بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/11/06

صاحب السلوان، قاذف المنجنيقات



جاء من "مدينة التدقيق والتحقيق" أو "مدينة المطلقين"، قفصة، ذات مارس من سنة 1953 ليدق عنق الفلسفة في كلية 9 أفريل ويطلق منها، وهو طالب بعدُ، كتابه الأكثر مبيعا "ما الفلسفة" سنة 1987 ثم يجترح بعده "ما الثقافة" و"الثقافة والجنسوية الثقافية" و"الجراحات والمدارات" حتى لقبته جريدة "لوموند" الدولية بفيلسوف الصحراء...
كانت كتبه تلك، وهي تدور في فلك الفلسفات مغربا ومشرقا، تتوهج مصطلحاتها وحكمها بصور الكلام العالي ومفردات المجاز المفرط في شعريته لتقوده نحو "كتاب السلوان والمنجنيقات" و"ديلانو شقيق الورد" ليثبت أن فيلسوف الصحراء هو أيضا شاعر الوجع الأممي... بعد أن "كسرته الدنيا"... مثلما يتكسر الطيران في بعض الأجنحة...
مثل العطر، سال حبره من الفلسفة، من "زهرة العصور ووردة المدن" إلى الشعر "زهرة الصحاري ووردة الرمل"... متأبطا بصيرة أبو العلاء المعري وطه حسين في دربه الحبري...
فيلسوف الصحراء، شاعر الوجع الأممي هو الكاتب الحر سليم دولة الذي أعاد منذ أسابيع قليلة نشر "كتاب السلوان والمنجنيقات" إمعانا منه في "تكسير أجمل ما في الدنيا وفتح أختامها وتقبيل أصابعها عضا..."، وهو "مكتوب" مُرسل رأسا إلى سامي الأزهر دولة في ضريحه الوطني، والى "صدام حسين المجيد" في شرفة شهداء الحرية وهما يطلان على "المتوغلين في الاحتفال بسفك الدماء"...
مكتوب السلوان "المصمق بالحبر والدماء والدموع والعرق وأشياء أخرى" مرفوع أيضا في بعض من أوجاعه إلى كل من "الفنان الفرنسي الفوضوي الرائع ليو فيري" والى "الشاعر كليم نفسه" و"إلى الذين أشاعوا" موت الدولة في سليم و"نعوه" وأيضا إلى "قدامة ابن جعفر الكاتب البغدادي" أنيس عزلة سليم وحصنه وصخرته في محنه المتناسلة، وكذلك إلى "صاحب كتاب المتاهات والتلاشي محمد لطفي اليوسفي"، و إلى "درة سليلة الروح" والى "الحكيم القفصي عبد الحميد الزاهي" والى "صاحب مملكة السنبلة عبد الوهاب البياتي الشاعر العراقي" والى "صاحب كتاب الجراحات والمدارات، إلى سليم دائما ودولة أحيانا" والى الشاعر عبد الوهاب الملوح وعبد القادر خليفة وطارق الصغيري...
لم أجد ابلغ من وصف سليم دولة ذاته لكتاب "السلوان والمنجنيقات" في الصفحة 90 منه عندما كتب ما يلي:
"هذا المكتوب المصمقُ في
حب الفقراء...
وكراهية الملوك والسلاطين والأمراء
ومن في هذا السياق من أعداء الأمة..."
أكتفي بهذا المقطع الشعري لأن الكتب الجيدة لا تترك لنا مجالا للكتابة عنها مثلما نشتهي، ولا تمنحنا القدرة على التماسك في تحبير جمل فضفاضة بتقنيات باهتة في محاولة للإيهام بفتح مستغلاقاتها أو الاقتراب من الأرض التي يقف عليها كاتبها... والمهمة تزداد عسرا عندما يكون النص شعرا، وتتضاعف أكثر عندما يكون كاتب الشعر سليم دولة...