بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/01/31

حزب التكتل يتفكك




مثلت الأحداث الأخيرة في تونس من انتهاك واضح للحريات العامة والفردية ومن تخطيط ممنهج لضرب حرية الإعلام واستقلاليته والانزياح بالمطالب الجوهرية التي قامت من أجلها الثورة التونسية إلى متاهات ثانوية، فضلا عن ارتباك العمل الحكومي، مثلت فرصة لتقارب العديد من الأحزاب الوسطية الإصلاحية والحداثية، وقد دخلت العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية في الخطوات العملية لإعداد أرضية فكرية وسياسية تكون بمثابة بديل سياسي وشعبي قوي ومتماسك خاصة بعد البيان الذي أصدره الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة السابق منذ أيام قليلة، وكذلك توقيع وثيقة تحالف بين 13 حزبا تحت تسمية الحزب الوطني، ولعل المسيرة الحاشدة (أكثر من 10 آلاف مشارك) التي انتظمت يوم السبت 28 كانون الثاني بتونس العاصمة خير دليل على مدى جدية التقارب السياسي بين هذه الأحزاب، وبالمقابل تشهد بعض الأحزاب في تونس حالة من التفكك التي تنذر باندثارها ولعل حزب التكتل من اجل العمل والحريات أفضل مثال على ذلك.
حزب التكتل من اجل العمل والحريات، الطرف الثالث، إلى جانب حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية، فيما يعرف بالترويكا في تونس، أي التحالف الثلاثي الأغلبي في المجلس التأسيسي، هو حزب تأسس سنة 1994 وعُرف برؤيته التقدمية وبدفاع مناضليه عن قيم الجمهورية الثانية وبناء مجتمع المواطنة، غير أن دخوله في التحالف الثلاثي ورئاسة مؤسسه، السيد مصطفى بن جعفر، للمجلس التأسيسي الوطني ومشاركة بعض كوادره في الحكومة الائتلافية، مهدت لبروز هوة عميقة داخل الحزب بدأت تتعمق في الأيام القليلة الماضية من خلال تتالي قوائم المستقيلين من هياكل الحزب، حتى أن البعض من المتابعين للشأن السياسي يرون في إمكانية اندثار الحزب من الخارطة السياسية إمكانية واردة جدا.
ولئن ظلت وسائل الإعلام التونسية تُرجع أسباب هذه الانسحابات إلى الضغط الذي يمارسه احد ابرز قيادات الحزب، السيد خميس قسيلة، على المناضلين والمنخرطين في الحزب، مستندين في ذلك إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحزب السيد أحمد بنور، فان التصدعات التي ضربت بقوة هذا الحزب تعود إلى أسباب أكثر عمق من حرب إعلامية ثنائية بين رجلين، وهي أسباب أجملها المستقيلون في بيان لهم والمتمثلة أساسا في فشل قيادة الحزب في إدارة المرحلة وانعدام الديمقراطية داخل الحزب واستعمال القيادة لأسلوب فوقي في التعامل مع المناضلين، وإقصاء كوادر الحزب من الإدلاء بآرائهم في المسائل الجوهرية التي تهم الحزب والوضع العام للبلاد.
المستقيلون من الحزب، وخاصة في الدوائر المركزية مثل تونس وأريانة وبنعروس والذين يعدون بالمئات، وجهوا أصابع الاتهام مباشرة إلى قيادة الحزب باعتبارها تسببت في "انحراف الخط الرسمي للتكتل عن المبادئ والقيم الأصلية التي دفعت بفئات واسعة للانخراط صلب هذا الحزب."
وقد اعتبر المستقيلون أن "الصمت الغريب" لزعيم الحزب السيد مصطفي بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي الوطني، بعد تصريح نائب حركة النهضة وابرز قيادييها الصادق شورو بالمجلس ودعوته الصريحة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لإنهاء الاعتصامات والاحتجاجات، هي القطرة التي أفاضت الكأس، فرغم الانتقادات الواسعة من قبل الحقوقيين والسياسيين والمثقفين والإعلاميين والمواطنين العاديين لهذا التصريح، ورغم أن حركة النهضة ذاتها نأت بنفسها عن هذا التصريح نافية أن تكون الشريعة الإسلامية على أجندة الحركة، فان السيد مصطفى بن جعفر لزم الصمت ولم يبدي ساكنا أمام هذا التصريح، مما دفع ببعض مناضلي حزب التكتل إلى رفع شعار "شورو يدعو إلى القتل وبن جعفر يقول شكرا" في المسيرة التي انتظمت نهاية الأسبوع المنقضي، والتي لم يشارك فيها حزب التكتل بصفة رسمية.
ولعل تصريح كاتب عام إحدى فروع التكتل، السيد الطيب العقيلي، بعد استقالته منذ يومين فقط، بقوله حرفيا "الاستقالات ستتوالى وستطوى صفحة التكتل نهائيا كحزب وطني كبير" فيه الكثير من النظر للمستقبل القريب لهذا الحزب، خاصة أن تصريحات الناطق الرسمي للتكتل، السيد احمد بالنور، تتسم بالهشاشة وبالدوران في نفس الحلقة، إذ انه يرى أن غياب التواصل بين القيادة والقواعد تعود حسب رأيه إلى أن "الحزب دون إمكانيات مادية تذكر واغلب قياداته غير متفرغين للعمل الحزبي بل لهم التزامات مهنية وعائلية"!!!
التصدعات التي يواجهها حزب التكتل من اجل الجمهورية اليوم، لا تقتصر عليه فقط بل هي طالت حزب المؤتمر من اجل الجمهورية، الطرف الثاني في التحالف الثلاثي والذي أسسه رئيس الجمهورية المؤقت السيد المنصف المرزوقي، فهذا الحزب أيضا تشقه صراعات بين شق أمينه العام المؤقت حاليا السيد عبد الرؤوف العيادي والشق المحسوب على السيد الطاهر هميلة احد ابرز قياديي الحزب، ويرى العديد من الملاحظين في تونس أن حزبي التكتل والمؤتمر أصبحا جزءا من حركة النهضة تتحكم فيهما وفق توجهاتها ورؤيتها لطبيعة الحكم في تونس، غير أن هناك الكثير من المؤشرات أيضا على بوادر تصدع داخل الحركة ذاتها بين الشق المتشدد والشق المعتدل وهو ما ستكشفه الأشهر القادمة في مؤتمر الحركة.

2012/01/30

فيلم "ينو بابا" لجيلاني السعدي: عندما تفقد الكاميرا حركتها والسيناريو شاعريته

يمثل سياق الهامشي والمهمشين في أي مجتمع ما من أكثر السياقات خصوبة لما يمنحه من إمكانات القراءة والتأويل التي يُتيحها للمبدع وهو يتدبر كتابته الإبداعية، سواء كانت نثرا أو شعرا، موسيقى أو رقص، سينما أو مسرح، رسما أو نحتا... غير أن هناك من الأقلام من يظل على هامش الهامشي ويظل يداعب الأطراف القصية دون أن يغوص في عمق النص.
هذه المسلمة أو البديهية يمكن أن نسحبها على "السينمائي" التونسي الجيلاني السعدي بعد مشاهدة آخر انتاجاته السينمائية ونعني به الفيلم الروائي الطويل "وينو بابا" (أين أبي؟) الذي عرض لأول مرة مساء الاثنين 16 جانفي 2012 بقاعة المونديال .
الفيلم الذي سبقته حملة إعلامية كبيرة لترويجه لم يكن في مستوى انتظارات الإعلاميين الذين خصهم المخرج الجيلاني السعدي بأول عرض إلى جانب حضور عدد مهم من أبطال عمله، فهذا المنجز السينمائي الذي يُعرض سنة 2012، أي سنة بعد الثورة التونسية، لم يرق إلى الحد الادني لا في مستوى معالجة الفكرة المُراد إيصاله ولا في مستوى شكل تقديمها سينمائيا (التصوير والإضاءة والموسيقى...).
"وينو بابا" الذي يأتي بعد فيلمين للمخرج الجيلاني السعدي هما "خرمة" و"عرس الذيب" يواصل من خلاله المخرج معالجة نفس الواقع الاجتماعي للمهمشين والملفوظين على قارعة الحياة، محاولا كتابة تفاصيلهم اليومية بعدسته وبلغته السينمائية التي تجتهد في أن تكون شبيهة بموضوعها من حيث حركتها وزاوية التقاطها الصورة وتوزيع الضوء على المساحات المقتنصة.
فهذا الشريط الذي كتبه الجيلاني السعدي على غرار الأعمال السابقة، هو من صنف الكوميديا السوداء، والذي يجمع بين جمال المداني في دور "حليم" وبوراوية مرزوق في دور "خيرة" وميلة بن يوسف في دور "أنس" وكل من محرز قلوز ومهى بوعفيف وحاشد ازموري وخالد قسمي وهادي هذيلي وحبيب أفلي، في حين أن الشخصية التي يحيل عليها عنوان الفيلم، أي الأب، جسدها صوتا الممثل محمد قريع، باعتبارها شخصية حاضرة بالغياب، هذا الشريط يصوّر حياة أرملة اسمها "خيرة" ابنها الذي تجاوز الأربعين دون زواج اسمه "حليم" تعيش من أجل تحقيق حلم تزويج ابنها من "أنس"، غير أن طبيعة الشخصية المحورية، باعتبارها متمردة ورافضة لرتابة الواقع، تأبى أن تنصاع إلى مؤسسة الزواج ظاهريا وتستمر في تأثيث أيامها بالتفاصيل التي اختارتها وهي أساسا الاستماع إلى أغاني عبد الحليم حافظ وزيارة والده في المقبرة والالتقاء بأصدقاء الشارع من المهمشين مثلها، وتمعن شخصية حليم في الانغماس عميقا في عالم اللانظام بعد أن ترفض زوجته المحتملة حضور حفلة زواجها مما يدفع "حليم" إلى أن يعتكف في منزله لبضعة أيام ثمّ يقرّر اعتزال الحياة الاجتماعية والانضمام لجماعة من المُـهـمّـشين، ثم تتطور أحداث السيناريو بعد أن تتم معاقبة "انس" من قبل أهلها لكنها تنجح في الفرار لكي تتسكع في المدينة على غير هدًى حتى تلتقي مع حليم فيواصلا سوية حياة الـتّـيـه.
نلاحظ من خلال سيناريو الفيلم أن هذا المنجز السينمائي يُبشر المتقبل بالتحول من السؤال السوسيولوجي للآخر المختلف، إلى السؤال السيميولوجي الذي تتحرك ضمنه مدلولات الصورة بالدرجة الأولى عبر خصوصية التعبير السينمائي، غير أن مخرج الفيلم الجيلاني السعدي يبدو أنه فَقَدَ القدرة على التحكم في حركة الكاميرا بعد أن فقد نسق السيناريو توهجه الأول وسقط في الرتابة المشهدية من ناحية وفي بساطة النص الملفوظ من ناحية أخرى، مما أربك باقي العناصر السينمائية، خاصة منها لعبة الضوء وتوزيع المشاهد وترتيبها، بل ان الديكور لم يسلم من الأخطاء الفادحة في اختياره وترتيبه.
كما أن إطالة العديد من المشاهد أثرت سلبا على وتيرة الفيلم، مما يجعل المتقبل يغرق في دقائق طويلة من الزمن الميت الذي لا يخدم نسق الأحداث بقدر ما يجعلها متقطعة ومتباعدة، هذا فضلا على الإقحام المجاني "لترسانة" من المفردات الجنسية التي لم ترفد شعرية النص المفترض أن تكون متوفرة، بل إن هذه المفردات التي يتوفر عليها معجم الهامشيين، جاءت مُسقطة بشكل عشوائي ومُبالغ فيها إلى جانب المشاهد المحيلة على عالم الجنس، فرغم أن حياة المهمشين تقوم في جانب كبير على الفعل الجنسي باعتبار فائض الكبت الذي يسور حياتهم، فان مخرج الفيلم لم يحسن توظيف تلك المشاهد فقدمها على عواهنها دون إدماجها بشكل فني تمحي فيه حدود الأخلاقي والفني، وهو ما قد يفتح مجالا واسعا لبعض الأطراف السياسية (خاصة منها اليمينة ذات المرجعيات الدينية) لشن "حرب" على هذا الفيلم وعلى السينما التونسية عموما باعتبار أن منظورهم لا يخرج عن السياق الأخلاقي والتأويل القيمي لأي عمل فني.
من خلال المشاهدة الأولى لهذا الفيلم، ومقارنة بالفيلمين السابقين لجيلاني السعدي، "خرمة" و"عرس الذيب"، يمكننا القول بأن هذا المخرج قد تراجع بشكل كبير في مستوى كتابة السيناريو وفي مستوى حركة الكاميرا، رغم أنه لم يخرج من السياق العام الذي اختاره، أي عالم الهامشي والمهمشين، وهذا الرأي اجتمع عليه عدد كبير من الإعلاميين الذين شاهدوا العرض الأول واعتبروا أن الفيلم لا يدخل إلا ضمن التراكم الكمي لا أكثر ولا أقل، وهو ما لم يعد يرضي انتظارات المشاهد التونسي خاصة بعد الثورة التي صنعها والتي ينتظر أن تلحقها ثورة حقيقة في عالم الثقافة والإبداع.

2012/01/26

من الضحية الى الجلاد

شهدت تونس منذ أن نالت استقلالها بفضل دماء شهدائها قبل ستين عاما، تقسيما مجحفا بين أفراد هذا الشعب، فمنذ الحكم البورقيبي سعت الحكومة الأولى التي مسكت دواليب الدولة إلى تقسيم أفراد الشعب التونسي إلى وطنيين (البورقيبيين) وخائنين (اليوسفيين أساسا والشيوعيين) وهو التقسيم الذي فتح الباب على مصراعيه لتشريع شتى أنواع التعذيب والتنكيل بالمواطنين من نفي وتصفيات جسدية وتشريد وتخوين...
ثم تواصلت نفس الطريقة مع النظام النوفمبري، بعد الانقلاب الذي حصل على بورقيبة ليلة السابع من نوفمبر 1987، فبعد أن ثبت بن علي نفسه في سدة الحكم، وبعد عامين فقط، أبان عن وجهه القمعي والسلطوي، فشرع في تقسيم الشعب التونسي إلى صنفين، صنف وطني وثان عميل يتآمر على امن الدولة واستقرارها ويستقوي عليها بالأجنبي، فتكررت نفس الأساليب لقمع أي رأي مخالف وتتالت المحاكمات الجائرة والسجن والملاحقات والمداهمات خاصة للنقابيين ولليساريين والإسلاميين والطلبة، وتجندت الآلة الإعلامية لتأبيد سياسة التفريق بين الشعب الواحد، بعد أن أحكم البوليس قبضته الأمنية وحاصر سدنة النظام السابق من رأسماليين الشعب التونسي بالقروض...
اليوم، وبعد أن أطاح نفس الشعب برأس الدكتاتورية، وخال نفسه أنه على درب استكمال الإطاحة ببقاياها على أمل تأسيس جمهورية مدنية تمنحه شروط مواطنته وتوفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة، ها هو يلفي نفسه وجها لوجه مع تقسيم جديد هو الأكثر خطورة والأشد بؤسا مقارنة بما سبق، فإلى جانب تقسيم الشعب التونسي بعد 14 جانفي إلى شق وطني وثان خائن، ظهر التقسيم الجديد القديم، ذاك الذي يصنف الشعب الواحد إلى جزء مؤمن وجزء كافر، فأما المؤمن فهو ذاك الذي وافق ويوافق ويدافع بشراسة واستماتة لا متناهية عن مسار الحكومة المؤقتة، التي رغم نواياها الحسنة فان المؤشرات الأولية لبرنامجها تدعو إلى الحيرة والاستغراب (ارتباك في القرارات، اتهامات مجانية، استضافات لا مبرر لها، قروض عشوائية، وعيد وتهديد، تراجع في الخطاب...).
وأما الكفار من هذا الشعب، فهم العمال الذين نفذ صبرهم من وعود طال أجلها، وهم الإعلاميون الذين يريدون أن يفتكوا ما أمكنهم من هامش الحرية والاستقلالية، وهم الطلبة والأساتذة الذين يدافعون عن حصون كلياتهم وجامعاتهم، وهم النقابيون المستميتون في دفاعهم عن حقوق العمال، وهم القضاة والمحامين المطالبين بتطهير إدارتهم من الفاسدين، وهم المواطنين والمواطنات المدافعين والمدافعات عن حرية معتقداتهم...
ولئن كان الطرف الذي يسعى لتقسيم البلاد في الآونة الأخير غير معلوم بدرجة كافية لعموم الناس، فان الأحداث الأخيرة التي جدت بالبلاد كشفت "النقاب" عن ملامح هذا الطرف، وصار معلوما لنا وللحكومة، ولئن تواصل كل الأطراف "المتضررة" نضالها ورفضها لهذا التقسيم القروسطي، فان الحكومة مازالت تتلكأ في موقفها وفي وضع حد لهذه الأفعال التي لا يمكن تصنيفها إلا ضمن مسار إعادة إنتاج الدكتاتورية، وهنا لا يمكننا إلا أن نسأل الحكومة المؤقتة عن نواياها الحقيقية بين القطع مع منظومة الاستبداد أو التمهيد لتأبيدها وتكريرها؟.
ولو فرضنا أن هناك من يستبطن القمع فهل يعني هذا أن من كان ضحية بالأمس سيصير اليوم جلادا؟؟

2012/01/24

التحالفات السياسية في تونس قبل الانتخابات وبعدها: من الميكيافلية الانتخابية إلى فوبيا حركة النهضة

إبان سقوط نظام بن علي وفراره من تونس يوم 14 جانفي 2011 شهدت الساحة السياسية في تونس طفرة كمية في عدد الأحزاب الجديدة التي تكونت مع الأيام الأولى لما بعد الثورة، حيث بلغ عدد الأحزاب المرخص لها بالنشاط ما يقارب 105 حزبا، توزعت مرجعياتها الفكرية وأرضيتها السياسية بين الليبرالية والماركسية والقومية والإسلامية في عمومها، وقبل الدخول في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر 2011 دخلت عدة أحزاب في تحالفات وجبهات انتخابية لعل أبرزها:
القطب الديمقراطي الحداثي الذي جمع كل من حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري والحزب الجمهوري وصوت الوسط وشخصيات مستقلة سياسية وحقوقية وفنية خاصة منهم السينمائيين مثل النوري بوزيد ومنى نور الدين وإبراهيم لطيف وسلمى بكار والمنصف ذويب.
الائتلاف الديمقراطي المستقل الذي جمع بين عبد الفتاح مورو احد مؤسسي الاتجاه الإسلامي بتونس ثم حركة النهضة وثلة من الشخصيات المعروفة مثل مصطفى الفيلالي وحمودة بن سلامة وصلاح الدين الجورشي وعدد من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي على غرار حزب التحالف الوطني للسلم والنماء لصاحبه رجل الأعمال اسكندر الرقيق وحركة اللقاء الديمقراطي لصاحبها خالد الطراولي وحركة العدالة و التنمية لصاحبها مراد الرويسي.
ائتلاف 23 أكتوبر الذي تشكل على أرضية الجدل الذي دار في تونس حول مسالة الهوية وكيفية التعبير عنها في الدستور وضم هذا التحالف في البداية حزب حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية والإصلاح والتنمية وحركة الوحدة الشعبية وحركة البعث وحركة الشعب الوحدوية التقدمية قبيل عقد مؤتمرها، ولما خفت وهج الصراع من اجل الهوية، انسحب البعض من التحالف وأعاد البعض الآخر تشكيل التحالف في أفق الاستحقاقات السياسية ما بعد الانتخابات، وأصبح يضم أربعة أطراف هي: النهضة والمؤتمر والإصلاح والتنمية وحركة الوحدة الشعبية.
تحالف الأربعة الذي يضم كل من حزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب العمال الشيوعي التونسي وحركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب الطليعة العربي الديمقراطي.
هذه تقريبا أهم التحالفات والجبهات السياسية التي تشكلت في الفترة التي سبقت انتخابات المجلس التأسيسي، التي أسقطت نتائجها عديد الحسابات والانتظارات من هذه التحالفات، إذ كانت على النحو التالي: حركة النهضة (90 مقعد) يليها حزب المؤتمر من اجل الجمهورية (30 مقعد) فالتكتل الديمقراطي (21 مقعد) فقائمة العريضة الشعبية (19 مقعد) ثم الحزب الديمقراطي التقدمي (17 مقعد) فحزب المبادرة والقطب الديمقراطي الحداثي وحزب آفاق تونس (5 مقاعد لكل واحد منهم) أما حزب العمال الشيوعي التونسي فحصل على (3 مقاعد) وتوزعت 12 مقعدا على المستقلين وبعض الأحزاب الصغيرة.
الآن وبعد أن أخذت حركة النهضة بزمام الأمور في تسيير الحكومة والتأثير على نقاشات المجلس الوطني التأسيسي باعتبار أغلبية المقاعد التي بحوزتها، رغم دخولها في تحالف ثلاثي يجمعها بحزبي المؤتمر والتكتل، وبعد أن بدأت بوادر المشروع اليميني تظهر في تونس من خلال تداخل الديني بالمؤسسات المدنية (الجامعات والكليات والوزارات وبعض الهيئات)، بدأت تتشكل في تونس عدة تحالفات سياسية جديدة على أرضية باتت اليوم واضحة وهو الوقوف أمام المد الديني لحركة النهضة والدفاع عن مدنية الدولة التونسية،فبعد أن أعلنت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تونس مية الجريبي عن دمج حزبها مع حزب آفاق تونس والحزب الجمهوري في إطار حزب موحد بمناسبة انعقاد المؤتمر المقبل للحزب الديمقراطي التقدمي أيام 17 و18 و19 مارس القادم والذي من المنتظر أن يكون هذا المؤتمر توحيديا بين هذه الأحزاب وباقي القوى الديمقراطية الوسطية الراغبة في الالتحاق بهذه المبادرة، وفي انتظار أن يتم الإعلان عن تكوين جبهة وطنية تقدمية تجمع كل القوى القومية الناصرية منها والبعثية المتمثلة في حركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية التقدمية وحركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب الطليعة العربي الديمقراطي وحركة البعث، وفي إطار السعي المشترك للتقدّم في اتجاه تأسيس الحزب الديمقراطي الموحد الذي يجمع بين القوى والأحزاب الديمقراطية الوسطية من أجل خلق توازن جديد يعكس حقيقة موازين القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، التقى وفدان من حركة التجديد ومن حزب العمل التونسي تركّبا من السادة عبد الجليل البدوي وماهر المظفّر ومحمد الأمين الزقلّي ومحمد بوحديدة عن حزب العمل التونسي ومن السادة محمود بن رمضان وحاتم الشعبوني وجنيدي عبد الجواد عن حركة التجديد وأمضى كل من عبد الجليل البدوي، المنسق العام لحزب العمل التونسي وجنيدي عبد الجواد، عضو أمانة حركة التجديد بيانا مشتركا بين الحركة والحزب يوم 16 جانفي 2012 أكدا فيه على الضرورة الملحّة لتجميع القوى الديمقراطية في إطار سياسي موحّد يتجاوز الأطر الحزبية الحالية ويكون قادرا على التأثير في مجرى الأمور وعلى تقديم البديل السياسي والاجتماعي المقنع الذي يستجيب فعلا لطموحات الفئات الواسعة من الشعب ولتطلعات الشباب ولمطالب الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية، ويفسح المجال للتداول السلمي والديمقراطي على السلطة.
مؤكدين في نفس البيان على أهمية عامل الوقت وعلى ضرورة الإسراع في عملية البناء المشترك، دون تسرّع أو ارتجال، حتى تتوفّر أسباب النجاح لهذا المسار التوحيدي على أساس مشاركة كل الأطراف المعنية بصفة فعلية وجديّة.
كما دعا الحزبان إلى بعث لجنة مشتركة ومفتوحة لكل الأطراف الوسطية المنخرطة في هذا المشروع الوطني التأسيسي، تكون مهمتها متابعة الأحداث والتطورات والاتصال بكل القوى الديمقراطية الموافقة على نفس التمشي والعمل على تركيز لجان عمل من الآن لتحضير المؤتمر التوحيدي في كنف التآلف والانسجام بين المسارات المختلفة.
وتوجهوا بنداء إلى كافة الإطارات والهياكل الجهوية لحركة التجديد ولحزب العمل التونسي للانخراط الجماعي في هذا التمشي البنّاء واتخاذ المبادرات اللاّزمة من أجل إنجاح هذا المسار التوحيدي، جهويا ووطنيا.
هذه تقريبا أهم التعبيرات الجبهوية التي تشكلت في تونس ما بعد انتخابات المجلس التأسيسي وهي تعبيرات قد تأتي ثمارها على عكس التحالفات الظرفية التي تشكلت قبل الانتخابات واتسمت في مجملها بنزعتها البراغماتية المتمثلة في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، في حين أن التحالفات الجديدة هي تحالفات إستراتيجية ذات عمق سياسي ورؤية بعيدة المدى تبرز جليا من خلال مبادرات الانصهار والاندماج بين أكثر من حزبين، رغم أنها تنطلق من اشتراكها في هاجس "الاسلاموفوبيا".

2012/01/02

صندوق الزكاة والتفقير المنظم

ناجي الخشناوي


أذكر أني كتبت أكثر من مرة، تصريحا وتلميحا، في السنوات الماضية حول طبيعة صندوق التضامن (26 ــ 26) الذي خلقه النظام السابق، وأشرت أن هذا الصندوق لا يمثل إلا شكلا من أشكال تعميق التفاوت الطبقي بين أفراد الشعب التونسي باعتبار أن القاعدة التي اعتمدها هي بالأساس قاعدة اخلاقوية (رغم إن التضامن يبقى قيمة إنسانية كونية) غلفها سدنة النظام السابق بغلاف متين من الشعبوية الساذجة، التي صدقها، للأسف، أغلبية الشعب.
ولان غايته الأساسية هي تأبيد الفقر من خلال خلق وهم العدالة الاجتماعية والاقتصادية، كان النظام السابق يمارس كل أشكال التعسف والابتزاز على العمال والموظفين من خلال اقتطاع مبالغ متفاوتة من الأجراء وصغار التجار والحرفيين بعنوان التضامن مع العائلات المعوزة وذوي الاحتياجات الخصوصية وتقليص التفاوت الجهوي، وبالمقابل كان النظام السابق يغدق على رؤوس الأموال كل الامتيازات بدءا من الإعفاءات الجبائية وصولا إلى التسهيلات الأمنية، حيث كان الجهاز الأمني في خدمة مصالح أصحاب المال بحمايتهم من جهة وحرمان أبسط بائع متجول من لقمة عيشه من جهة ثانية.
لقد كان النظام السابق يأخذ بكل بساطة من جيب المفقرين ليضع في جيب الأكثر فقرا بعض الملاليم وعلب الزيت والعجين والأغطية البالية لينتزع من الفئتين مزيدا من الخوف هنا والولاء الأعمى هناك، وها نحن اليوم، ورغم سقوط النظام السابق، ها أننا نجد أنفسنا مرة ثانية وجها لوجه أمام نظرية تأبيد الفقر ولكن بشكل أكثر سذاجة وبطريقة مفرطة في الشعبوية والاخلاقوية المقيتة، فها هو رئيس الحكومة المعينة، السيد حمادي جبالي، يستبدل اسم صندوق التضامن (26 ــ 26) بصندوق الزكاة؟؟؟ فليتهيأ كل موظف مشنوق بالقروض البنكية وليتهيأ كل أجير متعاقد بعقد عمل هش وكل حرفي أو تاجر صغير ليأتيه رئيس الشعبة، الذي صار رئيس مكتب محلي، ويطلب منه "ألف درهم لبيت مال المتضامنين ".
هل هي استمرارية الدولة والمؤسسات بمفهومها المدني أم هو استمرار لنهج النهب المنظم؟
إن الزكاة فريضة دينية يؤديها الإنسان المسلم لأخيه المسلم في إطار تعاليم الإسلام السمحة تحت رقابة الخالق وحده، غير أن المتكلمين باسم الإسلام اليوم، وهم يستوون على كراسي السلطة، يأخذون مكان خالقهم ويجعلون من هذه القيمة حلا سهلا لرتق عيوب النظام الاقتصادي القائم الذي جعل أفراد هذا الشعب متسولين بامتياز، وربما الخطورة الأشد على تخريب المنظومة المدنية أن مثل هذا الصندوق، صندوق الزكاة، ليس إلا مدخلا منظما لا للاستيلاء على ملاليم الفقراء فقط بل للاستيلاء على حريتهم الفردية ومصادرة اختيار علاقتهم بخالقهم، تلك التي جعلها هو اختيارا لا إكراه فيه، ومن تجرأ اليوم على مثل هذه الخطوة لن يتوانى عن مواصلة السير في هذا السبيل، ولن نستغرب أن تحول الدولة مؤسساتها المدنية الواحدة تلو الأخرى إلى مؤسسات للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ومؤسسات للأوقاف وأخرى للمظالم ومحاكم تفتيش.
هذه أولى الثمار المؤساساتية لثورة تونس، تلك التي سالت لأجلها جداول الدماء وامتلأت لأجلها غرف المستشفيات وتناسلت فوق أرضها الثكالى واليتامى.