بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/08/09

مصطفى بن جعفر في بيت الطاعة

بعد أن انخرط رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر مع جماعة "سيف الحق على من لا يرى الحق" واستبسل في "قرع" مطرقته في وجه "الكفار والملحدين والعلمانيين" من نواب المجلس الوطني التأسيسي ونائباته، ها هو يترك "رأسه" خارجا ويدخل خاشعا، صاغرا، حاني الظهر، مطأطئ الرأس قبة المجلس... ففي انسجام تام مع التهافت السلطوي، يدخل رئيس المجلس الوطني التأسيسي مطمئنا إلى بيت الطاعة، محاطا بنائبات ونواب حركة النهضة، يدخل متأبطا فصلا جديدا لينسف به حجرا آخر من "جدار الحريات" الذي "رفعته" سواعد بنات تونس وأبنائها على مدى عقود، فبعد المصادقة على "قانون تجريم المسّ بالمقدسات" المهدّد للحريات العامة والفردية والذي سيعيد، تحت عنوان جديد، منظومة الرقابة والقمع التي انتهجها نظام المجاهد الأكبر وصانع التغيير وكبّلا بها كل الطاقات الإبداعية إلا من أبى واستكبر، وبعد الصمت المقيت أمام إصرار "نائبات ونواب" حركة النهضة على عدم استقلالية الجهاز القضائي ليظل مرتعا لهم وعصا غليظة يسلطونها على قناة نسمة وصحفي التونسية وسفيان الشورابي وغيرهم وصولا إلى أحفاد حشاد، نقابيي صفاقس الموقوفين من أجل إصرارهم على استكمال أهداف الثورة... بعد هذين الفصلين هاهي قبة باردو تزفّ لنساء تونس "بشرى" عبوديتهن في دستور "الجمهورية الثانية" بعد أن شرعت حركة النهضة تمهيدا لذلك في تطبيق "دونيتها" وهي تفصل بين النساء والرجال في ندواتها وتحض أئمتها في المساجد لدعوة الرجال إلى الزواج بأربع نساء، وتكره العازبات على الزاوج بتظاهرة الزواج الجماعي وتفرض اكتساح الحجاب للتلفزة العمومية لتقمع حرية اللباس والتعدد وتفرض زيّا موحدا على التونسيات، وتفتح رياضا لبراعم تونس فتخنق طفولتهن بالنقاب والحجاب... هاهو الفصل 28 المُذلّ للثائرات الحرّات العزيزات اللّواتي صمدن في المصانع والمعامل وتشققت أياديهن في المزارع والبساتين، للواتي بحّت حناجرهن في الصفوف الأمامية للمسيرات والمظاهرات المندّدة بقمع الحريات وبالاستبداد... يطلع علينا بإجماع نساء النهضة دونما خروج عن القطيع أو تغريد بعيدا عن السرب... تماما كما الدمى لا تتحرك إلا بخيوط من خلف الستار... هاهن نساء بلادي يخذلن نساء بلادي، ويقفن ألفا قاطعة في وجه تاء التأنيث يرفضن مبدأ المساواة بين الجنسين ويكتفين بدورهن كزوجات وأمّهات تحت مسمى التكامل الذي ابتدعنه تلافيا لمنطق المواطنة بما هي تساوٍ في الحقوق والواجبات... وإن كنت لا أستغرب مواقفهن تلك لانسجامها مع أدبيات الحركة التي نصبتهن بالمجلس التأسيسي وسياساتها منذ نشأتها، وأيضا لاتساقها مع ثقافة التأييد و"انصر أخاك ظالما أو مظلوما " التي عودننا بها، فإني أستغرب الصمت المريب لرئيس المجلس وهو أحد مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بما يعنيه ذلك من إرث نضالي للرابطة من أجل تكريس حقوق الإنسان في كونيتها أي بعيدا عن تعلات الخصوصية الثقافية والدينية وفي وحدتها أي لكل إنسان دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين... أستغرب موقف بن جعفر من هذه التراجعات الخطيرة وأسأله حينئذ لكي تكون على هذا التهاون بحقوق نصف المجتمع التونسي وتطلعاته بأي مطرقة ضُرِبت يداك ؟ وأسأله أيضا من أجل ماذا تدخل صاغرا بيت الطاعة؟ هل برئاسة مكذوبة ومنكوبة وعدت؟ وإن كان ذاك هو ثمن ما للتونسيات والتونسيين من حقوق عليك فانظر فيما فعلته الأيادي العابثة برئيسنا الحالي لكي تُدرك بَخْسَ ما وُعدت به فهُنْتَ من أجله.