بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/11/29

مَا لَم يَقُلهُ شيبُوب في حوَاره مَعَ المَحبُوب

في حوار إنشائي، بقدر ما خلا من المعلومات الدقيقة بقدر ما توفر على كل مكونات العمل المسرحي، لعل أهمها ديكور الاختفاء والتخفي بتلك الستائر التي تغطي المكان، تماما مثلما غطى المُحَاوَرُ كل الحقائق، "رتب" أول الفارين من النظام السابق، سليم شيبوب، حوارا تلفزيا، كان اقرب إلى جلسة "عتاب ومصالحة" بين صديقين لم يلتقيا منذ مدة... الأول أبدى فائضا كبيرا من التكلف والتصنع والثاني أرخى له جناح اللغة ليتفادى الحُفر والمزالق... ويسير في طريق معبدة نحو براءته المشتهاة... حوار استنفرت له أجهزة "الدولة" قبل أن تشرأب نحوه أعناق "الشعب" منذ أن تم الإعلان عن موعد بثه، فبعد القرار القضائي المانع لبث حلقة الحوار وما رافقها من جدل انتظرنا "وليمة إخبارية" عن أطوار العائلة الغريبة وعن جزء من تاريخ الاستبداد في فترة الحكم النوفمبري... وانتظرنا أن يعتذر صهر بن علي من عائلات الشهداء ومن الشعب التونسي... فلم نظفر سوى بتداعيات موهومة لشخصية صدقت أنها ضحية ولم تكن رأسا من رؤوس الفساد... ولم نظفر سوى بمحاولات بائسة لشراء الذمم من خلال الإيهام بإرجاع الأموال إلى الشعب... لكأن شيبوب لم يفهم شعار "شغل حرية كرامة وطنية" الذي رفعه المفقرون والمهمشون والمعطلون عن العمل، وتلبست به فكرة "الرجولية" فلم يجد في "الفرار" خير شكل للتعبير عن مدى "رجوليته"! وكأن الأموال التي نهبها من جيوبنا ومن عرقنا باتت "منة" سيمنحنا إياها شيبوب وليست حقا استشهد من اجله عشرات التونسيات والتونسيين! (يا للوقاحة) سليم شيبوب الذي أوردت بعض الصحف رسالته الخطية لبن علي يوم 12 جانفي 2010 تلك التي يكتب فيها " أصبح من المؤكد اليوم أن المؤامرة من أجل التغيير توضحت بعد التصريح الأخير لحمّة الهمامي على قناة فرانس 24 وأصبح من المحتم اليوم أن نستخدم هذا التصريح ضدّه وضد هذه المؤامرة الخفية التي تستهدف نظامنا. بالإضافة إلى ضرورة عكس الهجوم عبر حملة إعلامية على قنواتنا المحلية والقنوات الفضائية من خلال شخصيات ذات مصداقية من المجتمع المدني، حملة اعتقد أنها مهمة جدا ويجب أن تنال موافقتكم، كما اقترح أن يقوم القذافي بتصريح في هذا الاتجاه وشجب تصريحات ( الفوضوي) حمّة الهمامي التي تهدد استقرار المنطقة بأسرها، عبر عمليات نهب لممتلكات المواطنين وترويعهم من خلال استغلال قلة وعي الشباب...". هذه الرسالة، التي لم يتم تكذيبها في إبانها، وهو ما يمنحها الهامش الأكبر من المصداقية، كافية لمعرفة حقيقة الرجل و"وطنيته" المزعومة، فالحملة الإعلامية التي اقترحها على صهره آنذاك قامت بها نفس الشركة التي قامت بالحوار اليوم مع شيبوب، ونعني بها شركة "كاكتوس" من خلال الحوار الذي نشطه سامي الفهري ومعز بن غربية ليلة 13 جانفي 2010 خير دليل على ذلك، أما القذافي فلا أخال تونسيا واحدا ينسى كيف قال في حوار تلفزي تحت خيمته لقناة "نسمة" مع سفيان بن حميدة "انه لو كان تونسيا لانتخب بن علي مدى الحياة" وقد سبق أن صرحت زوجة شيبوب بتطور علاقة زوجها بالقذافي وأكدت سفره إلى ليبيا بعد الخطاب الثاني لوالدها، ثم لا ننسى التدخلات "العبقرية" في القنوات التلفزية الأجنبية لكل من برهان بسيس وبوبكر الصغير وسمير العبيدي والبشير التكاري... دفاعا عن "نظامنا" كما ذكر سليم شيبوب في الرسالة التي لم يسأله عنها معز بن غربية في حواره الأخير معه... أما عمليات النهب والسرقة لقصور العائلة المالكة، فمقاطع الفيديو المنشورة على المواقع الالكترونية كافية للتأكد من "خطة" سليم، ونداءات الاستغاثة الوهمية على إحدى القنوات التلفزية خير دليل على ما جاء في رسالة شيبوب، في حين يعلم التونسيون أن الشابات والشبان الذين ينتمون إلى حزب العمال الشيوعي آنذاك (باعتبار أن زعيمه حمة الهمامي مذكور في الرسالة) والى كل القوى الحية فقد كانوا في الصفوف الأمامية للمظاهرات والمسيرات وكانوا محركها الأساسي في أغلب جهات الوطن... إن ما يحز في النفس حقيقة ليس الحوار في حد ذاته، بل الحكومة المؤقتة الحالية والقضاء التونسي الذي لا يفعل سوى فتح التحقيق تلو التحقيق دون البت النهائي في القضايا، وها هو يُسقط قرارا تنفيذيا من خلال مشروع أمر يحمل اسم "مجلة الأخلاقيات القضائية"، فلولا تخاذل وصمت الحكومة والقضاء لما تجرأ سليم شيبوب على إخراج هذه المسرحية المهزلة، وربما كان من الأجدى بالصحافي الذي أجرى الحوار أن يعود مثلا إلى الخطوط التونسية للطيران والى شركة تونس للاتصالات والشركة الوطنية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية للملاحة والى الشركة التونسية لصناعة الحليب والى وزارة أملاك الدولة ووزارة التجهيز للتأكد من حقيقة العمولات التي أخذها شيبوب بعد توسطه في صفقات مالية خيالية لعل أهمها صفقة بناء المدينة الأولمبية برادس... كان من الأجدى مثلا بمعز بن غربية أن يعود إلى إحدى الحوارات التي أُجريت مع طارق ذياب، قبل أن يصير وزيرا، (19 جانفي 2011) تلك التي يقول فيها حرفيا عن سليم شيبوب:" هو الذي يسيطر على كل شيء و أفسد الرياضة في تونس وساعده بعض العملاء وتواطأ معه عدد من رجال الأمن ورؤساء الجامعات والترجي الرياضي التونسي والوزراء، لقد كان المفسد الأول للرياضة ووراء العنف في الملاعب طوال 17 سنة ..." (فخار يكسر بعضو)... معز بن غربية، الذي يعيش في تونس، ويعرف آخر تطوراتها وأحداثها، كان بإمكانه أن يسأل محاوره عن دور رجل الأعمال كمال اللطيف أو شفيق جراية في النظام السابق، خاصة أنهما يمثلان لغزا محيرا للشارع التونسي في المدة الأخيرة، غير أن الصحافي اكتفى بإجابة شيبوب عن رجل الأعمال المُتُوًفى حديثا عزيز ميلاد، وهي إجابة مدحية لم تضف جديدا في عالم المال والفساد... أما إذا عدنا إلى نسخة جواز سفر شيبوب التي تم نشرها "فجأة"، بعد حواره، فسنتأكد أن هذه الوثيقة سارية المفعول وتُمكن صاحبها من العودة إلى تونس، وبغض النظر عن مهنته المنصوص عليها بجواز سفره (صهر رئيس الجمهورية) فان السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تنشر الجهة التي نشرت هذه الوثيقة منذ مدة، وهي وثيقة من جملة آلاف الوثائق التي يتم نشرها في إبانها وكلما اقتضت "المصلحة" ذلك... ولعل خير مثال على ذلك أيضا ما صرح به مؤخرا مدير ديوان رئيس الجمهورية المؤقت حول العثور على ملفات فساد داخل رئاسة الجمهورية! هكذا بعد سنتين كاملتين! ومن المضحكات المبكيات في إطار العدالة الانتقالية الموهومة، أن يتحدث سفير تونس بالإمارات، السيد طارق بالطيب، عن اتصال سليم شيبوب بالسفارة التونسية بغية تعريف بالإمضاء على وثيقة من المصالح القنصلية بأبو ظبي، والتلفظ بالكلام البذيء تجاه احد العاملين بالسفارة! وكأن هذا السيد غير مطلوب للقضاء التونسي، وكأن السفارة غير معنية بإلقاء القبض على هارب من العدالة التونسية ومتهم في أكثر من قضية... بل إن السفير يتحدث عن تجاهل معز بن غربية لطلبه بالتدخل المباشر في ذات الحصة لتوضيح وجهة نظر "الدولة" في خصوص إمكانية إعادة سليم شيبوب إلى الأراضي التونسي خاصة أن وزارة الخارجية قامت بالتنسيق مع قناة "التونسية" في الغرض!!! وبالمقابل مثلا لم نسمع أو نطالع تكذيبا أو تصحيحا من سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية لما أورده شيبوب في الحوار حول مراسلته للوزير! إن هذا الحوار التلفزي، الذي يشبه "جلسة عتاب حميمية" بقدر ما كشف عن عديد المحاولات "الجادة" من بقايا النظام السابق للتموقع من جديد والظهور في مظهر الضحية، فقد مثل إفرازا مرضيا وكشف بشكل ساطع مدى تخاذل وتساهل "الحكومة الشرعية" في مسار العدالة الانتقالية وتباطؤها، إن لم نقل خوفها، من اتخاذ الإجراءات الحازمة واللازمة لجلب المتهمين وإعادة ما نهبوه من الشعب، حتى نطوي هذه الصفحة السوداء التي طالت أكثر من اللزوم... بل إن مثل هذه الحوارات التلفزية هي نتيجة حتمية لفشل الحكومة الحالية في إدارة ملفات الفساد والفاسدين، ومنحهم الفرصة للعودة من جديد ولعل ظهور برهان بسيس في قناة "حنبعل" وفي "التونسية" وبعده ظهور عبير موسى محامية التجمع سابقا في إحدى القنوات بمظهر "الحقوقية" مثل بداية مسار النكوص والالتفاف على أهم مطالب الثورة... وهاهي ليلى المكي، المتمعشة من نظام بن علي حد التخمة، تمدح منذ أيام قليلة سيدها وسيدتها في برنامج حواري بالإذاعة الوطنية على المباشر! إن ظهور شيبوب في حوار تلفزي إلا تأكيد على أن مشروع إقصاء التجمعيين الذي اقترحته حركة النهضة ما هو إلا صياغة بالقوة لا بالفعل، لمشروع حزبي انتخابي بالأساس، ولا علاقة له بهدف "تحصين الثورة"، بل هو تحصين لحظوظ الفوز في الانتخابات... والاستئثار بدواليب الحكم والتسيير بأدوات قديمة ومهترئة...

2012/11/22

قناة "الزيتونة" في قلب الحدث!

رغم أن قناة "الزيتونة" التلفزينوية التي مازلنا نجهل "باعثها" الأصلي، أهو أسامة بن سالم ابن وزير التعليم العالي المنصف بن سالم، أم لطفي زيتون المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة المؤقتة، رغم أنها مازلت في مرحلة البث التجريبي، إلا أن آفاق انتشارها الإعلامي باتت تتعزز يوما بعد يوم، ولكن بطرق تثير أكثر من نقطة استفهام واستغراب، فرغم أن مادتها الإعلامية من أخبار وحوارات وتغطيات وبرامج دينية وترفيهية واقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية وبرامج أطفال ... لم تحقق بعد تميزا نوعيا وإضافة مختلفة قد يجعل من هذه القناة محط أنظار المشاهدين، باعتبار مادتها لم تخرج عن سياق الفضائيات الدينية التي تنطلق في البداية "محافظة" لتنتهي إلى "التحريض" من خلال الفتاوي... قناة "الزيتونة" وما "التبس" بها من بعض "الحركات" يثير حولها أكثر من "شبهة" حول طريقة تموقعها في المشهد الإعلامي التونسي بالأساس، ومحاولة افتكاك أكبر عدد من المشاهدين، فالكل يتذكر جيدا كيف أثارت هذه القناة ضجة بعد أن "انفردت" أو (تم إفرادها) بحوار حصري مع البغدادي المحمودي في سجنه، ومن بين التعاليق التي أطلقت آنذاك على هذا "السكوب" التلفزي أن "تحقيق مثل هذا السكوب في أرض وعرة مثل ليبيا، وهو ما عجزت عنه أقوى المحطات الفضائية الإخبارية، يؤكد منطق التنسيق والأجندة السياسية الكامنة وراء هذا الحوار عبر اختيار قناة الزيتونة لتكذيب من يروج لوفاة المحمودي وتعذيبه ." كما أن هذه المقابلة وصفها السيد كمال العبيدي رئيس الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بأنها شبيهة بالاستنطاق البوليسي وتفتقد لأدنى شروط الحرفية والمهنية الصحفية. وفي "حركة" ثانية أصدر عدد من المشائخ المنتمين إلى التيار السلفي بيانا إلى الرأي العام وإلى أنصارهم في التيار السلفي اثر ما عُرف بأحداث دوار هيشر، ومما جاء في هذا البيان "...ولا يفوتنا أن نشكر الصّحفيّين الصّالحين الذين يقدّمون المعلومة الصّحيحة والدّقيقة، وهم بحقّ شرّفوا الإعلام النّزيه الصّادق ونخصّ بالذّكر منهم قناة الزّيتونة"، وهذه الجملة سبقتها ترسانة من التهم لباقي وسائل الإعلام الوطنية ومنها تحديدا التلفزة الوطنية الأولى، من قبيل " الإعلام الكاذب والفاحش والفاجر الموجه والفاسد المحرض على الفتنة..." أما آخر "الحركات" التي أتتها قناة "الزيتونة" فتعلقت بزيارة الوفد الرسمي إلى قطاع غزة بعد العدوان عليها، حيث ظهر أسامة بن سالم وراء وزير الخارجية المؤقت إبان اجتماع وزراء الخارجية في جلستهم الطارئة لجامعة الدول العربية، وقد أثار هذا الظهور الاعتباطي ضجة كبيرة حول "هيبة" الديبلوماسية التونسية، ولئن "اعتذر" أسامة بن سالم عن ظهوره بتلك الطريقة وأبدى استعداده للمساءلة فان شيئا لم يحدث... بل إن في تصريحه تناقض صارخ لما أعلنه في السابق باعتبار انه لن يكون إعلاميا بقدر ما سيكون مسؤولا فقط عن إدارة مؤسسة إعلامية، حيث قال في "تبريره" لطريقة ظهوره في غزة أن تواجده هناك باعتباره إعلاميا يسعى إلى سبق صحفي! بعد هذه الحركات الثلاثة، يبدو أن كل الأقنعة ستسقط عن قناة الزيتونة لتجعل أي متابع بسيط يكتشف طبيعة مهمة هذه القناة التي نجدها دائما في قلب الحدث بفضل الحكومة المؤقتة، وتضرب في نفس الوقت كل إمكانات قيام إعلام وطني محايد ومستقل بذات الأدواتـ فمن يدعم قناة الزيتونة لتكون بوق دعاية له هو ذاته الذي يسعى للسيطرة على القنوات الوطنية ليعيدها إلى السراط المستقيم وهو نفسه الذي يلعب لعبة القط والفأر مع القنوات الخاصة مرة بالترهيب ومرة بالتركيع... وللأسف بعض القنوات انساقت في هذه اللعبة... لعبة التبعية...

2012/11/15

متى ستعلنون ممتلكاتكم؟

في إحدى خطب المنصف المرزوقي قال "إن العمل على استرجاع ما نهبته أنظمة الاستبداد من خيرات وأموال طوال عقود يمثل تحديا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الأنظمة الديمقراطية التي ترث حالة الخراب التي تتركها أنظمة الاستبداد"... وفي ذات الخطاب قال أيضا "... هذه الكارثة الأخلاقية هي التي نريد تصحيحها كي تكون الرسالة أن الفاسدين لن ينعموا لا هم ولا ورثتهم بسرقاتهم وأن القول الفصل في الأخير سيبقى للقانون الذي خرقوه وللقيم التي خانوها". ومنذ أكثر من سنة ونصف أعلنت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة أن اللجنة تلقت أكثر من 4239 قضية فساد ورشوة تعلقت خصوصا بالرئيس السابق وزوجته وبعائلتيهما وبالمسؤولين المقربين منهما وبأصدقائهما بصورة عامة، هذا فضلا عن ملفات الفساد التي تطالعنا بها بعض الصحف والمجلات، المعززة بالوثائق والمستندات... الثابت أننا بصدد تفكيك منظومة متكاملة للفساد والرشوة أخلت بسير مؤسسات الدولة لسنوات ونخرت جوانب مهمة من المجتمع التونسي وهذه العملية تتطلب حدا أدنى من القيم والمبادئ منها بالأساس الشفافية والمشاركة والمسؤولية، وهي عملية تستهدف بالأساس النظام السابق والمنظومة السابقة، وهي من أهم مطالب "الثورة" التي قام بها المهمشون والمفقرون والمعطلون عن العمل، ولكن، يبدو أن "حرفة" الفساد والإفساد لم تعد تقتصر على السابقين من النظام السابق، فالأخبار المتتالية منذ سنتين تقيم الدليل على أن الفساد يأخذ شكله الجديد مع "نظام" ما بعد الثورة، ومع "المنتخبين" من الشعب لحماية ممتلكاته وإرجاع ما نُهب منه... وهذا الفساد والنهب "الثوري" لا يختلف كثيرا عن الفساد والنهب المافيوزي للسابقين، فــ"إمبراطورية" بن علي والطرابلسية والماطري ومن لف لفهم بدأت بالإشاعات في البداية ثم صارت حكاياتهم يتجاذبها الناس خلسة بعيدا عن عيون وآذان الرقيب، وكانت لبعض الصحف الجرأة على فتح بعض من ملفات السرقة والنهب... إلى أن اكتشف الشعب التونسي حجم ما نُهب منه يوم سقط الدكتاتور وبدأت تتهاوى معه الجوقة المحيطة به، ويبدو أن نفس السيناريو يُعاد من جديد، إذ أن تقارير وتحقيقات وأخبار الفساد الجديد والمفسدين الجدد لا تخلو منها صحيفة، يومية أو أسبوعية، إلى جانب إيراد معلومات دقيقة عن الممتلكات الجديدة لهذا الوزير أو ذاك، أو لرئيس هذا الحزب أو ذاك، هذا فضلا عن الصفقات العمومية التي يتم إبرامها باسم الشعب في حين أن العمولات الضخمة تعود إلى جيوب من ابرم تلك الصفقات وهي كثيرة... بل هي أكثر من فقر وألم هذا الشعب الذي نُهب سابقا ويُنهب اليوم ... وفي المقابل لا نسمع بتكذيب لهذا الخبر أو لتلك المعلومة، بل صرنا لا نسمع إلا بإطلاق سراح وزراء العهد الفاسد وترقية مسؤولي ومديري العهد الفاسد، وتشجيع رجال الأعمال في العهد الفاسد... وهو ما يجعل باب التصديق مفتوحا على مصراعيه، في انتظار أن تُحكم وزارة الداخلية أمرها وتُرتب بيتها من الداخل لتُطلق عصاها من جديد فيعود الشعب المسكين إلى الحديث عن العصابة الجديدة خلسة بعيدا عن عيون الرقيب...

2012/11/13

معرض قندهار للكتاب بالكرم

غربتنا "مكتسبات الحداثة"، ونأت بنا "الثورة التكنولوجية" عن كنه الحياة وسرها، فأدمنت أصابعنا الأزرار الباردة، وتعلقت أبصارنا بالشاشات المسطحة، وصرنا رهائن العلب الالكترونية نعاشرها آناء الليل وأطراف النهار... حتى صارت تفاصيلنا اليومية مضغوطة كالأقراص الليزرية، مهددة بالعدم والإتلاف بمجرد خدش بسيط... أو قل هي هويتنا وكينونتنا الإنسانية تلك التي باتت منذ زمن بعيد منذورة كل لحظة لأن تٌنخر بفيروسات الحداثة وما بعدها والصناعة وما بعدها والتكنولوجيا وما بعدها... انغمسنا كل في اللهث والركض الأرعن خلف آخر انتاجات التقنية، فزدنا على عبوديتنا عبودية جديدة للهواتف المحمولة، ولاقمات الأقراص (VCD/DVD/DVX/MP3/MP4/MP5) والهوائيات الرقمية والحواسيب الشعبية... وكل ما يٌشغل بآلة تحكم عن بعد... حتى صارت البيوت التونسية لا تختلف كثيرا عن المغازات الصغرى، تتوفر على كل "الأواني" والعلب الحديدية والبلاستيكية، وتفتقد حتى لاضمامة كتب لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة... المكتبة المنزلية، لم تعد من مشاغل التأثيث المنزلي لدى أغلب التونسيين والتونسيات، ولا أعني بالتأثيث، التوظيف الديكوري والتزويقي للمكتبة للتباهي بها، وإنما أقصد تأثيث العقل التونسي القادم بتوفير مسوغات العقلانية وتوفير الأرضية المعرفية... فالطفل الذي يكبر بين الكتب والمجلدات والمجلات والصحف، سيكون لا محالة محصنا من تلك الفيروسات الالكترونية، وسيكتسب تلك المناعة الدائمة من أي غزو أو اختراق من شأنه أن يهز كيانه ووجوده... طبعا أنا لست ضد استثمار مكتسبات الحداثة، ولست ضد التمتع بمزاياها المتطورة والناجعة رغم علاتها، ورغم فيروساتها الإيديولوجية بالأساس (أغلب الإحالات أو الإشارات المرسومة على التقنيات الحديثة، إما باللغة الأنقليزية أو باللغة العبرية)، قلت أني لست ضد التوظيف العقلاني والمتزن لمثل هذه الأدوات - بل إنني لا أرى الجنة اليوم إلا بستانا لا متناهيا من الكتب التي أتلفها الطاغوت أو أحرقها اللاهوت أو تلك التي استأثر بسحرها التاريخ لنفسه... وأراها أيضا رفوفا مؤلفة من الأقراص الليزرية المكتنزة بسحر اللغة، وإنما أنا أعلن عدائي الفطري للعبودية التكنولوجية، والتكلس الذهني والتنميط الميكانيكي والسقوط في براثن الحياة الآلية التي تنفي الفكر والفاعلية وتكرس التبلد الذهني والوجود السلبي والشخصية المنفعلة والمفعول بها... إن توفير أو تجهيز مكتبة منزلية لا يساوي الكثير ولا يتطلب قروضا أو صكوكا بنكية ولا ديونا متخلدة بالذمة، كما لا يكلف الزوجين تشنجا أو خصاما عائليا مثلما يحدث عادة بسبب اقتناء آلة الالكترونية. المكتبة المنزلية، تنمو كما ينمو العشب ليباغتنا ببرعم ذات صباح سيبني عليه الطير أيكه. إنها ممكنة ومستحيلة. ممكنة لأنها لا تكلف المواطن التونسي الكثير من الأموال، ومستحيلة لأنها ذهنية كاملة، وممارسة يومية تنبني على المراكمة المتواصلة... للمعرفة العقلانية والتنويرية التي باتت اليوم مهددة بشكل علني بعد الغزو الورقي في الدورة الاخير لمعرض تونس الدولي للكتاب حيث انهالت علينا دور النشر بما تعتبرها "كتبا"، تلك التي لا ترسخ الا الثقافة الانهزاميّة الانكسارية وتقدس مبرّرات السقوط والتراجع وفي أحسن الحالات الثبات والجمود، "كتب" مازالت أسيرة للفتنة الكبرى وصفين وكربلاء و ما يزال جزء كبير يناقش عقلانيّة ابن رشد وشكيّة المعري و"إلحاد" التوحيدي وابن الراوندي... "كتب" الفتاوي البائسة والموغلة في الغباء والاستغباء، القادمة تحت العباءات الخليجية وعلى أجنحة الدولار الأمريكي... ليعترضها الشباب بتهافت استعراضي موهوم... شباب يداعب أزرار ذات الحاسوب الذي غربه عن العقل والعقلانية بحثا عن "كتب" الفتاوي الساذجة و"كتب" الأصوات المطلة من خلف زجاج القنوات التلفزية الخليجية لتبث سمومها بعد ان أمنت أرصدتها البنكية...

2012/11/01

امارة دوار هيشر؟!

تعتبر مناطق حي التضامن ودوار هيشر وحي خالد ابن الوليد بمثابة مثلث برمودا، فهذه المناطق الثلاثة من ولاية منوبة غرب العاصمة تعتبر المناطق الأكثر فقرا وتهميشا، ولذلك تكثر فيها الجريمة وتنتظم فيها العصابات الإجرامية، وتعيش هذه المناطق طوقا أمنيا منذ زمن بن علي، حيث لم تتعامل الدولة مع أهالي المناطق الثلاثة كمواطنين لهم الحق في الحياة الكريمة بكل شروطها، بل ظلت محرومة من المرافق الأساسية ومن البنى التحتية التي تجعل من المناطق الأكثر كثافة سكانية في تونس، مناطق آمنة "يحلو" العيش فيها، وكانت بمثابة السجن الكبير، ولذلك لا نستغرب اليوم ما يحدث فيها من عنف منظم ومن عصيان وتمرد على الحكومة الحالية التي تواصل سياسة التهميش واللامبالاة لأكثر من مليون ونصف المليون ساكن بهذه المناطق... إن الصراع المحتدم اليوم بهذه المناطق وخاصة بمنطقة دوار هيشر بين الحركات السلفية من جهة ورجال الأمن وقوات الجيش من جهة ثانية، إنما هو وليد السياسة المتبعة من طرف الحكومة الحالية، فهي من جهة تجاهلت تماما المطالب الأساسية لهذه المناطق والمطالبة أساسا بحقها في التنمية والشغل، وأيضا للتعامل الانتهازي مع الحركات السلفية واعتمادهم كورقة ضغط على كل من خالفهم الرأي وهو ما جعل من هذه الحركات تتحول إلى قوة ضغط حقيقية وتشرع لنفسها ممارسة "قانونها الشرعي" بدلا من القانون المدني لمؤسسات الدولة... وهذا "الدور" الجديد لا يبدو غريبا خاصة أمام الإصرار على تقسيم المجتمع التونسي إلى جزء علماني وجزء كافر، وهو ما يغذي نزعة الانتقام والعزل "للأقوى" وبالتالي تشريع قانون الغاب الذي ينسف كل مقومات العيش المدني الآمن... فما يحدث منذ أيام في دوار هيشر من عمليات كر وفر بين باعة الخمر خلسة من جهة والسلفيين من جهة ثانية لا يدخل إلا في باب "السكوت" على الإجرام، فباعة الخمر خلسة مارقون عن القانون وبالمثل السلفيون مارقون عن القانون، غير أن ما يجعل من كرة النار تكبر لتحرق المواطن العادي الباحث عن أمنه واستقراره هو التعامل الهش للدولة مع الفئتين، فهي تتعامل مع باعة الخمر، كما كان يفعل بن علي، بشكل سري لتقصي الأخبار وجمع المعلومات وبالمثل تدعو إلى التحاور مع السلفيين وتتقاسم معهم الفضاءات الدينية، بل إنها لا تكتفي بهذا الدور وإنما تُمعن في إفقاد الدولة هيبتها عندما تُلقي التهم على الأطراف السياسية المعارضة لها ببث الفتنة ودعم المجموعات الإجرامية لبث الفوضى... وكذلك تحميل وسائل الإعلام تضخيم الأحداث!!! هذه الحكومة بنفس الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام السابق بل وأكثر، تلك التي كانت قادرة ذات يوم على تتبع شخصين التقيا للتخطيط لجريمة حق عام في مقهى شعبي أو حمام عمومي أو مسكن مغلق النوافذ والأبواب، غير قادرة، بنفس تلك الأجهزة اليوم، على التدخل لإيقاف المجموعات التي تتدرب على فنون تقطيع الأصابع وتشويه الوجوه وبث الرعب في النفوس الساكنة... والتي طالت اليوم رجال الأمن ذاتهم!!! وباتت تقوم "بدوريات تمشيط" بحثا عن باعة الخمور و"السافرات" والمفطرين... والمبدعين لتأديبهم حسب الشرع!!! إن المؤسسة الأمنية، ورغم ما تقترفه يوميا في حق المواطن من انتهاك لحرياته وقمع وتنكيل به، فهي تبقى المؤسسة الأولى التي تسهر على حماية المواطن وفرض القانون، وقد بدأت عديد المؤشرات الايجابية "تكتسح" بعض الأمنيين بعد "الثورة"، غير أن التوجه العام لسلطة الإشراف يجعل من وزارة الداخلية مرفقا حزبيا بالأساس (مثلما صرح بذلك الناطق الرسمي باسم النقابة الأساسية لسلك الحرس الوطني) كما أن المجلس الوطني التأسيسي تجاهل الرسالة المفتوحة التي تم توجيهها من طرف الجمعية التونسية من أجل شرطة وطنية التي طالبت فيها بوضع إطار قانوني للمؤسسة الأمنية يساير متطلبات مرحلة ما بعد الثورة وهذا التجاهل والإصرار على تسييس المؤسسة الأمنية (وباقي مؤسسات الدولة) من شأنه أن ينسف إمكانية تأسيس أمن جمهوري محايد... وبالتالي نسف أهم مقوم من مقومات حقوق الانسان والحريات العامة والفردية، وقد يقوض كل إمكانات الاستقرار الدولي خاصة أمام الخطة "الذئبية" للولايات المتحدة الأمريكية لتطويق الجزائر واستحلاب نفطها بتعلة مقاومة الإرهابيين في مالي... بعد زيارة هيلاري كلينتون لعبد العزيز بوتفليقة... وبعد افتضاح سيناريو مقتل السفير الأمريكي ببنغازي... على يد الأمريكان أنفسهم...