بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/04/25

خطوة القط الأسود لناجي الخشناوي


بقلم رشـــــــــــــاء التونسي

جريدة الشروق 24 أفريل 2009

في طبعة أنيقة لدار ورقة للنشر لزميلنا سمير بن علي، ولوحة غلاف جميلة جداً للفوتوغرافي رمزي درويش، صدرت المجموعة القصصية الأولى لناجي الخشناوي

. مقارنات بين متضادات غريبة بحثاً عن استشفاف حركة الواقع، ليس هنا كحوار، بل مونولوج مع الذات، أو حوار إسترجاعي، يروي لنا وله تفاصيل الأحداث، منذ الورقة الأولى يعلن الكاتب مأساة الورقة البيضاء، وألمنا المتشابه نحن رفاق القلم مختبئا حافة الجلباب:

من السهل على الواحد منا نحن السواد الأسود أن يعثر على عتبة حبرية يشغل بها رأس المساحة الورقية المتبرجة بين ناظريه، في فستانها الأبيض، لكن من الصعب عليه أن يجد الوقت الكافي والضروري لفك أزرار الفستان البيضوي والولوج إلى أتون الورقة ومغاورها / ببساطة من السهل على واحد منا أن يمسك بعنوان قصة قصيرة مثلاً وهو يركض خبطاً ولطماً خلف ذيل حافلة صفراء عجوز / من السهل عليه ذلك، لكن من الصعب جداً أن ينجح في الحفاظ على حبات الزمرد والمرجان لعقده اللغوي بمجرد أن يحشر داخل العلبة الصفراء العجوز اللعينة، إذ تتبخر فكرة القصة مع الروائح العطنة وتبتلعها أحداق العيون المتوثبة على الجيوب والحقائب اليدوية لصبايا الطريق، ويداس المتن السردي بأحذية الركاب المعفرة بأوحال الأرصفة، وتثقب الفكرة بكعب حذاء يرزح تحت وطأة مائة كيلو غرام من لحم أنثوي مترهل».
كتابة تحمل تفاصيل على طريقة السينما الواقعية، حكايات بسيطة تفسح الطريق حيث لا تنتهي القصة، يبدأ ناجي الخشناوي حكاياته باستعارات متواترة تحول الوصف إلى شعائر تربط الكاتب بشخصيات قصصه، فتمتزج و لا نعود نميز إحداهما من الأخرى، حكايات اليوم العادي، يمرر فيها حياة النسيج الاجتماعي وبنيته التحتية، معظم القصص تدور في الشارع والبيت والأماكن المرتادة كل يوم، عجينة مطواعة تحاول أن تحمي إنسانيتها عبر الحلم، بسطاء الشباب، أولئك الذين يعيشون على هامش الحياة، يحمل الكاتب أوراقه ويرصد أحلامهم المتعبة ولاجدوى حياتهم، لكنه لا يغلق الباب، يتركه مفتوحاً أمام تلك الفئة الاجتماعية المشتتة بين ثقافة مكتسبة ونكران اجتماعي.

في «خطوة القط الأسود» خمس عشرة قصة في نصوص مبنية على خصوصية التعامل مع اللغة تعاملاً يربط بين الحساسية القصوى ووحشة الرجل الوحيد، وهناك تواصل بين القصص في بنى متراصة ومتسلسلة بتسلسل غير منطقي، بروابط نفسية ووحدة الشعور الذي يعبرعنه الكاتب، يتلاعب ناجي بإدارة لعبة القص، وطريقة السرد، يعطي للغة ألواناً ويصنع من المفردات نجوماً، حيث تتحرك الأشياء الجامدة لتعبر عن إنسانية في شرنقة المدينة والحافلة اللاهثة. تجربة حياة وقراءة الكاتب للحياة، صور يومية متدفقة كالريح، كالحافلة الصفراء اللعينة وروائحها العطنة، ولص المكتبة الحالم برحلة إلى طنجة على خطوات محمد شكري، وذلك الذي تضاءلت مساحة البياض فوق ورقة علبة السجاير الفضية يحسب المصاريف وهو ينتقي أثاث زواج منتظر، ليستلم في النهاية زوجي حذاء تزاوجا دون جهاز إلى الأبد. أو بائع الياسمين راكب الدرجة الأولى خطأ. لكن ذلك لا يمنع الذكريات الجميلة مع حسن وسعيد في حانوت عبودة الحلاق، وفي خضم تلك المفارقات يخترق بصيص الأمل الحياة فيتصل الراوي بملهمته التي يهديها كتابه قلباً وعقلاً، و التي رافقته من الصفحة الأولى على سرير من حنين وورق مردداً مقطعاً من ديوانها الشعري
مستوحدان أنا وظلي / نرسم على الحلم سلالم /لا وفي لنا / نسمي الدفاتر عمراً / العمر خيول تهاوت

والقصة القصيرة من أكثر الفنون استقصاء عن التنظير والتأطير الشكليين، وكل قصة قصيرة هي تجربة جديدة في ما يسمى «التكنيك» وفي خطوة القط الأسود نتعرف على كتابة لها صفات خاصة، ضمن العمق الدلالي واللغوي، الناتج عن أهم العناصر الفنية وهي فلسفة التجربة الحياتية وتألق اللغة الأدبية، ناجي الخشناوي أديب من نوع خاص في أدواته وأسلوبه، يحمل تجربة حياة وقراءة، حياة لا تبدو غامضة ولا مبهمة، حياة ضمن سياقها المألوف، وتجربتها التي تسطر أمامنا دون حوار، تجربة مختزنة ومرتحلة معنا أينما نذهب، تقربنا من الحياتي حيث يكمن الجزء الأعمق، لنجد الملغى والمهمل، ورغم كل هذا فالحياة تيار جار دائماً إلى الأمام والكتابة أيضاً. ففي النهاية يصل بنا الكاتب إلى عالم أبعد ما يكون عن عوالمه السابقة، عالم افتراضي، يبحث فيه لاهثاً كحافلته الصفراء عن عالم فاضل تتحقق فيه إيتوبيا السلم والقيم الأساسية مثل الحرية والمساواة والتضامن والمسؤولية المشتركة واحترام الطبيعة. لكن حتى هناك الفضيلة افتراضية، ويهمس له زميله: «كل شيء يمكننا أن نصيره افتراضياً ماعدا صوت فيروز ووقع أقدام الجنود».
مهنة الكاتب هي أقصر طريق للألم والأمل، ولا وجود للقصة بدون قصة تحكى، أي أن تقنيات القص لا تكفي وحدها بالضرورة لإنتاج فن قصصي، بل إن وجود المادة القصصية هو العامل الاساسي الذي يبدأ معه العمل القصصي، وكما قال الناقد ويت بيرينت «لا أعتقد أنك تستطيع كتابة قصة قصيرة جيدة دون أن يكون في داخلك قصة جيدة، أفضل أن يكون لديك شيء تقوله من غير تقنيات القصة، عن أن تملك التقنيات وليس لديك شيء تقوله».
ناجي الخشناوي كان لديه القصة والتقنيات منذ عمله الأول خطوة القط الأسود.

ramaracha@yahoo.fr

2009/04/23

حفل توقيع

ساقيم حفل توقيع مساء الأحد 26 أفريل بداية من الساعة الثالثة بمعرض الكرم بدار ورقة للنشر
يسعدني أن أخص كل واحد من أحبتي بتوقيع على صفحة كتابي الأول "خطوة القط الأسود"الصادر حديثا

2009/04/17

رواية الأوفياء عن قافلة الوفاء

معهم نسبر تلك الرحلة التي كانت محفوفة بالأمل كما الألم أيضا، رحلة الأوفياء الذين تحملوا مشاق الطريق حبا لفلسطين وإيمانا بعدالة قضيتها وتعبيرا صادقا من النقابيين التونسيين لأشقاهم في غزة، غزة العزة والصمود الأبي في وجه آلة الدمار الصهيونية التي دكت الأخضر واليابس طيلة شهر تقريبا...

ضد التخريب والقتل وإراقة الدماء ولأجل صحة أبناء غزة شُحنت أدوية الجهاز التنفسي وأدوية خاصة بأمراض القلب وأمراض المعدة ودواء تخثر الدم ومضادات حيوية وآلتي كشف بالصدى متطورتين وكراسي متحركة وعكازات ومعدات جراحية عامة وآلات لقيس السكري وأخرى لقيس ضغط الدم....وكميات هائلة من الحليب... شحنت كلها بعد ان تم تجميعها من قبل النقابيين في كل القطاعات وسهر على تنظيمها وترتيبها وتصنيفها طاقم من النقابيين المختصين...

"قافلة الوفاء" تلك التي حملت ما بقي مما جاد به النقابيون من مختلف القطاعات من أدوية ومعدات صحية... 72 طنا كانت حمولة الشاحنات العملاقة التي طوت الأرض طيا نحو معبر رفح، كانت أيضا مشحونة بأضعاف تلك الأطنان من مشاعر الحب والأخوة والاعتزاز ببسالة من أراقوا بدمائهم تراب غزة...

"قافلة الوفاء" تلك التي ودعها الأخ عبد السلام جراد الأمين العام لاتحاد الشغل وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي الوطني وحشد كبير من النقابيات والنقابيين بميناء رادس يوم الاثنين 23 مارس الفارط، أين رفرفت أعلام تونس وفلسطين واتحاد الشغل إيذانا بتحرك الشاحنات، بعد الحركة الرمزية للأخ عبد السلام جراد وهو يلوح بالزنار الفلسطيني أمام كل شاحنة...

وبعد أن تابعنا رحلتهم عبر الهواتف، ها نحن نستقبلهم في مكاتبنا ليرووا لنا بدقة تفاصيل الرحلة وما حف بها...

الأخوة محمد الهادي قديش رئيس الوفد والحبيب الطريفي (الغزال) ولطفي الأحول ومستوري القمودي وكمال البوزيدي وفتحي الهيشري وجمال البحريني، ومحسن السلطاني هم الذين حفظوا الأمانة التي كانت بعهدتهم وشقوا الصحاري والجبال وقطعوا آلاف الكيلومترات ودخلوا المعابر حتى بلغوا المعبر الأشهر، معبر رفح، أين أشرفوا على تفريغ أطنان الأدوية والمعدات الطبية والصحية التي كانت مشحونة بعناية داخل الشاحنات الخمس التي قادها السادة نور الدين الشمك وبشير الظاهري وعلي القاسمي ورضا الإينوبلي وكمال الجلاصي.

هكذا حدثنا الأوفياء عن قافلة الوفاء...

* في بغداد

من ميناء رادس تحركت المحركات ودارت العجلات لتمر قافلة الوفاء بشاحناتها الخمس والسيارة المرافقة لهم عبر مدينة مساكن وتصل إلى ولاية صفاقس أين اعترضهم نقابيو الجهة بكل الحب والود ويحولوا وجهتهم إلى مطعم بغداد للعشاء احتفالا بهم، ليواصلوا بعدها المسيرة نحو ولاية قابس حيث قضوا ليلتهم نياما داخل الشاحنات ومع أول خيوط الفجر انطلقوا نحو ولاية مدنين ومنها إلى بنقردان التي "أفحمت" وفد القافلة باستقبالها الجماهيري الرائع مثلما قال الأخ لطفي الأحول.

* في القلب

انتهى التراب التونسي عند بوابة رأس الجدير الليبية، ولم يعد يفصل القافلة عن معبر رفح سوى التراب الليبي، والذي كان عامرا بالحب والاحترام والتبجيل وبكل أنواع التسهيلات والحماية، ذلك أن الأمن الليبي أبلى البلاء الحسن وهو يرافق قافلة الوفاء ويرشد الوفد التونسي وهو يعبر الزاوية وزلطن وزوارة وصولا إلى طرابلس، وبالمثل عامل الأشقاء الليبيين النقابيين في كل نقطة استراحة توقفوا بها...

بل إن احترام الليبيين للقافلة جعلهم يقتحمون بها قلب العاصمة الليبية، طرابلس، رغم أنها وككل العواصم، لا تجيز جولان الشاحنات الكبيرة وسط طرقاتها، ومع ذلك شقت الشاحنات التونسية العاصمة بحماية من سيارة الأمن الليبي... بعد أن قضوا ليلتهم نياما في المعرض الدولي بطرابلس...

"خروج القافلة من طرابلس كان سهلا ومريحا والفضل في ذلك يعود إلى توصية رجال الأمن الليبيين الذين اقترحوا علينا مغادرة العاصمة قبل تحرك دوليبها واكتظاظ طرقاتها" هكذا قال الأخ الحبيب الطريفي قبل أن يصل بي إلى أول استراحة بمدينة تاجورا.

* استراحة إدارية

"كنا نقتني أساسا الخبز والجبن والحليب والتفاح في كل مرة" قال الأخ محسن السلطاني وهو يتذكر التعب والإرهاق الذي نالهم وهم يشقون الصحراء الليبية لمدة 72 ساعة دون توقف حتى بدت لهم معالم مدينة "إجدابيا" الليبية فحطوا بها الرحال وأخمدوا محركات الشاحنات وعلقوا معاطف التعب والإرهاق بليل المدينة في أحد فنادقها الصغيرة...

"بلغنا مدينة طبرق يوم 28 مارس ومنها اتجهنا نحو مدينة "مساعدة" الحدودية التي حظينا فيها باستقبال حار ومتميز من قبل أعوان الأمن والديوانة الليبية" تدخل الأخ مستوري القمودي وهو يتذكر حفاوة الأخوة الليبين وما أبدوه من كرم الضيافة ذلك أنهم قاموا بإيواء الشاحنات والسيارة في مأوى تابع للأمن وتمت استضافة كافة الوفد من قبل المدير الأمني إلى استراحة إدارية اين تقاسموا معه أطراف الحديث حول طول الطريق والاحتياطات اللازمة وعن آخر تطورات الوضع في غزة وصمود المقاومة...

* إلى الوراء در

لاحت البوابة المصرية على الحدود الليبية في الميناء البري بالسلوم فجهزنا أوراقنا وجوازاتنا لننهي جميع الإجراءات اللازمة من الإثباتات الشخصية ودفع الرسومات وختم الجوازات وأوراق الشاحنات والسيارة الخفيفة المرافقة لنا، ولم نكن نتصور أن مدة تلك الإجراءات ستطول من الصباح صباحا إلى ما بعد الرابعة بعد الزوال... ولكن من أجل عيون غزة لم نتذمر ولم نتململ في ساعات الكسل الإداري...

ضرب الأخ كمال البوزيدي كفا بكف وقال "كانت المفاجأة اكبر مما توقعنا" اذ وبعد الساعات الطوال قدم لنا وفد أمني رفيع المستوى ليطلب منا الجوازات قصد تسهيل مرورنا ففعلنا وحرك السواق الشاحنات ودارت العجلات في اتجاه كنا نعتقده التراب المصري غير أننا وفي أول مفترق أمر الضباط الكبار سواق الشاحنات بالاستدارة والاتجاه نحو البوابة الليبية والعودة على أعقابنا!!!

كيف نعود؟؟؟ والأدوية ودموع أطفال غزة وجراح المقاومين وآلاف الأميال التي قطعناها وتلك الجماهير التي ودعتنا وهذه الأمانة ماذا نفعل بها؟؟؟

أوقفنا المحركات ونزلنا نستفسر عن السبب ونذكر الأخوة المصريين بالتأشيرات المرسومة على الجوازات من طرف سفارة بلدهم ببلادنا، فأخبرونا بأنها "تعليمات عليا" وختموا على جوازاتنا، التي ما تزال عندهم، كلمة "إلغاء" بسرعة وبكل بساطة، ثم أمروا سواقا مصريين بنقل شاحناتنا إلى البوابة الليبية غير أنهم رفضوا ذلك بل منهم من أجهش بالبكاء أمامنا... فاضطررنا أن نعود ليلا إلى الأرض الليبية.

* يوم الأرض

قضينا أربعة أيام كاملة في ليبيا نترقب نتائج الاتصالات الحثيثة التي كانت تجريها القيادة النقابية مع السلطات التونسية والسلطات المصرية لتسهيل عملية مرورنا وعبورنا بوابة السلوم لتواصل القافلة مسيرتها نحو معبر رفح...

هنا حدثني الأخ فتحي الهيشري عن المعنويات المرتفعة التي تحلى بها كافة أعضاء الوفد وسواق الشاحنات، ووصف لي بالتفصيل الاحتفال الذي أقاموه بمناسبة يوم الأرض الذي يوافق 30 مارس من كل سنة، حيث كتبوا اللافتات واليافطات وغنوا للأرض والحرية وانضم لهم عدد من الأشقاء الليبيين... وكان الدخول للأرض المصرية يوم 31 مارس...

قطعت قافلة الوفاء 1200 كيلومتر دفعة واحدة بمرافقة سيارة أمن، ولم يكن لأعضاء الوفد إلا أن يتوقفوا في محطة بنزين لمدة ساعتين فقط بعد تلك المسافة الطويلة، وبعد أن اخذ منهم التعب والإرهاق مأخذه.

"في العريش قضينا أربعة أيام حيث كنا نقيم بجانب مركب رياضي أين تكدست المواد الغذائية المرسلة إلى غزة وسط الملاعب الرياضية"، قال الأخ جمال البحريني وهو يشير إلى انتظارهم المقيت لإتمام الإجراءات التي يقوم بها كل من أعضاء الهلال الأحمر الفلسطيني والهلال الأحمر المصري للتسريح للقافلة بالاتجاه نحو معبر رفح الذي تفصلنا عنه 45 كلم فقط.

بعد بوابة رفح مشينا قرابة 300 متر ليستقبلنا الأشقاء الفلسطينيون بمعداتهم ومحركاتهم ورافعاتهم وعلى مدى ست ساعات عمل تم تفريغ أطنان الأدوية من الشاحنات التونسية الخمس وشحنها على متن سبع شاحنات فلسطينية ولم تسع الأرض فرحتنا ساعتها بعد أن انزاح عنا ثقل الأمانة التي كانت بعهدتنا ولم يفزعنا هدير الطائرات التي لم نرها والذي كان يصلنا من بعيد.

خلف حواجز رفح وعلى إيقاع شعار "غزة رمز العزة" التقى الوفد التونسي بوفد من الأطباء وكان الأخ كمال البوزيدي يشرح للطبيب الفلسطيني ممثل الهلال الأحمر السيد إياد حسن نصر تفاصيل الملف الخاص بالأدوية وكل المعطيات المتضمنة به بخصوص نوعية الأدوية وصلوحيتها وكمياتها...

· مرسى مطروح

انتهت المهمة وزال كل التعب والضغط... فرغنا شحنات الأدوية وتضاعفت شحناتنا المعنوية ونحن نطوي طريق العودة مظفرين... في مدينة مرسى مطروح تعطل محرك السيارة الخفيفة فاضطررنا لشحنها على متن إحدى الشاحنات بمعاونة بعض من العمال المصريين الذين كانوا يقومون بأشغال على حافة الطريق، ورفضوا مجازاتهم عن تعاونهم معنا قائلين لنا بالحرف الواحد "أنتم كسبتم الكثير من الحسنات بحركتكم النبيلة تلك فاتركوا لنا فرصة الفوز بحسنة واحدة من إعانتكم"...

كل أعضاء الوفد أكدوا أن على طول طريق العودة من معبر رفح إلى بطحاء محمد علي بتونس العاصمة لم تخبو مظاهر الاستقبالات الحارة والحميمية من قبل المواطنين والمواطنات في كل نقطة نعبر بها...

· الرصيد الرمزي

تتوارى مشاق السفر وعذابات الطريق خلف الشحنات المعنوية والرمزية التي تدفقت لدى كل واحد من الأخوة النقابيين الذين أمنوا رحلة الوفاء على متن قافلة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الأشقاء الغزاويين، كما أن هذه الرحلة التي دامت في الزمن الفعلي أكثر من عشرين يوما فانه ستنضاف إلى الرصيد الرمزي الذي يراكمه الاتحاد العام التونسي للشغل منذ أن تأسس تجاه الفلسطيين وعدالة الأرض المغتصبة...

2009/04/16

جنود الليل


نتدثر بالحرير صيفا وشتاء نختبئ في قلب الدفء وهم يجوبون ليلا ساحات المعاهد والمدارس وأقسام الكليات والجامعات والمستشفيات والوزارات والمصانع وكل المؤسسات والبنايات...

نقضي الليالي الطوال مقرفصين أمام شاشات التلفزات أو صحبة الانترنت، وننظم السهرات الصاخبة والحميمة والمجالس الملاح وهم يقتسمون وحشة الليالي مع نباح الكلاب ومواء القطط السائبة وصفير الرياح أو سيول الأمطار الجارفة...

نفترش نحن الموسيقى ونتغطى بالأحلام في ليالينا، ويقضون هم لياليهم متوثبين مستنفرين حتى لدبيب النملة إن حركت خطواتها أمام باب المدرسة التي سيتجه لها أبناؤنا صباحا، أو باب المستشفى، أو باب المصنع أو الإدارة التي ستقضي شؤون المواطنين

يقضون لياليهم في بيوت تقارب مساحتها زنازين السجون، تنتصب عادة وفي الغالب الأعم بجانب المداخل الرئيسية للمؤسسات التعليمية أو الصحية أو الإدارية...

ننام ليلا ونتحرك نهارا، وهم عكسنا يتحركون ليلا وينامون نهارا...

فئة كبيرة من المواطنين العاملين في هذا الوطن لا نعرفهم لطبيعة العمل الذي يؤدونه لصالحنا ولصالح هذا الوطن بمؤسساته وبناياته، هم الحراس الليليون الذين ينتشرون مع غروب كل يوم في مواقع شغلهم وينسحبون منها مع تباشير كل فجر جديد بعد أن يقضون ليلة كاملة يحرسون الجدران والمعدات والأرشيف والمخزون... وحتى النائمين فإنهم يحرسون طمأنينتهم...يحرسون أحلامهم ...

ولكن هؤلاء الحراس يفتقدون لأبسط مستلزمات الراحة إذ تمر عليهم ليالي الشتاء الطويلة في تلك البيوت/الزنزانات بدون أي وسيلة للتدفئة بدون رفيق يقاسمهم الوحدة بدون شاشة لتقطيع الليل إلى أجزاء... وأقصى ترفهم جهاز راديو سيئ الصوت والأخطر من كل ذلك أنهم يحمون مؤسساتنا مجردين هم ذاتهم من كل وسائل الحماية مفتقدين إلى ما من شأنه أن يحفظ سلامتهم وسلامة المؤسسة التي بعهدتهم...

الحراس الليليون لا يتمتعون بمنح خصوصية كافية وأجورهم لا تساوي أبدا حرمانهم من حياة طبيعية يخيطون فيها مثل كل الناس نهارهم بليلهم... والترقيات التي ينالونها مضحكة... ومنهم من يقضي ليله حارسا ثم يواصل صباحه منظفا بذات المؤسسة بأمر من مديرها بتعلة نقص اليد العاملة والأخطر من كل ذلك أننا لا ننتبه لهذه الفئة إلا يوم تُسرق مؤسسة ما، حيث تنصب كل السهام نحو ذاك الجسد النحيل الذي نخره سهد الليالي الطوال وأرق من حرم من نعمة النوم ليلا، هذا فضلا عن نظرة الاحتقار والدونية التي يحسونها من قبل مرؤوسيهم ومن يشتغلون بمؤسساتهم...

الحراس الليليون، هم فعلا الجنود الحقيقيون الذين يحمون هذا الوطن بكل أمانة حتى إن لم تتوفر لهم الحماية الشخصية...

اذكر هنا مقطعا شعريا للوركا يقول فيه:

"عيونها في الأرض الظليلة

تتعتم بليل هائل

وبين منعطفات الريح

يسمع صرير الفجر المالح"

أفلا يستحقون فجرا أقل ملوحة... لتنبت بعض الأزهار في حدائق لياليهم وليالي أبنائهم وبناتهم ككل الناس...

2009/04/14

أقصوصات الأزمنة الأخيرة..بلغة افتراضية جديدة..وتبرجات لا محدودة

بدر السلام الطرابلسي يكتب عن خطوة القط الأسود

صدر مؤخرا عن دار ورقة للنشر باكورة الأعمال الأدبية للكاتب الصحفي ناجي الخشناوي تحت عنوان "خطوة القط الأسود" وهي عبارة عن مجموعة قصصية تتكون من خمسة عشر قصة قصيرة ألفها الكاتب على فترات زمانية متباعدة(2008،2007،2006..) ولم ترى النور إلا في مارس من سنة 2009.

ويعتبر صاحب هذه المجموعة من جيل الكتاب الشبان حيث نشرت له عديد البحوث والمقالات الأكاديمية والفكرية في عديد الصحف والدوريات الورقية والالكترونية المحلية الدولية..كما شارك بأقصوصاته في عدد من المنتديات والدورات الأدبية الإقليمية..حيث لاقت قبولا محترما من قبل النقاد..

ونجده اليوم يلملم شتات قصصه القصيرة في كتاب واحد لينقل لنا فيه عمق تجربته الإنسانية القصيرة بمفهوم الوقت الآلي والطويلة بتنوعها وثرائها الوجودي ممتزجة في شكل رموز ودلالات تتماها وتتقاطع مع فانتازيا افتراضية تبحث لها عن منفذ في جدار الأفق الأفعواني حيث تغمره الثقوب السوداء بلا رجعة..!

المرأة فالمرأة فالمرأة..ثم الجنس والخمر ولفافات التبغ..قواسم مشتركة لمعيش شخوصه المتهالكات على عتبات المدينة الراكدة..والافتراضية أحيانا..أنساق وأنساق تمر بالتدريج وعلى مراحل لترابض في مستنقعات المحجرين المخضبة بالدماء المنهمرة في كل مكان ..افتراضي..(دم غزير يندفع باتجاه المحجرين بلا هوادة حيث ما نقل بصره)..

المرأة فالمرأة فالمرأة..ثم الجنس والخمرة ولفافات التبغ..تلاطمات مترسبة بعضها من بعضها الآخر..تكتمل في قصة صراع من أجل عشق عذري يتصدر صفحات جرائد القرن الوحيد في أعينهم..تزدهر في رحلة ملأ الذات على الملأ دون مواربة أو أغطية زائفة ومصطنعة..حيث

المرأة فيها سيدة الجلسات والاحتفاليات بالنبؤات الجديدة..حيث المرأة بلده الأصيل تعاشره ببذخ وكرامة ودلال...ويجد فيها موسما آخر مغاير..لأجل رحلة العمر صوب جنته المعلقة على أهداب الكاهنة البربرية..مرة أخرى.. والكثير من المرات..

هكذا أراد لنا أن ناجي الخشناوي أن نفهم معه الأشياء..وبتلك الطريقة أرادنا أن نعشقها ونعيشها مع/ و بلا ضوضاء المدينة..هربا من أنياب الجياع و"أقدام الجنود" التي لا يمكن لها أن تكون واقعا افتراضيا..محترزا بشدة على أصحاب البزات الأنيقة جدا..مفضلا المنفى داخل عزلته الحميمية وحانات آخر الطريق..مستمعا إلى "صوت فيروز" ثاني اثني واقعيته الأبدية أين يستقر ملجؤه ورغد المقام..

وهكذا تلمسنا أقصوصاته..بتأثر الغريب لأدب طليعة فنية جديدة ثائرة على طليعيات أخرى لم ترحمها الأزمنة الجديدة ذات الذواق الأممية الرحبة والرؤى المشتركة لعوالم الأنا والآخر و الأخروي القريب لنفق الأفق المتفحم تحت سطوة الماضي السحيق والمقولات المترسبة عبر أزمنة الظلام..والنور الأصولي..

تشكلات جديدة ومتقدمة على سرياليات ما بعد الدمار الكوني الثاني..جاءات في لوحات فنية "تشكيلية" بالأساس..قصصية شكلا ومضمونا وبعدا ورؤيا "افتراضية" ما كان لها أن تتشكل لولا عبق كاتبها الذهني حيث عمليات الجمع والقسمة لم ولن تخضع أبد لمنطق الحسابيات الاقليديسية أو الهندسات...أو حتى العقلانيات الابيكيرية..بل كانت دائما زخما ابنرومي معربد على غير العادة في ثنايا الحانات الإلاهية الممتدة بعيدا بعيدا..على جغرافية الروح المسفرة في العهود القديمة..حيث بابل هي المضجع والمضاجعة مرتين وألف مرة وكل مرة ومرات التاريخ المتقدمة بتكرار هزيل الإخراج والنية..

"خطوة القط الأسود"..مراكمات قصصية صغيرة تبحث عن مكان لصاحبها بين ثنايا ديناصورات الأقصوصات المعاصرة حيث الرتيب هو المعيار والتجريب يبقى كما كان دائما منزعا للهامشيين من أمثال رامبو وبودلار واليار وابن العربي و، صدقوني، عمر بن ربيعة والمهلهل..حيث انتعاشة الكلمة و رجرجة المعنى وصدمة الأفق البالي..

هنا وهناك..يترك القط السود آثار خطاه المزعجة لبعض فحول الأقصوصة الحديثة..هنا وهناك يترك ناجي الخشناوي ارتسامات جديدة للحب ..للجنس..للمعنى..للفكرة المتبرجة..ولكل المكبوتات المترسبة عبر سمك طبقات الفطاحلة القدماء..عندما يتنادمون في أمسياتهم الصيفية البذخة..حيث النرجيلة والفاكهة..والخمرة المعتقة.. وذوات الأرداف العالية..

كان وكنا وكانت الأماكن والأزمان والشخوص والتعقيدات العقدية..كان وكنا وكانت أحداثه الافتراضية تنزع الغمام عن بصائرنا المرتخية بفعل غبار الزمان المتكلس على جفوننا الفقيرة للمساحيق المترفهة..وتفتح نوافذ جديدة نحو ممكنه المستعصي على الولادة الطبيعية..

كنا بحق، وفي الكثير من أنساقه القصصية، قابلات عصاميات لمواليده الغريبة على عرفنا..والهامشية لصفحات أدبياتنا الكلاسيكية..لكننا في النهاية اهتدينا، في خضم النفق القاتم، إلى خطى قطه الأسود.. ******

ناقد وصحفي من تونس