بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/02/21

من الخيار الشخصي إلى الحزبي قد يضيع الخيار الوطني

قدم السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة استقالته (خيار شخصي) إلى السيد محمد المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت، دون تقييم جدي وواضح لأسباب "فشل" أعمال حكومته طيلة فترة عملها، ولئن تم حصر أسباب الاستقالة في فشل (أو إفشال) مبادرة السيد حمادي الجبالي حول تكوين حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة، فان الطبقة السياسية اليوم تحصر اهتمامها بالحكومة القادمة في أسماء المرشحين لرئاسة هذه الحكومة، وبدا جليا أن الأحزاب الموجودة خارج الحكم تقدم مواقفها من منصب رئاسة الحكومة استنادا إلى "تصريحات" رئيس حركة النهضة وبعض القياديين في هذا الحزب (خيار حزبي)، فبعد الإصرار على إجهاض مبادرة تشكيل حكومة كفاءات وطنية و"إقالة" السيد حمادي الجبالي، تردد اسمه لتولي ذات المنصب مجددا بشدة، وهو ما باركه اغلب الطيف السياسي ودافع عنه، غير أنه وبمجرد أن عدلت حركة النهضة عن أمين عام حزبها رئيسا للحكومة المؤقتة الجديدة، وبدأت تروج لقائمة اسمية محتملة لرئاسة الحكومة، عادت الطبقة السياسية من جديد إلى مناقشة أهلية المرشحين الجدد لينحصر النقاش مجددا في مربع الأسماء والمحاصصة وتهميش الآليات الكفيلة بإنجاح عمل الحكومة المؤقتة المرتقبة... وما قد يزيد الوضع تأزما ويدفع بالبلاد مجددا إلى حافة المجهول هو "خيار" الإقصاء الذي أعلنت عنه حركة النهضة بصريح العبارة لحركة نداء تونس (بعد الجلوس إليها في المفاوضات) إلى جانب ضبابية الموقف من وزارات السيادة (الداخلية والخارجية والعدل والمالية)... وهو ما جعل بعض الأحزاب السياسية "ذات الوزن" تفضل دعم الحكومة الجديدة دون أن تشارك فيها. أمام كل هذه المؤشرات السلبية وغيرها، نلمس وضوح وواقعية موقف الاتحاد العام التونسي للشغل وهو الذي عبر عنه رفقة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس في رسالة سابقة أرسلها إلى رئاسة الحكومة تضمنت مفاتيح موضوعية للخروج من الأزمة (حياد الإدارة، حل المليشيات والرابطات، تقليص عدد الوزراء، تحديد موعد الانتخابات، انتخاب الهيئات التعديلية، تحييد المساجد، دفع الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد ومعالجة الوضع الاجتماعي...) كما نتفهم موقف السيدة وداد بوشماوي رئيسة منظمة الأعراف، عندما تعبر عن "عجزها" توجيه رسالة طمأنة للمستثمرين سواء الوطنيين أو الأجانب. قد يكون الحل الأسلم أيضا للخروج من هذا المأزق الذي قد يطول، قد يكون بيد السيد محمد المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت للجمهورية، فمن صلاحياته أن يقوم بتعيين الشخصية "الأقدر" على تحمل المسؤولية، وهذا التعيين مثلما اتفق على ذلك أساتذة القانون الدستوري، يمكن أن يكون شخصية وطنية لا تنتمي لا إلى الترويكا ولا إلى المجلس الوطني التأسيسي... وحتى لا نخرج من حلقة مفرغة لندخل في حلقة ثانية مفرغة أيضا ستكون نتائجها كارثية على البلاد، وحتى لا يتحول المأزق من السياسي إلى الشعبي والأمني، يتوجب على الفاعلين السياسيين، التوافق حول حكومة تلتزم بتسيير أعمال الشعب التونسي، لا حزب بعينه أو توجه مخصوص، ويتوجب عليهم أيضا الاقتناع التام بأن دور التشكيلة الحكومية المرتقبة هو تصريف الأعمال لا أكثر ولا أقل وتأمين فترة الانتهاء من صياغة الدستور الجديد والتوجه إلى صندوق الاقتراع مجددا، وساعتها فليتنافس المتنافسون.

الإقالة القسرية و"الكاستينغ" الوزاري

"الإقالة القسرية" التي اُجبر عليها السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة، من طرف حزبه بعد عملية ربح الوقت وإثارة بعض المسائل الهامشية في مرحلة أولى دامت أكثر من سبعة أشهر، ثم بعد عملية لي الذراع التي استمات فيها حزب الجبالي ذاته خاصة بعد اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد يوم 6 فيفري، هذه "الإقالة" كانت منتظرة، وكانت كل المؤشرات تدفع نحو هذا المأزق الذي دُفع إليه الشعب التونسي دفعا... واعتقد أن من أهم أسباب "توريط" الشعب التونسي في هذا المأزق، هو إصرار الترويكا على ضرب السلطة الأصلية ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي من جهة، ومن جهة ثانية الإصرار المستميت على تقديم "جيش" الوزراء والمستشارين وكتاب الدولة... سلطة شرعية وحكومة دائمة ضاربين بذلك مفهوم "حكومة تصريف الأعمال" ولم يكن رئيس الحكومة المؤقتة بمنأى عن هذا الخلط المتعمد للأدوار... فهو المسؤول الأول عما تردت إليه تشكيلته الوزارية... قد يكون بصيص الأمل في وفاق محتمل، السبب المباشر في تأخير الإعلان عن هذه الإقالة القسرية، ولكن الثابت أن "هاجس" تقدير موازين القوى السياسية والحزبية بين من في الحكومة ومن خارجها هو السبب الحقيقي الذي حرك كل التفاصيل الحافة بعملية التحوير الوزاري...بدءا ثم تشكيل حكومة جديدة منتهى... ولعل الاستعراضات الشعبوية التي أتاها "سدنة" الشرعية في الشوارع وفي المنابر الإعلامية خير دليل على الاستهتار التام بمستقبل الدولة التونسية وعلى استبطان مفهوم الدولة/الحزب... ولعل خير دليل على استبطان الاستبداد إصرار الفريق الحكومي على نجاح دوره رغم الإقرار الواضح بالفشل من قبل رئيس الحكومة المؤقتة... حتى أن وزير الخارجية مازال يلوك "حكمته" القائلة "نحن أفضل حكومة في تاريخ تونس"؟ وفي انتظار تكوين حكومة مؤقتة جديدة والتي لن تخرج عن المحاصصة الحزبية وان تغلفت بغلاف تقني وإداري، فإن "الكاستينغ" الوزاري المرتقب سيكون على أشده خاصة بعد أن "توضحت" نوعا ما مسافات الابتعاد والاقتراب لدى الأحزاب المتهافتة أو المتوجسة من حزب "مونبليزير"... هذا الحزب الذي تمكن من دواليب الدولة وانتشر في مفاصلها بما يضمن له إعادة تكرير الحزب الواحد الأوحد... ولن يكون مدخله غير مدخل الحزب السابق... متراك البوليس ومصادح التطبيل والتهليل... وملامح الحكومة المرتقبة تظهر للعيان من خلال السرعة القصوى المُعلن عنه من "مونبليزير" مما يعني أنها جاهزة منذ مدة، وجهازيتها لن تمنع تأخرها عن العمل فالاقتراحات ستكون عديدة والنقاشات ستطول أما الطعونات فستكون محتدمة وعلى أشدها خاصة أن الأسماء المرشحة من مونبليزير تثير أكثر من نقطة استفهام، فعلي العريض شهدت فترته اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد وانخراما امنيا لا مثيل له، أما محمد بن سالم فهو من الوزراء الذين لم يعلنوا عن ممتلكاتهم إلى حد الآن فضلا عن سمة التوتر الغالبة على سلوكاته ومواقفه، ولا ننسى موقفه الغريب المستهجن من الزيادة في أجور الشغالين لتغطية جزءا من تدهور قدرتهم الشرائية، في حين يبقى عبد اللطيف المكي "أخطر" المرشحين لمَ عرف عنه من تشبث حزبي شديد وهو ما يتنافى مع مقتضيات منصب رئيس حكومة ولا يمكن تجاهل وهو الذي كان يرفع شعار فصل الحزب عن الدولة زمن تعليمه الجامعي. المؤلم في كل السيناريوهات المرتقبة، والتي لن تختلف عن سابقاتها، هو تضاعف حجم "الإهانة" التي تلحق بالشعب التونسي وبالدماء التي لا نخالها زورقا آمنا لعبور زمن طويل من "الحقرة"... وللابتعاد عن الإفراط في التشاؤم، سنبحث عن بعض العزاء في "تفاؤل مؤقت" نُسند به "بقايا" حلم الانتقال الديمقراطي، حينما "نصدق" أن الفريق الحكومي القادم "سيلتزم" بمبدأ تصريف الأعمال الحكومية إلى حدود إجراء الانتخابات القادمة... وحينما "نُصدق" انصراف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي إلى إنهاء صياغة الدستور، وحينما "نُصدق" السعي الجدي إلى تركيز الهيئة المستقلة للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومراجعة ضبابية المعايير المعتمدة في تعيين أعضائها. وقد يتعزز منسوب التفاؤل حينما يتم الرجوع عن التعيينات الحزبية التي فاقت 1200 في كل الإدارات وبخاصة في سلك الولاة والمعتمدين والمديرين العامين للمؤسسات الوطنية، وعندما يتم الإعلان عن حل كل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات البربرية المنظمة للعنف. وقبل هذا وذاك كشف حقيقة اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد لأنه المفتاح الحقيقي لمعرفة اتجاه مستقبل تونس.