بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/04/21

"‬ضربني‮ ‬وبكى‮... ‬سبقني‮ ‬وشكى‮"


عندما بثت التلفزة التونسية في احدى نشرات أخبار الساعة الثامنة صورا لمجموعة من المتظاهرين أمام مجلس المستشارين ضد الفصل 15 من مشروع القانون الانتخابي المقترح من قبل الهيئة العليا للاصلاح السياسي، وعندما تواترت مقاطع الفيديو على شبكة الفايسبوك لهؤلاء المتظاهرين، تذكرت مثلاً تونسيًّا يقول "ضربني وبكى... سبقني وشكى" وبدا لي هذا التركيب العميق الأنسب لوصف من قدّموا أنفسهم بالتجمعيين أو بالدساترة فهذه الحركة الاحتجاجية لا تعبّر إلاّ عن طبيعة من أتاها... طبيعتهم التي يعلمها اليوم كل الناس بعد أن سقطت كل الحجب والستائر البنفسجية التي تسترت على مظالم التجمعيين ضد هذا الشعب...

إن تجمهر عشرات التجمعيين أمام مجلس النواب، ولقاءاتهم المتواصلة للتنسيق تعتبر غير قانونية باعتبار أن الحزب الذي يتحدّثون باسمه منحلٌ واقعيا وتاريخيا وقانونيّا وهذا ما يطرح أكثر من نقطة استفهام أمام تعامل المؤسسة الأمنية معهم...

ثم إنّ العشرات أو المئات الذين مازالوا مستميتين في المستنقع يثبتون أن نسبة 99٪ التي كان يقدمها "زميمهم" في الانتخابات هي الكذبة الأكثر بلاهة، فحتى لو صدّقنا أن منخرطي الحزب هم ثلاثة ملايين فإن النسبة لن تصل 40٪ فقط، وهذ المثال أضربه لبعض الاحزاب اليوم التي تدّعي الجماهيرية وتتوهّم أنها الأجدر بالفوز بأكثرية المقاعد في المجلس التأسيسي...

يتظاهر "التجمعيون" اليوم في الوقت الذي يُطالب فيه الشعب التونسي بضرورة المحاسبة لكل من أجرم في حق هذا البلد، وفي الوقت الذي تُطالب فيه عديد الأصوات المعتدلة بضرورة المصالحة لتسهيل الانتقال الديمقراطي والتخلص من تاريخ الاستبداد... ولكن يبدو ان شروط المصالحة مختلة ويصعُب التكهن باستقامتها ذلك أننا، وإلى حد اليوم، لم يُطالعنا مسؤول حزبي قديم، في الحزب المنحل أو واحد من المناشدين لاطالة عمر الدكتاتور أو واحد من أعوان الامن، وقدّم اعتذاره الرسمي من الشعب التونسي عن توغله عميقا في الحضيض..

كما أننا لم نلمس إلى اليوم أية مبادرة جدّية من طرف "التجمعيين" للكف عن ممارسة الاستبداد والنهل من ارثهم القمعي لترهيب المحيطين بهم خاصة في المناطق الداخليّة، بل بالعكس فعديد المعطيات تؤكد مواصلة هؤلاء التجمعيين في غيّهم وترهيب المواطنين وتخويفهم إن هم كشفوا تجاوزاتهم وهذا أيضا ما يطرح أكثر من نقطة استفهام أمام الحكومة المؤقتة والمؤسسة الأمنية ووسائل الإعلام فالكل ظلّ يسلط الضوء على "المسؤولين الكبار" وتغافلوا عن البيادق التجمعية المنتشرة كالسرطان في جغرافية البلاد.. فمن سرق مائة مليار لا يختلف عمن ابتز امرأة معوزة أو عامل حظيرة في قرية من القرى...

المصالحة اليوم التي ينادي بها الحقوقيون والديمقراطيون المتشبعون بثقافة حقوق الإنسان والتسامح والتقدم نحو الأفضل تظلّ مطلبًا شكليا أمام تعنت "التجمعيين" وظهورهم بمظهر الضحايا لا الجلادين، وتظل أفقا مستحيلا للأيادي الممدودة بكل تسامح ما دامت أيادي "التجمعيين" لا تزال منغرسة في الأوحال وتأبى النظافة... ثمّ إن المصالحة هي بطبعها مسألة بسيكولوجيّة تخضع إلى مدى جاهزية النفس البشريّة للتخلص من رواسب الحقد والغطرسة، وليست مسألة إدارية قد تتحقق بمرسوم رئاسي أو قرار وزاري...

2011/04/14

"الشُّو" السياسي

منحت ثورة 14 جانفي الفرصة التاريخية لعديد الأحزاب السياسية حتى تنشط علنًا بعد أن جرّب النظام النوفمبري كل وسائل القمع والمنع لمناضلات ومناضلي أغلب الأحزاب المعارضة لمنظومة الحزب الدولة...

ثورة 14 جانفي مكنت عدة أحزاب من فتح مقراتها وعقد ندوات والتعبير عن مواقفها عبر مختلف وسائل الإعلام الوطني والأجنبي وساهمت جل الأحزاب تقريبا في مجالس حماية الثورة المحلية منها والجهوية والوطنية، كما شاركت، ولا تزال في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي، وإن كان دخولها بذهنية الصراع السياسي لا البناء الإيجابي.

رموز ومناضلي الأحزاب السياسية كانت لهم محطات "شعبية" مع أنصارهم في دواخل البلاد، ورغم أن انتخابات المجلس التأسيسي التي ستقام يوم 24 جويلية 2011 لا يزال النقاش حول آلياتها وصيغها متواصلا، فإن عديد الأحزاب انطلقت في حملاتها الانتخابية وكشفت الوجوه التي ستترشح عنها، ولئن كانت هذه الحملات سابقة لأوانها فإنه من المستحيل الإقرار باحترام القانون الذي ينص على انطلاق الحملات قبل 22 يوما من موعد الانتخابات ذلك أن الإرث الأسود من القمع الذي تركته منظومة الحزب الدولة يصعب معها كبح جماح الفرحة والعمل الميداني والانغراس في تلافيف الوطن للإقناع وحشد المؤيدين والأنصار...

ولكن هناك من الأحزاب التي انفلت بها الجماح وصارت تستعرض قدراتها التعبوية مستنفرة مشاعر المواطنين بخطاب يتستر في جلباب المقدّس ويحتمي بالفضاءات المشتركة وبالنص المطلق من خلال جوقة المنشدين، وقد ساهمت وسائل الإعلام من حيث تدري ولا تدري في تضخيم حجم هذا الحزب عن الآخر من خلال الاستضافات اليومية تقريبا لرموز بعينها ومن خلال الحوارات الصحافية، كما لم يتوانَ أنصار هذا الحزب عن "اغراق" فضاء الفايس بوك بالمقاطع المصورة التي تقدم جماهيرية هذا الحزب دون غيره...

إنه الزحف المنظم على إمكانية مشهد سياسي متعدد، والاستحواذ الممنهج على الأفق الديمقراطي المنشود باعتبار أن النسخة الرديئة للحزب الدولة قد تتكرّر بشكل أكثر سوءا... بمثل هذا السلوك السياسوي.

هذا "الشُّو" السياسي الذي بدأ يعمّ الفضاءات المختلفة، العامة منها والخاصة، يترك المشاكل الأساسية من تجهيل معرفي وتصحّر ثقافي وتفقير اقتصادي وتشويه مدني واختلال اجتماعي ولا يعمل إلا على مغازلة الذات الفردية في نزعاتها ورغباتها من خلال ثنائيات الإيمان والكفر والخير والشر، والمقدس والمدني ويسقط من قاموسه سلطة الخطاب العقلاني ليعوضها بخطاب السلطة التيولوجية لاستمالة ذوي القلوب الضعيفة والفكر المتردّد.

فمتى نتعلم أن التجارب الحزبية الفاشلة، التي تحشد الجماهير يكون فيها أفق الديمقراطية شديد الانحسار وإمكانات احترام الذات / المواطنة ضئيلة جدا، ولعل حزب الثلاثة ملايين، الحزب المنحل في تونس، خير دليل وبرهان على أن استمالة الناس بالترهيب والترغيب مشروع حمل بذور فشله في داخله لأنه ببساطة ابتعد عن الأرض ليحتمي بالسماء وتخلّى عن مشروعه المجتمعي مثلما نشاهد اليوم بعض الأحزاب تلوذ بخطابها بعيدا عن آلام المواطنين... متناسية ـ عن عمدٍ ـ أن السياسة هي التعامل مع الممكنات وليس تحقيق المطلقات لتضرب بذلك البرهان الساطع على أن الديمقراطية بدعة غربية.

2011/04/07

"خبز وماء والنّصابة لا‮"!!!‬


شَنَقَ الشعب التونسي النظام النوفمبري يوم 14 جانفي 2011 ، يوم توحّدت شعارات أبناء هذا الوطن وتماهت مع صديد الأغلال والأصفاد التي ضُربت عل لسانه وعقله ويده طيلة ربع قرن وأكثر... شعارات اختلفت في صيغها وتركيباتها وحتى في لغتها ولكنها اجتمعت في شعار "خبز وماء وبن علي والتجمّع لا"... وهو شعار منغرسٌ في طبيعة التونسي الذي يُؤثر كرامته عل حاجته البيولوجية...

هذه الشعارات يبدو أن شُعلتها بدأت تذوي وتُلاَمِسُ بؤر العتمة بفعل "العقول المدبّرة" التي مازالت أياديها ملطخة بأوحال الفساد والاستبداد، والتي تسعى جاهدة إلى إجهاض الثورة التونسية وتشويه مسارها... ولنا في أحداث باب الجزيرة وباب الفلة والصبّاغين ونهجي شارل ديغول وبومنديل ما يكفينا من أدلة قاطعة على مأسَسَة الشدّ إلى الوراء...

إن ما حصل في هذه المناطق بقلب العاصمة الأسبوع المنقضي يجعلنا نذهب في التأويل مذاهب شتّى، ولكن يبدو أقرب التأويلات إلى التصديق هي تلك التي تدين بشكل واضح أطرافا بعينها لتأجيج سعير العنف والفتنة الجهوية.. ولنا في بعض المعطيات ما يعزّز ذلك فبعد مقتل ابن عون بإحدى الحانات على يد أحد حرّاسها، على اثر هذه الحادثة وفي يوم جنازة الـمُتَوَفَّى اشتعلت نيران الفتنة والثأر (بعيدا عن مجرى القانون) فتم الاعتداء بالعنف الشديد على "نصّابة" وتجار باب الفلة وبومنديل والصّبّاغين وغيرها من المناطق باعتبار إنهم أصيلو سبيبة وجلمة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان وجندوبة.. كما تم نهب وسلب أموال وبضائع التجار وحرق بعض محلاتهم كما تم إيقاف حوالي 300 شخص منهم ورُفعت شعارات مهينة ضدّهم من قبيل "خبز وماء والنّصّابة لا"!!!

"النّصّابة" القادمون من دواخل البلاد، من الولايات الأكثر تهميشا وتفقيرا، والذين يفوق عددهم عشرة آلاف لهم اكثر من 2000 محل تجارة، ساهموا في ثورة الشعب التونسي مثلما غذّى إخوانهم وآبائهم وأبنائهم شرارة الثورة واستماتوا من أجل إنجاحها... هؤلاء "النصّابة" يضخّون الكثير من الدماء في الاقتصاد التونسي على هامشيتهم، هؤلاء "النّصابة" سرقت أحلامهم عصابة الطرابلسية وأذلّتهم الدوائر البلدية ونخرت جيوبهم دوريات الأمن "بالخمّوس" و"العشّور" واحتقرتهم وسائل إعلام عبد الوهاب عبد الله بتعلّة "جمالية المدينة"!!! وهاهي ـ بعض وسائل الإعلام النوفمبري ـ تواصل اليوم نفس الدور القذر... فهل يُعقل أن نقرأ "تحقيقًا" على موقع انترنات (مالكه معروف جدًا) هل يُعقل أن نطالع في هذا "التحقيق الصّحافي" بعنوان: "العاصمة: أهالي باب الجزيرة يستغيثون...أولاد جلمة اقلقوا راحتنا ولا نقبل إلا بترحيلهم"، هل يعقل أن نقرأ عبارات من قبيل: "أبناء جلمة أقلقونا / هذه الفئة يصعب التعامل معها / النازحون / لقد استعمرونا / أخافهم كثيرا ولا أرغب في بقائهم في منطقتنا/ لن يهدأ لي بال إلا بأخذ الثأر / روح بروح / تسفيرهم إلى مناطقهم /" وفي هذا التحقيق الأعرج يقول مصدر مسؤول (حسب الموقع) "إنّ أبناء جلمة عرفوا منذ فترة باحتلالهم للمنطقة"!!!

أعرف أن "نصّابة العاصمة" ليسوا أبرياء ولا هم ملائكة.. ولكن أعرف أيضا أنهم ليسوا شياطين. وبهذه الصورة التي يقدّمها مثل هذا الاعلام!!!

ثمّ إن إثارة النعرات القبلية والعشائرية في الجنوب التونسي لا تدل الاّ عن وضاعة من مازال يراهن على استغباء هذا الشعب، وهي ذاتها الورقة التي تُسحب اليوم في العاصمة أمام أبناء الشعب التونسي باسم الجهويات... ولكن الأدهى والأمر أنّ أبناء سبيبة وجلمة وبوزيد والقصرين وجندوبة يُضْرَبُونَ بأيادي أبناء الأحزمة القصديرية للعاصمة وأبناء المناطق الأكثر تهميشا وتفقيرًا بعد أن رتّب المتمعشون من النظام السابق أوراق اللعبة!!!