بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/08/26

تاكسي خالد الخميسي (جزء 1)

يؤكد بول ريكور ضمن مؤلفه "من النص إلى الفعل" على أهمية انتصار الأثر الأدبي عن ظروف إنتاجه النفسية والاجتماعية ليحقق بذلك انفتاحا لامتناهيا على سلسلة لا محدودة من القراءات المقيمة بدورها في سياقات سوسيو ثقافية مختلفة، إذ يقول :"على النص أن يكون قادرا على إزالة السياق على نحو يسمح بإعادته في حالة جديدة." مضيفا أن الكتابة تجد تأثيرها الأهم عند "تحرر الشيء المكتوب من الشرط الحواري للخطاب، ويترتب عن ذلك أن العلاقة بين الكتابة والقراءة لم تعد أبدا حالة خاصة للعلاقة بين التكلم والإصغاء".

استنتاج بول ريكور _ البسيط والمهم _ نستنجد به في مستهل هذه المقاربة التي نروم من ورائها الوقوف على "فشل" الكاتب المصري خالد الخميسي في الانتصار على ظروف إنتاج نصه الموسوم بـ:"تاكسي:حواديت المشاوير" في مستواه اللغوي بالأساس، لأنه _ في تقديرنا _ أهم محمل ينهض عليه أي منجز مكتوب نثريا كان أم شعريا، فمن المفردات والكلمات المنتقاة تتحدد وتتضاعف شحنة الفكرة أو الأفكار والمواقف المراد تقديمها والمنافحة عنها ضمن أي إصدار.

"تاكسي" خالد الخميسي "نص" ينهض أساسا على أيقونتي الصوت/الاصغاء أو المتكلم / الناقل، ويأخذ الصوت/المتكلم صفة التعدد (سائقي سيارات التاكسي) في حين يتسم المصغي/الناقل/الراكب/ الكاتب بصفة الواحدية من اول النص الى آخره، ويبدو أن الكاتب أحمد الخميسي واقع تحت سطوة النظرية القائلة ان في العمل الادبي " ترتهن الصفة الفنية والتعبيرية للغة الراوي والشخوص بالمفردات التي تتكون منها هذه اللغة" التي تنصص على ان استخدام تراكيب ومفردات لا تتناسب وطبيعة شخوص المتن السردي ومكانتهم الاجتماعية ولا تساير العصر الذي يعيشونه، ينتقص من القوة التعبيرية لأداتهم اللغوية ومن مستواها الفني... ولذلك استأنس أحمد الخميسي باللهجة المحلية المصرية وللحياة التي تسكن كلمات البسطاء من الناس الذين أهداهم كتابه كما ينصص على ذلك في الصفحة الخامسة منه.

وان كنا نتفق مع الكاتب على أن للغة وظيفة حكائية تهبها تلك القدرة الناقلة وتضفي عليها سمة التواصلية حتى تكون ترجمان الانسان عن نفسه أولا وعن الوجود ثانيا مثلما يقول الدكتور عبد السلام المسدي، لئن نتفق معه في ذلك، فاننا نختلف معه في أن الانسان/المتقبل/القارئ ليس بالضرورة متقبلا مصريا محضا، وليس قطريا بل هو عربي _ أي اقليمي _ وهو ثانيا كوني مثلما هو النص ينبثق من نقطة ما ليتسع على أوسع مدى لأن الفكرة ليست حبيسة الجنسيات على نسبيتها التي تثبتها طبيعتها الاجتماعية.

قدم أحمد الخميسي في بداية "نصه" تصنيفا واضحا لمَ كتبه حيث كتب في الصفحة التاسعة "يضم هذا الكتاب بين دفتيه بعض القصص التي عشتها وبعض الحكايات التي جرت لي مع سائقين من أبريل 2005 الى مارس 2006 ..." ويضيف في نفس الصفحة والتي تليها "حاولت أن أنقل هذه القصص كما هي بلغة الشارع، وهي لغة خاصة وحية وفجة وصادقة تختلف تماما عن لغة الصالونات والندوات التي اعتدنا عليها." ويوضح دوره ككاتب فيقول:" ودوري هنا ليس بالتأكيد مراجعة دقة ما قمت بتسجيله وكتابته من معلومات، فالمهم هنا هو ما يقوله فرد في المجتمع في لحظة تاريخية بعينها حول موضوع محدد، فالسوسيولوجي يفوق المعرفي في مرتبة أولويات هذا الكتاب."

جملة هذه الاشارات البيانية تلتقي حول عدم تصنيف الكاتب لم أنجزه بشكل مدقق، ولان كانت هذه مهمة الناقد بالأساس، الا أن العتبة التي كتبها الخميسي تفترض منه ابانة لصنف مكتوبه، أهو رواية أم هو يوميات أم مجموعة قصصية أم هو حكايات متناثرة أو نص مفتوح...

كما أن الخميسي يقر بأن لغة كتابه هي "لغة الشارع" وليست "لغة الصالونات والندوات" وكأن للشارع لغة بعينها مما يفترض _حسب الخميسي _ أن نمنح لكل فضاء "لغة" مخصوصة كالجامعات والمقاهي والحانات والادارات والمحلات والمواخير والمقابر، والأصح أن لكل فضاء خطابه/كلامه المخصوص وقاموسه المتداول بين من يتحرك في مجاله من المتكلمين، وعنه يمكن أن نَسمَ الكلام بالفاضل المحمود أو الهجين المذموم ولا يمكننا وصف اللغة بالحية والفجة والصادقة، ولا داعي هنا للرجوع الى الفرق بين اللغة والكلام والخطاب، ولكن يجدر بنا التذكير بالفرق بين الفصحى والعامية، فآما الاولى، أي الفصحى، فهي تلك التي تستخدم في الكتابات الأدبية والعلمية وفي المقالات والبحوث في الصحف وفي المجلات وفي أغلب وسائل النشر والاعلام والاتصال، أما الثانية، اي العامية، فهي تلك التي تجري على ألسن الناس في تسيير شؤون حياتهم العامة، فالأولى تقابل الثانية، ومجالها غير مجال الثانية، ولكل واحدة منهما نظامها الصوتي المخصوص وإيقاعها وجرسها الذي يميزها عن الأخرى.