بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/11/26

جورج عدة... جورج وسوف...

قد يتبادر إلى ذهنك أيها القارئ أنني سأخطّ رسالة إلى صديق ما اسمه جورج فالعنوان الذي تخيّرته لهذه الأسطر يحيل بالفعل على كتابة الرسائل، وسوف أشاطرك التخمين الذي ذهبت إليه وأعتبر ـ معك ـ هذه البطاقة رسالة، غير أنني لن أكتبه لشخص ما اسمه جورج ولكن سأكتبها لك أنت ولكل شاب وشابة تونسية غرّبتهم «الثقافة المترديّة» وسطّحت عقولهم فصاروا يخلطون بين جورج عدة وجورج وسوف!!!«جورج» هو اسم يتردد كثيرا في المجتمعات الانقلوسكسونية لإحالته على الملوكية وشائع في تلك المجتمعات أن من كان اسمه جورج وكلّلت حياته بنجاح ما فإنه يسمّي ابنه «جورج» أيضا ليستمر في النجاح. وبالفعل كثيرون هم الذين تركوا بصماتهم في التاريخ الإنساني ممن حملوا اسم جورج ولكن للأسف الشديد أن اغلب جيل اليوم لا يعرفونهم ولم يسمعوا عنهم قطّ وقد اكتشفت ذلك مؤخرا فبمجرّد أن سمعت بوفاة جورج عدة بمجرّد أن سمعت بوفاته طفقت أرسل رسائل هاتفية والكترونية ـ كالمعتوه ـ إلى الكثير من أصدقائي وصديقاتي، وما لبثت أن أصبت بصدمة اعتبرتها اكبر من صدمة موت جورج... فواحدٌ يجيبني من هو جورج عدة وأخرى تقول لي هل هو حيٌّ وثالث هاتفني بصوته وقال لي بالحرف الواحد: «يا رجل لقد أفزعتني واعتقدت أن جورج وسوف هو الذي مات!!!».هو ذات الجيل الصاعد... الجيل الذي سيبني ويعلي... الجيل الذي لا يلبس إلا الماركة الشهيرة «جورج آرمني» وينتظر آخر تقليعات مصمّم الأزياء جورج شقرا ويتابع لمسات اللاّعب جورج وياه ويشاهد أعمال النجم الأمريكي جورج كولوني ويرتعب خوفا على صحة جورج وسوف ويفضّله هو وجورج الرّاسي في الغناء... الجيل الذي لا يفوّت حلقة واحدة من برنامج جورج قرداحي... انّه الجيل الذي يثق تمام الوثوق في مشروع جورج بوش لتحرير العراق وفلسطين وكامل المنطقة... هو ذا الجيل العظيم الذي يسمونه «شباب تونس» و»شباب القرن الواحد والعشرين»!!!إنّه عينه وذاته الشباب الذي لا يعرف جورج حبش ولا جورج حاوي ولا جورج باطاي ولا جورج قالووي ولا جورج طرابيشي ولا جورج عدّة ولا جورج لوكاتش ولا جورج برناردشو ولا جورج بيزيه ولا جورج أوريل أو حتى جورج مايكل...عزيزي جورج... عزيزي القارئ... ليست هذه جرسالة مضمونة الوصول لشخص بعينه وإنما هي زفرةٌ عابرة على ورق عابر في يوم عابر من أسبوع عابر في حياة عابرة هي حياة شباب تونس وشباب القرن الحادي والعشرين... ولست أغالي أبدا فالمعرفة هي المحرار الوحيد لمعرفة صدق الرهان على جيل ما

2008/11/25

غشاوة أوباما

كان لفوز مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة مفعول سحري على المهتمين بالشأن السياسي وغير المهتمين على حدّ السواء... وكان لنا نحن العرب النصيب الاوفر في الوقوع تحت سطوة نجاح الرئيس الجديد للولايات المتحدة الامريكية ولئن اشرت في مقالة سابقة بأننا سنصير نقوّم تاريخنا العربي بما قبل وما بعد باراك أوباما كما المسيح يقومون بما قبل وما بعد ولادة المسيح وكما المسلمين بما قبل وما بعد هجرة محمد، فإنيّ في هذه السطور سأشير الى أن فوز أوباما قد حجب على أعين العالم ضرورة محاكمة الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الامريكية جورج دابليو بوش... ولا أخالني الوحيد الذي انتبه لهذه المسألة...
فمنذ ان انطلقت الحملة الانتخابية لأوباما والعالم يرصد حظوظ فوزه من عدمه، وكل طرف يستعرض مهاراته في اصباغ الرجل بهالة اسطورية او العكس، فهذه وسائل الاعلام تتنافس من أجل تقديم كل ما تعلق بسيرة حياة أوباما، وهؤلاء محللون سياسيون يٌعلون من شأن الرجل في مسار السلام العالمي وآخرون يعتبرونه حلقة جديدة في مسار الامبريالية، والعديد من رؤساء الدول أبرقوا بتهانيه لاوباما ليلة تسلّم مفاتيح البيت الابيض... وتلك شركات بدأت تنتج وتصنع منتوجات عليها صور الرئيس الجديد...
الكل بات يدور في فلك باراك اوباما... وفي فلك الديمقراطيين وعصاهم السحرية التي ستُنقذ امريكا من أزمتها المالية والعالم من تاريخه الحربي والدموي...جورج بوش الذي صيّر الارض كرة من الرعب وصيّر منبسطها كما مرتفعها جحرا لما أسماه «ارهابا» وصيّر جنوده وجنود اذياله كالجرذان تنبش الجبال والمغاور بحثا عن الارهابيين وجعل كل نقطة في العالم على كف عفريت رعبا من أنفه المعدّل على رائحة النفط، بوش هذا لم يلتفت أحدٌ لجرائمه، لعبثه، ولم يُشر أحدٌ الى ضرورة مقاضاته ومحاكمته مثلما حاكم هو آلاف الأبرار وقاضى رؤساء دول (صدام حسين والرئيس السوداني).. بل إن جورج بوش استطاع ببشاعته ان يؤسس تيارا فلسفيا كاملا يقوم على دولة بوش المارقة... جورج بوش الذي دمّر العراق و»نحر» رئيسها كأضحى العيد... وهدّد ايران وسوريا وأذلّ الخليج بكامله وخرّب افغانستان... عجن أحلام الشباب خلف قضبان أبو غريب وغوانتنامو... سمّم ياسر عرفات ولم يتخلّ أبدا عن معاضدة الكيان الصهيوني في جرائمه ضد الفلسطينيين وضد اللبانيين... جور بوش الذي انتهك حقوق الانسان وخرق القوانين الدولية ومواثيق الامم المتحدة اكدّ بما لا يدع للشك ان السمة الرئيسيّة للنظام الامبريالي أن الذات هي صرّة العالم، ونجح بشكل قاطع وحاسم في جعل امريكا صرّة العالم وجعل الجمهوريين صرّة أمريكا وطبعا بوش صرّة الجمهوريين...أعتقد أن اليوم، على كل المنظمات المدنية والجمعيات الحقوقية وعلى الحقوقيين والاحرار أن يلتقوا على ضرورة محاكمة جورج دابليو بوش وادارته ومعاقبته بما يلائم ما أحدثه من خراب وفوضى في العالم...بل إن على الامريكان شعبا وحكومة جديدة ان تنصب محكمة وطنية تنظر فيما ألحقه الرئيس الاسبق من أضرار مادية (الازمة المالية الحالية وارتفاع عدد المعطلين عن العمل وتضاعف نسبة الفقر والمديونية) ومعنوية (تشويه صورة الشعب الامريكي) وعليهم ان ينزلوا به العقاب العادل برجل غير عادل قبل ان يتعلّقوا بأوباما... علينا نحن العرب ان نطالب بمقاضاة بوش لما اقترفه في حق شعوبنا وحكوماتنا... قبل ان نبدأ بالتسبيح بحمد باراك أوباما...على باراك أوباما ان يطوي صفحة جورج بوش بالشكل المناسب الذي يمكّنه من دخول التاريخ كرجل تغيير فعلا لا قولا..

2008/11/18

وجوه الربيعي


«هزمتك يا موت الفنون جميعها... هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين» جملة شعرية ـ بمثابة الحكمة الكونية ـ رتق بها الشاعر الفلسطيني محمود درويش ثقوب الذاكرة الفلسطينية المنذورة لطوفان الموت والإماتة في مجموعته/القصيدة «جدارية»، وها هو الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي يُطرز عبارته السردية أمام ندوب الذاكرة العراقية ـ الجنوبية ـ ضمن مجموعته القصصية الحديثة التي وسمها بـ: «وجوه مرت» وأصدرها عن در الفرقد السورية في شهر ماي.2008«وجوه مرت» أشبه بدرع لغوي تمترس خلفه الكاتب عبد الرحمان مجيد الربيعي لينقّي لقارئه من بين «القنابل العنقودية» عنقودا بشريا من أهل العراق طوّق رقبة الموت حتى أفناه وركب جناح الخلود...«حسين مردان» (أبو علي) ذاك الوجودي بالفطرة وجهه مرّ إلى حجب القبر ورسخت دكتاتوريته مع الأدباء «المجربعين»، «خيون راشد» ذي القامة القصيرة والكرش الممتلئة أفنى الموت إدارته المهابة وفشل في حجب «سوانحه» على مجلة «الهاتف» و «الأديب» وجريدة «الأهالي»... «كوزان» بطل القصة الثالثة في مجموعة الربيعي مات هو الآخر ومات معه اسمه الحقيقي المسجل بإدارة الحالة المدنية ومع ذلك خلدت جمله الدعائية لأفلام «الطاق طيق والجيق ميق» وظلت حركاته القردية اكبر من الموت والنسيان... «مدلول» ذهبت أعضاؤه الى دود الأرض وظلت جملة «مدلول يده... باس المخدة» تذكر بمجنون شيما رغم صواريخ «التوماهوك»... «حامد جمعة» أتلف الموت المائة والثلاثين كيلوغراما التي كان يزنها وظلت قصائده حديث مقهى الزهاوي وعارف آغا ولا أخال من يرفع كأس العَرَق إلى شفتيه ـ مِن مَن عرفه ـ إلا وانتظر الوحي الشعري...«خالد الحداد» «جابر الخطاب»، «عبد الكريم الفياض»، «عفّون»، «محسن ريسان» هم بقية الوجوه التي مرت بذاكرة عبد الرحمان مجيد الربيعي ورسخت سيرهم، ولئن غيّر الكاتب بعض أسماء وجوهه، مثلما أشار إلى ذلك ضمن مدخل المجموعة القصصية، إلا انه «صاغ سير تلك الوجوه ضمن مناخ عراقي واحد فكانت مجموعة بورتريهات نادرة التكرار نظرا لفرادتها» وهذه البورتريهات ـ المهمشة والمنسية ـ في تقديري ـ ما هي إلا جزء ضئيل من رواق متحف كبير اسمه العراق... وجوه من بلاد ليست أشبه بمشكاة فنون وإنما هي الفنون ذاتها التي هزمت وتهزم إلى اليوم فنون الموت وأشكال الإماتة...قبل أن أكتب إن سبب رهبتي من تقديم هذا المتن القصصي إبان صدوره وحصولي على نسخة منه، وهو أن «وجوه مرت» من أروع ما قرأت ـ متنا وشكلا ـ أود أن أشير إلى أن مجموعة عبد الرحمان مجيد الربيعي حققت فعلها الخطابي لان دعامتها التواصلية استفادت وتغذت من رغبة حقيقية في التواصل فأصابت المرسل إليه... أصابتني أنا القارئ وأصابت قبلي الموت وهي تثقب رداءه الأسود...

2008/11/08

التقويم الأوبامي


يبدو أننا نحن العرب مجبولون على التعلق برقاب غير تلك التي تحمل رؤوسنا، ومنذورون للتأرجح كربطات العنق على صدور غير صدورنا ومصابون بالانزياح العاطفي لغيرنا...
نقبع في اماكننا مقرفصين أو متكئين أو واقفين ننتظر ان يحصل أمر ما خارج ارضنا لنتعلق به ونبني عليه ما تيسر من الأحلام والآمال ونسند عليه خسارات أيامنا ونكبات أرضنا... ننتظر ونبني ونحلم ولا نجني مع الزمن الا الانكسارات والخيبة تلو الأخرى ونظل نسبح في الاحباطات وفي القلب تعاود بذرة الاتكاء على الآخر تسامقها ونموها... ولا نتوب ولا نتعلم الدرس...
ذهب جورج بوش وجاء باراك حسين أوباما... خسر الجمهوريون الانتخابات أمام ديمقراطية الديمقراطيين... وبدأنا نحن العرب نرصف الأحلام والآمال ونعلي من شأن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية ليعم على يديه السلام وتنتهي بلباقته الحروب في أرضنا العربية وفي غير الأرض العربية...
باراك أوباما المشغول بسياسات التأمين على المرض والصحة والتعليم والبطالة داخل الولايات المتحدة الامريكة، أو باراك – حسين – أوباما كما يحلو للعرب وحدهم أن ينادونه ويسمونه وكانهم يتبركون باسم حسين ويعلنون عن صلة الرحم والقرابة بينهم وبين الرجل، يبقى بالأخير رقما في منطق اللوبيات المتحكمة في الولايات المتحدة الامريكية والعالم برمته، اللوبيات السياسية والعرقية والاثنية والاقتصادية والثقافية...
أوباما قد يحدث تغييرات جوهرية داخل بلاده، وهذا امر وارد جدا زمنطقي جدا لم يتمتع به الرجل من كاريزما ومن اصرار على فكرة التغيير ويكفي أن نذكر شعار حملته الانتخابية نعم نستطيع yes we can ، نعم يستطيع باراك أوباما ان يحدث نمطا جديدا في نظام حياة الامريكان، ولكن، في نطاق السياسة الخارجية فان الرجل لن يحيد عن مسار سابقيه بخصوص الملفات الملتهبة في العالم كالحرب على العراق وتهديد سوريا وايران والتحالفات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني... ومهادنة الدب الروسي ومسايرة التنين الصيني...
أوباما لا يمثل السياسة الامريكية كما أن السياسة الامريكية لا تقف على رجل واحد أو على مدة نيابية واحدة... سياسة أمريكا تعتمد على استراتيجية الرجل الابيض المعني بتخليص الكرة الارضية من سواه، الرجل الاسود، المتخلف، العربي، الاسلامي، الارهابي... كل هذه التصنيفات يضعها الأمريكان في خانة الزوائد التي يجب أن تكف عن الحياة فوق هذه الارض لتستمر نجاحات الرجل الابيض واحتفاءه بالأرض والسماء... فباراك أوباما لا يمكن أن يكون معزولا عن فلسفة فرانسيس فوكوياما...
سافترض أن اوباما سيقوم بتغييرات ايجابية في مسار السلام العالمي... سيلتفت لنا نحن الزوائد... سينظر في ملف العراق وفلسطين وايران وسوريا وحزب الله وأزمة المياه... والبطالة ... وسنطير نحن بالفرح ونصير نأرخ لتاريخنا بالتقويم الأوبامي أي ما قبل وما بعد باراك أوباما، كما المسيح يقومون تاريخهم بما قبل وما بعد ولادة المسيح، والمسلمون بما قبل وما بعد هجرة محمد...

2008/11/04

حوار مع بطل فيلم "ملح هذا البحر" الفلسطيني صالح البكري


* تحصلت على التانيت الذهبي في مطار قرطاج الدولى

الفلسطيني الذي لا يقاوم عليه أن ينتحر لأن حياته كالموت تماما


الممثل الشاب صالح بكري هو ابن الممثل القدير محمد البكري، تقمص دور البطولة في فيلم "ملح هذا البحر" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر. هذا الفيلم الذي نال في اختتام الدورة 22 لايام قرطاج السينمائية جائزة المرحومة رندة الشهال يروي بطريقة مختلفة اصرار الفلسطيني على حق العودة الى أرضه المستلبة...

*كيف يقدم الممثل صالح البكري نفسه للقارئ التونسي؟
* فيلمي هذا مع آن ماري جاسر هو فيلمي الثاني وهو بعنوان "ملح هذا البحر" وهو فيلم واقعي. يحكي عن واقعنا وعن ماساتنا كفلسطينيين. كما أشارك في هذه الدورة بفيلم ثان بدور صغير للمخرج الفلسطيني رشيد مشهرواي، ومع والدي أيضا محمد بكري والفيلم بعنوان "عيد ميلاد ليلى". كما سبق لي وان مثلت على خشبة المسرح ومن بين مشاركاتي المسرحية تمثيلي في مسرحية جنون لجليلة بكار حيث قمنا بإعدادها بلهجتنا المحلية وقد لعبت دور "نون" (الدور قام به في العمل الأصلي الممثل محمد علي بن جمعة). وقد حققت المسرحية نجاحا كبيرا في بلدنا وخاصة في يافا وفي حيفا وفي رام الله وفي الضفة، وفي غزة لم نعرضها لأننا ممنوعون من العرض هناك.
* باعتبارك بطل فيلم "ملح هذا البحر" كيف تمت عملية اختيارك للعب دور البطولة من قبل آن ماري جاسر؟
* حسب ما حكت لي المخرجة فان اختيارها لي لبطولة فيلمها "ملح هذا البحر" هو مسحة الحزن البادية في عيني "عماد" الاسم الذي لعبت به دور البطولة.
* هل يعني هذا أن الفيلم يدخل في خانة الميلودراما؟
* ربما. ولكن السمة الرئيسة للفيلم والخانة التي يمكن أن أصنفها ضمنه هو أنه فيلم حياة أي فيلم واقعي، وكل ما شاهده المتفرجون نعيشه يوميا في فلسطين، ولذلك أيضا ربما يمكن تصنيف هذا العمل في جانب منه إلى عمل توثيقي لدرجة أني لم شاهدت الفيلم أحسست باني لم أقدم عملا سينمائيا وإنما عشت ما أعيشه يوميا في بلدي وما يعيشه كل فلسطيني في الداخل والخارج على حد السواء. لم اشعر أن هذا الفيلم عمل معزول عني ولم أتعامل معه بحرفية بقدر ما تعاملت معه بسجيتي وعلى سريرتي. الفيلم هو جزء من واقعي ومن وجودي.
* هل يمكن أن نصنف الفيلم في إطار الثقافة المقاومة ؟
* وهل تعتقد أن هناك فيلم ما أنتجه فلسطيني لا يدخل في فعل المقاومة؟ بالطبع هذا الفيلم هو فعل ثقافي مقاوم لكل أشكال الاستعمار والانتهاك السافر لحرمة بلدي وشعبي ومصير دولتنا. كل إنسان في الأرض الفلسطينية وفي ارض ما يسمى دولة "إسرائيل" واع بأنه مجبور على أن يكون نفسا مقاوما لأن طبيعة حياته ووجوده تفترض أن يكون مقاوما، نحن لم نختر أن نكون كذلك بل الكيان الصهيوني هو الذي أجبرنا بممارساته على فعل المقاومة. الفلسطيني الذي لا يقاوم عليه ان ينتحر لأن حياته كالموت تماما. من لا يقاوم مغتصبه هو يحيا حياة الأموات.
* ولكنك في الفيلم قمت بدور الفلسطيني الهارب من وجه فلسطين. كنت مهووسا في الفيلم بالسفر إلى كندا وعدم العودة إلى رام الله لولا قصة الحب التي عشتها مع البطلة؟
* صحيح كنت مهووسا بالخروج من فلسطين والسفر إلى كندا أو أي مكان من العالم. هذا دوري في الفيلم إلى أن التقيت "ثريا" البطلة وقصة الحب التي عشتها معها هي في جوهرها قصة حب الأرض الفلسطينية فهي قد عادت من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل يافا وأنا عدت من هوسي بالسفر إلى كندا إلى رام الله...
شخصية "عماد" التي شاهدناها في الفيلم تنزع إلى هروب ولكن ليس بالمفهوم الذي نعرفه عن الهروب. يمكن أن نسميه الهروب إلى الداخل... الهروب إلى الأعماق... الهروب إلى كل ما افتقده والى كل ما انتزع منه عنوة. هروب البطل في الفيلم هو هروب من السجن ومن الحصار الذي وجد فيه وهو ليس هروب خوف. كان يرغب أن يعيش بأمان ومن دون صوت بنادق ولا حواجز تفتيش. "عماد" لم يستطع أن يصل إلى البحر مدة 17 سنة بالرغم أن البحر بجانبه ومع ذلك لم يصله بسبب الصهاينة... فخروجه وتوقه للسفر هو في حد ذاته فعل مقاومة ومحاولة لكسر الحواجز. وأنا أتفهم رغبة عماد وأعرف ما معني أن يكون البحر حذوك على بعد كيلومترات ولا تستطيع أن تتمشى على شاطئه.
أنا عمري 32 سنة ومنذ أن كان عمري 18 سنة تقريبا بدأت أفكر يوميا بالخروج من فلسطين وكل مرة أخرج فيها من فلسطين أفشل في مقاومة حنيني إلى العودة إليها ولم أكن اعرف آكل ولا أضحك ولا حتى أعيش حياة طبيعية خارج فلسطين. عشت في باريس وفي فيانا وعدة أماكن أخرى ومع ذلك أعود دائما إلى رام الله... إلى ارضي وأكلي وأصدقائي والى صوت طلق النار...
* الفكرة الأساسية لهذا الفيلم هو مفهوم العودة بين الحق والواجب وكذلك طرح شكل العودة ؟
* بالفعل كل الفيلم يحكي عن العودة ... العودة كواجب والعودة كحق، ومسألة العودة صارت الآن تطرح بشكل جدي ودائم لكن المحاولات الصهيونية متعددة لضرب حقنا كفلسطينيين في العودة إلى أرضنا. أنا شخصيا لا أؤمن بفكرة ما يسمى الدولتين . بالنسبة لي منذ 1948 قام هذا الكيان ببتر أطرافي واحترف تشريدنا وتهجيرنا لذلك من حقي ومن واجبي وبأي شكل كان سلمي أو عنيف علي وعلى كل لاجئ أو مهجر أن ينام ويفيق على حق العودة. بالعودة والمقاومة يمكننا أن نسترد أرضنا كاملة ونبني دولتنا كما نشاء.
* بدا لبعض المشاهدين أن الفيلم مستمد من قصة غسان كنفاني "عائد الى حيفا" هل هذا صحيح؟
* أحداث الفيلم تتمحور حول العودة الي يافا ودعني اقل لك أن الفيلم ليس مستمدا من قصة غسان كنفاني فقط بل من كل من كتب وصور وغنى وأطلق رصاصة لأجل حق العودة. وعلى فكرة عنوان الفيلم "ملح هذا البحر" هو مستمد من أحد قصائد الشاعر الراحل محمود درويش. والفيلم بالأخير أهدته المخرجة آن ماري جاسر إلى النكبة والى مذبحة الدوايمة التي هي مدينة "عماد".
* كيف كانت ظروف التصوير خاصة في المناطق "الإسرائيلية"؟
* ظروف التصوير كانت متميزة وجيدة جدا في كل المشاهد التي قمنا بها في رام الله فالطاقم كله ساعدنا وكذلك المواطنون والسلطات الفلسطينية كلهم ساعدونا في تصوير المشاهد، ولكن منذ أن اتجهنا إلى يافا، إلى إسرائيل أولا الطاقم التقني الفلسطيني منع من الدخول ولذلك اضطررنا أن نغير الطاقم التقني وهناك بعض التقنيين الفلسطينيين الذين تسربوا خلسة إلى يافا لمواصلة التصوير معنا مثلما فعلنا نحن في الفيلم وفي كيفية دخولنا عبر البوابات الإسرائيلية . وكل المشاهد المصورة فيما يسمى دولة إسرائيل هي مشاهد مصورة خلسة. ولو عرف الكيان الصهيوني بهذا الفيلم لما تم انجازه. ولعلمك المخرجة آن ماري جاسر ممنوعة الآن من الدخول إلى فلسطين وهي تعيش الآن بعمان وبيتها برام الله مغلق وهذا طبعا بسبب الفيلم. والعديد من المشاهد التي تابعها الجمهور حصلت لنا مع الجنود الإسرائيليين ومثلا تلك اللقطة التي نزعت فيها بنطلوني وبقيت عاريا هي حقيقية وليست تمثيلية لأنها لم تكن في السيناريو.
* كيف تنظر للسينما الفلسطينية الشابة خاصة أنك مثلت دور البطولة والمخرجة أيضا شابة ؟
* في الحقيقة نحن كجيل جديد في السينما الفلسطينية مازلنا نتحسس طريقنا ومازلنا نبحث عن ذواتنا وعن الطاقات الكامنة فينا. صحيح أن لنا إرثا إبداعيا مهما تركه لنا المبدعون الكبار ولكن نحن كشباب نريد أن نبني إبداعنا ونصنع واقعنا الذي نعيشه وفقا لمقوماته المتغيرة. مثلا جيل اليوم اغلبه أو لنقل النسبة الأكبر منه تؤمن بالدولة الواحد ولا تعترف بفكرة تعايش دولتين جنبا إلى جنب، وهذا في حد ذاته مختلف ومغاير . أيضا يتجلى الاختلاف في النسبة الكبيرة للشباب الذين يتجهون إلى السينما والى المسرح والفن التشكيلي.
* كيف تفسر المقولة التي تعتبر أن المبدع الفلسطيني دائما يدفع ضريبة انتمائه من خلال قضية شعبه وأرضه؟
* الثابت أن القضية الفلسطينة مثلت وما تزال تمثل العمود الفقري وجوهر كل الإبداعات الفلسطينية : المسرح والسينما والشعر والأدب والرقص والغناء .... وهذا قدرنا وربما من زاوية أخرى أقول لك أن القضية الفلسطينية في حد ذاتها قد تمثل عبء على المبدع ولكن القضية بالمفهوم الشامل هي جوهر الإبداع. أنا مثلا وغيري كثيرون نرغب في التعبير عن مسائل وجودية وعن مسائل فلسفية ولكن لا يمكنني أن أتجاوز مسائل الاستعمار والاستيطان والقتل والتشريد على الأقل كمرحلة من تاريخ شعبي ومن تاريخ أرضي ولكن هذا لا ينفي أن الكثير من الإعمال الإبداعية توفقت في التحرر بالفن من أجل الفن وهذا طبعا ساهمت وتساهم فيه العديد من المتغيرات وخاصة منها السياسية بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون...
* لننهي هذا الحوار الخاطف بحظوظ فيلم "ملح هذا البحر" في الفوز بتانيت ضمن هذه الدورة 22 لأيام قرطاج السينمائية؟
* أصدقني القول إن قلت لك أن التانيت الذهبي قد حصلت عليه شخصيا منذ وطأت قدماي مطار تونس قرطاج الدولي... صدقني بالنسبة لي التانيت أو الجائزة هي أن أرى دولة ترفع الإنسان فوق جواز السفر... ترفعه فوق الوثائق والأوراق الرسمية التافهة... ثم أنا أول مرة أشارك بأيام قرطاج السينمائية وهذا في حد ذاته جائزة .