالمدافعين عن حركة النهضة لا عن تونس ورغم ذلك فشلوا فشلا ذريعا في كل محاولاتهم لضرب الاتحاد والعمل النقابي، وحركة النهضة اليوم تستغل المساجد التي بناها أبناء صفاقس بعرقهم ومالهم محبة في الله... على هؤلاء أن يعوا جيدا أن الثورة قام بها الاتحاد العام التونسي للشغل وليست حركة النهضة، وما على هذه الحركة إلا أن تحترم مطالب الشباب التونسي... وتحترم الاتحاد العام التونسي للشغل، وأقولها على الملأ أن الاتحاد لم يتحرك إلى الآن. ـ ألا تخشى أن يُفهم كلامك الأخير على انه تهديد؟ ـ ليعلم الجميع أن الاتحاد العام التونسي للشغل لم ولن يلجأ إلى لغة التهديد، ولكن كيف سيُفهم هذا الكلام عندما يصدر المجلس الوطني التأسيسي دستورا اقل من طموحات الشعب التونسي؟ وكيف سيفهم هذا الكلام إذا ما تواصلت سياسة ضرب المطالب الحقيقية للثورة؟ وكيف سيفهم هذا الكلام عندما تُحاك الصفقات في السر والعلن لبيع البلاد إلى قطر والسعودية وتركيا؟ وكيف سيفهم كلامي عندما أوصلوا البلاد إلى مرحلة الاغتيال السياسي وإطلاق النار على الشهيد الوطني شكري بالعيد؟ إذا تواصلت هذه "المهازل" فاني أقول بأن الثورة الحقيقية قادمة وسيقودها الاتحاد من جديد، وأقول مهازل لأنه من غير المعقول أن نكتب دستورا يضرب الحق في العمل النقابي والحق في الإضراب، وأدعو نواب حركة النهضة إلى قراءة التاريخ وليتذكروا أن بن علي سنة 96 حاول تحوير مجلة الشغل وإدخال كلمة "إضراب مهني" في الفصل 376 فوقفنا له ومنعناه من ذلك... وليتذكر أيضا كل متطاول على الاتحاد إضراب يوم 12 جانفي في صفاقس. حق الإضراب افتكه النقابيون بالدم ولن يمر في الدستور الجديد أي فصل سيضرب هذا الحق ولو بدمائنا، وأقول لمن سيحرم الشعب من هذا الحق لا تعلقوا فشلكم على الاتحاد، ولا تختلقوا صراعا معه لأنه سيعود عليكم بالوبال مثلما عاد على من سبقكم، وأيضا من سيواصل في النهج الليبرالي ويضرب البعد الاجتماعي سنكون له بالمرصاد ولن ينفعنا صندوق النقد الدولي عندما يجوع الشعب التونسي ـ كيف ترون سعي بعض الأطراف الحزبية إلى تقزيم دور الاتحاد وحصره في مربع المطلبية الضيقة؟ ـ هذه من المفارقات عينها فالاتحاد الذي أوصل هؤلاء إلى سدة الحكم والذي كان له الفضل في إرجاعهم من منافيهم وإخراجهم عن صمتهم، يكيلون إليه اليوم بمكيالين متناسين أن الاتحاد ساهم في تحرير تونس من المستعمر وساهم في صياغة دستور 56 وساهم في بناء تونس الحديثة وكان في الصفوف الأمامية للثورة، وللتاريخ أيضا الاتحاد هو الذي ساند بورقيبة ولولا الاتحاد لما كان بورقيبة فكل مؤتمرات الحزب الدستوري كان بورقيبة يلتجأ إلى الاتحاد العام التونسي للشغل... (اعتبرها من بين أخطاء الاتحاد عندما انحاز إلى بورقيبة ضد صالح بن يوسف مثلما التقينا فيما بعد سنة 81 مع مزالي) وهذا للتاريخ حتى يعرف بعض "الدساترة" الذين يهاجمون الاتحاد اليوم، وحتى يعرف الشعب التونسي أننا نعترف بأخطائنا ولا نخجل منها... وادعوهم أن يسألوا المخابرات الفرنسية والأمريكية عن تاريخ الاتحاد ولماذا اغتالوا فرحات حشاد... والآن اختار الاتحاد أن يترك المجال واسعا للأحزاب السياسية في هذه الفترة الانتقالية، وهو اختيار عقلاني ومدروس قررناه بعد هيئتين إداريتين، ولكن ما راعنا إلا أن بعض الأطراف تسعى إلى حشرنا في المطلبية الضيقة وتريد إقصاءنا من المشاركة في الخيارات الوطنية، وبعد أن ساهمنا في إنجاح انتخابات 23 أكتوبر ها أننا نرى الفشل تلو الفشل لما يسمونه ترويكا حاكمة... وهي التي احترفت الخطابات المزدوجة وباتت الغطاء الأول للميليشيات والعصابات... وباتت تسوق للاستبداد تحت غطاء الشرعية، هذه الشرعية التي انتهت صلاحيتها... بل إنهم يتجرؤون على افتكاك الاتحاد والانقلاب عليه... كم هم واهمون... ـ أمام ظهور بعض الهياكل النقابية كيف يرى الأخ محمد شعبان مستقبل الاتحاد العام التونسي للشغل والعمل النقابي عموما في ظل تعددية نقابية؟ ـ أولا التعددية النقابية وُجدت منذ كان الاستعمار في تونس، وكان هناك أربع أو خمسة تنظيمات نقابية، ثم بعد ذلك حاول محمد الصياح ومحمد مزالي تكوين منظمة نقابية موازية إبان أحداث 26 جانفي ولكنهما فشلا، أما الهياكل النقابية الموجودة الآن فهي لم تنطلق من أرضية مبدئية بل انطلقت من مصالح وحسابات، واعتقد انها تدخل في باب المناورة، ولذلك انصح أخواتي وإخوتي في الاتحاد العام التونسي للشغل للتفطن لكل مناورة ولكل محاولة لضرب وحدة الاتحاد. ودعني أقول أيضا للجميع، نحن لسنا ضد التعددية النقابية الوطنية ولكننا ضد التعددية النقابية الانتهازية التي لا تدفع إلا لتفرقة العمال ومصالحهم، وأنصح أيضا المرزوقي وحركة النهضة بالابتعاد عن الاتحاد العام التونسي للشغل لأن النقابيين أحرار ولن يتمكن أحد من استعبادهم... وفي نفس الوقت أنصح كل نقابي ينتمي إلى حزب ما ويدافع عن حزبه أكثر من الاتحاد انصحه بالذهاب إلى حزبه... ـ كيف ترون المشهد السياسي في قادم الأيام؟ ـ المشهد من الناحية السياسية نرى ملامحه من خلال البالونات التي تدفعها الترويكا وحركة النهضة أساسا لإثارة الفتن والزج بالبلاد في أتون الفوضى والحرب الأهلية... المشهد السياسي تدفعه هذه الترويكا نحو تزييف الانتخابات القادمة ومحاولة الاستيلاء على أصوات الناس، ولكن هيهات فالشعب تفطن، وان كان تعاطف في انتخابات 23 أكتوبر مع حركة النهضة فلا أظن انه اليوم سيمنحها صوته وهي التي تلاعبت بمطالبه واستغلت طيبته وتعاطفه، وهي التي تحاول استثمار التعاطف من جديد ضد الاتحاد بتلفيق التهم والتشويه واختلاق الاعتصامات لتنسبها إلى الاتحاد... تزوير الانتخابات والالتفاف على مطالب الشعب وعلى المسار الديمقراطي مؤشرات واردة جدا في ظل عدم انتخاب هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات إلى الآن وغياب تاريخ محدد إلى الآن، وفي انتظار تشكيلتها أيضا يمكننا أن نحكم على مستقل تونس السياسي. ـ هل لنا أن نعرف مستقبلكم النقابي وهل ستترشحون لانتخابات المؤتمر الجهوي القادم؟ ـ ما قدمته طيلة مسيرتي النقابية أنا راض عنه واعتبره كاف، أما مسألة الترشح للمؤتمر القادم فستتحدد في وقتها، وأفضل ألا أعلن عن أي موقف بخصوص شخصي حتى لا ادخل في الحملات الانتخابية السابقة لأوانها...

حكومة الاسلاك الشائكة

يُولدون "أسوياء" مثلنا... غير أن أحلامهم تكبر في غفلة منا لنكتشف فيما بعد أنها كبُرت بفائض العرق النازف من سواعد آبائنا وأمهاتنا... فجأة نُطالع أسماءهم صباحا في الصحف والمجلات، وبعد أخبار الثامنة نشاهدهم على القنوات التلفزية يُسوون ربطات عنقهم ويعدلون ساعاتهم التي تزين معاصمهم ويديرونها إلى عدسة الكاميرا... وفي ظرف أسابيع أو بضعة أيام معدودة نطالع أسماءهم مرة أخرى وبشكل رسمي مرسومة في الرائد الرسمي بصفاتهم الجديدة... لتلمحهم في اليوم الموالي مع الحشود المتراصة داخل الحافلات والمترو، سائرون في ركب من السيارات الفارهة نحو مكاتبهم الوزارية... فجأة نراهم يرفعون الأسلاك الشائكة بين عطور مكاتبهم وعرق آبائنا وأمهاتنا... ونراهم يرصفون بنادق الجيش والبوليس بيننا وبينهم... غير أن الأسلاك الشائكة وبنادق العسس لم تكفهم ليبتعدوا عنا، فما كان منهم إلا إن امتثلوا لأوامر رئيسهم وضربوا على أفواههم كمامات كاتمة لكل حرف أو كلمة أو معلومة... هاهم وزراء الحكومة المؤقتة ورئيس حكومتهم، أصحاب الشرعية، يرفعون الحاجز تلو الحاجز بينهم وبين الشعب الذي منحهم صوته وأمله... هاهم يضربون جدارا عازلا حولهم ليدبروا في ليلهم ما تتفتق عنه قريحتهم وما يأتيهم من أوامر شيوخ الخليج وثعالب الصندوق الدولي للنقد... قد نتفهم تركيز الأسلاك الشائكة والحواجز والمتاريس أمام السفارات، وخاصة منها سفارات الأمر والنهي مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، أما وزارات الشعب التونسي ومؤسسات الشعب التونسي فهي ملك له وحده، هو الذي شيدها بسواعده وهو الوحيد الذي يتمتع بخدماتها... الأسلاك الشائكة المحيطة بالوزارات مثل وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة التربية ووزارة التكوين المهني، وكذلك المحيطة بعدة ولايات وبعض البلديات والمعتمديات والمؤسسات الوطنية... كلها لا تدل إلا على سياسة اللامبالاة وعدم الاكتراث بمن هو خلف هذه الحواجز الاستعمارية بامتياز ولا تدل إلا على ضرب مفهوم "السيادة الشعبية" وبداية التمهيد للدكتاتورية والاستئثار بالسلطة والاستحواذ على دواليب الدولة... ولكنها تدل أيضا على سمات الضعف والخوف لدى أصحاب ربطات العنق الوردية وعدم قدرتهم على مواجهة الشعب وهمومه ومشاكله... فوحده الضعيف يختار الانزواء والابتعاد عن الأضواء ويلوذ بالصمت... ووحده العاجز يختلق كل الأعذار ليبرر عجزه وقلة خبرته، ومن هذه الأعذار الأسلاك الشائكة والحواجز الحديدية ورجال الحراسة... هكذا نرى رمزية الأسلاك الشائكة المضروبة بين دولتهم وشعبنا ولا نرى فيها أي مبرر آخر قد يوهموننا به مثل توفير الأمن والحماية، فالوزير الخائف من شعبه لا يستحق منصب الوزارة والمسؤول المتخفي خلف الأسوار لا حاجة للشعب به والوزيرة التي تتحرك وسط جحافل البوليس لا معنى لها أصلا... أما رئيس الحكومة الذي لا نرى حتى شبحه، فقد قوض كل إمكانات التواصل بين دولته المؤقتة وشعبنا الدائم بعد أن قرر "إسكات" فريقه الحكومي وقطع الصلة تماما بينهم وبين وسائل الإعلام، ولا نخاله قرارا متشبعا بالحديث القائل "وتعاونوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان" بقدر ما نرى فيه هروبا من المواجهة وتملصا من المسؤولية وخوفا على "شعبية" موهومة قد تضيع قبل الانتخابات بزلة لسان لهذه القناة أو تلك الإذاعة... لوزراء الحكومة المؤقتة، ولمسؤولي التغلغل الحزبي نقول لهم لكم الأسلاك الشائكة ولنا المدى...

2013/04/04

العيش وسط المزابل

أعيد نشر هذه الأسطر التي كتبتها زمن بن علي، أعيدها مرة أخرى وأنا أشاهد ترسانة العمال البلديين بشاحناتهم وجراراتهم يهجمون على ساحة الشهداء يرفعون عنها أكوام الأوساخ في انتظار أن يحل ركب رئيس الجمهورية المؤقت أو من ينوبه لتحية العلم يوم 9 أفريل ليعود بعدها إلى قصر قرطاج ويتركنا سنة كاملة أخرى فريسة للروائح العطنة وجحافل الناموس الرابضة بالمزابل المحيطة بمتساكني الأحياء المجاورة لساحة الشهداء التي لا تبعد أكثر من كيلومترين عن قلب العاصمة... أعيد نشرها مرة ثانية لأصدق أن سنتين ونيف بعد إسقاط النظام السابق لم تكن سوى زمن ثابت في الممارسة والتنظير، وان المواطنة التي تبدأ من التفاصيل هي الكذبة الأكثر تصديقا لدى أصحاب الشرعية المؤبدة... أعيد نشر هذه الأسطر اليوم وأنا أطالع خبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عندما غامر بالنزول إلى مستنقع أوحال لتبلغ المياه خصره من أجل إنقاذ نعجة من الغرق بريف اكسفورد شاير... أعيد نشر هذه الأسطر لأتأكد فعلا أن رئيسنا المؤقت يعيش مواطنته الشخصية داخل أسوار قصر قرطاج، مثلما يعيش "علمانيته" في الدول الأوروبية فقط، وأن الشعب التونسي يعيش وسط المزابل... مزابل الأشياء التالفة والأفكار المتعفنة... +++ حالفني الحظ فزرت عددا من الدول الأوروبية والأمريكية وتجولت في شوارعها وساحاتها العمومية فوقفت مشدوها أمام نظافة هذه المدن وجماليتها ولن أغالي إن وصفت بعضها بأنها خيالية كتلك التي نشاهدها في أفلام الصور المتحركة، ذلك أن المتجول فيها لا يكاد يعثر على عقب سيجارة ملقى على رصيف ما، أو يجد حجارة واحدة منزوعة من مكانها بهذا الرصيف أو ذاك الممرّ... فالحاويات الأنيقة تتلاصق في كل الشوارع وتنتصب أمام المحلات التجارية والمقاهي والملاهي والشركات، وحتى المناضد تجدها أمام كل باب باعتبار أن التدخين ممنوع في الأماكن المغلقة... واهم من توفر شروط النظافة من حاويات ومناضد وعمال هو الذهنية النظيفة، ذهنية العيش في فضاء جمالي تتوفر فيه جميع مقومات البهجة، وهذه الذهنية تتأكد لدى المواطن الغربي من خلال إيمانه العميق بمسؤوليته الفردية إزاء المجموعة قبل أن يُلقيها على عاتق الدولة باعتبارها مهمة من مهامها يدفع لأجلها معاليم محددة سلفا... هذا الإيمان بالمسؤولية والمعرفة بالحق والواجب هو عين الاختلاف بيننا وبينهم، فإيمان المواطن التونسي بالنظافة وهاجسه بالمساهمة في تجميل مدينته باهت وشاحب بل هو منعدم تماما، ولن أغالي إن قلت أننا نعيش اليوم وسط مزبلة كبيرة تمتد من شوارع العاصمة ومراكز الولايات وتصل إلى الحقول والضيعات المنتشرة داخل الجمهورية، فضلا عن المناطق الصناعية... فشوارع عاصمتنا ومثلها شوارع كل الولايات ترزح تحت وطأة قشور البيض المسلوق وعلب السجائر وأعقابها والأكياس البلاستيكية وقوارير المياه المعدنية والغازية وعُلب الجعة وبطاقات شحن الهواتف وحجارة الأرصفة وأكداس الرمال وإشارات المرور المنزوعة من أماكنها... وحتى الأثاث القديم تجده مركونا أمام المنازل، وكل هذه الأوساخ يلقي بها المواطن عن وعي وعن غير وعي على أمل أن يحملها العامل البلدي، غير أن هذا العامل يقوم بعمله بالتقسيط، فإلى يوم الناس هذا لم أصادف عاملا بلديا واحدا يقوم بعمله على وجه الإتقان بما يمليه عليه ضميره المهني بل إن الكثير من جرارات التنظيف ومن العربات المدفوعة تساهم في تلوث الأماكن التي تمر بها. وقد يُعذر العامل البلدي عن هذا التقصير لعدة أسباب لعل أهمها أجره المتدني وإرهاقه المتواصل وقلة الامتيازات التي يتمتع بها وخاصة الحماية من الأمراض وغيرها، لكن هناك ظاهرة خطيرة جدا تكاد تكون أبدية وتقليدا جاري به العمل تتمثل في النظافة الجزئية، تلك التي تخطط لها المجالس البلدية وتنجزها بإتقان مدهش ويمكن لأي مواطن أن يكتشف هذه الظاهرة إبان الاستعداد للاحتفالات والأعياد خاصة منها الوطنية، إذ نلاحظ كيف تتجنّد الدوائر البلدية بعمالها وأدواتها ومسيريها لتنظيف وتلميع وتزيين مدخل مدينة ما سيزورها مسؤول ما أو القيام بحملة نظافة بشارع رئيسي لان مسؤولا آخر سيمر بسيارته من هناك وبعد العيد تترك للإهمال والأوساخ. ومن المفارقات العجيبة أن الأوساخ التي تجمع من الشوارع المحظوظة تُلقى في قلب الشوارع غير المعنية بجولة المسؤولة وتترك هناك أكداس ونُثار أمام المنازل وفوق الأرصفة لكأنها هدية من بلدية المكان بمناسبة الاحتفال الوطني. إن مثل هذه الممارسات والأعمال لا يمكن أن تؤوّل إلا بتأويلين وحيدين، الأول أن النظافة هي حكر على المسؤولين وعلى أماكن إقامتهم وأعمالهم وزياراتهم، والثاني أن المواطن لا قيمة له ولا قيمة لحياته ولا ضرر أن يعيش أبدا وسط المزابل ومع جيوش الحشرات والأمراض البيئية لأجل ساعة من الزمن سيقضيها مسؤول واحد وهو يمر بشارع ما مرة واحدة في السنة. إن تبليط الأرصفة والعناية بالإنارة العمومية وتنظيف كل الشوارع دون استثناء وحماية المساحات الخضراء والحفاظ على جمالية المباني ومداخل المدن حق لكل مواطن دون استثناء مثلما هي واجب عليه، ونحن في الأخير نعيش في وطن واحد وليس في وطنين، واحد نظيف وثان ملوّث ومتسخ، وكل شوارع الجمهورية هي ملك لكل الأقدام التونسية، أقدام العامل والعاملة وأقدام المسؤول والمسؤولة...