بحث هذه المدونة الإلكترونية

2010/06/30

التفويت في قرطاج



بعد أسبوع تقريبا ستنطلق فعاليات الدورة السادسة والأربعين لمهرجان قرطاج الدولي، وستبقى "حركة" إقالة السيد مراد الصقلي، مدير ما قبل أيام للمهرجان، وتعويضه بالسيد بوبكر بن فرج المدير الجديد القديم لقرطاج، ستبقى في حدود الحركة الوزارية.

سنتحسر قليلا على رجل الذي أتى وذهب بجرة قلم، ونبارك رجلا ذهب وأتى في الوقت المناسب بجرة قلم أيضا... وربما سننتظر في الدورة المقبلة للمهرجان نفس الحركة الوزارية ونحن نتفق على اسم الرجل الثابت ونختلف على اسم الرجل المتحول...

وربما ستتوالى الدورات المقبلة ويصير مسلسل الإقالة جزءا من البرنامج الرسمي لهذا المهرجان، مادامت المسألة ليست مسألة برامج وخطط إستراتيجية بقدر ما هي مسألة أسماء ومواقع لا أكثر ولا أقل... إن لم نقل بأنها مسألة مزاجية...

إن التفسير الوحيد والأكثر معقولية، في تقديري، لمَ صار يعرف بــ:"الإقالة الوزارية لمديري مهرجان قرطاج الدولي"(لا نعرف هنا إن كانت إقالة وزارية أم وزيرية) يعود بالأساس لغياب الشفافية والوضوح، وهذا الغياب ينسحب على عدة جوانب أخرى تتعلق بالمهرجان في حد ذاته كالبرنامج الفني النهائي ومستحقات الفنانين المالية وشروط قبول ملفاتهم...

كما أن غياب الشفافية والوضوح في التعامل مع الشأن الثقافي يطال عدة مجالات أخرى نذكر منها خاصة الدعم المالي للأعمال السينمائية والمسرحية واقتناء الكتب وتوزيع الجوائز والتمثيل الثقافي خارج حدود الوطن وغيرها من المسائل ذات الصلة...

ولعل ما يؤكد غياب الشفافية والوضوح في الشأن الثقافي وتحديدا في ما يتعلق بمهرجان قرطاج الدولي هو الرفض غير المبرر لتقديم التفسيرات والتوضيحات اللازمة لوسائل الإعلام من طرف المدير المُقال ومن طرف المدير المُنصب أيضا ، وكأن الأمر صار منة أو"مزية" من طرف هذا المسؤول أو ذاك...

أعتقد أن الحل الجذري لوضع حد لمسلسل الإقالات المفاجأة لمديري مهرجان قرطاج الدولي هو "التفويت" النهائي في هذه الفعالية الثقافية، وإخراجها من أروقة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لتصير مؤسسة مستقلة بذاتها لها مجلس إدارة مستقل ومصالح مختصة واحدة للبرمجة وأخرى للمالية وثالثة للتنظيم اللوجستيكي وغيرها من المصالح المختصة في ابسط التفاصيل التي تساهم في تأمين استمرارية المؤسسة وديمومة نشاطها وازدهارها...

ورغم أن هذا الحل لن يكون في صالح المجموعة الوطنية في مفهومها "النظري" إلا انه سيكون، في تقديري، في صالحها على ارض الواقع، على الأقل سنصير نتعامل مع "مؤسسة قرطاج" بأقل "غيرة" على مهرجان وطني نساهم فيه بأموالنا وكان في ما مضى يمنحنا "نخوة" و"اعتزازا" بانتمائنا لهذه الأرض... وسنصير نتعامل مع مؤسسة اقتصادية ذات توجه ثقافي وساعتها تتوضح لنا المسافة كمستهلكين لا مواطنين مع مؤسسة إنتاج لا يهمها إلا الربح ووحدها تتحمل خسارتها بدلا من التعامل كمواطنين مع وزارة ذات سيادة وطنية... لا تبيع إنتاجا ثقافيا بقدر ما تؤسس لثقافة وطنية.

2010/06/01

نقاوةُ الكُتَّابِ

مثل تلك الحصاة التي تُلقى في بركة مياه راكدة فتحدث دوائر لا حدّ لها من الإتساع وتحرّك المياه الساكنة والآسنة، تشبه فكرة بعث نقابة للكتاب التونسيين التي انبثقت شرارتها منذ أسابيع قليلة... وهي في طورها إلى أن تصبح واقعًا ملموسًا أو "شرا لابد منه"!!

فكرة تشكيل هيكل نقابي هي بالضرورة مدخل منهجي وعملي لتدعيم مسار الكاتب التونسي وتقريبه من طرائق حركة أكثر كفاءة وتوسيع دوائر الوعي العام لديه باتجاه يدفع إلى مستقبل أكثر وضوح بدلاً من مستقبل تضع أطرهُ العامة الظروف أو تتحكم فيه الأهواء والمصادفات وردات الفعل بمعناها السلبي ...

ويشهد تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل على ما أولته قيادته، ولا تزال، من بالغ الاهتمام والعناية بالمبدع التونسي، ويكفي أن نذكر أن الزعيم الخالد الذكر فرحات حشاد كان قد بادر ببعث الفرق الموسيقية والمسرحية والرياضة وفتح المجال واسعا صلب المنظمة الشغيلة منذ ستينيات القرن العشرين للنقاش الفكري ورسم البرامج الاقتصادية والاجتماعية والرؤى الفكرية والمعرفية ...

وإذا ما كانت الممارسة تخلق بيئتها الثقافيّة وسياقها العام فإنّ المتأمل الآن في ما أحدثته فكرة تأسيس نقابة للكتاب من ارتباك صارخ واستنفار قصووي لدى العديد من الممتهنين لحرفة الكتابة يدعو إلى الاستغراب وكأنّ ثورة ما ستحدث بمجرد عقد مؤتمر نقابة الكتاب التونسيين !!!في الوقت الذي يُفترض بالكتّاب أن يستبشروا بهذا الكسب وبهذا الهيكل الذي لن يكون بأي حال من الأحوال في "صدام" مع أي هيكل آخر، أو سيسعى لنسف ما تحقق للكاتب التونسي بقدر ما سيدعم مكاسبه ويطوّرها ولن يستحوذ أو يهيمن أو يقصي أية منظمة أخرى ينضوي تحتها كتاب تونس وكاتباتها، بل بالعكس الاتحاد العام التونسي للشغل يساند كل جمعيّة أو منظمة أو رابطة مستقلة ...

أما هذا الارتباك والاستنفار، فأنّه لا يؤكد إلا على تلك الصورة النمطية والإطار الذي لم يخرج عنه أولئك الممتهنون لحرفة الكتابة، أولئك الذين لا يضعون ممارساتهم إلا في مساحات آمنة لا تمرح خارج ما يمليه عليهم وعيهم الثقافي!! وشروط إقامتهم الدنيا!! مهرولين بعيدًا عن موقعهم الاجتماعي المفترض أن يكونوا فيه، ومنحدرين إلى أسفل المراتب وهم يتسترون على تحوير شكل السيطرة الذي تفرضه المؤسسة القائمة وتبرير ممارستها في الآن ذاته ومساعدتها بالتالي على إخفاء سيطرتها وتكثيف شرعيتها لتأبيد فداحة أخطائها...

هل من معنى واضح وتفسير عقلاني لحالة الكرّ والفرّ ولحركات الشد إلى الخلف التي تأتيها بعض " الكائنات الحبرية " في هذه الآونة لعرقلة مشروع حضاري ومدني؟ !!.

هذه الكائنات التي تحوّلت بقدرة قادر إلى كائنات " حربية " تتصدّى بما أوتيت من "وعود " و " تسويفات " بعدائية مفرطة لنقابة يُفترض أنها أداة لتكريس السلم الاجتماعي الذي طالما كانوا ينادون به ...

كائنات "حربائية" تتلوّن في كل منعطف ولا تُصبغُ على جلدتها إلاّ الألوان الباهتة التي لا تمنحها شرف الانتماء للونها الحقيقي... ولا تملك القدرة والجرأة على أن تكون نقية وتُعلنُ موقفها بشكل مصيري...

إن التاريخ لا يمنحنا في كل يوم فرصة للتحرّر من ذواتنا المرتبكة والخائفة وتعتقنا من ربقة التهميش، كما أن فرص إثبات ذواتنا لا تعترضنا مصادفة في الصالونات والبلاطات، بل نحن من يصنعها ويخلقها من عمق الانكسارات والانهزامات...

فهل كثير على كتّاب تونس وكاتباتها أن يُلقوا حصاة في بركة المياه الراكدة والآسنة ويُطلِّقُوا حالة التدجين والموت البطيء !!!