بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/09/19

سجّان زياد الهاني... ليس إلا سمير ديلو

بما أن الإعلاميات والإعلاميين صاروا "يزورون" أروقة المحاكم وزنازين السجون أكثر من زيارتهم لمواقع عملهم، فقد منح قاضي التحقيق بالمكتب العاشر بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة يوم الجمعة 13 سبتمبر 2013 الزميل الصحافي زياد الهاني فرصة تمضية إجازة نهاية الأسبوع المنقضي خلف أسوار سجن المرناقية، ولم يفوّت الزميل زياد الهاني الفرصة للاستجمام في المسبح المكشوف والقيام بحصة تدليك صحي منعشة، واغتنم الفرصة ليزيل بعض الأدران عن جسده المنهك في حمّام البخار بأحد أجنحة سجن المرناقية، كما جرّب الزميل زياد الهاني، لأول مرة في حياته، جلسة "اليوغا" قبل أن ينهي إجازته يوم الاثنين 16 سبتمبر 2013... ورغم أن زياد اضطر لدفع ألفي دينار "مقابل" إجازته بسجن المرناقية، إلا انه استمتع بكل أسباب الرفاهية المتوفرة بهذا السجن الذي تحول إلى مزار دائم لمن تدربت خطواتهم على الحرية، ومثلما دخل زياد الهاني السجن الصغير مرفوع الرأس، عاد يوم الاثنين إلى سجنه الكبير مرفوع الرأس أيضا، ليواصل خطواته الواثقة من أجل إعلام حر... قضاء مستقل... ومن أجل "شغل... حرية... كرامة وطنية"... لم يكن الزج بالزميل زياد الهاني مفاجئا، بل كان منتظرا لعدد كبير من الإعلاميين والحقوقيين والمحامين والناشطين السياسيين، وعدد كبير أيضا من القضاة، خاصة بعد أن بسط هوّاة الحكم الجدد سجّادة طويلة لمحترفي النظام السابق، احتفالا بعودتهم المظفرة من "نزهة" مؤقتة... سجادة تنتهي عند أقدام مائدة منتصبة داخل غرفة سرية تنتصب فوقها وليمة دسمة من الدسائس والمؤامرات لحياكة جبة جديدة لديكتاتورية "تليق" بوهم ثوري... جبّة يطرز أطرافها "أحباب الله" بذات الأصابع القديمة... ولكن بإشراف جديد اختار من الأسماء "وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية"... فسمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، الذي كان صديقا للجميع ومدافعا "شرسا" عن حقوق الإنسان وعن الحريات العامة والفردية وعن الديمقراطية وعن استقلالية القضاء وحرية الإعلام... وكل ما صار اليوم في عداد "الكليشيهات الثورية"، ومنذ أن انتقل من وظيفة "الكلام المسترسل" باعتباره كان متحدثا رسميا باسم الحكومة، إلى وظيفة "الصامت الدائم" وهو يجلس على كرسي وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في حكومة أولى برئاسة حمادي الجبالي، والتي أطلق فيها وزير الداخلية علي العريض، الرش على أهالي سليانة واغتيل فيها المناضل الوطني شكري بالعيد، ثم في حكومة ثانية ترأسها علي العريض ذاته "نُحر" فيها جنودنا الأبرياء... وانكشفت فيها وثيقة تدين معرفة المسؤولين بعملية اغتيال محمد البراهمي الشهيد الوطني الثاني... هذا السطر من "السّجل" الأسود الذي قد لا يُغلق في القريب، سيتصدّر سمير ديلو قائمة "الموقّعين" على سواده والموغلين في قتامته، باعتبار أنه وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية يتحمل مسؤولية توفير كل مقوّمات إنجاح مهمة المحاسبة وتعويض وجبر الضرر قبل المصالحة، ورد الاعتبار للضحايا وإرجاع الحقوق إليهم، ومحاسبة كل من انتهك تلك الحقوق ومعرفة الحقيقة كاملة ومساءلة كل من أجرم وأذنب بوجه عام، والمساعدة على الوصول إلى الوثائق والأرشيف لكشف قضايا الفساد السياسي والقضايا التي تعلقت بالفساد المالي والمتصلة بجرائم الاغتيالات والتعذيب والجرائم التي تشمل الشهداء والجرحى... فأين نحن من كل هذا بعد أكثر من سنتين ونيف... وأين الوزير ووزارته التي لعبت دورا كان من المفترض أن تضطلع به هيئة مستقلة محدّدة المدة والصلاحيات لا تعمل إلا على استقصاء الحقيقة لإنجاح مسار تطبيق العدالة الانتقالية... أو كان من الأجدى أن يضطلع بها المجتمع المدني التونسي... وهو المكوّن الذي يعلم جيدا سمير ديلو قدرته على تأمين الانتقال الديمقراطي بعيدا عن أي حسابات سياسية... المفترض بوزير "خَبرَ" متراك بن علي وأساليبه الموغلة في القذارة السياسية والانحطاط الأخلاقي، أن يوفر كل الشروط والآليات التي تساعد على إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي السلمي بعيدا عن الاغتيالات والتهديدات والتكفير والترويع والانقلابات "الشرعية"... وبعيدا عن تكرار الأساليب القديمة كتدجين القضاء ومحاصرة الناشطين السياسيين وتشويههم، وإخماد الأصوات الإعلامية، والإصرار على تركيع النقابيين والإستقواء بالمؤسسة الأمنية... كان الأجدر بوزير مثل سمير ديلو أن يكرّم الزميل الصحفي زياد الهاني وهو يساهم من موقعه كصحفي حر في إنارة الرأي العام الوطني من خلال كشف بعض الحقائق... كان الأجدر بسمير ديلو أن يعتني بوليد زروق وهو يفضح مكامن الفساد داخل المؤسسة الأمنية... وكان الأجدر به أن يفتح مكاتب وزارته للطيب العقيلي وهو ينزع ما تبقى من أوراق التوت... كان الأجدر بوزير حقوق الإنسان أن ينتفض على الحكم الجائر، بل المغرق في السريالية، ذاك الذي كان ضحيته شاب تونسي مقيم بسويسرا قدم إلى تونس لقضاء عطلته الصيفية، فوجد نفسه متهما "بالاستماع لأغنية"... (لا الخيال العلمي ولا الروائي ولا السينمائي... قادر على حياكة مثل هذه التهمة، ولكنها حدثت في تونس)... كان الأجدر بوزير العدالة الانتقالية أن يساند تحركات المنظمات والجمعيات والمواطنين الرافضين للتعيينات الحزبية العشوائية داخل الإدارات والمؤسسات الحيوية... لأنها المدخل الحقيقي لتكرير الاستبداد بإخفاء جرائم العهد السابق من جهة وكسر عنق المواطن من جهة ثانية... كان الأجدر بالسيد سمير ديلو وزير حقوق الإنسان أن لا يقف صامتا ينظر إلى بنات وأبناء بلده من نواب المجلس الوطني التأسيسي وهم يتحركون تحت الحراسة المشددة، لا يهنؤون بنوم ولا ينعمون بحرية المشي فوق أرضهم... كان الأجدر بالسيد الوزير أن لا يغمض له جفن وهو يتابع عن كثب عودة رموز الاستبداد السابق إلى الواجهة وبالمقابل يتم اعتقال وسجن من كان في الصفوف الأمامية قبل 14 جانفي 2010... كان الأجدر وكان الأجدر وكان الأجدر... وكان... أن بُترت "أحلام" أم الشهيد وأماني أخت الجريح وصوت مذيعة أخبار الثامنة مساء... وحبر صاحب البطاقة الصحفية "مجرد رأي" (زياد الهاني) وصور صاحب فيلم "شاق واق" (نصر الدين السهيلي)... وكان أن طوت بسمة الخلفاوي العباءة السوداء لزميلك المحامي الشهيد شكري بالعيد غير أن ضحكته مازلت تتدلى من أعمدة قصر "العدالة"... وكان أن ترك الشهيد محمد البراهمي الأرقام والحسابات مفتوحة لأبناء شعبه المفقّرين بعيدا عن البطون المنتفخة في ليلة وضحاها... وكان أن اثبت التاريخ أن الصحافيين والمبدعين والحقوقيين والنقابيين والنسويات... كلهم باقون... أمّا الوزراء فذاهبون... ذاهبون... ــــــــــــــــــــــــــ (لا أعتقد أنه سيرفع قضية ضدي، ولكن أرجو، إن قرأ، السيد الوزير/الصديق سمير ديلو هذا المقال أن لا ينشر بيانا توضيحيا على صفحته الخاصة بالفايس بوك، كعادته، فهذا مقال رأي وليس خبرا صحفيا...)

2013/09/05

بين صلابة البيضة وهشاشة الترويكا

قد تمنحنا اللغة فائضا لا متناهيا من الاستعارات والمجازات لنجمّل أفكارنا ونطرح رؤانا، إلاَّ أنها، أي اللغة، تظل عاجزة عن "ستر" الفكرة المُراد تبليغها، غير أن هناك من الأفكار التي تتلبّس بك على غير موعد فلا تجد لها ما يكفي من المجازات والاستعارات لتجمّلها وتطرحها... ومنها الفكرة التي أريد إيصالها رأسا، ودون مواربة، إلى صديقي الدكتور المهدي مبروك وزير الثقافة المؤقت في الحكومة المؤقتة... الفكرة التي تراودني منذ حادثة "بيضة دار الثقافة ابن خلدون"، وبعد "إلقاء القبض" على المخرج والممثل السينمائي نصر الدين السهيلي، هي ضرورة ووجوب سحب القضية العدلية المرفوعة ضد "مبدع متمرّد" من طرف مثقف بتنا نخشى عليه من "الذوبان الرسمي"... وأعتقد جازما، أن هذه الفكرة (فكرة سحب القضية العدلية) تقض مضجع عالم الاجتماع الدكتور المهدي مبروك كل ليلة، ويتمنى أن ينفذها في الحال، لولا انتماءه، كوزير للثقافة، إلى تركيبة حكومية مؤقتة فرضت عليه، من حيث يدري ولا يدري، أن "ينضبط" لــ"هيبتها الموهومة"... وهو المتأرجح بين منزلته الرفيعة كعالم اجتماع محترم له رؤى وأفكار تقدمية وايجابية، وله طلبة استفادوا من دروسه، وبين موقعه اليوم كوزير للثقافة في حكومة تفتقد لرؤية ثقافية تعزز تاريخ هذا الشعب وهذا البلد ثقافيا وحضاريا... وتماما مثلما يحضر الدكتور المهدي مبروك الفعاليات الثقافية ويزور الفضاءات دون حراسة مشدّدة أو بهرج زائف ويتحدث مع الناس والجمهور ويناقش مع المبدعين والمثقفين دون استعلاء أو تطاوس لإيمانه أنه حرٌ في شوارع بلده قبل إن يكون "أسيرا مؤقتا" لكرسي وزاري، أعتقد جازما أيضا أن نصر الدين السهيلي لو كانت له نية الاعتداء الفعلي على وزير الثقافة، لتسلّح بهراوة أو سكين أو حجر صلب، حتى لا نقول مسدس (وهو المتاح اليوم بفضل حكومتنا الرشيدة)... ليكون الاعتداء ذا جدوى ويلحق الأذى الفعلي بـ"خصمه" (وهو ما لا نتمناه طبعا)، ورغم تحفظي على شكل التعبير "العنيف" عن رفض السهيلي، لا لمهدي مبروك، بل للبيادق الجديدة المحيطة به، فإني اعتقد أن اختيار "البيضة" أداة للتعبير، لها من الدلالات ما يمنح الدكتور المهدي مبروك القدرة على تفكيك شفرات الرسالة الموجه له من مبدع حقيقي ثائر ومتمرّد اسمه نصر الدين السهيلي... رسائل، لعل ابسطها أن مبدعا مثل نصر الدين السهيلي عرفه السيد الوزير في ساحات النضال اليومية ضد نظام بن علي قبل أن "يطلع البدر" في مطار قرطاج... وتزحف علينا الجحافل الغريبة التي لا تتقن سوى تسوية ربطة العنق والتطاوس الأرعن... إلى جانب الحربائيين القدامى/الجدد هنا في تونس، كذاك الذي نخر آذاننا بقرعه المستهلك كل احتفال بالسابع من نوفمبر، وها هو اليوم ينقضّ على الحادثة لينجز "أغنية" تضامنا مع المهدي مبروك، طبعا، لا باعتباره مثقفا، بل باعتباره وزيرا قد يمكّنه من بعض الملايين... (واجزم أن هذا "الفنان" لم يكن يسمع أبدا باسم المهدي مبروك أيام النضال ولم يقرأ له ولو مقالا يتيما)... أعتقد أن نصر الدين السهيلي "داعب" مهدي المبروك المثقف والمناضل التقدمي حتى يُسقط في داخله مهدي المبروك الوزير المؤقت... رغم أن مهدي المبروك له كل المؤهلات ليكون وزيرا للثقافة، ولكن ـ بصراحة ـ خارج هذه التشكيلة... ما يعزّز فكرتي التي أسوقها رأسا إلى صديقي الدكتور المهدي مبروك دون سواه (ولا أستجديه وهو يعرف ذلك) ليعلن سحب القضية العدلية ضد الممثل والمخرج السينمائي نصر الدين السهيلي، هو الإيقاف اللاقانوني للزميل مراد الحرزي، المصور الصحفي بقناة "اسطرلاب TV" واعتقاله على خلفية تصويره للحادثة بين نصر الدين والوزير، (ليحاكم بتهمة إزعاج راحة الغير عبر الشبكة العنكبوتية، وتكوين وفاق من أجل الاعتداء على موظف بعد أن رفض سحب الفيديو المصور وقام بنشره لتفنيد رواية الاعتداء باللكم والضرب على الوزير) وهو ما دفع بالمتحدث الرسمي باسم القناة، الممثل المسرحي أحمد أمين بن سعد الدخول في إضراب جوع مفتوح حتى إطلاق سراح مراد الحرزي. أما من الجهة المقابلة، فإن "الهبّة" غير المسبوقة وتهاطل البيانات الحكومية والرئاسية الشاجبة لهذه الحركة لم نرها مثلا عندما تم الاعتداء وطرد السيد المهدي مبروك ذاته في مدينة الشابة أثناء حضوره مراسم جنازة الشهيد الملازم الأول صابر المكشر، ولم نرها أثناء أحداث العبدلية (رغم الموقف الوزاري الغريب) ولا أثناء حرق وتخريب مقامات الأولياء باعتبارها إرثا ثقافيا وحضاريا... ولم نرها... وهذا كاف لنعرف كيف تتعامل "الحكومة" مع الوزراء الذين اضطرت إلى تعيينهم... والتي تحسب الأيام والليالي "لتطردهم" حال تنقض نهائيا على الحكم... ولئن استحسنتُ موقف الدكتور مهدي المبروك بعد المبادرات التي قام بها بعض الغيورين على الثقافة التونسية، لإيجاد أرضية للتفاهم بينه وبين نصر الدين السهيلي، فإني كنت أتمنى أن يسحب مهدي المبروك القضية العدلية بعد تقديم نصر الدين السهيلي اعتذارا فعليا وصريحا له، خاصة أنه أعرب عن استعداده للاعتذار لمهدي المبروك كشخص وكمواطن عادي، لا باعتباره وزيرا في حكومة الترويكا، غير أن الوزير أجّل نيّته هذه حتى يأخذ القضاء مجراه في هذه القضية، وهنا مربط الفرس، فالحق الشخصي يمكن أن نتنازل عنه وينتهي النزاع، (خاصة أن الرشق بالبيض لوحده يعتبر مجرد عنف خفيف أو في أقصى الحالات هضم جانب موظف بما يتحتم معه الإفراج الوجوبي عن "المتهم") غير أن الوزير يعي جيدا أن نصر الدين السهيلي وجيلا كاملا من المبدعين والمثقفين الشبان يرفضون عملية السطو الممنهجة للثورة التونسية والمسار الانتقالي من طرف حكومة "الترويكا"... بل إني أجزم أن في داخله، المهدي المبروك المثقف والمناضل، يعي تمام الوعي حجم الانتهاكات الحاصلة من قبل هذه الحكومة، ويعي جيدا نواياها في "استخدام" كل الأساليب للإيهام بضرورة وجودها "غصبا عنّا"... (وهنا نفهم إيقاف المصور مراد الحرزي الذي سيجعل الجريمة أشدّ، بافتراض وجود وفاق وعمل مخطط له)... أعتقد صديقي المهدي مبروك انك تعي تمام الوعي أن جل المؤشرات تدل على انتهاء مهام هذه الحكومة، وأعتقد جازما أن مكانك ضمنها لم تجن منه بقدر ما فقدت الكثير بسبب كرسي الوزارة تماما مثل الدكتور خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية والدكتور سالم الأبيض وزير التربية، وبالمقابل أعتقد جازما أن الحكم بالسجن (وهو ما لا نتمناه) على الممثل والمخرج نصر الدين السهيلي سيكون خير هدية لمبدع متمرّد في زمن الاستبداد الجديد... فبالأخير يظل "الحبس كذاب والحي يروح"... أعتقد صديقي مهدي المبروك، أن تنازلك عن القضية سيعيد لك معدنك الثقافي والمعرفي وسيمكّنك من دقّ عنق خشب الكرسي الوزاري... الزائل بطبعه...