بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/08/23

معرض الكتاب والناشر التونسي والجهل القديم الجديد

أصدرت وزارة الثقافة بلاغا تعلم فيه الناشرين والموزعين والمكتبيين أن الدورة 29 لمعرض تونس الدولي للكتاب ستلتئم هذه السنة من 02 إلى 11 نوفمبر 2012 بقصر المعارض بالكرم. ومعرض تونس الدولي للكتاب هو حدث يوفّر مساحة محترمة من الديناميكية والحركيّة الثقافية مدّة أيامه العشرة. فبقدوم المعرض الدولي للكتاب يتذكّر التونسي أنه طلّق الكتاب والقراءة وتدحرج إلى أسفل السافلين في أقانيم البيولوجيا الزائلة، وحاصرته "كتب" السحر والشعوذة والطبخ والتجميل والتطبيب البدائي... ويسارع عدد غير قليل من الطلبة والمثقفين والكُتّاب لفكّ أسلاك الحصار المعرفي ورأْب صدْع الهجران الفكري فيلوذون بأروقة قصر المعارض بالكرم وأجنحته المحلقة بالكتب، ليُنقذوا أدمغتهم من مستنقع الجهل ويُفطرون عن إمساكهم المعرفي... معرض الكتاب، يهدف إلى الإسهام في النّهوض بقطاع الكتاب بوصفه أداة رئيسية لنشر المعرفة وتداولها، وإتاحة الفرصة للجمهور الواسع للتعرّف على مستجدّات الإنتاج الفكريّ والأدبيّ والعلميّ والفنّي تونسيّا وعالميّا، والعمل على إشاعة الرغبة في القراءة وممارسة المطالعة، وتنشيط الحوار حول قضايا الفكر والأدب والثقافة انطلاقا من الكتاب، كما يهدف إلى توفير الظّروف الملائمة لتنشيط الشراكة بين المهنيين في قطاع الكتاب بتونس والخارج. هذا الهدف الأخير، أي توفير الظّروف الملائمة... هو الذي يعنيني ضمن هذه البطاقة، خاصة من ناحية الظروف المادية التي توفرها إدارة المعرض للناشرين والعارضين والمكتبيين المشاركين، وتحديدا التونسيين، وتخصيصا للناشرين التونسيين الجدد، أو الشبان إن شئتم. فهؤلاء تعاملهم إدارة المعرض، من الناحية المادية، مثلهم مثل أي ناشر يأتي من خارج الحدود أولا، وتُعامل ـ ماديا ـ مثلا ناشر تونسي عمر دار نشره لا يتجاوز الخمس سنوات (دار المعرفة الجذلى، منشورات وليدوف، دار ورقة للنشر، دار انانا للنشر والتوزيع، دار مسكلياني، منشورات كارم الشريف...) مثله مثل دار الآداب أو دار رياض الريس أو دار الجمل أو دار المدى أو الدور الأوروبية... فالنظام الداخلي للمعرض ينص فصله السادس على وجوبية دفع 80 بالمائة من الرسوم التقديرية المستوجبة على كل من تحصل على الموافقة المبدئية في المعرض، كما أن استمارة المشاركة في المعرض المفصلة للرسومات لا تستثني الناشر أو العارض التونسي ولا تمنحه خصما أو تخفيضا، ولا تقدم له حتى إمكانية السداد بسعر تفاضلي، بل هو مثله مثل غيره من الناشرين عليه أن يدفع 100 دينار لاكتراء 12 متر مربع، وكرسي بـ13 دينار ومكتب بـ 26 دينار ومطورات زجاجية بـ33 دينار وغيرها من التجهيزات التي يحتاجها العارض...(هذه الارقام مأخوذة من الموقع الرسمي لمعرض الكتاب). لن أتحدث عن ضرورة التشجيع والمساندة والدعم، ولكن أعتقد، وهذا رأي يلزمني، أن من حق الناشر التونسي (بمن فيهم من أصابتهم لوثة التجارة بالمعرفة وهم كُثرٌ) أعتقد أن من حقههم أن يُعفوا تماما من أية رسوم. نعم يجب أن يُعفى تماما كل ناشر تونسي من أي فلس قد يُثقل عليه، خاصة وأننا نعلم جيدا الظروف التي يعمل فيها الناشرون التونسيون، وتحديدا الجدد منهم. وأيضا لئلا ننعت النظام الداخلي لمعرض الكتاب بالتناقض عندما نطالع الهدف الأول لتنظيمه الذي يحرص على "الإسهام في النّهوض بقطاع الكتاب بوصفه أداة رئيسية لنشر المعرفة وتداولها"... ولا أعتقد أن السيد المهدي مبروك وزير الثقافة، الذي اجتمع مؤخرا مع أعضاء من نقابة كتاب تونس ومن اتحاد الناشرين ورابطة الكتاب الأحرار واتحاد الكتاب التونسيين ونقابة الكتبيين وممثلين عن الموزعين، لا أعتقد انه سيتجاوز مثل هذه النقاط التي من شأنها أن تدفع بالناشر التونسي ليضع قدمه في عالم الورق وهو ما سينعكس إيجابا على نسبة القراءة والقراء في تونس التي نحن اليوم بحاجة ملحة لها لرفع أكوام الجهل القديمة والجديدة الوافدة علينا من المغاور المظلمة ومن عقود الانحطاط والتخلف...

2012/08/21

من "صفر فاصل" إلى "خمسين فاصل"

ربما من بين أهم النتائج التي أفرزتها التجربة الانتخابية التي عشناها بعد الإطاحة بالدكتاتورية السابقة، حالة التشتت والانقسام التي أصابت مختلف الأطياف السياسية ذات الأفق التقدمي والتنويري، بل يمكن تسميتها نتيجة النتيجة، فلولا التشتت بين مختلف الأحزاب والتيارات والعائلات الايديولجية المشتركة في حد أدنى من الديمقراطية لما كانت النتائج بتلك الشاكلة، وربما تلك النتيجة هي التي جعلت القوى الديمقراطية والتيارات اليسارية التونسية تسعى لبناء "جبهة سياسية مفتوحة" عساها تفلح في وضع حد لحالة التشرذم التي تشقها ومواجهة نزعة التيار اليميني لاحتكار الحياة السياسية. وحالة تشتت اليسار التونسي‮ ‬بمختلف فصائله وأحزابه وتياراته هي‮ ‬حالة تاريخية بامتياز،‮ ‬فرغم أن اليسار التونسي‮ ‬لم‮ ‬يجلس في‮ ‬الجهة اليسرى للبرلمان بصفته كتلة موحدة منذ نشأة المؤسسة البرلمانية في‮ ‬تونس فهو لم‮ ‬يلتق خارجها أيضا كتلةً‮ ‬موحّدةً‮ ‬ذات هدف مشترك وان برزت بعض التحالفات في‮ ‬السبعينات والثمانينات فهي‮ ‬لم تفلح في‮ ‬رفع أوتاد خيمة تتسع لجميع فصائل اليسار التونسي‮ ‬من ماركسيّين لينينيّين وماويّين وتروتسكيّين وغرامشيّين على ما أظن‮... ‬وهذا‮ ‬يبدو أمرا طبيعيا ومفهوما ذلك أن تاريخ تونس الحديث لم‮ ‬يفرز منعرجا حاسما من شأنه أن‮ ‬يمنح المدرسة اليسارية باشتراكييها وشيوعييها فرصة الالتقاء على أرضية صلبة‮... ‬فهذا القطب الإيديولوجي‮ ‬والسياسي‮ ‬لم‮ ‬ينتظم‮ ‬يوما في‮ ‬جهاز واحد ولم‮ ‬يجمعه نظام قيمي‮ ‬واضح، وبالطبع تفرقت وجهات منتسبيه من مقر إلى آخر وتوزعوا بين النشاط العلني‮ ‬في‮ ‬الأحزاب المعترف بها أو النشاط السري‮ ‬لمن لم‮ ‬يحصُل على تأشيرة نشاط‮... في هذا الإطار تم الإعلان مؤخرا عن تشكيل جبهة شعبية ضمت 12 حزبا يساريا وشخصيات مستقلة، تشكلت "بديلا عن الاستقطاب المغشوش بين الائتلاف الحاكم والفصائل الليبرالية التي تدعي بحكم تواجدها خارج السلطة كونها تمثل بديلا عن حكومة الترويكا". وهي جبهة تهدف إلى "تحقيق أهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية في شكلها الشعبي وليست الديمقراطية الليبرالية التي لا تخدم، كما كانت دوما، غير البورجوازية ورجال الأعمال والمتنفذين مالا وجاها وتحقيق المساواة والعدالة الثورية في جميع مستوياتها سواء بين المرأة والرجل أو بين الفئات الشعبية وبين الجهات". خاصة أن التونسيين "لم يجنوا من ثورتهم سوى مزيد من التفقير والتهميش والاستبلاه والتسويف". لا يختلف تونسيان في أن التجربة السياسيّة في تونس كانت مشوّهة ومشلولة لأسباب يعلمها القاصي والداني ويمكن أن نُجملها في دكتاتورية الحكم في "جمهورية" ما بعد الاستقلال بنسختيها البورقيبيّة والنوفمبريّة... والتجربة السياسية موصولة حتمًا بالوعي السياسي، هذا الذي انحسر طيلة نصف قرن فيما يُعرف بالطبقة السياسية في مختلف تلويناتها وخطوطها، بمعارضتها وموالاتها، وهو ما ساهم في غلق قنوات التواصل بين "الطبقة السياسيّة" والقواعد الجماهيرية المعنية بالشأن العام فظلت تلك الجماهير طيلة حكم بورقيبة وبن علي "بضاعة مٌعلَّبة" تُباع وتُشترى زمن "المسرحيات الانتخابية" السابقة... ورغم عدم التخلّي عن سياسة القطيعة بين ما اصطلح عليه بالنخبة وبين الشعب، ورغم تعدّد المؤشرات السلبيّة والسالبة لمواطنة المواطن، فإنّ التجربة السياسية التي سيُقدم عليها الشعب التونسي من خلال المشاركة في ثاني انتخاب بعد الإطاحة بالنظام النوفمبري تحمل في عمقها عديد المؤشرات الممكنة للقطع مع سياسة الوصاية والاستحواذ على إدارة الشأن العام... ويكفي اليوم أن يجلس كل مواطن إلى نفسه ويسأل كيف سأختار من يمثلني ولماذا؟ هذا طبعًا بعد أن يكون قد آمن بأن صوتًا واحدًا من شأنه أن يحدّد وجهة هذا الوطن والكف عن الاستخفاف بقيمة الصوت الواحد... وبالتالي بقيمته إنسانا أولا ومواطنا ثانيا.... وهي الدرجة الأولى للدخول في التجربة السياسيّة... بوعي بسيط، ولكنَّه عملي في مرحلتنا الراهنة... إن هذه الجبهة وغيرها من الجبهات المتأصلة في الديمقراطية والمؤمنة فعلا بالعدالة الاجتماعية والحريات قد تأتي ثمارها على عكس التحالفات الظرفية التي تشكلت قبل الانتخابات (مثل القطب الديمقراطي الحداثي، الائتلاف الديمقراطي المستقل، ائتلاف 23 أكتوبر، تحالف الأربعة) واتسمت في مجملها بنزعتها البراغماتية المتمثلة في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، في حين أن التحالفات الجديدة تبدو تحالفات إستراتيجية ذات عمق سياسي ورؤية بعيدة المدى تعلي المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الحزبية وتنأى عن التقسيمات العددية البائسة التي ابتدعتها حركة النهضة من قبيل "جماعة صفر فاصل" وهي التي تذكرنا بمصطلحات النظام النوفمبري من قبيل "الشرذمة الضالة".

2012/08/09

مصطفى بن جعفر في بيت الطاعة

بعد أن انخرط رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر مع جماعة "سيف الحق على من لا يرى الحق" واستبسل في "قرع" مطرقته في وجه "الكفار والملحدين والعلمانيين" من نواب المجلس الوطني التأسيسي ونائباته، ها هو يترك "رأسه" خارجا ويدخل خاشعا، صاغرا، حاني الظهر، مطأطئ الرأس قبة المجلس... ففي انسجام تام مع التهافت السلطوي، يدخل رئيس المجلس الوطني التأسيسي مطمئنا إلى بيت الطاعة، محاطا بنائبات ونواب حركة النهضة، يدخل متأبطا فصلا جديدا لينسف به حجرا آخر من "جدار الحريات" الذي "رفعته" سواعد بنات تونس وأبنائها على مدى عقود، فبعد المصادقة على "قانون تجريم المسّ بالمقدسات" المهدّد للحريات العامة والفردية والذي سيعيد، تحت عنوان جديد، منظومة الرقابة والقمع التي انتهجها نظام المجاهد الأكبر وصانع التغيير وكبّلا بها كل الطاقات الإبداعية إلا من أبى واستكبر، وبعد الصمت المقيت أمام إصرار "نائبات ونواب" حركة النهضة على عدم استقلالية الجهاز القضائي ليظل مرتعا لهم وعصا غليظة يسلطونها على قناة نسمة وصحفي التونسية وسفيان الشورابي وغيرهم وصولا إلى أحفاد حشاد، نقابيي صفاقس الموقوفين من أجل إصرارهم على استكمال أهداف الثورة... بعد هذين الفصلين هاهي قبة باردو تزفّ لنساء تونس "بشرى" عبوديتهن في دستور "الجمهورية الثانية" بعد أن شرعت حركة النهضة تمهيدا لذلك في تطبيق "دونيتها" وهي تفصل بين النساء والرجال في ندواتها وتحض أئمتها في المساجد لدعوة الرجال إلى الزواج بأربع نساء، وتكره العازبات على الزاوج بتظاهرة الزواج الجماعي وتفرض اكتساح الحجاب للتلفزة العمومية لتقمع حرية اللباس والتعدد وتفرض زيّا موحدا على التونسيات، وتفتح رياضا لبراعم تونس فتخنق طفولتهن بالنقاب والحجاب... هاهو الفصل 28 المُذلّ للثائرات الحرّات العزيزات اللّواتي صمدن في المصانع والمعامل وتشققت أياديهن في المزارع والبساتين، للواتي بحّت حناجرهن في الصفوف الأمامية للمسيرات والمظاهرات المندّدة بقمع الحريات وبالاستبداد... يطلع علينا بإجماع نساء النهضة دونما خروج عن القطيع أو تغريد بعيدا عن السرب... تماما كما الدمى لا تتحرك إلا بخيوط من خلف الستار... هاهن نساء بلادي يخذلن نساء بلادي، ويقفن ألفا قاطعة في وجه تاء التأنيث يرفضن مبدأ المساواة بين الجنسين ويكتفين بدورهن كزوجات وأمّهات تحت مسمى التكامل الذي ابتدعنه تلافيا لمنطق المواطنة بما هي تساوٍ في الحقوق والواجبات... وإن كنت لا أستغرب مواقفهن تلك لانسجامها مع أدبيات الحركة التي نصبتهن بالمجلس التأسيسي وسياساتها منذ نشأتها، وأيضا لاتساقها مع ثقافة التأييد و"انصر أخاك ظالما أو مظلوما " التي عودننا بها، فإني أستغرب الصمت المريب لرئيس المجلس وهو أحد مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بما يعنيه ذلك من إرث نضالي للرابطة من أجل تكريس حقوق الإنسان في كونيتها أي بعيدا عن تعلات الخصوصية الثقافية والدينية وفي وحدتها أي لكل إنسان دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين... أستغرب موقف بن جعفر من هذه التراجعات الخطيرة وأسأله حينئذ لكي تكون على هذا التهاون بحقوق نصف المجتمع التونسي وتطلعاته بأي مطرقة ضُرِبت يداك ؟ وأسأله أيضا من أجل ماذا تدخل صاغرا بيت الطاعة؟ هل برئاسة مكذوبة ومنكوبة وعدت؟ وإن كان ذاك هو ثمن ما للتونسيات والتونسيين من حقوق عليك فانظر فيما فعلته الأيادي العابثة برئيسنا الحالي لكي تُدرك بَخْسَ ما وُعدت به فهُنْتَ من أجله.

2012/08/02

أموال المفقرين وآمالهم بين عبد الاله بنكيران وراشد الغنوشي

في الوقت الذي يترجل فيه الداعية السلفي "نشأت أحمد محمد إبراهيم" من السيارة الفاخرة "رولز رويس" التي يبلغ سعرها 340 ألف دولار أمريكي (500 مليون) بمدينة "مساكن" من ولاية سوسة لإلقاء "محاضرة" بعنوان "نعمة الصبر وفوائد الابتلاء بالفقر"، لم يتردد رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران في "إطلاق سراح" ناهبي المال العام المغربي عندما نزل ضيفا على القناة القطرية (الجزيرة) في برنامج "بلا حدود"، قائلا أن فلسفته في القضاء على الفساد هي "عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه"! وفي نفس الوقت أيضا مثل "قانون العودة للعمل والتعويض للأشخاص المنتفعين بالعفو التشريعي العام وأولي الحق منهم" مسألة ذات أولوية في مؤتمر حركة النهضة الأخير... رغم الوضع الاقتصادي المتأزم في تونس... رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي عبد الإله بنكيران رفع الراية البيضاء في وجه المستكرشين المغربيين الذين أثروا على حساب عرق المفقرين، حيث يعلن من جهة أولى تراجعه عن كشف لوائح المستفيدين من الفساد الاقتصادي والمالي المغربي، ومن جهة ثانية يشن "حربا استباقية" على جيوب البسطاء والمفقرين والمعدمين خوفا من هزيمة سياسية قد تلحق بحزبه، ضاربا بذلك عرض الحائط الحديث النبوي الشريف الذي يقول:" هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". أما شباب حركة النهضة في تونس وقيادييها فقد وضعوا الشعب التونسي برمته في سلة "الخيانة" عندما طالب هذا الشعب "بعقلنة" التعويض المادي خاصة في هذا الظرف العصيب الذي يعيشه المواطن البسيط (قطع الماء، عمال مطرودون، غلاء الأسعار...) وقد بلغ الأمر بشباب حركة النهضة أن كتبوا نصا تقول احد فقراته:"الشعب التونسي الذي صدق فعلا أنه شعب عظيم"! هكذا يتم تكريم الشعب التونسي من طرف حركة النهضة التي ضربت عرض الحائط (مثل حزب العدالة والتنمية المغربي) قول الرسول محمد "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله". ففي الوقت الذي تترك فيه الحكومة بن علي طليقا في السعودية وأمواله مخزنة في البنوك الأوروبية، وفي الوقت الذي تُحاك فيه الصفقات مع رجال الأعمال الفاسدين والمورطين في تخريب الاقتصاد التونسي... وفي الوقت الذي تُمضي فيه الحكومة على القروض الكبرى من أمريكا وقطر والسعودية وتركيا... وفي الوقت الذي تغض فيه الحكومة عن الاداءات المتخلدة بذمة رؤوس الاموال وتستفرد بالشعب المسكين من خلال وزارة المالية وومضتها الشهيرة حول البناء الجماعي للوطن بدفع الاداءات المتخلدة لدى الفقراء والبسطاء... أمام هذه الوضعيات يصير الشعب التونسي "خائنا" عندما ينتفض ضد تأبيد الفقر والتهميش! إن سياسة "مع أو ضد" التي انتهجتها حركة النهضة إبان حملتها الانتخابية ضد كل القوى الديمقراطية باعتبارها "كافرة وعلمانية وملحدة" هي نفس السياسة التي تعتمدها الحكومة ضد وسائل الإعلام باعتبارها أيضا "كافرة ومعارضة للحكومة" وهي نفس السياسة التي تنتهجها اليوم ضد الشعب التونسي برمته! متناسية أن جزءا كبيرا من هذا الشعب هو الذي طالب بسن العفو التشريعي العام، وهو الذي قال إن التعويض لمساجين الرأي العام من صميم العدالة الانتقالية، على أمل أن يكون صوت "الحكمة الشعبية" أعلى من صوت "اغتنام الفرص" (ألم يقل عادل العلمي إن التعويضات بمثابة الغنيمة!) ولم تدعو حكمة الشعب التونسي في صرف التعويضات إلا إلى تحقيق أهداف الثورة من تنمية عادلة وحل مشكلة البطالة وإقرار نظام جمهوري ديمقراطي ثم تكون التعويضات للمساجين... فهل يعني هذا خيانة شعبية وهل يبرر هذا الموقف السخرية من الشعب واعتباره "تافها" بعد ان صارت عظمته "كذبة" في نظر شباب النهضة وقيادييها! إن التعويضات الحقيقية هي تلك التي تفتح المدارس والمعاهد والكليات، هي التي تفتح المستشفيات وتعبد الطرقات السيارة، هي التي توفر كل مرافق الحياة الكريمة لأبسط مواطن تونسي في أعماق البلاد، هي التي تستصلح الأراضي المهملة، وهي التي تخلق مواطن الشغل للمعطلين عن العمل وتخرج المفقرين من حالة العدم واليأس الوجودي، ولكن ما دام هناك داعية سلفي وهابي يترجل من "الرولز رويس" ليلقي ما يسمونه "محاضرات" تدعو إلى " نعمة الصبر وفوائد الابتلاء بالفقر" فان كل عاقل في هذا البلد سيكون ضمن خانة "أعداء الثورة"!