بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/07/11

بصمات

نادرا ما تترك بعض البرامج التلفزية بصمة ايجابية عند المشاهد، ذلك ان اغلب البرامج تتميز بالظرفية والآنية التي تسوّر خطابها وصورها بزمنها مهما طال، وقليلة جدا هي البرامج التي تنفلت من عُقال الشاشة ليتناثر صداها ووقعها على ألسن الناس في البيوت وعلى الارصفة وفي المقاهي والنوادي...
ولا أخال ان برنامج «الرابعة» الذي قدمه الزميل الاعلامي عادل بوهلال اثناء البرمجة الشتوية لقناة حنبعل الا حبّة للبرامج التلفزية التي افتقدناها على أثيرنا الوطني وبتنا نلهث خلفها على مختلف القنوات الاجنبية...
«الرابعة» قد تكون فكرتها غير مبتكرة ولكن أعتقد ان تخطيط الساهرين عليها وبالاخص مقدمها عادل بوهلال هو الذي رفدها بتيمة «الأثر» أو هو الذي منحها التفاصيل الدقيقة للبصمات التي لا تمّحى، ومن دون اطراء او اسراف لغوي يمكن لأي مشاهد تابع اكثر من حلقة من برنامج «الرابعة» ملاحظة توفر جملة من القرائن الثقافية أولا والجمالية ثانيا والتقنية ثالثا التي مثلت مشكاة «الرابعة» ونبراس عادل بوهلال مدة برنامجه.
فالمقدم / المنشط متمكن من فنون تسيير الحوار وفطنٌ في إلقاء الاسئلة و «توريط» ضيوفه وجرّهم نحو هدف الحلقة وزاويتها التي يختارها هو طبعا...
أما جماليا فان برنامج «الرابعة» ارتقى الى حد كبير بمستوى الخطاب التلفزي التونسي عموما وهذا طبيعي باعتبار ان ضيوف البرنامج هم من الميدان الاعلامي ولهم ما يكفي من معلومات وخبرة وهم قريبون من نبض التونسي وخطواته...
وتقنيا أثبت برنامج «الرابعة» ان المهم هو العقل وليس الآلات والتجهيزات فبأفكار الفريق التقني الشاب عاش المشاهد مع كل حلقة «تنفيسة» تقنية ومشهدية بعيدة كل البعد عن الكاميرا الثابتة والكلاسيكية وديكورات الخشب والبلور التي أورثتنا خطابا خشبيا وهشا كالبلور...
البرنامج وبغض النظر عن مفاتيحه المنطقية (الشفافية والمصداقية والتلقائية والمسؤولية والقرب من الواقع) وبغض النظر عن كون مواضيع البرنامج معادة أو مستهلكة فانه ـ وبشهادة المئات على الأقل ممن استمعت الى آرائهم وردود أفعالهم ـ تمكن فعلا من تحويل وجهة الخطاب التلفزي الممجوج وكذلك من «إجبار» الكثير من المسؤولين على متابعته وتقصي بصماته وآثاره على الاقل لتدارك ما كان مخفيا ومنسيا ومسكوتا عنه...