بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/05/28

السلفية، ذاك المارد الذي لن يعود إلى قمقمه

تلتقي أغلب المؤشرات الموضوعية والذاتية، حول حقيقة، باتت اليوم بمنأى عن أي تفنيد، حقيقة مفادها أن مارد السلفية قد كَسَرَ كل القيود المضروبة عليه، وانفلت من القمقم الذي حُشر فيه حشرا طيلة عقود من الزمن، وحقيقة أن عودته، إن طوعا أو غصبا، إلى قمقمه باتت صعبة، أن لم نقل مستحيلة، على الأقل على المدى القريب... بعد أن "حُوصرت" تونس بين أضلاع مثلث برمودا (حركة النهضة، حزب التحرير وأنصار الشريعة). فالسلفية، التي لا تمثل ظاهرة عامة في المجتمع التونسي، هي بصدد افتكاك تمظهرها الحقيقي والطبيعي الموؤود في الفترتين "الدستوريتين" السابقتين، مستندة في ذلك على المعطيين المكاني والزماني، فجغرافيا، تحولت تونس إلى معبر حقيقي للأسلحة الخفيفة والثقيلة، بعد أن "تأثثت" مكتباتها ومعارضها بالكتب المحرضة على الجهاد والعنف، وبعد أن صارت قبلة "شرعية" للدعاة المتشددين ولأصحاب الفكر الأصولي، وتحديدا الوهابي منه، الذي يضخ كميات هائلة من الأموال لتثبيت قدم محمد بن عبد الوهاب من جديد، ومذهبه الوهابي القائم على قاعدة "أسلم تسلم"، بعد أن "قطع دابرها" العلامة التونسي عمر المحجوب بطلب من حمودة باشا، باي تونس في القرن الثامن عشر... أما المعطى الزماني، فقد مثل ما سمي "الربيع العربي" مناخا مناسبا لاستفاقة التيار السلفي وظهوره إلى العلن، لممارسة السياسة والتشكل في الأحزاب والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، ("أنصار الشريعة" لها 213 جمعية خيرية تقدر نسبة تعاملاتها المالية 3 مليارات و826 مليون دينار... وحركة النهضة لها189 جمعية خيرية واجتماعية تقدر معاملاتها المالية ب4.2 مليار... ولحزب التحرير87 جمعية خيرية وطبية تقدر معاملاتها المالية ب1.9مليار من المليمات)، معتبرين أن الزمن هو زمن الصحوة الإسلامية التي انطلقت منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق سنة 2003، وأن الأوان حان لإقامة دولة "الخلافة الراشدة السادسة"، تلك التي أعلن عنها السيد حمادي الجبالي في إحدى الاجتماعات العامة لحزب حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا)، وهو التصريح الذي فتح المجال واسعا أمام الصنفيين الثانيين (حزب التحرير وأنصار الشريعة) إلى المضي قدما في تحويل وجهة الدولة التونسية من دولة جمهورية مدنية إلى إمارة إسلامية (عاصمتها القيروان) تحكمها الشريعة. بين حركة النهضة، صاحبة الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، وحزب التحرير المحظور في عدة بلدان عربية وأوروبية، والسلفية الجهادية ممثلة في أنصار الشريعة من جهة ثالثة، يتحرك المارد بسرعات مختلفة، وبأشكال متنوعة، ولكن في اتجاه غاية واحدة، ولأجل تحقيق هذه الغاية بالذات، فإن كل الوسائل متاحة ومُباحة، وهي شرعية بالتالي لا نقاش فيها ولا اختلاف... ومن ثمة تم تقسيم الأدوار بين الأطراف الثلاثة، كل حسب موقعه، وحسب ارتباطاته الداخلية والخارجية، حيث اضطلعت حركة النهضة بتعطيل مداولات المجلس الوطني التأسيسي من خلال أصوات ممثليها، وتكفلت وزارة الشؤون الدينية بترك باب المساجد مفتوحا أمام الأيمة المتشددين والمختصين في تفرقة الشعب التونسي بين المؤمنين والكفار، كما جعلت المؤسسة الأمنية مرتبكة في أدائها (أحداث السفارة الأمريكية وأحداث بئر علي بن خليفة والروحية...الاعتداء على زوايا الأولياء الصالحين...) ووقفت حركة النهضة ضد مشروع دسترة المؤسسة الأمنية وضد النقابات المنبثقة من هذا الجهاز، ولم تتوانى وزارة الخارجية التونسية في جعل دولتا قطر والسعودية، دولتا تدخل بامتياز في الشؤون الداخلية لتونس... أما حزب التحرير، وبعد الإيهام بمقاطعته لانتخابات 23 أكتوبر، فقد تكفل بإعلان ما لا يمكن أن تعلنه حركة النهضة بشكل مباشر، وهو إقامة دولة الخلافة، و"رجوع الإسلام"، خاصة بعد أن وزع "دستور الخلافة" الذي ينص على أن الديمقراطية كفر وشرك بالله، كما أن حزب التحرير تكفل بمهمة "تشويه" الخصوم السياسيين لحركة النهضة، ومنهما خاصة "العلمانيين والملحدين"، مثل الجبهة الشعبية اليسارية، و"أزلام النظام البائد" مثل حركة نداء تونس، ولم يتأخر أنصاره في كل مرة، في ضرب العمل النقابي وتشويه الاتحاد العام التونسي للشغل... أما السرعة القصوى لمارد السلفية والتشدد الديني، فيتجلى في المجموعات السلفية الجهادية، والمعروفة بأنصار الشريعة، فبعد الأعمال الخيرية والدعوية التي انتظمت في المناطق الأكثر فقرا وتهميشا في تونس، وبعد إجراء التدريبات في المعسكرات الجهادية خاصة في ليبيا للتنقل إلى سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد وإقامة دولة الخلافة، خاصة أن أنصار الشريعة يقاسمون "تنظيم القاعدة المنهج الفكري والعقائدي"، ورغم أن أنصار الشريعة لا يعتبرون تونس "أرض جهاد"، إلا أنهم مثلوا "ورقة رابحة" لدى حركة النهضة لكسر عنق الانتقال الديمقراطي وتحويل وجهة نظر الرأي العام الوطني عن مشاكل التنمية والتشغيل في تونس، وإلهائه عن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة، فالعلاقة "الأخوية" بين قياديين من حركة النهضة و "أمير" أنصار الشريعة، سيف الله بن حسين المكنى "أبو عياض"، علاقة لم تعد خافية عن أحد، خاصة بعد التحول الكامل في نظرة راشد الغنوشي "لأبنائه" السلفيين، واعتبارهم "جماعة تكفيرية"، وأيضا تصنيف علي العريض رئيس الحكومة المؤقتة أنصار الشريعة "بالجماعات الإرهابية"، ليصير بذلك "أمن التونسي" الأولوية القصوى بدلا من التشغيل والتنمية وإنهاء كتابة الدستور والمرور إلى الانتخابات، وقد نجحت الحركة ومن ورائها حزب التحرير وأنصار الشريعة، في "تأليف قلوب" الشعب والنخبة التونسية لتجاوز هذا "الخطر" و"التضحية" من جديد بالفقر والتهميش وحالة الضبابية السياسية... أن توزيع الأدوار بين الأطراف الثلاثة، ولئن كان مكشوفا لدى الطبقة السياسية والفكرية، فإنه مازال يفعل فعله لدى الأوساط الشعبية المستبطنة في لا وعيها لمقولة "التونسي مسالم بطبعه"، والأوساط الشعبية، تمثل الطرف الأهم بالنسبة لحركة النهضة في المعادلة الانتخابية القادمة، باعتباره يمثل ثقلا معتبرا من ناحية الأصوات التي سيمنحها للحكومة التي "تمكنت" من "كبح جماح الإرهاب والتطرف الديني" في الفترة الحالية... رغم أنها أطلقت سراح الناطق الرسمي باسم أنصار الشريعة؟ ولكن هل ستتمكن فعلا حركة النهضة من "كبح جماح أنصار الشريعة"؟ وهل ستتوقف دوامة العنف باسم الدين في حدود مواجهات "غير رسمية" بين رجال الأمن و"أشباح" الجهاديين في جبال الشعانبي وبوقرنين، وفي باحة المساجد وفي الأحياء المفقرة والمهمشة؟ أم أن "انفلاتات" مرتقبة من الشباب السلفي قد تنقلنا إلى مرحلة التفجيرات الانتحارية والأحزمة الناسفة والذبح والسحل وما شابهها من طرق تطبيق "شرع الله" في تونس؟ بين تفادي الحلقة الأخيرة من مسار تدمير الانتقال الديمقراطي، و"إحلال" نظام ديكتاتوري جديد، وبين "تأمين" هذا المسار الذي طال أمده، يظل "مقود البلاد" (مثلما قال راشد الغنوشي) بيد حركة النهضة، ويظل الخط المستقبلي لتونس رهين صندوق النقد الدولي ومدى تطبيق شروطه وضمان سياسته.

2013/05/16

جولة ثانية من الحوار الوطني: هل تنزع النوايا الحسنة فتيل المواجهات المحتملة؟

بعد جولة أولى من الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل مختلف الإطراف السياسية والحقوقية والمدنية، يوم 16 أكتوبر 2012، وحضرها الرؤساء الثلاثة و43 حزبا و76 منظمة وجمعية، ورغم سعي الأطراف، التي تخلفت عن الجولة الأولى، إلى سحب البساط من تحت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الوطنية بتعلة أن قبة المجلس الوطني التأسيسي هي الفضاء الوحيد والجهة المخول لها إدارة الحوارات الوطنية في خطوة أولى، ثم بتنظيم مؤتمر للحوار الوطني بإشراف رئاسة الجمهورية في مرحلة ثانية، وفي خضم ما تعيشه البلاد من أحداث التفجيرات الإرهابية في جبال الشعانبي، وإصرار "أنصار الشريعة" على عقد مؤتمرهم السادس "رغم أنف لطفي بن جدو" وزير الداخلية، وكذلك بعد قرار المحكمة الإدارية بإيقاف تنفيذ السلم التقييمي لاختيار المرشحين للهيئة العليا للانتخابات... وأمام الانزلاق الخطير لسعر الدينار... وفتح بورصة تونس للأوراق المالية حصتها باللون الأحمر... في خضم هذا الوضع، وفي نفس المكان (قصر المؤتمرات)، انطلقت جولة ثانية من الحوار الوطني، يوم 16 ماي 2013، حيث ارتكزت نقاشات الجولة الثانية بالخصوص على خمس نقاط أساسية تتمثل في إنهاء تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتحديد تاريخ إنهاء وإصدار دستور يجسد مدنية الدولة ويؤسس للحقوق والحريات، وتحديد تاريخ إصدار قانون انتخابي، وتحديد أجل نهائي لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأخيرا تنقية المناخ العام ونبذ العنف والإرهاب ومجابهته... وهي نقاط، حسب المشاركين، ستوفر الأرضية والظروف الملائمة لانجاز انتخابات ديمقراطية وتعددية ونزيهة وشفافة. نقاط جديدة تنضاف إلى جملة النقاط المطروحة في الجولة الأولى والتي من أهمها المطالبة بحكومة محدودة العدد لا يتحمل أعضاؤها مسؤوليات حزبية ولا يرشحون للانتخابات القادمة رئاسية كانت أم تشريعية، والرجوع عن التعيينات الحزبية، وتشكيل لجنة عليا للتشاور حول التعيينات الجديدة وفق مقاييس موضوعية، وحل كل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات المنظمة، وكذلك الإسراع بكشف حقيقة كل أحداث العنف وحقيقة اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد وتقديم، إلى جانب تحييد المساجد والنأي بها عن الصراعات السياسية والحزبية ومحاسبة كل الداعين للتكفير والتحريض على العنف، والتعجيل بتركيز الهيئة المستقلة للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتفعيل ما تم الاتفاق بشأنه في العقد الاجتماعي الممضى بين الأطراف الاجتماعية ومعالجة الوضع الاجتماعي المتردي... وتأتي الجولة الثانية للحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، بعد جملة من "التوافقات والاتفاقات" التي أثمرتها جلسات الحوار بقصر الضيافة بقرطاج والتي دامت قرابة الشهرين، وهي توافقات ستأخذ الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة بالمجلس الوطني التأسيسي بعين الاعتبار لها لتضمينها في مسودة الدستور الجديد... وشملت هذه الاتفاقات، النظام السياسي الذي سيكون مختلطا تتوازن فيه السلطات الثلاث وتراقب بعضها البعض إلى جانب منح رئيس الجمهورية صلاحيات رسم السياسات العامة والدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية والقيام بتعيينات في الخطط السامية، كما نصت الاتفاقات على تضمين الدستور الجديد الحق النقابي والحق في الإضراب دون قيد أو شرط، وآخر التوافقات كانت حول الفصل 136 من الدستور الذي ينص على "أنه لا يمكن لأي تعديل دستوري أن ينال من الإسلام باعتباره دين دولة" وتم اختصار مضمونه على ألا يمس ذلك مضمون الفصلين الأول والثاني من الدستور. غير أن الاختلاف ما يزال قائما فيما يتعلق بشأن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وخاصة نسبة تمثيلية القضاة صلبه... غير أن الخلاف الحقيقي، هو الحاصل بين مختلف الأطراف من جهة وحركة النهضة من جهة ثانية بخصوص حل رابطات حماية الثورة، وهي ربما النقطة التي سوف تكون عثرة الطريق في الحوار الوطني تحت خيمة الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة أن التقرير الختامي للاتحاد أثبت بالصورة والصورة تورط أعضاء رابطات حماية الثورة في الاعتداء على النقابيين وعلى بطحاء محمد علي يوم 4 ديسمبر 2012 يوم الاحتفال بستينية الاتحاد. وقد سبق لزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، الإعلان يوم الأربعاء، 15 ماي 2013، أي يوما قبل انطلاق الجولة الثانية للحوار الوطني، أعلن راشد الغنوشي انه لا سبيل لحل رابطات حماية الثورة إلا عبر القضاء، وهو إعلان لا يُمكن أن يُفهم إلا في سياق تأزيم الحوار الوطني... رغم أن راشد الغنوشي سبق أن "صافح" زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي ضمن الحوار الوطني الاقتصادي الذي دعا إليه اتحاد الصناعة والتجارة، وهي المصافحة التي أثارت الكثير من الحبر والتعاليق الصحفية والسياسية وذهبت بعيدا في التأويلات والقراءات، ولكن الثابت أن هذه المصافحة "التاريخية" كانت نتيجة حتمية للدور الريادي الذي اضطلع به قياديو الحزب الجمهوري في تقريب وجهات النظر بين الحركتين (النهضة ونداء تونس)... ولكن إن كان حوار دار الضيافة سياسي ـ سياسي، وتحركه أجندات انتخابية بالأساس، فان الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل يتشابك فيه البعد السياسي بالبعد الاجتماعي، وهو ما يجعل الهوة أكثر عمقا بين الفرقاء السياسيين والأطراف الاجتماعية، وقد يجعل "المصافحة" بعيدة المنال خاصة بين زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أو زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، باعتبار أن الجبهة لا ترى في الحركتين إلا وجهان لعملة واحدة، وهي السياسة الليبرالية المجحفة والضاربة لدولة العدالة الاجتماعية... إن التوافقات الحاصلة بين مختلف الأطراف في الحوارات السابقة، هي توافقات هشة و"تكتيكية" بالأساس، ينتهي افقها مع بداية الانتخابات القادمة (إن حصلت) مع تركيز حكومة ذات شرعية انتخابية، ذلك أن "المقود" في يد حركة النهضة مثلما صرح بذلك راشد الغنوشي في إحدى خطبه الحزبية، كما أن "الانغراس" الوظيفي للمنتسبين لحركة النهضة في مفاصل الدولة ومؤسساتها سيكون حاسما في صندوق الاقتراع، إلى جانب دور رابطات حماية الثورة والجماعات السلفية التي ستتجند مثلما فعلت في انتخابات 23 أكتوبر لتدفع الناس إلى منح أصواتهم للحركة الإسلامية. أما حركة نداء تونس والأحزاب المتحالفة معها، فان التوافقات التي بلغتها مع حركة النهضة، هي الأخرى توافقات تكتيكية، ستنتهي بمجرد "الفوز"في الانتخابات، باعتبار أن "دولة البوليس"ستكون الحل الأمثل للتعامل مع الجماعات السلفية من جهة ومع الإضرابات العمالية من جهة ثانية... وفي الحالتين، فإن "الصراع" التاريخي بين المنظمة الشغيلة من جهة، والحزب الحاكم في الدولة، من جهة ثانية، سيظل قائما، أمام غياب المؤشرات الحقيقية الضامنة لدولة الرفاه الاجتماعي التي طالب بها الشعب المنتفض عن النظام السابق... ولعل في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت أكثر من دلالة على تباين المواقف بين الشقين، ففي خطابه ذكر بضرورة "خفض الاحتقان السياسي والاجتماعي"، معتبرا بذلك أن هذا الاحتقان سببا وليس نتيجة، وهي ذات النقطة التي اختلف فيها معه الاتحاد العام التونسي للشغل عندما طلب المرزوقي السنة الفارطة "هدنة اجتماعية"، كما أن مبدأ حرية التعبير والصحافة وردت في خطاب الرئيس المؤقت في إطار "اتهام صريح" إذ "أدان" ما أسماه "الاحتقان الإعلامي الذي لم يسلم منه إلى حد الآن أي طرف" معتبرا أن "الباب مفتوح على أخطر المغامرات"... رئيس الجمهورية المؤقت، وإن طالب برص الصفوف أمام تنامي ظاهرة التشدد الديني، فإنه قال حرفيا في خطابه "لا أفهم ولا أقبل أن تمنع فتاة منقبة من اجتياز الامتحانات الجامعية"، (وهي الجملة التي لاقت ردة فعل سلبية لدى الحضور) وهي أيضا نظرة لا تنم عن الخلفية الحقوقية للرجل، بل هي بالأساس تضرب في العمق القانون المنظم للمؤسسات التربوية، وتفتح المجال مجددا لانتهاك الفضاء التعليمي... إن تباين الرؤى والمواقف من القضايا الوطنية المعرقلة للانتقال الديمقراطي تجلت بشكل واضح من خلال "الإنشائية المفرطة" لأحزاب الترويكا بالأساس، في الوقت الذي أبانت فيه منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعات التقليدية وبقية الأحزاب التي لم تشارك في حوار قصر الضيافة بقرطاج، أبانوا عن تصورات عملية وممكنة، على الأقل في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي، لعل أهمها إيقاف برنامج الإصلاح الهيكلي الجديد، وعدم عقد اتفاقات دولية ذات تأثير في المستقبل، وإيقاف كل الاتفاقيات والصفقات التي تم بمقتضاها البيع أو التفويت في الشركات والمؤسسات والأراضي، والدعوة إلى عدم خصخصة أي شركة أو مؤسسة عمومية، وتعليق تسديد الديون وتكوين لجنة تدقيق في شأنها، إلى جانب تجميد الأسعار ووضع آليات لمقاومة الفساد المالي والتهرب الجبائي... وغيرها من المقترحات العملية، كتلك التي طرحها السيد مصطفى الفيلالي في كلمته الشرفية في الجولة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني، والمتعلقة بإنشاء وزير دولة خاص بمنطقة الجنوب لمنحها صلاحيات القرار الجهوي. بالأخير يظل الحوار الوطني، مهما اختلفت فضاءاته ومنظميه والداعين إليه والمشاركين فيه، يظل حوارا ممكنا وبناء إذا كانت أرضيته الأساسية تؤمن بشعار "إن كنا غير شركاء في الحكم فنحن شركاء في الوطن"، وهو الشعار القادر على سد الطريق على كل ما من شأنه أن يهدد سلامة الوطن وكرامة شعبه.

جولة ثانية من الحوار الوطني: هل تنزع النوايا الحسنة فتيل المواجهات المحتملة؟

بعد جولة أولى من الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل مختلف الإطراف السياسية والحقوقية والمدنية، يوم 16 أكتوبر 2012، وحضرها الرؤساء الثلاثة و43 حزبا و76 منظمة وجمعية، ورغم سعي الأطراف، التي تخلفت عن الجولة الأولى، إلى سحب البساط من تحت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الوطنية بتعلة أن قبة المجلس الوطني التأسيسي هي الفضاء الوحيد والجهة المخول لها إدارة الحوارات الوطنية في خطوة أولى، ثم بتنظيم مؤتمر للحوار الوطني بإشراف رئاسة الجمهورية في مرحلة ثانية، وفي خضم ما تعيشه البلاد من أحداث التفجيرات الإرهابية في جبال الشعانبي، وإصرار "أنصار الشريعة" على عقد مؤتمرهم السادس "رغم أنف لطفي بن جدو" وزير الداخلية، وكذلك بعد قرار المحكمة الإدارية بإيقاف تنفيذ السلم التقييمي لاختيار المرشحين للهيئة العليا للانتخابات... وأمام الانزلاق الخطير لسعر الدينار... وفتح بورصة تونس للأوراق المالية حصتها باللون الأحمر... في خضم هذا الوضع، وفي نفس المكان (قصر المؤتمرات)، انطلقت جولة ثانية من الحوار الوطني، يوم 16 ماي 2013، حيث ارتكزت نقاشات الجولة الثانية بالخصوص على خمس نقاط أساسية تتمثل في إنهاء تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتحديد تاريخ إنهاء وإصدار دستور يجسد مدنية الدولة ويؤسس للحقوق والحريات، وتحديد تاريخ إصدار قانون انتخابي، وتحديد أجل نهائي لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأخيرا تنقية المناخ العام ونبذ العنف والإرهاب ومجابهته... وهي نقاط، حسب المشاركين، ستوفر الأرضية والظروف الملائمة لانجاز انتخابات ديمقراطية وتعددية ونزيهة وشفافة. نقاط جديدة تنضاف إلى جملة النقاط المطروحة في الجولة الأولى والتي من أهمها المطالبة بحكومة محدودة العدد لا يتحمل أعضاؤها مسؤوليات حزبية ولا يرشحون للانتخابات القادمة رئاسية كانت أم تشريعية، والرجوع عن التعيينات الحزبية، وتشكيل لجنة عليا للتشاور حول التعيينات الجديدة وفق مقاييس موضوعية، وحل كل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات المنظمة، وكذلك الإسراع بكشف حقيقة كل أحداث العنف وحقيقة اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد وتقديم، إلى جانب تحييد المساجد والنأي بها عن الصراعات السياسية والحزبية ومحاسبة كل الداعين للتكفير والتحريض على العنف، والتعجيل بتركيز الهيئة المستقلة للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتفعيل ما تم الاتفاق بشأنه في العقد الاجتماعي الممضى بين الأطراف الاجتماعية ومعالجة الوضع الاجتماعي المتردي... وتأتي الجولة الثانية للحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، بعد جملة من "التوافقات والاتفاقات" التي أثمرتها جلسات الحوار بقصر الضيافة بقرطاج والتي دامت قرابة الشهرين، وهي توافقات ستأخذ الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة بالمجلس الوطني التأسيسي بعين الاعتبار لها لتضمينها في مسودة الدستور الجديد... وشملت هذه الاتفاقات، النظام السياسي الذي سيكون مختلطا تتوازن فيه السلطات الثلاث وتراقب بعضها البعض إلى جانب منح رئيس الجمهورية صلاحيات رسم السياسات العامة والدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية والقيام بتعيينات في الخطط السامية، كما نصت الاتفاقات على تضمين الدستور الجديد الحق النقابي والحق في الإضراب دون قيد أو شرط، وآخر التوافقات كانت حول الفصل 136 من الدستور الذي ينص على "أنه لا يمكن لأي تعديل دستوري أن ينال من الإسلام باعتباره دين دولة" وتم اختصار مضمونه على ألا يمس ذلك مضمون الفصلين الأول والثاني من الدستور. غير أن الاختلاف ما يزال قائما فيما يتعلق بشأن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وخاصة نسبة تمثيلية القضاة صلبه... غير أن الخلاف الحقيقي، هو الحاصل بين مختلف الأطراف من جهة وحركة النهضة من جهة ثانية بخصوص حل رابطات حماية الثورة، وهي ربما النقطة التي سوف تكون عثرة الطريق في الحوار الوطني تحت خيمة الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة أن التقرير الختامي للاتحاد أثبت بالصورة والصورة تورط أعضاء رابطات حماية الثورة في الاعتداء على النقابيين وعلى بطحاء محمد علي يوم 4 ديسمبر 2012 يوم الاحتفال بستينية الاتحاد. وقد سبق لزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، الإعلان يوم الأربعاء، 15 ماي 2013، أي يوما قبل انطلاق الجولة الثانية للحوار الوطني، أعلن راشد الغنوشي انه لا سبيل لحل رابطات حماية الثورة إلا عبر القضاء، وهو إعلان لا يُمكن أن يُفهم إلا في سياق تأزيم الحوار الوطني... رغم أن راشد الغنوشي سبق أن "صافح" زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي ضمن الحوار الوطني الاقتصادي الذي دعا إليه اتحاد الصناعة والتجارة، وهي المصافحة التي أثارت الكثير من الحبر والتعاليق الصحفية والسياسية وذهبت بعيدا في التأويلات والقراءات، ولكن الثابت أن هذه المصافحة "التاريخية" كانت نتيجة حتمية للدور الريادي الذي اضطلع به قياديو الحزب الجمهوري في تقريب وجهات النظر بين الحركتين (النهضة ونداء تونس)... ولكن إن كان حوار دار الضيافة سياسي ـ سياسي، وتحركه أجندات انتخابية بالأساس، فان الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل يتشابك فيه البعد السياسي بالبعد الاجتماعي، وهو ما يجعل الهوة أكثر عمقا بين الفرقاء السياسيين والأطراف الاجتماعية، وقد يجعل "المصافحة" بعيدة المنال خاصة بين زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أو زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، باعتبار أن الجبهة لا ترى في الحركتين إلا وجهان لعملة واحدة، وهي السياسة الليبرالية المجحفة والضاربة لدولة العدالة الاجتماعية... إن التوافقات الحاصلة بين مختلف الأطراف في الحوارات السابقة، هي توافقات هشة و"تكتيكية" بالأساس، ينتهي افقها مع بداية الانتخابات القادمة (إن حصلت) مع تركيز حكومة ذات شرعية انتخابية، ذلك أن "المقود" في يد حركة النهضة مثلما صرح بذلك راشد الغنوشي في إحدى خطبه الحزبية، كما أن "الانغراس" الوظيفي للمنتسبين لحركة النهضة في مفاصل الدولة ومؤسساتها سيكون حاسما في صندوق الاقتراع، إلى جانب دور رابطات حماية الثورة والجماعات السلفية التي ستتجند مثلما فعلت في انتخابات 23 أكتوبر لتدفع الناس إلى منح أصواتهم للحركة الإسلامية. أما حركة نداء تونس والأحزاب المتحالفة معها، فان التوافقات التي بلغتها مع حركة النهضة، هي الأخرى توافقات تكتيكية، ستنتهي بمجرد "الفوز"في الانتخابات، باعتبار أن "دولة البوليس"ستكون الحل الأمثل للتعامل مع الجماعات السلفية من جهة ومع الإضرابات العمالية من جهة ثانية... وفي الحالتين، فإن "الصراع" التاريخي بين المنظمة الشغيلة من جهة، والحزب الحاكم في الدولة، من جهة ثانية، سيظل قائما، أمام غياب المؤشرات الحقيقية الضامنة لدولة الرفاه الاجتماعي التي طالب بها الشعب المنتفض عن النظام السابق... ولعل في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت أكثر من دلالة على تباين المواقف بين الشقين، ففي خطابه ذكر بضرورة "خفض الاحتقان السياسي والاجتماعي"، معتبرا بذلك أن هذا الاحتقان سببا وليس نتيجة، وهي ذات النقطة التي اختلف فيها معه الاتحاد العام التونسي للشغل عندما طلب المرزوقي السنة الفارطة "هدنة اجتماعية"، كما أن مبدأ حرية التعبير والصحافة وردت في خطاب الرئيس المؤقت في إطار "اتهام صريح" إذ "أدان" ما أسماه "الاحتقان الإعلامي الذي لم يسلم منه إلى حد الآن أي طرف" معتبرا أن "الباب مفتوح على أخطر المغامرات"... رئيس الجمهورية المؤقت، وإن طالب برص الصفوف أمام تنامي ظاهرة التشدد الديني، فإنه قال حرفيا في خطابه "لا أفهم ولا أقبل أن تمنع فتاة منقبة من اجتياز الامتحانات الجامعية"، (وهي الجملة التي لاقت ردة فعل سلبية لدى الحضور) وهي أيضا نظرة لا تنم عن الخلفية الحقوقية للرجل، بل هي بالأساس تضرب في العمق القانون المنظم للمؤسسات التربوية، وتفتح المجال مجددا لانتهاك الفضاء التعليمي... إن تباين الرؤى والمواقف من القضايا الوطنية المعرقلة للانتقال الديمقراطي تجلت بشكل واضح من خلال "الإنشائية المفرطة" لأحزاب الترويكا بالأساس، في الوقت الذي أبانت فيه منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعات التقليدية وبقية الأحزاب التي لم تشارك في حوار قصر الضيافة بقرطاج، أبانوا عن تصورات عملية وممكنة، على الأقل في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي، لعل أهمها إيقاف برنامج الإصلاح الهيكلي الجديد، وعدم عقد اتفاقات دولية ذات تأثير في المستقبل، وإيقاف كل الاتفاقيات والصفقات التي تم بمقتضاها البيع أو التفويت في الشركات والمؤسسات والأراضي، والدعوة إلى عدم خصخصة أي شركة أو مؤسسة عمومية، وتعليق تسديد الديون وتكوين لجنة تدقيق في شأنها، إلى جانب تجميد الأسعار ووضع آليات لمقاومة الفساد المالي والتهرب الجبائي... وغيرها من المقترحات العملية، كتلك التي طرحها السيد مصطفى الفيلالي في كلمته الشرفية في الجولة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني، والمتعلقة بإنشاء وزير دولة خاص بمنطقة الجنوب لمنحها صلاحيات القرار الجهوي. بالأخير يظل الحوار الوطني، مهما اختلفت فضاءاته ومنظميه والداعين إليه والمشاركين فيه، يظل حوارا ممكنا وبناء إذا كانت أرضيته الأساسية تؤمن بشعار "إن كنا غير شركاء في الحكم فنحن شركاء في الوطن"، وهو الشعار القادر على سد الطريق على كل ما من شأنه أن يهدد سلامة الوطن وكرامة شعبه.

2013/05/15

gilet pare-balles والفاشية الثالثة

إذا كان "الشيطان يسكن بين التفاصيل" فإن "القتل" يسكن هو الآخر ذات التفاصيل، تلك التي لا نعيرها اهتماما في الغالب الأعم. فهذا "القتل الأزرق" الذي تزكمنا رائحته من مغاور مرتفعات الشعانبي أو على الحدود التونسية الليبية أو من أدغال وغابات الشمال الغربي على الحدود الجزائرية... ولم تخلو منه أحزمة الفقر المتاخمة لتونس العاصمة... يزفنا كل يوم أخبار الرصاص والألغام وأدوات نشر ثقافة الموت... وعودا إلى التفاصيل، فإن بعض الإشارات البسيطة، وبعض التفاصيل العابرة نلتقطها هنا وهناك، حذو خطواتنا، وأمام أعيننا لنقف على حقيقة باتت تترسخ اليوم في تونس مفادها أننا بصدد الانحدار نحو نظام ديكتاتوري في ظل حكم فاشي... ومن هذه الإشارات، تحرك بعض الزعماء والناشطون السياسيون، وحتى بعض المثقفين والمبدعين وهم يرتدون "الصدريات الواقية من الرصاص" أو المتعارف عليها باللغة الفرنسية (gilet pare-balles)، والى جانب استخدام هاته الصدريات الواقية فان البعض منهم وجد نفسه "مجبورا" على التحرك بين حارسين أو أكثر يلازمونهم أينما تحركوا... حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الباجي قائد السبسي مؤسس حزب حركة نداء تونس... ثلاثتهم محاطون بحراس رئاسيين يسهرون على سلامتهم وأمنهم وكأنهم يتحركون فوق حقل ألغام مكتنز بالفخاخ، وليسوا في وطن حسبوا أن آخر طلقاته الغادرة أُطلقت يوم "الخميس الأسود"... "الطاغوت" المتوجب قتله واغتياله وتصفيته من "أرض الإسلام" سيتعدى الملايين من التونسيات والتونسيين، ولئن كانت القائمات مدججة بالسياسيين والإعلاميين والحقوقيين فما هي إلا "فاتحة شرعية" كتلك التي كانت في أرض مالك حداد وجميلة بوحيرد... ولكن هل الملايين قادرون على اقتناء "صدريات واقية من الرصاص"؟ وهل الملايين لهم من المال ما يكفي "لتأجير" حراس شخصيين؟... إن التدرج في "تعبئة" الصدور والسطو المستمر على المساحات والفضاءات العمومية من جهة، ومن جهة ثانية التقوقع الإيديولوجي البسيط والساذج في بعض الأحيان لدى "الأحزاب المدنية" جعلت من فزاعة الإرهاب السلفي الشجرة التي تحجب عن الشعب الذي أسقط نظاما ديكتاتوريا يرتد عن المطالب الأساسية التي ثار من اجلها، وتتحول وجهته بطريقة ميكانيكية نحو الجبال والمغاور وأحزمة الفقر، وصار الأمن خبزه اليومي... أن مناضلا مثل حمة الهمامي، الناطق باسم الجبهة الشعبية، لم يرتد طوال مسيرته النضالية ضد بورقيبة وضد بن علي، صدرية واقية من الرصاص، ولم يتحرك وسط حراس شخصيين، وهو الذي عاش لأكثر من عشرة سنين في "السرية"، ومع ذلك هاهو يجد نفسه اليوم بعد الثورة التي حلم بها وكان لشباب حزبه دورا في تأجيجها، ها هو يجد نفسه اليوم في فترة الانتقال الديمقراطي محاطا بحارسين شخصيين من رئاسة الجمهورية ويرتدي صدرية واقية من الرصاص... وها أن الأمين العام لأكبر منظمة شغيلة، الاتحاد العام التونسي للشغل، ولئن رفض ارتداء الصدرية الواقية من الرصاص، إلا أن حركاته صارت محل أنظار حارسين شخصيين من رئاسة الجمهورية أيضا... قد تكون فاجعة اغتيال المعارض السياسي شكري بالعيد، أمام بيته بطريقة هوليودية تذكرنا بما حصل في الجزائر وفي لبنان أيضا، قد تكون النقطة الفاصلة بين مرحلتين، مرحلة مهتزة أمنيا ولكن دون بصمات إرهابية واضحة وحاسمة، ومرحلة ثانية دخلت فيها البلاد في منعرج الاغتيالات ورسائل التهديد المباشرة وغير المباشرة للمعارضين السياسيين بدرجة أولى وللإعلاميين بدرجة ثانية... ومن ورائهما الشعب التونسي عموما. إن استهداف بعض الرموز المعارضة للفريق الحكومي المؤقت الذي تتزعمه حركة النهضة اليوم في تونس، بشكل مباشر وحاد سينسف حتما ابسط قواعد اللعبة الديمقراطية، وسيجعل الطريق نحوها مفخخا بالألغام والمطبات التي ستُعجل بانتكاسة مرحلة الانتقال الديمقراطي الموعودة، وتُمهد الطريق مرة ثالثة، بعد النظامين السابقين، إلى تكرار التجربة الفاشية من جديد، غير أن الفاشية الثالثة، تختلف في عمقها عن سابقتيها، فلئن أبد الحبيب بورقية حكمة طيلة ثلاثين سنة بسبب نرجسيته المفرطة، ولئن ظل نظام السابع من نوفمبر جاثما على الصدور طيلة 23 سنة كاملة تحت مسمى الإصلاح الديمقراطي التدريجي، فإن طبيعة النظام القادم تبحث لها الآن علة قدم وسط شرعية الكفر والإيمان لتتدحرج أيقونة الديمقراطية تحت شريعة القرون الغابرة...