بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/03/22

قيس رستم في أول معرض شخصي بعد الثورة: الخط ده خطي

موسيقى الألوان والأشكال، هي الصفة التي يمكن إطلاقها على معرض قيس رستم "ببراءة" تكوينها وتشكيلها، وبما وقعه من سيمفونية متجانسة ومتناغمة في الحركات والوضعيات والتبدلات التي قد تبدو للعين المجرّدة نمطية، هجينة حينا، محبّبة حينا آخر، في حين أنّها تغور بعيدا في مداراتها التي تناسلت منها تلك اللوحات المنتصبة هناك بفضاء ألف ورقة، مدارات مشحونة بزخم ثوري جمالي... ومدججة بألوان المسرح والرقص والإيقاعات الموسيقية.
بعد أن شاهدها كل من الفاضل الجعايبي وجليلة بكار وهشام رستم ولطفي الحافي في مرسمه، أخرج الرسام التونسي والسينوغرافي والموسيقي قيس رستم 17 لوحة زيتية للعموم مفتتحا بها أول معرض شخصي له بعد الثورة التونسية يوم 17 مارس الجاري بمكتبة وفضاء الفنون "ألف ورقة" بالمرسى بالضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية. لوحات قيس رستم، امتد زمن انجازها من شهر فيفري 2011 إلى موفى شهر جوان من نفس السنة، وعن ظروف انجاز هذا المعرض يقول قيس رستم " تركت الناس في شارع الحبيب بورقيبة ينهون مشوارهم الثوري وأغلقت باب مرسمي لأنجز ثورتي الشخصية بين الخطوط والألوان...". أسرار تأسيسيّة وشيفرات أوليّة "فكها" قيس رستم بمفرده داخل مرسمه، فوق المساحات البيضاء التي بسطها أمامه ليقدّمها لنا نوتات موسيقية لتشكيل جسدي يرقُص على إيقاع ريشته وفكرته كما تأججت بداخله... فبين الامتلاء والفراغ تعبُرُ الخطوط والأشكال، الدائرية والمربعة، المستقيمة والمتعرجة... تعبر ملفوفة داخل ألياف القماش المُبقّع بالألوان والتّعرجات... تعبر واحدة واحدة، تارة نحو السواد الفاقع وأخرى نحو البياض الهيوليّ، وثالثة نحو باقي الألوان... تاركة أثرها هي وحدها ولا شيء سواها... ترتخي لتنتصبَ وتتمدّدُ لتنحسر... تنتعشُ لتنتكسَ... تنمو وتتشكّلُ وفقا لقانون الأصابع التي تحرك الريشة... أجساد يبعثر قيس رستم أطرافها وتفاصيلها فتنتصب كبيرة في هذه اللوحة حد الاستيلاء على كل مساحتها، أو صغيرة في تلك اللوحة حتى لا تراها العين... ملتحفة بالألوان في وضعيات منفردة أو محتشدة، وكأنها تعبر عن حالات وحركات مخصوصة، وكأن قيس رستم يذكرنا بأن أجسادنا هي بمثابة الإيقاع من الموسيقى... أو هي بمثابة الألوان من اللّوحة... متماهية فينا مثلما هي الإيقاعات كينونة الموسيقى وهويّتها، ومثلما هي الألوان حديث اللّوحة وبوحها... هل هناك فعلا جسدُ مُتخيّل أو محلوم به خارج جسدي أنا ؟ أم أن هناك جسد يتناسل من جسد آخر ولا يفصل بينهما إلاّ رعشتي في العالم سواء كانت باللّغة أو بالموسيقى أو بالصورة أو بالنّحت أو بالرّسم...؟ سؤال يستفز المتجول داخل فضاء "ألف ورقة" وهو يتنقل من لوحة إلى أخرى حيث الأجساد مُنبثقة من طينة لونيّة ومن ريشة مارقة وفالتة، هي ريشة قيس رستم، المدجج بالموسيقى والرقص، وهو الملحن وعازف الإيقاع وكذلك السينوغرافي المحنك ولعل مسرحيتا "خمسون" و"يحي يعيش" تشهدان على قدرة قيس رستم في التصميم المتكامل والفني للعناصر المشهدية. يقول قيس رستم "المسرح والموسيقى كان لهما انعكاس كبير على ألوان لوحاتي، خاصة من ناحية التحكم في الفضاء ومجاراة نسق الريشة وكذلك الإيقاع الحي في كل رسم" وهذا الانعكاس يلمسه زائر المعرض من خلال الوضعيات المختلفة للأجساد المتعدّدة في وحدتها، إذ أنها توزّعت في الألوان بين الملائكيّة والشيطانيّة... بين الآدمية والجنيّة... بين الإنسية والحيوانية... وضعيات تتجسّد في تلك التناقضات ولا تخضع لنواميسها الطبيعية والتشكيلية، بقدر ما تنفلتُ من قبضتها الهندسيّة نحو مرافئ بعيدة وعميقة، أبعدُ وأعمقُ من التعبيريّة الباهتة الشاحبة، لكأنّها منظومة حسيّة مُبتكرة تُعبّر عن شكل إقامة قيس رستم في آنه ومكانه وطبعا وفقا لجسده هو دون شريك أو رقيب، ما عدا اللغة، تلك التي تطوق لوحاته بحروفها التي تنتصب هنا كبيرة وهناك صغيرة... حروف لاتينية تتشكل منفردة في هذه اللوحة ومجتمعة في كلمات في لوحة أخرى... تفتح لوحات قيس رستم الباب واسعا للتأويل وقراءة الرسائل المشفرة التي أراد الرسام إرسالها للمتقبل غير أن الرسام ذاته يقول بكل وثوق "لا رسالة لي من هذا المعرض ولا الذي قبله." ولكن اللوحات المعروضة تكتنز بالرسائل الجمالية والسياسية، فجماليا يكسر الرسام كل القيود الممكنة على الأشكال المنتظمة والمستقيمة في الذهن ويقدمها في تعرجاتها المستحيلة وكأنها ترفض الانصياع لضوابط الهندسة والقياسات وحدود الفضاء، حتى أن بعض اللوحات التي توهم بارتفاع القضبان في إحالة على السجن تكسر تلك الضوابط الصارمة للقضبان، وهو ما ينعكس إيجابا على البعد "السياسي" لهذه اللوحات لأنها لا تعبر فقط عن الحالة الثورية التي تعيشها تونس بل هي تحرض، ربما في لا وعي قيس رستم، تحرض على المضي قدما في الثورة وفي السياق الثوري المؤسس لإقامة أجمل في العالم... وهذه الثورية الكامنة في لوحات قيس رستم تتأتى من "تيمة" الالتزام التي يعيشها الرسام، إذ يقول "الرسم التزام يومي مثله مثل الموسيقى والمسرح، غير أن الرسم يفرض علي التزاما مضاعفا لاني اعبر من خلاله عن الموسيقى والمسرح معا...".

2012/03/21

مسرحية "نجمة وهلال" الشعر والسياسة على خشبة المسرح

ستون عاما مرت على تاريخ 52، تاريخ السيناريو المسرحي، غير أن الأسماء التي تذكر في المسرحية تجد صدا لنضالاتها وكتاباتها في الراهن التونسي اليوم فرحات حشاد، الحبيب بورقيبة، الطاهر الحداد، محمد علي الحامي، بلقاسم القناوي، أبو القاسم الشابي، لزهر الشرايطي، الساسي الأسود... أسماء تذكر في المسرحية وتعبر فضاء المنطوق والمسموع لترحل بمشاهديها نحو أزمنة مفصلية من تاريخ تونس وحياة أفرادها... سحر الرياحي وهاجر سعيد والمنجي الورفلي وعبد السلام الجمل ولزهر الفرحاني ومحمد العوادي وأحمد بلطيف وعبد السلام البوزيدي ونور الدين الهمّامي وعبد الفتاح الكامل، عشرة مسرحيين (8 رجال وامرأتان) يتناوبون على ركح المسرح بقاعة المونديال (تونس العاصمة) وسط ديكور فقير، تطوقهم اضمامة من أغاني تراث المناجم في الشمال الغربي ويجمعهم خيط ناظم لكل حكاياتهم الشخصية والجماعية هاجسهم التوحد أمام بطش المستعمر الفرنسي، والتحرر من عبودية الاستغلال. تزور صحفية فرنسية من أصل تونسي (زينة) قرية جبلية في الوسط في ربيع 1952 بحثا عن شاعر (هلال) قرأت له أشعاره، وانقطعت أخباره وكتاباته منذ سنين. تحاول إجراء تحقيق صحفي عن الشاعر وعائلته وعن مؤلفاته، ولكنها تفاجئ بإختفاءه وإنكار القرية لوجوده فيها. في الأثناء تتزايد المواجهة بين المقاومين التونسيين والمستعمر الفرنسي ويسعى "العمدة" إلى طرد الصحفية بعد أن اكتشفت تورّطه مع المستعمر الفرنسي في عمليات وشاية بالمناضلين، ومع تزايد الصراع تتوصّل الصحفية إلى اكتشاف حقيقة مقتل الشاعر من طرف المستعمر بتواطؤ من العمدة. أحداث تم بناؤها مسرحيا انطلاقا من قراءة المخرج سامي النصري للرواية الشعرية "أمس منذ ألف عام" للشاعر عادل المعيزي التي يتحدث فيها عن تجربة شاعر مع القبلية التي ينتمي إليها والتي تنكره لأنه يأتي على المسكوت عنه ويتكلم ويجاهر بما لا يجرؤ عليه أهل القبيلة. يبدو النص في ظاهره بسيطا، مثله مثل الإخراج الذي أراده سامي النصري بسيطا دون مؤثرات تقنية معقدة، حيث تنفتح أولى مشاهد المسرحية بآهات جنائزية ومواويل مغرقة في البدوية يؤديها أول ممثل يتقدم رويدا إلى منتصف الركح الذي اقتصر ديكوره على نافذتين ضخمتين يرتفع أمامهما ستار احمر. يتوقف المغني عن ترديد الآهات ليقدم للجمهور تأطيرا زمنيا (1952) ومكانيا (تونس عموما ومدينة القلعة الجرداء بالشمال الغربي تحديدا) غير أن لغة النص تأتي في جبة الشعر القائم أساسا على السجع والإيقاع الموسيقي، ثم ينفتح الركح لعدد آخر من الممثلين يؤدون دور عمال المناجم، بأزيائهم المعروفة ذات اللون الأزرق الداكن، يتحركون فوق الخشبة بشكل متناغم بين نواح وغناء جنائزي وشعارات سياسية من قبيل (عرقك يا خدام) (اطلب حقك يا خدام) (اتحاد اتحاد) ليكتشف الجمهور أن سبب حالتهم تلك هو موت عامل معهم برصاص المستعمر. المقاومين، الحرّاس، الجندرمة... إلى جانب النصّ الحواري متداخلا مع التكثيف المشهدي الكوريغرافي والاعتماد على الحركات القوية والسريعة هو من عناصر المسرحية وهو ما جعل العرض يشبه حالة استنفار لا يقطعها إلاّ تأثيثات الصمت أو ثبات الحركة الغنائية أو الموسيقية، وخلق إيقاع مشهدي تمثيلي حركي وسريع. ورغم أن دخول الصحفية فوق الخشبة واستئثارها بالنصيب الأوفر من الحوار فان التوجه "الملحمي" الذي يربط في مستوى الأداء بين القصّ أو سرد الأقوال، وبين التمثيل أي سرد الأحوال والوضعيات عن طريق الفعل الذي يقدّم الأحداث، لم يخفت، خاصة أن النص يقدم معطيات تاريخية من وقائع وأسماء من التاريخ التونسي. ينقسم النص في مسرحية نجمة وهلال (120 دقيقة) إلى مستويين، أوّل درامي حاول رصد العلاقات بين الشخصيات ومن خلالها مجموع الأحداث التي تتعلّق بها وكشف حيثياتها، أي الجانب الاجتماعي في سلوكها وفي تعالقها. ومستوى ثان تعلّق بالسرد أو القصّ الذي يقدّمه راو أو قاصّ قد يكون حينا الشخصية أو الممثّل ذاته رصد الوقائع المتعلّقة بالمكان والزمان، وكشف أبعاد الجغرافيا والتاريخ المتضمنيين للخرافة والمتعالقين معها، مثل رصد أسلوب الحياة وعلاقة الشخصيات بنمطها، والظروف التاريخية التي حفت وساهمت في ظهور الصراعات. الشعر التقى مع الغناء ضمن هذه المسرحية ليكونا روح العرض حيث تم الاعتماد على مقاطع شعرية في سياقين متكاملين، أول حديث من ديوان الشاعر عادل المعيزي، و ثان من الشعر الشعبي وخاصة التراثي منه، والمتعلّق بالشعر الذي قيل أو ألّف خاصة حول رجال الكفاح المسلّح في تونس مما خلق وحدة هامة للمسرحية بين المستوى التاريخي والمستوى الدرامي وجعل الفرجة مفتوحة على محايثة المعنى والأحداث، وفي نفس الوقت إعطاء تصوّر حيوي وصادق عما يحدث. هو ذا عرض"هلال ونجمة" حاول أن يفتح ملف السلطة السياسية وحدودها وتشعب مكوناتها في فترة من تاريخ تونس قد لا تختلف اليوم في طبيعة الصراع الدائر رغم اختلاف من يؤدي ادوار طرفي الصراع. وهذا السياق السياسي ليس غريبا عن المخرج المسرحي سامي النصري الذي اقترن اسمه بالفاضل الجعايبي خاصة بعد مشاركته في مسرحية خمسون التي مثلت محطة فارقة في تاريخ المسرح التونسي المعاصر، بطرحها للمسكوت عنه سياسيا في تونس وبما أتت به من تجديد على مستوى الإخراج والكتابة المسرحية، وأيضا بما أثارته آنذاك من إحراج حقيقي لنظام بن علي الذي حاصرها ومنع أولى عروضها، وهو تقريبا ما حصل لمسرحية سامي النصري التي أنجزت منذ 2010، غير أن ممثليها لم يصعدوا على أي ركح إلا بعد أن سقط نظام بن علي الذي لم تمنح وزارة الثقافة في عهده دعما لهذا العمل باعتباره يقدم نصا ثائرا ويحيل على التمرد والرفض بشكل مباشر لا مواربة فيه، أو هو نص ينتمي إلى ما يصفه سامي النصري بالمسرح السياسي القريب من المواطن والذي لا يكون بعيدا عن فهمهم وتصوراتهم وأفكارهم.

2012/03/12

هل يدخل الطاهر الحداد المجلس التأسيسي متأبطا كتابه:امرأتنا في الشريعة والمجتمع؟

تعيش تونس، منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، صراعا معلنا بين قوى سياسية تريد "أسلمة" المجتمع وقوى مدنية تريد المضي قدما في مسيرة الحداثة والعلمانية، ويحتدم الصراع الآن مع كتابة دستور الشعب الذي افتتح "الربيع العربي"، وخاصة حول مصادره، أهي الشريعة الإسلامية أم حقوق الإنسان الكونية، أم ارثنا الثقافي والسياسي الذي منه كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للطاهر الحداد، الذي كان مصدرا في كتابة مدونة الأحوال الشخصية. تنشيط الذاكرة التونسية في سياق الصراع المعلن بين قوى سياسية تريد "أسلمة" المجتمع التونسي وبين من يريد المضي قدما في مسيرة الحداثة والعلمانية، وفي خضم الحراك السياسي منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي من أجل كتابة دستور مدني يليق بالثورة التي افتتحت "الربيع العربي"، والجدل القائم اليوم بين أعضاء المجلس حول مصادر الدستور الجديد، أهي الشريعة الإسلامية أم حقوق الإنسان الكونية، أم ارثنا الثقافي والسياسي الذي منه كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للطاهر الحداد، الذي كان مصدرا في كتابة مدونة الأحوال الشخصية، في هذا الإطار يعيد المثقف التونسي وصاحب دار صامد للنشر والمناضل الحقوقي ناجي مرزوق، يعيد إصدار كتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" في نسخة أنيقة، مساهمة منه في تنشيط ذاكرة القارئ التونسي اليوم وهو يخوض معركة تحقيق أهداف الثورة التي من أبرزها المحافظة على حقوق المرأة التونسية وتعزيزها، وهي التي باتت مهددة (في القرن الواحد والعشرين) لا من الساسة الرجال بل حتى من بنات جلدتها ممن بتن ينظرن لتعدد الزوجات والزواج العرفي وختان البنات وارتداء النقاب... وكأن المرأة التونسية، وبعد أن كانت في الصفوف الأمامية إبان الإطاحة بدكتاتورية النظام السابق، تجد نفسها محاصرة بمقولة "الحداد على النساء مناصرات الحداد" رغم أن من يرفع هذا الشعار الغوغائي لا يعرف أن الطاهر الحداد كتب في مؤلفه أن: "الإسلام ليس هو المسؤول عن المصير البائس الذي انتهت إليه المرأة في المجتمع." المحافظون القدم الجدد وصفه طه حسين فقال عنه "لقد سبق هذا الفتى عصره بقرنين". هو الذي ألف كتاب "العمال التونسيون والحركة النقابية" سنة 1927، غير أن المُصلح التونسي الطاهر الحداد اشتهر بكتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الصادر سنة 1930 والذي بسببه جردته الزيتونة من شهادته العلمية واتهمته بالكفر والإلحاد والزندقة وطالبت بمنعه من حق الزواج وطردته من عمله، وأصدرت كتابين ردا على كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، هما كتاب "الحداد على امرأة الحداد" وكتاب " سيف الحق على من لا يرى الحق"... مات الطاهر الحداد وعمره لم يتجاوز 36 سنة، بعد أن حاصرته جيوب الردة والأصولية والرجعية في زمانه، (مثل السلفيون اليوم وحركة النهضة) وهو الذي كان طلائعيا ورائدا من رواد عصر النهضة مثل قاسم أمين وعلي عبد الرازق وأبو القاسم الشابي وطه حسين... وكان كتابه لبنة في مشروع النهضة العربية التي انطلقت من سؤال "لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن المسلمون؟". الحداثة التونسية الأولى لئن ضيقت الزيتونة الخناق على الطاهر الحداد فإن حركة الإصلاح والحداثة في تونس لم تتجاوزه، بل استندت إلى مواقفه وأفكاره بخصوص المرأة عند تدوين مجلة الأحوال الشخصية (1956)، المجلة الرائدة في حقوق المرأة في تونس، تلك التي جمعت فصولها بين الاجتهاد الفقهي وفكر الحداثة إلى جانب الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة، هذه المجلة التي كان من بين مصادرها كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للطاهر الحداد، تلاقي اليوم نوعا من الهجوم العنيف المغلف بخطاب يبدو ظاهريا يحترم أهم ركيزة من ركائز تونس الحديثة. الكتاب في نسخته الجديدة عن دار صامد للنشر والتوزيع، قدمت له الدكتورة آمنة الرميلي الوسلاتي التي تدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، ويحتوي إلى جانب المقدمة، مقدمة الطاهر الحداد والقسم التشريعي (المرأة في الإسلام، الزواج، الطلاق، الزنى) والقسم الاجتماعي (السلطان العائلي، البؤس الاجتماعي، التطور الحديث، التعليم الرسمي) وخاتمة الكتاب، وهو كما تقول الدكتورة آمنة: "يحق لهذا الكتاب أن يوجد بين أيدي القراء دائما وأن يحيّن نشره والتعليق عليه بين جيل وآخر..."، لأن هذا المنجز يمثل علامة من علامات الصراع الذي دار ومازال بين قوى المحافظة والتقليد من جهة وقوى التحرر والحداثة من جهة ثانية، ولأنه يطرح بين طياته محاولة بناء علاقة جديدة بين التونسي ودينه على أسس العقلانية. كأن الحداد بيننا الآن وهنا ومن الأفكار البارزة التي طرحها الحداد ضمن هذا الكتاب، والتي تلقى صدى اليوم، موقفه من مسألة الحجاب، إذ يقول في كتابه:"ما أشبه ما تضع من النقاب على وجهها منعا للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين." وكان من جملة ما دعا إليه الحداد في كتابه تحرر المرأة من القيود التي تكبلها داخل مجتمعها، وطالب بالطلاق المدني وأن لا يكون من حق الرجل فقط وإنما يعود ذلك إلى القضاء، كما عبر الطاهر الحداد عن رفضه المطلق لتعدد الزوجات معتبرا هذه الظاهرة سنّة سيئة موروثة من أيام الجاهلية، ودعا إلى أن تمارس المرأة الرياضة وأن تقبل عليها مجاراة لأختها الأوروبية، ومن بين ما دعا إليه في كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" إقرار المساواة بين الجنسين في التمتع بحق التعليم المجاني والإجباري. كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع، كان استشرافيا بخصوص العلمانية ومدنية الدولة، فرغم أن مصطلح العلمانية لم يكن مطروحا في زمانه، إلا أن الطاهر الحداد اقترب من مفاهيمه وآلياته ومقاصده من خلال دعوته لرفع يد المحاكم الشرعية عن الطلاق وأحكامه التي تنظم وضعية المرأة المطلقة آنذاك، ودعا إلى الحد من تدخل المؤسسة الدينية في حياة الناس وبالذات في شؤون المرأة. الطاهر الحداد نادى في كتابه إلى رد الاعتبار للاجتهاد ومعاودة فتح أبوابه والعودة مباشرة إلى التعامل مع النص القرآني، وهي الرؤية التي يواصلها اليوم الكثير من المفكرين والمهتمين بالفكر الديني في تونس مثل محمد الطالبي وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي وألفة يوسف ورجاء بن سلامة وغيرهم. "يصيح" الطاهر الحداد في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" في وجه التونسيات والتونسيين كاتبا: "إيه أيها التونسيون، ما أكبر فضيحتنا بين أمم العالم التي تسعى للحياة والعزة من طريقهما الموصل! فنحن مازلنا حتى الساعة معجبين بما ترك لنا تاريخنا الأسود من عقائد وميول ننسبها للإسلام زورا لنتقي بذلك صدمة الحق الغلاب". لئن رحل عنا الطاهر الحداد، فإن فكره مازال حيا بيننا، سندا للمرأة التونسية والعربية، مثلما كانت قصائد أبو القاسم الشابي سندا لشباب الثورة ولكل التونسيات والتونسيين الذين أسقطوا ديكتاتورية بن علي، والأكيد أنهم لن يتأخروا عن إسقاط أية ديكتاتورية جديدة قد تقفز من الخلف، خاصة وأن فكر الحداد يقدم خطوط المشروع الحداثي التونسي الكبرى ويرفع من الشعارات ما يمثل قاسما مشتركا بين مختلف العصور مثل الحرية والمساواة والقانون المدني والعدالة الاجتماعية... وهي القيم التي قامت من أجلها الثورة التونسية...

2012/03/10

مقال تحت الطلب

لأنه كان في البدء إعلاميا يساريا متطرفا، ثم صار إعلاميا يعاوده الحنين إلى اللون البنفسجي، ثم صار إعلاميا كافرا فخائنا لوطنه، سجى القلم في درج مكتبه بالبيت وخرج إلى الشارع الطويل ليكتب مقالا تحت الطلب يستجيب لإعلام الثورة، إعلام الأغلبية التي كانت في الصفوف الأمامية للثورة إبان اندلاعها. لقد أراد أن يكتب مقالات تحت الطلب مساهمة منه في تحقيق أهداف الثورة... وينأى عن ذاك الإعلام الذي لا يفعل سوى تشويه المسيرة المظفرة للحكومة المؤقتة... ذاك الإعلام الأعور الذي لم ير أهداف الثورة تتحقق مثلما حلم به كل تونسي وكل تونسية، وهي أهداف تعزز انتقالنا الديمقراطي السلمي، وتجعل من تونس بلدا رائدا في الثورات السلمية الحديثة مثلما كانت رائدة في المدنية... فكان أول مقال له فرصة للتذكير بأهم أهداف الثورة المتحققة مع الحكومة المؤقتة: من أهداف ثورتنا أن يصير كل مواطن قادر على قراءة أخبار البلد في الصحف والجرائد بعد "الفجر" حتى لا يعكر صفونا "المغرب"... ومن أهداف الثورة أن نوقف الفيضانات العارمة بالشمال الغربي بواسطة جدار سميك من عُلب الحليب والعجين. ومن أهدافها أن نختن فلذات أكبادنا حتى نؤدي دينا لنا في عنق كل تونسي للشيخ عبد العزيز ابن الباز، كدنا ننساه لولا مقال شيخنا الراشد. من أهداف الثورة التونسية أن نترك عصابة فرت بثروة البلد ونستبدلها بطائرة تأتي من حيث تنعم ذات العصابة، محملة بالأغطية الصوفية. من أهداف الثورة أن نعرف أن في تونس مدينة اسمها مكثر لم تضرب بجذورها في التاريخ الحديث ومقاومة المستعمر في الجبال، بل بزغت فجأة من برنس منصفنا. ومن أهم أهداف الثورة التونسية أن نطيع "منقذنا" الجديد ونتماهى مع بعضنا البعض مثل "دجاج الحاكم". من أهداف الثورة أن نهدي سحب سماء تونس وغيومها المدرارة لتمطر في قطر أو في السعودية. من أهداف الثورة التي أن نخيط كفنا للشعب السوري في فندق من فئة تسعة وتسعين نجمة ونرفع تابوتا مغطى بالعلم الأمريكي لجثة شقيق عربي. من أهداف الثورة أن نمنح أبناءنا رصاصا حيا بدلا من الدمى الصينية ليلعبوا مع جيرانهم على حدودنا الغربية والشرقية... وقريبا في أحياء العاصمة... من أهداف الثورة أن نضيف عيدا لترسانة أعيادنا، نحتفل فيه مرة في السنة بشراء البصل لطبخه ويكون فرصة للعائلات للتزاور وتبادل رؤوس البصل... من أهداف ثورتنا أن نستبدل المركز الوطني للأرشيف بحديقة غنًاء أسوة بمن استبدل سجن 9 أفريل بشجيرات دفلى، حتى لا نرهق مسيرتنا الجديدة بتلك الأسماء المتبجحة... من أهداف ثورتنا أن يصير كل مواطن قادر على قراءة أخبار البلد في الصحف والجرائد بعد "الفجر" حتى لا يعكر صفونا "المغرب"...

2012/03/03

"بؤس الثورة" للطاهر أمين: البلاغة الثورية الرخيصة

في 112 صفحة من الحجم المتوسط كثف الكاتب التونسي والباحث في علوم الإسلاميات الطاهر أمين ضمن منجزه الممهور ببؤس الثورة، كثف ما يعتمل برأس المثقف التونسي والعربي على حد السواء ما حفرته الثورات العربية في ذاكرته ومما قد تفتحه من سياقات وجودية في هذه المنطقة الجغرافية التي باتت تشبه مرجلا لا يتوقف عن الغليان. كتاب "بؤس الثورة" الصادر منذ أيام عن مطبعة فنون الطباعة بتونس، لا يمكن تصنيفه ضمن الكتابات التأريخية للثورة التونسية أو الثورات القائمة الآن في بعض الدول العربية، وهو لا يخضع إلى جنس أدبي محدد، بقدر ما ينزع إلى الانفتاح عن الكتابة الحبرية الممشوقة برؤية ثاقبة تنهل من المعين الفلسفي والتاريخي لمفهوم الثورة وتأرجحها بين السيرورة والصيرورة. المنجز الجديد للطاهر أمين يمكن تصنيفه فيما يطلق عليه أمبرتو ايكو الأثر المفتوح، فكرة وكتابة، حيث اشتغل فيه كاتبه اقتناص اللحظات الفارقة في المسار الثوري وتكثيفها كتابيا ليخرجها عل شكل شذرات تفيض بالدلالات والعبر التي يمكن أن يقف عليها القارئ، وقد أبان الكاتب عن قدرة فائقة في استدراج القارئ إلى مدارات السخرية والتشكيك في هذه الثورة التي "يعيشها العربي بتفاؤل أسطوري غير مسبوق." ويبدو هذا الكتاب للوهلة الأولى وكأنه تداعيات حرة لكاتب مأزوم "لم ينتفع" من "خيرات الثورة"، غير أن قراءة متأنية للمتن ستكشف لنا أن "الثورة ليست إلا الإطار الأنسب لتعميق المعرفة بالذات" مثلما ينبهنا لذلك الكاتب، وهو المنطق الذي يطمح من خلاله الطاهر أمين أن يكون منجزه محاولة جادة للنظر في مرايا الثورة المتعددة،وربما لذلك تعددت المراجع الفلسفية والمعرفية التي اعتمدها الكاتب مثل ملحمة التكوين السومرية البابلية وحشد هائل من الفلاسفة والمفكرين على غرار ميشال سيوران وغوستاف فلوبير وأديب ديمتري وكارل ماركس وهيجل وأنجلز والروائية جورج صاند وسان سيمون وعبد الرحمان الكواكبي وشليغل وجورج جاك دانتون وجان كوندرسيه وماكس فيبير ومكيافيللي وروبيسبيار ونيتشه وميشال فوكو وانطونيو غرامشي... وحالة البؤس التي يلحقها الكاتب بالثورة (وهي في وجه من وجوهها بؤس الدولة العربية) مأتاها أن ربيع الثورات العربية ليس إلا وجها من وجوه الأزمة العميقة التي تعاني منها الديمقراطية في العالم، فمأزق غياب الديمقراطية في العالم هو الذي "يشرع" للغرب تدخله في الشأن السياسي العربي اليوم، ولذلك يصف الكاتب ما يحدث الآن وهنا بأنه "فتوحات يفتخر بها الغرب"، غير أن السؤال الجوهري الذي ينبثق من هذه المعادلة المختلة هو من سيحمل عن العرب ارث الاستبداد الشرقي الذي شكل "إضافتهم" الحضارية؟ بعد أن أخرج الغرب "الإنسان الطيب" من "مارستان الأفكار الحديثة" وفق نظرية نيتشه. الطاهر أمين يطرح ترسانة ضخمة من الأسئلة ذات الصلة بطبيعة هذا الربيع الثوري معتبرا أن ما نعيشه الآن ليس إلا حروبا أهلية بغطاء ثوري، ويبحث عن قرينة عقلانية عن أن ربيع الثورات العربية هو نتاج "الصحوة الإسلامية" منبها في ذات الوقت إلى أن الخاسر الأكبر هو التسامح في ظل تعاظم دور الدين مستقبلا واستحواذ "العربي الفصيح" عن الروح الثورية المفتقدة، التي تجتهد الليبرالية في تأبيد حالة الفقد والتضليل، وهو لذلك يحرضنا على التحرر من أكاذيب الليبرالية والإفلات من اقتصاد السوق وسلعنة الإنسان لئلا نقع في "تثوين" ربيع الثورات العربية وتحويل الثورة إلى صنم يباع في السوق الاستهلاكية، وهي التي صارت مفتوحة إلى ما لا نهاية بفضل انفجار تقنيات التواصل والاتصال. الثورة الفرنسية مثلت في الكتاب "بؤرة" قارة يعود إليها الكاتب كلما أراد الإمعان في السخرية من الثورات العربية، خاصة فيما تعلق بتلك التسمية التي أطلقها شيوخ النظام السابق "ثورة الشباب"... وبغياب المشروع الثقافي المتكامل عن "ربيع الثورات العربية". يُكثف الطاهر أمين في هذا المنجز يأسه وتشاؤمه المفرط مما يحدث في هذه الصحراء القاحلة في صورة كاريكاتورية شبه فيها "ربيع الثورات العربية" بشريط هوليودي: السيناريو مكتوب بإحكام، ولكن المونتاج الرديء الذي قام به عربي مهاجر، لا يسمح بالتوصل إلى أفكار جديدة، خاصة وأن المتطفلين والغوغائيين يتناسلون بفضل ما يسميه الكاتب "صحافة الدجل الثوري" المحرضة على وجود أكثر من كلب حراسة من أجل الإيهام بأنها في خدمة الثورة، وهي، أي صحافة الدجل الثوري، لم تخرج من مستنقع البحث في فضائح الانحطاط الأخلاقي لأنظمة الحكم السابقة التي كانت يحرص على تجميل قبحها. في خاتمة كتابه، لا يجد الطاهر أمين، بدا من تسريب بارقة أمل بعد أن يغرق قارئه في "طوفان تشاؤمي" ويحيلنا على سؤال جوهري على لسان أدونيس الذي كتب في مؤلفه "الثابت والمتحول" ليس الجوهري أن نصنع الثورة، بل الجوهري كيف نعيشها ونستخدمها، وفي أفق هذه الجوهرية يتحرك شيء من القلق والخوف: كيف نُبقي الثورة لخدمة الإنسان، لتفجير طاقاته، لتهيئة الإمكانات القصوى لتفتحه وتحرره؟.

بيتنا من الزجاج

عندما انتفضت الفئات المفقرة والمهمشة في المناطق المنسية وجدوا دور الاتحاد مفتوحة لهم، تحميهم من آلة البوليس وتشحنهم بالأغاني والأناشيد، وتمنحهم ما تيسر من حليب وماء وخبز... عندما ارتبك النظام السابق وحاول أن "يُقحم" الاتحاد في كرة النار التي أشعلها في البلاد، كان موقف النقابيين واضحا لا لبس فيه: ارحل أنت وعصابتك... فما عاد لك مكان بيننا... وعندما اخرج ذات النظام جوقته لحياكة مسرحية بائسة ليلة رقصته الأخيرة كانت دور الاتحاد تتأهب للإضراب العام الذي حول دماء الشهداء حبلا طويلا يلف رقبة رؤوس الفساد ليفروا فرادى وجماعات إلى وجهات متفرقة... دخلنا في انفلات امني، وتناسل المجرمون من السجون ومن الشوارع الخلفية لينهبوا ويحرقوا ويجعلوا الرعب خبزنا اليومي، فكانت دور الاتحاد فضاء للجان حماية الثورة وتجند أبناء الحامي وحشاد لدفع الخوف بعيدا عنا وتأجيج الأمل في الصغير قبل الكبير... قفزت الحكومة الأولى من جبة النظام الفاسد فوقف الاتحاد على الضفة الأخرى وقال أن لا مكان لمن تورط في قتل الأبرياء وتأبيد الظلم والاستبداد، ولم يقف الاتحاد صامتا أمام هذه الحكومة بل أشعل جذوة النضال لإسقاطها وإنهاء حلقة جديدة من المنظومة السابقة... جاءت حكومة الباجي قائد السبسي، بقرار فردي من فؤاد المبزع، ولم تكن هيبة الدولة إلا الحمار القصير الذي سيواصل مسيرة قطع الأفق الثوري الذي حلم به الشعب، فكانت مرة أخرى دور الاتحاد أرضا خصبة لمواصلة المد الثوري فكان الإعلان عن انتخاب المجلس التأسيسي وحل الحزب الحاكم سابقا وحل البرلمان ومجلس المستشرين... وكان أيضا للاتحاد الدور الايجابي في إمضاء اتفاقيات قطاعية هامة لفائدة العمال والموظفين... دخلت الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة في سباق الانتخابات وتأججت حمى الوعود الطوباوية، فقرر الاتحاد أن يكون بمنأى عن هذا السباق، لإيمانه العميق بان دوره الحقيقي في هذه البلاد هو البعد الاجتماعي والاقتصادي، ولم يتأخر في ذات الوقت عن دعم كل نفس ديمقراطي... لإيمانه بان العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا في مناخ ديمقراطي مبني على الحوار لا على الإقصاء والاستحواذ بالرأي... انتصرت الأحزاب التي استباحت كل الوسائل، لتنقض على عنق البلد وتشرع في نسف ارث حضاري ومدني باسم الأغلبية، فاحترم الاتحاد هذا "الوهم" وواصل نضاله الميداني إلى جانب العمال والمهمشين والمحرومين، ديدنه في ذلك مبادئ رواده ومؤسسيه وما أتاحته الثورة من إمكانات جديدة لمراكمة المكاسب الاجتماعية والمادية لمنظوريه... ساهم بدستور اجمع الخبراء والجامعيون على عمقه وجدته وطرح مشروع مجتمعي مبني على العدالة الاجتماعية والتقسيم العادل لثروات البلد والفصل بين السلطات... واحترام الحريات الفردية والعامة... هكذا ظل الاتحاد العام التونسي للشغل يتحرك في بيت من الزجاج الناصع، لم يحترف لا المواربة ولا الإيهام، ولم يلق حجرا على أي طرف كان... غير أن الأوصياء الجدد على الشعب التونسي لم يتقنوا سوى إلقاء الحجر تماما مثلما يلقي الفاشلون أخطائهم على الغير... لن أقول بأن من يسعى لتهشيم زجاج بيت النقابيين ستدمى أقدامه، ولكن أقول بأن هذا البلد لا يحتاج إلا إلى بيوت من زجاج...